يا عرب .. ساعدوا أنفسكم
إذا لم يكن هذا هو وقت المصارحة ومواجهة الحقيقة وبدون خداع للنفس.. فلن يكون هناك وقت للحقيقة فى العالم العربى أبدا.
والحقيقة أن العالم العربى يعيش الآن فى جو أزمة، وهزيمة.. أزمة اقتصادية.. وأزمة سياسية.. وأزمة فى علاقات الدول العربية ببعضها.. وأزمة العجز عن مسايرة الثورة العلمية والتكنولوجية بعد أن أصبحت الفجوة الحضارية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة فجوة واسعة ليس من الممكن تجاهلها ولا من السهل تجاوزها. العالم العربى يعيش فى أزمة: لم تعد فكرة الوحدة العربية مطروحة بجدية بأى شكل من الأشكال.. والقومية العربية تحولت من حلم إلى كابوس يقلق هدوء كثيرين فى العالم العربى ذاته وفى المنطقة، وفى العالم، وحتى التكامل الاقتصادى أو السوق العربية المشتركة مازالت دعوة تتردد، وأملا يبدو بعيد المنال، ومازالت العلاقات التجارية لكل دولة عربية بالدول العربية الأخرى هامشية، والدعوة إلى إنشاء مؤسسات عربية مشتركة للتمويل والاستثمار فى الدول العربية، أو مؤسسات مشتركة للبحث العلمى والتكنولوجى لقيادة عملية تحديث وتطوير شاملة فى كل الدول العربية، أو مؤسسات تجمع رجال المال والأعمال العرب ومؤسسات أخرى تجمع المفكرين والمثقفين العرب، وهكذا.. كل ذلك يبدو حتى الآن ضرباً من الخيال، أو نوعاً من التمنيات والأحلام لا يفكر أحد فى أن يخطو خطوة نحو تنفيذها.
والعالم العربى يعيش هزيمة.. ما حدث فى العراق هزيمة.. ليس للعراق وحده ولكن لكل العرب.. وسوف تظهر آثار هذه الهزيمة فى كل أنحاء العالم العربى بعد قليل.. والضغوط على سوريا ولبنان ليست إلا البداية.
والعالم العربى يحتاج إلى مساعدة للخروج من حالة الأزمة والهزيمة.. لأن الدول العربية-مهما كانت-لن تستطيع الخروج من هذه الحالة إذا ظلت كل دولة عربية تعمل وحدها، أو إذا تصورت أن المساعدة من خارج المنطقة هى الأكثر أمانا وضمانا.. لأن الدول الكبرى فى ظل العولمة تلتهم الدول الصغيرة. وتخفى أطماعها وسعيها إلى الهيمنة الإمبريالية، بتوجيه الاتهامات تارة، وممارسة الضغوط تارة أخرى.. والدول العربية جميعها تواجه الآن اتهامات بأنها دول غير ديمقراطية، ولا ترعى حقوق الإنسان، ومتهمة أيضا بأن فيها تيارات رجعية ومعادية للغرب وللعولمة والتحديث والتطور الاجتماعى والعلمى والتكنولوجى، ومتهمة فوق ذلك كله بأنها متخلفة وتنتشر فيها قيم وأفكار ومذاهب دينية تتعارض مع القيم الأمريكية، وبالتالى فإن الولايات المتحدة تعلن رسميا أن من أهدافها فى هذه المرحلة تغيير العالم العربى، وتتخذ الولايات المتحدة من قضية الحرب على الإرهاب ذريعة لاتهام العرب والمسلمين ووضعهم فى موقف الدفاع، خاصــة أنهــا مصممــة على تحميل العالم العربى والإسلامى كله مسئولية الجرائم التى أرتكبها الإرهابيون فى 11 سبتمبر.
والتغير الذى تريده الولايات المتحدة أعلنه الرئيس بوش فى خطابه الشهير فى 24 يونيو عام 2002 وتحدث فيه عن رؤيته للعالم العربى التى تتلخص فى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومنزوعة السيادة فى عام 2005 بعد وقف الانتفاضة، وإبعاد الرئيس عرفات عن القيادة، واختيار قيادة جديدة براجماتية تتجاوب مع الأفكار الإسرائيلية والأمريكية، وبعد قيام الدولة الفلسطينية المؤقتة عام 2005 تبدأ مرحلة المفاوضات حول الحدود، والقدس، و اللاجئين، والمياه.. وتكتمل هذه الرؤية الأمريكية بالخطة التى أعلنها وزير الخارجية كولن باول أمام مؤسسة هيرتاج فى 12 ديسمبر 2002 بعنوان (مبادرة الشراكة الأمريكية فى الشرق الأوسط لسنوات قادمة.. وقال إن هدفها تغيير الدول العربية فى مجالات الاقتصاد والتعليم ومكانة المرأة.
وباختصار فإن هناك مشروعاً جاهزاً لتغيير العالم العربى تم إعداده خارج العالم العربى، وليس أمام العرب خيار، سواء شئنا أم لم نشأ فسوف يتغير العالم العربى فى السنوات القليلة القادمة، وليس أمام العرب سوى خيار واحد، هو:هل يفضلون أن يتم هذا التغيير وفقاً للمشروع الخارجى، وتنفيذا للإرادة الخارجية، وتحقيقا للمصالح الخارجية، ويتنازلون بذلك عن حقهم فى توجيه بلادهم، أو أن يختاروا أن يكون هذا التغيير بالمواصفات التى تناسب طبيعة بلادهم وشعوبهم وتكوينهم الحضارى والتاريخى، وأن يحقق هذا التغيير مصالحهم بالدرجة الأولى، ويساعد على نمو اقتصادهم، وتحسين معيشة شعوبهم..
إن محاولة النكوص والتنكر للانتماء العربى لن تفيد.. ومحاولة إلصاق العجز بالجامعة العربية وأمينها العام أيضا لن تفيد.. لأن العيب ليس فى الجامعة العربية ولا فى الأمين العام، ولكن العيب فى الذين يقولون ولا يفعلون، ويثيرون الصخب دون أن يتقدموا لتقديم شىء يدل على صدق النوايا والإرادة الحقيقية.. كذلك فإن ممارسة العادة العربية التقليدية بدفن الرءوس فى الرمال وإنكار واستنكار أن هناك أزمة أو هزيمة يعانى منها العرب.. أيضا لن تفيد.. وانتظار المساعدة من الخارج للخروج من الأزمة والهزيمة لن يحقق سوى المزيد من الأزمات والهزائم.. والمخطط الخارجى يسعى إلى تحجيم العلاقات بين الدول العربية وبعضها لكى تتوقف عند حد لا تتعداه.. والأخطر من ذلك ما فى هذا المخطط من نوايا لإعادة رسم الخرائط، وتفكيك بعض الدول، وإقامة كيانات هزيلة فى أجزاء مستقطعة منها، وتغيير الهوية العربية.
والمصيبة التى حدثت فى العراق لن يقتصر تأثيرها على العراق.
وإذا لم يتمسك العرب بالجامعة العربية ويعملوا بإخلاص وجدية لإعادة التماسك والحياة إليها فسيكون العرب جميعا خاسرين.. وربما لن تكون أمامهم فرصة لإصلاح هذا الخطأ الكبير بترك الجامعة العربية كما هى الآن نهبا للمنازعات والخلافات وتبادل الاتهامات لإلقاء مسئولية فشل الجامعة العربية على الآخرين دون تحمل نصيب كل دولة عن هذا الفشل.
والأمن العربى الآن مهدد، وليس من السهل الحديث عن إقامة نظام للأمن العربى، ولكن ربما يكون من الممكن البحث عن وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأمن العربى.. ولن يتحقق شىء إذا لم يصل الجميع إلى مرحلة الرشد ويتخلوا عن مواجهة الأزمات والهزائم بالخطب والشعارات وأحلام اليقظة والتهويمات الغامضة.
وإذا لم يتحرك العالم الآن لإقامة سوق عربية مشتركة فلن يتحقق هذا المشروع إلا بعد عشرات السنين.. وربما لن يتحقق أبدا.. لأن هناك مشروعات أخرى بديلة تحقق مصالح غير عربية وتقطع الطريق على كل تحرك لصالح العرب.
والتغيير قادم.. قادم.. والعقل يقضى بأخذ زمام المبادرة.. والقيام بالتغيير من الداخل قبل أن يفرض علينا من الخارج.
والمساعدات التى تحتاج إليها الدول العربية.. من الأفضل أن تأتى إليهم من الداخل.. لأن المساعدات التى تأتى من الخارج لها ثمن إذا تحملناه اليوم، فلن نتحمله غدا..
النداء الأخير.
يا عرب .. ساعدوا أنفسكم.. فلن يساعدكم أحد.. وتذكروا الحكمة التى تقول: إن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه.
وتذكروا قول الله لكم: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.