من الذى يحكم امريكا ؟
 المجموعة التى تشارك فى حكم أمريكا ووضع سياساتها تتكون من الرئيس بوش، ونائبه ديك تشينى، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومدير المخابرات الأمريكية جورج تينت، ومستشار الأمن القومى كوندوليزا رايس، وبول وولفوتيز نائب وزير الدفاع، وريتشارد مايرز رئيس الأركان، ومجموعة ثانية من المستشارين والخبراء تعمل من وراء ستار مع هؤلاء تجهز معهم الأفكار التى يقدمونها إلى الرئيس، ولهم تأثير السحر عليه، فهو يردد ما يتم إعداده عن طريقهم من عبارات وخطب وسياسات.. والمهم أنهم جميعا لهم صلات ومصالح مع شركات البترول، وشركات السلاح، وشركات المعدات والأجهزة التكنولوجية المتقدمة.. وهذه العلاقات تكفى لفهم الكثير من دوافعهم الحالية والمستقبلية.

وهؤلاء المحيطون بالرئيس الأمريكى، المتسلطون على عقله، يسمونهم فى أمريكا الليكوديين نسبة إلى تكتل الليكود فى إسرائيل، لأنهم يعتنقون نفس الأفكار ويضعون نفس السياسات التى يسير عليها الليكود، ويسمونهم أيضا اليمين الأمريكى المتشدد لأنهم يؤمنون بأن أمريكا فوق الجميع، ويجب أن تفرض إرادتها على العالم بالقوة، ولا تلتفت كثيرا إلى أصوات المعارضة مهما بلغ حجمها فى الخارج أو الداخل، وهى مجموعة متعصبة دينيا، رجعية فى أفكارها الأساسية، ترى أن الظروف الدولية الحالية تسمح لأمريكا بأن تكون سيدة العالم، وتسيطر على ثروات العالم، ما دامت الآن قد أصبحت أقوى دولة فى العالم عسكريا، واقتصاديا، وتكنولوجيا.. الخ.

وفى سنة 1997 كانت هذه المجموعة خارج الحكم، وعكفت على إعداد مذكرة قدمتها إلى بيل كلينتون الذى كان رئيس الولايات المتحدة فى ذلك الوقت، وكان ملخص دعوتهم أن يعمل على العودة إلى سياسة الرئيس الأسبق رونالد ريجان، سياسة القوة، وتأكيد الدور الأمريكى لزعامة العالم، وإجهاض القوى الصاعدة، وترك الحرية لإسرائيل لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى وفقا لما تقدر عليه بالقوة العسكرية وتحقيق الاستقرار فى المنطقة بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها كاملة، بما فى ذلك الأمن بالمفهوم الذى تسعى إليه، وعلى أمريكا أن تتوسع فى احتلال مناطق أخرى عربية احتلالا عسكريا دائما، لكى تتحكم فى منابع البترول، وبذلك تتحكم أمريكا فى نمو القوى العظمى التى يحتمل ظهورها منافسة لأمريكا وهى: فرنسا، وألمانيا الموحدة، واليابان، وروسيا، والصين.

والسياسة التى رسموها وطالبوا البيت الأبيض باتباعها تتضمن العودة إلى سياسة الاحلاف، واعتبار منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكى إسرائيلى وإبعاد أى نفوذ آخر عنها، وتغيير أنظمة الحكم فيها، ووضع حكومات (صديقة) أكثر ولاء لأمريكا وأكثر (ديمقراطية) بالمفهوم الأمريكى، لكى تعمل هذه الحكومات على خدمة المصالح الأمريكية مائة فى المائة ودون أية تحفظات، أو سماح بعودة النزعة القومية، أو الدعوة إلى الفكرة العربية، وضمان أن تساعد هذه الحكومات على تنفيذ سياسة إجهاض احتمالات الوحدة العربية أو البدء فى طريق يمكن أن يؤدى إليها ولو بعد حين. والاستفادة من الثروات العربية لتمويل أعباء الأزمات والحروب الأمريكية، وفى صفقات شراء أسلحة أمريكية تستخدمها القوات الأمريكية فى حروبها المحتملة فى المنطقة.

***

وكالعادة لم يتنبه العرب إلى تقرير استراتيجى أصدره قبل ذلك معهد تحليل السياسة الخارجية بواشنطن فى عام 1983 بإشراف جيفرى ريكورد وهو خبير استراتيجى معروف، وقال فيه إن العراق هو الخطر على الدول النفطية الخليجية، وعلى أمريكا أن تكون مستعدة لتلقى استغاثة من هذه الدول حين يهددها العراق، واحتمال وقوع عدوان عراقى على الكويت والسعودية، وعلى أمريكا أن تتدخل بناء على طلب الدول الخليجية، وهذا هو الحل لمواجهة حساسية شعوب هذه المنطقة تجاه التواجد العسكرى الأمريكى.

هذا التقرير كان بعنوان (قوة الانتشار والتدخل العسكرى الأمريكى فى الخليج) ويشير إلى كيفية تفادى تحمل أمريكا للأعباء المالية للتدخل والتواجد العسكرى الدائم، وكيفية دفع أصدقاء أمريكا إلى توفير الغطاء السياسى لهذا التواجد العسكرى الأمريكى، ويصل التقرير إلى إمكانية بروز العراق كقوة عسكرية فى شبه الجزيرة العربية مما يشكل تهديدا محتملا، وتحديا عسكريا لمصالح الولايات المتحدة فى الخليج، رغم أن معظم دول الخليج أيدت العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، وهذا التقرير، مع مذكرة اليمين الجديد فى عام 97، فيهما ما يشير إلى أن سيناريو الحرب كان موضوعا ومدروسا قبل الأزمة بسنوات، وأن هذا السيناريو وضعه العسكريون والسياسيون، منذ كان كاسبار واينبرجر وزير الدفاع الأسبق يحرض الرئيس بوش الأب على التدخل العسكرى فى المنطقة، إلى أن أصبح هنرى كيسنجر زعيما لحركة جديدة اسمها (الحرب الآن) وكيسنجر كما هو معروف وزير الخارجية ورئيس هيئة الأمن القومى الأمريكى الأسبق والداهية السياسى المعروف، وهو مهندس سياسة تحويل التخوف من جانب العرب من التدخل الأجنبى، إلى ترحيب بهذا التدخل ودعوته للتدخل وتحمل تكلفته بالكامل وزيادة، وقد عبّرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن ذلك يوما فقالت: (إن معظم العرب اليوم يناشدون من ناضلوا لإخراجهم من بورسعيد والسويس وبيروت ودمشق العودة لإنقاذهم).

***

كذلك لم يتنبه العرب إلى تقرير فى منتهى الأهمية بعنوان (التدخل العسكرى الأمريكى: استخدام القوة العسكرية الأمريكية فى عالم ما بعد الحرب الباردة) أعده فى عام 1994 ريتشارد هاس Richard Haass الذى كان أحد كبار أعضاء مجلس الأمن القومى الأمريكى، وقال فى مقدمته: إن الرئيس بوش الأب طلب منه فى أواخر أيامه إعداد خطاب يلقيه حول قضايا الأمن القومى ليكون البيان السياسى الختامى لفترة حكمه، وقرر الرئيس أن يكون محور هذا البيان هو موضوع (التدخل العسكرى الأمريكى)، وكان الرئيس بوش- كما هو معروف- قد أمر بتحرك الجيوش الأمريكية أكثر من مرة سواء فى حرب الخليج، أو فى الفلبين، أو فى ليبيريا، أو فى الصومال، وبعد انتهاء فترة الرئيس بوش وانتهاء عمل ريتشارد هاس فى مجلس الأمن القومى، أصدر كتاباً شرح فيه نظرية التدخل العسكرى الأمريكى بنفس العنوان ليشير إلى أن الإدارة الأمريكية تعلن عن قيام نظام عالمى جديد، وتقول إن هذا النظام العالمى يجب ألا تهدد فيه الدول باستخدام القوة العسكرية لتسوية النزاعات، ويجب أن تعتنق فيه الحكومات مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية الاقتصادية، فإن السياسة الأمريكية تسير عكس هذا الاتجاه، ولا تلقى بالا إلى ما سوف تتحمله أمريكا من تضحيات بالأرواح والأموال.

