ولم يسدل الستار بعد
 انتهى الفصل الأول من مسلسل الغزو الأمريكى للعراق . ولكن لم يسدل الستار بعد.. مازالت النهاية مفتوحة.. وقد يكون فيها من المفاجآت ما لم يكن فى الحسبان.

وكذلك قصة فضائح وجرائم الفساد فى الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركتى أنرون وآرثر أندرسون، بما أثارته من دعوة للتحقيق مع شخصيات تحتل مواقع مهمة فى  البيت الأبيض.. هذه القصة لم يسدل عليها الستار، ومازال طلب التحقيق مطروحا فى الكونجرس، ويمكن أن يفتح الملف فى أى وقت بعد انتهاء الزوبعة التى أثارتها الإدارة الأمريكية فى الحرب ضد العراق، واعتبرت كل من يفتح موضوعا آخر غير الحرب خائنا للوطن فى وقت يضحى فيه أبناء الأمة بأرواحهم فى العراق من أجل أمريكا!

ولكن بعد قليل سوف تهدأ هذه الزوبعة، وتنتهى الحجة، ويعود الكونجرس إلى الحديث عن الانحرافات ومحاسبة المسئولين عنها.

والمفروض أن يكون قد انتهى المسلسل الأمريكى عن الحرب على الإرهاب بعد غزو أفغانستان والعراق، وإثبات الإدارة الأمريكية لشعبها أنها قامت بالثأر لأحداث 11 سبتمبر، وقالت للعرب والمسلمين إذا كان الإرهابيون منكم قد جاءوا إلينا ودمروا البرجين فقد جئنا إليكم ودمرنا بلدين ولدينا مزيد.. وبذلك ترتفع شعبية الرئيس بوش ويصبح مطمئنا إلى فوزه بفترة رئاسة ثانية، وإن كان الأرجح أن تظل عملية إثارة الرعب من الإرهاب مستمرة فى المجتمع الأمريكى ، لتكون مبررا لاستمرار تحويل هذا المجتمع الذى كان نموذجا للمجتمع المفتوح الحر، إلى مجتمع مغلق، لا يريد أن يدخله أحد ويضع العراقيل والمضايقات أمام كل من يسعى للدخول، كما يثير مخاوف الأمريكيين الراغبين فى الخروج منه للسفر إلى أماكن كثيرة كانوا يحبون الذهاب إليها، وهذا المعنى هو ما أشار إليه توماس فريدمان فى مقاله الأخير فى نيويورك تايمز  بقوله إن بوش بهذه الحرب استخدم العراق لإظهار أن أمريكا قادرة على الذهاب إلى قلب أية دولة تتهمها بالإرهاب وتدمرها، ومع ذلك فإن القصة لم تنته، لأن الأمريكيين بدأوا يتساءلون الآن:. إذا كانت أمريكا قد دمرت معاقل الإرهاب فلماذا الاستمرار فى التشدد وتخويف الشعب الأمريكى.. وتنظيم القاعدة مهما يكن لن يكون فى قوة الاتحاد السوفيتى، وصدام حسين مهما يكن لن يكون مثل ستالين، والإرهاب مهما تكن خطورته فلن يكون فى مثل خطورة الشيوعية على أمريكا، ومع ذلك فقد عاشت أمريكا فى ظل تهديد الاتحاد السوفيتى بصواريخه الباليستية وأسلحته النووية، وفى ظل تهديد الشيوعية وفى وجود ستالين أكبر ديكتاتور عرفه التاريخ، دون أن يملأها الخوف والهياج كما هى الآن وهذا أيضا ما أشار إليه توماس فريدمان، وانتهى إلى أن أمريكا عليها أن تتوقف عن التفكير فى إعادة بناء مجتمعها بأسوار حديدية.. وتقييد الحريات والحقوق المدنية، وإدانة كل العرب، والتراجع عن السياسة الخارجية التى أكسبت أمريكا احترام العالم ابتداء من سياسة الأمن الاجتماعى وانتهاء بالانضواء تحت لواء الأمم المتحدة.. ويقول فريدمان أخيرا: نحن نحتاج إلى تهدئة أنفسنا، والعودة إلى تعزيز المجتمع المفتوح الذى يمثل الأساس الحقيقى لقوتنا.. وهكذا فإن الذين كانوا يتحمسون للإجراءات الاستثنائية وتراجع أمريكا عن سياساتها التى كانت تدعم الحرية، وكانوا يصفقون لعمليات التوسع فى الاعتقال والسجن والتجسس على المواطنين.. أصبحوا الآن يعبرون عن الضيق بهذه القيود التى جعلت المجتمع الأمريكى مجتمعا مغلقا وراء أسوار حديدية وقوانين أشد وطأة من القوانين التى تنتقدها أمريكا فى دول العالم الثالث.

ومعنى ذلك أن الأمور وصلت إلى نقطة تراجع فيها كل الأطراف سياساتها ، والتغيير سيشمل أمريكا كما سيشمل أوربا، ولن يقتصر  على العالم العربى وحده، لأن عالم ما بعد احتلال العراق والاستهانة بالأمم المتحدة، وبالقانون الدولى وبالحلفاء الأوروبيين وبالعالم العربى وبالرأى العام العالمى.. لن يكون كما كان قبل ذلك..

ولن يسدل الستار قريبا.. وقد تكون فى أحداث الفصول المقبلة مفاجآت ليست فى السيناريو المعتمد.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف