فرنسا والإسلام
منذ أيام ألقى وزير الخارجية الفرنسية دومينيك دوفيلبان خطابا أمام مجلس الشيوخ بعنوان (التعدد فى صورة الإسلام والغرب بين الماضى والحاضر) ويعتبر هذا الخطاب من أهم المواقف الفكرية والسياسية فى الغرب تجاه الإسلام خاصة بعد الحملة على الإسلام فى الولايات المتحدة وأصدقائها فى أوروبا.
.. ولأن فرنسا وطن التسامح الفكرى والثقافى، وفيها خمسة ملايين مسلم، فهى الأقرب إلى التعامل مع الإٍسلام بفهم، وبروح التسامح برغم أن فيها هى الأخرى تيارات معادية للإسلام، إلا أن هذا العداء لا يمثل التيار الغالب، وهو الذى كان وزير الخارجية يعبّر عنه بصورة أظهرت الوعى بحقيقة العلاقة بين الإسلام والغرب وهل هذه العلاقة قائمة على الصراع الحتمى، كما يروج البعض فى الولايات المتحدة وأوروبا، أو أن هناك العديد من الفرص للتعاون والحوار والتقارب. وإن كان الوزير الفرنسى قد اعترف صراحة بوجود مخاوف من المواجهة بين الحضارات، وبأن هناك أمورا كثيرة تفصل بين عالم الغرب وعالم الإسلام أهمها أن الغرب اليوم يتشكل من أنظمة ديمقراطية علمانية تفصل الدين عن السياسة، بينما فى العالم الإسلامى من يعتبر الدين والسياسة عقيدة واحدة.. وهناك كما هو معروف تاريخ من المواجهات بين العالمين من غزوات العرب لأوروبا، إلى غزوات أوروبا للعالم العربى فى الحروب الصليبية، ومن التوسع العثمانى وتهديده لأوروبا إلى الاستعمار الأوروبى للدول الإسلامية، وانتهاء بالمعارك والصراعات والحروب من أجل استقلال الشعوب الإسلامية والعربية، ومن معالم الطريق المحفوف بالتوتر أزمة السويس، والثورة الإيرانية.. وفوق ذلك فإن وجود الأماكن المقدسة للأديان الثلاثة فى المثلث بين فلسطين وإيران والسعودية يجعل المشاعر الدينية عنصرا من عناصر التوتر فى علاقات العرب بالعالم العربى والإسلامى.
هل يعنى ذلك أن الصدام حتمى بين العالمين الإسلامى والغربى؟
يجيب الوزير الفرنسى بأننا نعيش فى عالم ضل الطريق، وليس أمامنا سوى الهروب إلى الأمام على الطريق الذى يوصل كل منا إلى الآخر، ولابد من الاعتراف بأن كلا من الغرب والإسلام يعيش فى واقع مختلف عن الآخر، وفى داخله أيضا تنوع واختلافات.. فالعالم الغربى ليس كله كيانا واحدا متجانسا، وكذلك العالم الإسلامى ليس كله كيانا واحدا متجانسا، فالعالم الغربى قائم على التنوع، وفيه دول لم تصبح ديمقراطية إلا فى وقت متأخر مثل أسبانيا، والبرتغال، واليونان، وهى لم تحرر من الأنظمة الديكتاتورية إلا فى منتصف السبعينيات. وكذلك دول وسط أوروبا فقد كانت إلى وقت قريب جدا محكومة بنظم ديكتاتورية طاغية. كذلك نجد فى العالم الإسلامى التنوع والاختلاف داخله، تنوع الشعوب. واللغات.. والثقافات.. والبناء الاجتماعى.. والأحداث التاريخية.. وهناك أيضا تنوع فى التيارات الدينية. فالإسلام- كما يقول دوفيلبان شجرة لها فرعان رئيسيان: السُنّة والشيعة، ومن كل فرع مذاهب وفرق وجماعات.. وهذا يقتضى الكف عن النظر إلى الغرب على أنه كيان واحد، وإلى الإسلام على أنه كيان واحد وإن كان هناك بالطبع قاسم مشترك يجمع بين كل منهما على حدة، ويقارب بينهما أيضا، خاصة أن البعد الإسلامى فى أوروبا- كما يقرر- هو جزء لا يتجزأ منها، والمسلمون فى أوروبا يمثلون فرصة لإثراء الحياة الأوروبية وليس العكس. لقد أصبح للإسلام موقعه الكامل فى أوروبا وسيكون له موقع أكبر فى المستقبل..
هكذا توقف دوفيلبان عند هذه الحقيقة وبموقف فكرى متفتح توصل إلى ضرورة تفادى الرؤية السياسية الخاطئة للإٍسلام التى تظهر فى الغرب، فالأزمات والنزاعات القائمة الآن بين الغرب والعالم الإسلامى ليست حروبا دينية، وتنظيم القاعدة يمثل مجموعة أصولية إسلامية عقيدتها ليست سوى شكل منحرف عن الإسلام.. وأخيرا لقد انتهت الحرب الباردة، وانتهى الصراع على الأيديولوجية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعادت الأبعاد الروحية والثقافية فى مواجهة حدود الدول.. وواجبنا أن نمد جسور التفاهم والتعاون ونبحث عن المشتـــرك فيمـــا بين الغرب والإسلام.. ولا شك فى أن هذه الدعوة موجهة إلى العالم الإسلامى أيضا.
وأهم ما فى رؤية دوفيلبان هى النظر إلى الإسلام على أنه دين يرفض الإرهاب والعنف ويمد يده إلى البشر جميعا بالسلام.. وليت هذا الفهم يصل إلى قلاع التعصب فى الغرب.