متى تكون القوة العسكرية أداة سياسية ملائمة لتنفيذ الأهداف والمصالح الأمريكية؟

يجيب هاس عن السؤال بأن أمريكا تستخدم الدبلوماسية والضغوط السياسية لتحقيق أهدافها ومصالحها، كما تستخدم فى حالات أخرى الضغوط الاقتصادية أو العقوبات، ولكنها أصبحت ميّالة إلى تفضيل التدخل العسكرى، وتنهزم جبهة المعارضين للحروب الأمريكية الذين كانوا يرون أن انتهاء الحرب الباردة هو بداية عهد جديد من العلاقات الدولية تختفى فيه الصراعات العسكرية، وبذلك لن تكون هناك حاجة إلى أن تستخدم أمريكا القوة أو تهدد باستخدامها لتسوية النزاعات، والسبب فى التحول فى الفكر الاستراتيجى الأمريكى من فلسفة التعامل بالضغوط السياسية والاقتصادية إلى التعامل بالقوة العسكرية أن فترة الحرب الباردة كانت تحمل المخاوف من تصعيد أى حرب عالمية نووية، وكان ذلك يمنع القوتين من استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر سواء فى أوربا أو فى النزاعات الإقليمية، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتى تغير ذلك، وتفجرت النزاعات الإقليمية، وانتشرت التكنولوجيا العسكرية التقليدية وغير التقليدية، حتى الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، وظهر لاعبون جدد، وتحالفات جديدة، ولكن بدون قواعد جديدة، وكانت النتيجة أن عددا كبيرا من الدول الصغيرة والجماعات العرقية دخلت فى صراعات لتقرير المصير ليست لها نهاية، وبعد انتهاء الحرب الباردة وابتعاد خطر نشوب حرب عالمية نووية، بدأت أمريكا فى تنفيذ سياسة التدخل العسكرى المباشر فى حرب الخليج التى استخدمت فيها التكنولوجيا المتقدمة فى توجيه ضربات جوية حاسمة، وغسلت بذلك هزيمة كارتر فى محاولته الفاشلة لإنقاذ الرهائن الأمريكيين فى إيران، وبعدها جاء انتشار القوات الأمريكية فى لبنان عام 1982، وفى جرينادا عام 1983، وضرب ليبيا عام 1986، وفى عام 1989 كان التدخل العسكرى الأمريكى فى بنما للقبض على حاكمها نوريجا، وبلغت عمليات التدخل العسكرى الأمريكى 12 عملية.

وفى هذا الكتاب نقاط مهمة تلقى الضوء على ما يحدث الآن منها مثلاً:

 أن التأثير فى السياسات الداخلية للدول باستخدام القوة ليس سهلا، كذلك فإن استخدام القوة لتصفية أشخاص معينين قد يواجه صعوبات.

* أن تأثير الإعلام على القرار كبير، لذلك يجب إبعاد الإعلام عن التأثير فى عملية اتخاذ القرار، وذلك بعدم إعطاء الفرصة لوسائل الإعلام والاتصال للتأثير على قرار استخدام القوة العسكرية.

* أن الولايات المتحدة يجب ألا تقوم وحدها بالحملات العسكرية، وعليها إشراك دول أخرى لتحمل أعباء الحرب، خاصة وأنه أصبح من المستبعد الآن أن تتحول الصراعات إلى صراع عالمى.

* إذا كان الخيار العسكرى هو الحل فمن الأفضل التعجيل به، والتكنولوجيا الحديثة تزيد من ترجيح الخيار العسكرى مع ضمان عدم تعرض القوات لأسلحة الدمار الشامل.

* على الولايات المتحدة الاستفادة من الإخفاق فى تدخلها العسكرى فى لبنان، ويوغسلافيا السابقة، والصومال، وهايتى، وسيظل درس فيتنام هو الدرس الأكبر لأمريكا، وكذلك عملية اقتحام السفارة الأمريكية فى طهران لإنقاذ الرهائن فى نوفمبر 1979 الذى فشلت فيه أمريكا بقواتها المسلحة فى إيجاد حل له، وفى لبنان فى أكتوبر 1983 تعرضت القوات الأمريكية لعملية انتحارية بسيارة مفخخة قتلت 241 من الجنود الأمريكيين فتصاعدت أصوات الرفض والمعارضة داخل أمريكا واضطرت الإدارة الأمريكية إلى سحب القوات. وفى عملية غزو جرينادا كان الهدف من التدخل العسكرى الأمريكى استبدال حكومه صديقة لكوبا والاتحاد السوفيتى وتنصيب حكومة موالية لأمريكا وذلك لحرمان كوبا والاتحاد السوفيتى من استخدام جرينادا ومطارها فى وقت الحرب أو فى وقت السلم، والهدف الثانى للعملية كان إثبات أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على التأثير على دول العالم بعد فشلها فى بيروت. أما الضربة العسكرية التى وجهتها أمريكا إلى ليبيا فى 15 إبريل 1986 بدعوة محاربة الإرهاب فإن هذه العملية لم تحقق شيئا. كذلك كان الفشل من نصيب أمريكا فى حرب فيتنام، وفى هايتى حين تدخلت عسكريا فى أغسطس 1994، وإن كانت قد نجحت نجاحا كبيرا فى حربها لتحرير الكويت فى عملية عاصفة الصحراء فى منتصف يناير 1991 وحققت المصالح الأمريكية بالكامل ولم تتحمل شيئا لأن دول الخليج تحملت نفقات الحرب وأعباءها العسكرية كاملة وزيادة! أما فى الصومال فقد بدأت أمريكا التدخل العسكرى فى ديسمبر 1992 وهى العملية التى سميت (عودة الأمل) وقالت إنها مهمة إنسانية بينما ظلت الدوافع الحقيقية حبيسة فى الصدور ولم تفصح عن بعضها إلا فيما بعد، مثل السيطرة على البحر الأحمر والتنقيب عن البترول، ولكن اضطرت القوات الأمريكية إلى الرحيل دون تحقيق شىء من أهدافها، بسبب مقتل عدد لا يستهان به من جنودها، وقيل إن هذه العملية تمثل (خيبة الأمل) وليس (عودة الأمل).

ولكن هذه الدراسة تنتهى إلى نتيجة واحدة ملخصها أنه ليس هناك ما يمنع من تدخل أمريكا عسكريا إذا توافرت لها عوامل النصر، وتحذر من التدخل العسكرى الفاشل الذى يعرّض القوات للخطر، ويهدد المصالح الأمريكية بدلاً من أن يدعمها، ويؤدى بأمريكا إلى نوع من العزلة السياسية له آثار سلبية على مصالحها ونفوذها، وفى النهاية يجب ألا يغيب عن صانعى القرار الأمريكى أن التدخل العسكرى ليس سوى أداة من الأدوات لتحقيق المصالح الأمريكية وليس هو الخيار المناسب فى كل حالة.

ويشير ريتشارد هاس إلى خطاب رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكى أمام المعهد اليهودى لشئون الأمن القومى فى ديسمبر 1992 وحدد فيه شروط استخدام القوة العسكرية الأمريكية كما أجمع عليها العسكريون وهى:

1-عدم استخدام القوة العسكرية إلا بعد استنفاد الحلول الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية.

2-عدم استخدام القوة العسكرية إلا إذا توافر لها هدف عسكرى واضح، والحذر من إرسال القوات لتحقيق أهداف سياسية غامضة.

3-عدم استخدام القوة العسكرية إذا لم يكن فى الإمكان تحديد موعد انتهاء المهمة وعودة القوات إلى الوطن.

4- عدم استخدام القوة العسكرية إلا إذا كانت قوة ساحقة، وضمان إنجاز العملية العسكرية بسرعة، وبأقل خسائر فى الأرواح.

***

ولو نظرنا إلى ما تفعله الإدارة الأمريكية فى الحرب ضد العراق فسنجد أنها خالفت هذه المبادئ الأربعة.

ولكن لكى نفهم دوافع الرئيس الأمريكى بوش الابن يجب أن نعود إلى خطاب أبيه الرئيس بوش أمام الأكاديمية العسكرية الأمريكية فى وست بوينت فى 5 يناير 1993، الذى قال فيه إن الولايات المتحدة أصبحت الدولة العظمى الوحيدة، وهذه فرصتها فى القيادة وحدها دون سواها، ولذلك فلا يمكن أن تكون سلبية أو تبتعد عن الأحداث فى عالم ملىء بالعنف والفوضى والإرهاب.. بل يجب أن نعود إلى كلمة الرئيس بيل كلينتون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 1993 التى أكد فيها على أهمية دور القوات المسلحة الأمريكية فى الصومال ويوغسلافيا السابقة.

***

هكذا سار الفكر الاستراتيجى الأمريكى فى خط متصل يؤسس نظرية استخدام القوة العسكرية الأمريكية للتوسع وتحقيق المزيد من المصالح الأمريكية، ما دامت لا تجد من يمنعها، أو من يستطيع أن يمنعها، وهى الآن القوة الوحيدة، وهذه فرصتها، وعليها اغتنام هذه الفرصة لمنع ظهور قوى عالمية جديدة تنافسها..

ويقول بعض الأمريكيين إن العرب لا يقرأون.. وإذا قرأوا لا يفهمون.. وإذا فهموا لا يتحركون لعمل شىء.. ويكتفون بالشكوى والتذمر. ولو كان العرب يقرأون، ويفهمون، ويقدرون على عمل شىء، لأدركوا معنى ما قاله الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون فى كتابه الشهير (انتهزوا الفرصة) من أن كثيرا من الأمريكيين يتصورون أن المسلمين شعوب غير متحضرة ودمويون، وغير عقلانيين، ونحن لا نهتم بهم إلا لأن بعض زعمائهم يسيطرون على ثلثى بترول العالم، ولأن ثلاث حروب قامت بينهم وبين إسرائيل، ويحذر البعض من أن الإسلام سوف يصبح قوة جغرافية- سياسية متطرفة، ومع التزايد السكانى، وتزايد الثروات سوف يشكل المسلمون مخاطر كبيرة، وسيكون على الغرب مواجهة الخطر العدوانى الإسلامى، ويزيد هذا نظرية أن الإسلام والغرب متضادان، وأن نظرة الإسلام للعالم تقسمه إلى قسمين: دار الإسلام، ودار الحرب، وأنه يجب أن تتغلب الأولى على الثانية، وأن المسلمين يوحدون صفوفهم للقيام بثورة ضد الغرب، وعلى الغرب أن يواجه هذا الخطر الداهم، ولكن ذلك الكابوس لن يتحقق، لأن المسلمين من الكثرة والاختلاف بشكل يمنع من أن يكونوا كتلة واحدة، فهم يتكلمون مئات اللغات، وينقسمون إلى طوائف، وهناك صفة أساسية يشترك فيها جميع المسلمين فى العالم الإسلامى هى عدم الاستقرار السياسى، والصراعات بين الدول الإسلامية تجعل العالم الإسلامى بؤرة للصراعات، وكل دولة ضد الأخرى، وربما تحدث فى كثير من الدول الإسلامية صراعات طائفية، مع هبوط مستمر فى مستوى المعيشة، وعدم قدرة الدولة على السيطرة على الأمن وتحقيق الاستقرار، مع نقص المياه فى معظم هذه الدول وربما يؤدى ذلك إلى حروب فيما بينها، ومعظم خطوط الحدود بين هذه الدول رسمتها الدول الاستعمارية فى الماضى وهى مصدر للنزاع الذى يمكن أن يتفجر، وقد أدى التحرر السياسى فى بعض الدول الإسلامية إلى التفكك بدلاً من الديمقراطية! وقد أنفقت الدول الإسلامية جزءا كبيرا من دخلها فى التسليح، أقل مما أنفقت الدول الغربية، ومعظم الأمريكيين ينظرون إلى المسلمين كأعداء وهم يتابعون المظاهرات والشتائم ضد أمريكا فى الدول الإسلامية، وأن الذى يتعامل مع العالم الإسلامى يشبه الذى يدخل حفرة ضيقة ومعه مجموعة من الثعابين السامة، تحمل فى سمها أيديولوجيات متصارعة وقوميات متضاربة، حتى بين الأصوليين توجد صراعات حول المبادئ وتؤدى إلى أن يحارب بعضهم بعضا.

ولا داعى للاستطراد فى عرض نظرية نيكسون الذى لخصها فى سطر واحد (إن صديقنا اليوم يمكن أن يكون عدونا غدا).. ونيكسون هو مؤسس نظرية الحرب الأمريكية على بعض الدول الإسلامية وإخضاع بعضها الآخر بوسائل أخرى. المهم أن تنتهز أمريكا فرصة انفرادها بالقوة لتفرض إرادتها وسيطرتها.

***

ونعود إلى النظرية المؤيدة للحروب الأمريكية التى انتقلت إلى حيز التنفيذ على يد الليكوديين الأمريكيين أو اليمين المتشدد، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية ترتكب الكثير من الأخطاء والحماقات للتغطية على الهدف الحقيقى للحرب الحالية ضد العراق، حتى أن مجلة شتيرن الألمانية قالت إن الرئيس الأمريكى بنفسه أدلى بتصريحات تدخل فى باب الدعاية الكاذبة، وخالف القانون الدولى، وحتى الآن لم يفهم الشعب الأمريكى بوضوح لماذا شن الرئيس بوش هذه الحرب، لأن أحدا لم يقتنع بما قاله عن أن العراق يهدد أمريكا تهديدا خطيرا، وإن كان الرئيس بوش قد استطاع حشد الرأى العام الأمريكى خلفه باستخدام الحيل والأساليب البلاغية والكذب، وتخويف الأمريكيين كل يوم من احتمالات تعرض حياتهم للخطر عن طريق هجمات إرهابية متوقعة، مصدرها تنظيم القاعدة، ثم أصبح يقال: إن مصدرها العراق، ويمكن أن يقولوا إن مصدرها أى دولة أو أى شخص يريدون إعلان الحرب عليه، ووسائل الإعلام الأمريكية تحولت إلى أبواق دعاية لهذه السياسة العدوانية، وكثفت الحكومة خطاباتها الدعائية، وازدادت عملية الخداع الإعلامى للشعب الأمريكى بالتحديد منذ يوم 7 سبتمبر عام 2002 عندما ادعى الرئيس بوش أن العراق فى عام 1998 كان على وشك إنتاج قنبلة ذرية، وقال إن لديه تقريرا من هيئة الرقابة الذرية الدولية، بينما لا يوجد مثل هذا التقرير، وعندما انكشف الكذب خرج المتحدث باسم البيت الأبيض ليدعى أن بوش كان يقصد أن تاريخ التقرير هو عام 1991 وليس 1998، ثم تبين أن ذلك أيضا كذب، وليس هناك تقرير فى ذلك التاريخ.. وفى أكتوبر 2002 أعلن الرئيس بوش فى خطاب حماسى مثير الكشف عن صور التقطتها الأقمار الصناعية تؤكد أن العراق أعاد بناء منشآته الذرية، ولم يقدم أى دليل على ذلك حتى اليوم، وذهب المفتشون وبحثوا فى كل مكان عن صحة ادعاءات الرئيس الأمريكى فلم يعثروا على شىء، وأعلن مدير هيئة الرقابة الذرية الدولية رسميا أمام مجلس الأمن أن العراق ليست لديه أية قدرات نووية وليست لديه منشآت نووية.. وليست لديه مشروعات نووية.

ويكفى أن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وهى ليست من الحمائم أبدا، أعلنت مؤخرا أن الحرب الأمريكية على العراق هى أول حرب فى تاريخ أمريكا تقوم بها دون وجود خطر حقيقى مباشر عليها.

***

الليكود الذى يحكم أمريكا ماذا سيفعل بعد الحرب؟

لم يكن العراق يمثل خطرا حقيقيا على أمن إسرائيل كما يدعون، ولكنهم يريدون أن يكون دمار العراق فرصة لحكومة الليكود فى إسرائيل للتمادى فى تنفيذ سياستها الحالية فى تدمير البنية الأساسية للمجتمع الفلسطينى، وتسويف موضوع المفاوضات الجادة، والمناورة بالتلويح بخريطة الطريق وبدائلها.

وإذا انتصرت أمريكا فى هذه الحرب فسوف يزداد نفوذ الصقور من اليمين المتطرف المحيطين بالرئيس بوش، وبعضهم من اليهود المتحمسين للحلم الصهيونى، وسيكون لهم صوت أعلى، ودور أكبر فى رسم سياسات أمريكا فى أزمة الشرق الأوسط. وهم منذ الآن يرفضون أية تسوية تحدد حقوق الفلسطينيين فى الضفة، وفى نفس الوقت سيظل الرئيس بوش على موقفه الحالى وبقوة أكبر، فى رفض الضغط على إسرائيل، وما يهم الرئيس بوش هو الإعداد لمعركة انتخابات الرئاسة القادمة، وأن يحصل على أغلبية حقيقية تعيد إليه الشعور بالثقة وتعطيه مصداقية بعد أن وصل إلى الرئاسة بعملية مشكوك فيها وبأغلبية غير مؤكدة لأول مرة فى تاريخ أمريكا..لذلك سوف يمارس الرئيس بوش الضغط، ولكن على الفلسطينيين وحدهم لإرضاء الإسرائيليين وكسب تأييد اللوبى الصهيونى فى أمريكا، وربما يسعى إلى إيجاد تسوية تعطى القليل للفلسطينيين وتعطى لإسرائيل كل ما تطلب، وبالدعاية السياسية يصور أنه رجل سلام وعدالة لكى يمتص جانبا من الآثار المؤلمة فى نفوس العرب من عدوانه على العراق.

ولكن تجاوز الأزمة مع أوربا لن يكون سهلا على بوش، وسوف تمتد آثار الخلافات بين أمريكا الجديدة وأوربا التى قال إنها أوربا القديمة.

وما يهمنا أن نسأل: هل ستتوقف الحروب الأمريكية بعد حرب العراق، أو سوف تمتد إلى تنفيذ التهديدات التى أعلنها الرئيس بوش عن تصفية (محور الشر) وعن الحرب الأمريكية بلا نهاية وفى كل مكان.. وقد أصبح لديه سبب يصلح لأى حرب ضد أى دولة.. هو تهديد أمن أمريكا وأن أمريكا لها الحق فى الدفاع عن نفسها خارج حدودها ليس عن خطر قائم ولكن عن خطر محتمل أو مفترض، وليس عليها أن تحترم الشرعية الدولية أو القانون الدولى أو المعاهدات أو الوعود.

أما شارون الذى قاد إسرائيل إلى الحرب على لبنان عام 1982 ولم يكن لهذه الحرب ضرورة عسكرية أو سياسية فإنه الآن فى موقف يجعله قادرا على أن يقول لأمريكا إن ما يفعله بالفلسطينيين هو ذاته ما يفعله بوش بالعراقيين، وانشغال أمريكا بالحرب ثم بإعادة ترتيب الأوضاع فى العراق وفقا لما تريد سوف يستغرق وقتا لن تكون مستعدة فيه للحديث عن الفلسطينيين وحقوقهم وعن الليكود وتدميره وحصاره وتعسفه مع الفلسطينيين، ولن تعترض أمريكا على التوسع فى بناء المستوطنات الإسرائيلية، ولن تطالب برفع الحصار على الفلسطينيين، وهذا ما عبّر عنه مارتن أنديك السفير الأمريكى السابق فى إسرائيل بقوله: إن حكومة شارون يمكنها أن تتنفس الصعداء.

ويبقى الأمل فى أن يرتفع صوت العقلاء فى أمريكا وإسرائيل بالدعوة إلى وقف حمامات الدم، وبناء السلام والاستقرار والأمن للجميع.. فإن هذا هو الطريق الصحيح لحماية المصالح الأمريكية، وحماية أمن إسرائيل، وإعادة الحقوق العربية.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف