العرب.. ؟ أين العرب ؟..
ى كل أزمة تبحث عن العرب فلا تجدهم، وتسأل عن الجامعة العربية فتسمع ضحكات السخرية، وتدعو إلى عمل عربى مشترك للانقاذ فتبدأ كل دولة عربية فى إثارة خلاف مع دول عربية أخرى وتبحث كل دولة عن ذريعة للتهرب من مسئوليتها..ولكن- مع ذلك- ينشط الجميع فى توجيه الاتهام إلى مصر بأنها هى المسئولة، وكأن الحالة العربية يمكن تلخيصها بما قاله الشاعر العربى القديم: (أسد علىّ وفى الحروب نعامة!).. أو كأن البعض يعمل بمبدأ علينا الكلام وعليكم الفعل.
وفى كل أزمة تتكرر الدعوة إلى عقد قمة عربية، وتنعقد القمة، وتصدر قرارات نهلل لها، ونتفاءل، ونقول لأنفسنا وللناس هذه بداية جديدة لموقف عربى موحد وعمل عربى مشترك.
ثم يذهب كل إلى بلده ونسمع بعضهم يسخر من القمة ومقرراتها ، ومن يقول إن المسألة كلام فى كلام ليس وراءه عمل، رغم أنه أيضاً مسئول عن القرارات وتنفيذها!.
والجامعة العربية هى دائماً كبش الفداء، وكأن هذا المبنى، ومجموعة الموظفين الذين يعملون فيه، بيدهم أن يفعلوا ما لا تفعله الدول صانعة القرارات والسياسات، وصاحبة الإرادة فى الفعل أو الامتناع عن الفعل، والقادرة على المشاركة فى العمل العربى المشترك ولو بأقل القليل. وهكذا يبدو أن علينا أن نقاسى من هذا المرض العربى، مرض السلبية، وفقدان الإرادة فى التعاون مع العرب، وتفضيل التعاون إلى أقصى درجة مع أطراف أجنبية إلى حد تسليم المقادير لها، مرض الهروب فى المواقف الصعبة تحت ذرائع وحجج مضحكة، تصل إلى حد الادعاء بأن الهروب هو الشجاعة.
والعرب الآن فى موقف صعب.. وكانوا قبل ذلك فى مواقف صعبة.. وسوف يجدون أنفسهم غداً فى مواقف أشد صعوبة.. ولن يفلت منها أحد مهما حاول.. ومهما ناور.. ومهما باع الآخرين على أمل أن ينجو وحده.
الحقيقة الوحيدة هى أن العرب إما أن يعملوا معا ليكونوا قوة لها تأثير، ويكون لهم صوت واحد مسموع، وتكون لهم إرادة قادرة على التأثير، وإما أن يتناثروا شظايا تسير كل منها فى فلك وحدها فيسهل اصطيادها والنيل منها.
ويقولون: أين مصر؟. ومصر تقول لهم أنا هنا.. حاضرة.. ومستعدة للعمل.. أين أنتم؟. أين إرادة العمل المشترك؟.. أين القدرة على إيجاد حلول حقيقية للخلافات القائمة بدلا من التغطية والاكتفاء باللقاء والقبلات وادعاء تصفية الأجواء بينما النفوس معبأة بالنفور؟.. إلى متى النفاق السياسى؟.. وإلى متى إرجاء المصارحة والتوصل إلى حلول للمشاكل التى تفسد العلاقات العربية؟.. والآن نحن فى موقف إما أن نعمل فيه معا، ونتفق على موقف موحد، ونشارك فى صنع مستقبلنا وإما أن نترك مستقبلنا يصنعه غيرنا، ولن يغفر التاريخ أبداً لمن يتهرب، أو يتلاعب فى هذه اللحظة التى أسماها الرئيس بوش لحظة مواجهة الحقيقة وهى فعلا كذلك بالنسبة للعرب جميعاً، وقد ظهرت الحقيقة أمام الجميع، فالولايات المتحدة تدمر العراق لكى تفتح مجالا لشركات التعمير للحصول على مليارات الدولارات لإعادة بنائه، وتستولى على البترول، وأموال العراق فى الخارج، وعلى أموال برنامج النفط مقابل الغذاء، وتبقى بجيوشها لاحتلال العراق، وتعيد بذلك عهد الاستعمار القديم، وتقسم العراق، وتعيد تكوينه كدولة فيدرالية وليس دولة موحدة كما هو الآن، وتفرض على العراق الصلح مع إسرائيل بشروط إسرائيل، وتحكم العراق حكما مباشرة أو غير مباشر، ولكن إدارة شئون العراق ستكون لجنرالات أمريكيين، ويتزامن ذلك مع ما تفعله إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية من قتل وتدمير، وما يجرى فى السودان من محاولات التقسيم، والبقية تأتى.
والمفروض أن يشعر العرب بالخجل حين يشاهدون أربعة وزراء يستقيلون من الحكومة البريطانية احتجاجا على الحرب ضد العراق، والوزير روبن كوك يستقيل ويعلن رفضه لهذه الحرب، بينما دول عربية تؤيد الحرب. وهذا ليس وقت التشفى، وليس وقت تصفية الحسابات .. سوف ينال المؤيدون للحرب من العرب ما ينال الرافضون لها، فالجميع ضحايا المخطط الذى يجرى تنفيذه.. وتبدو بعض الدول العربية فى حالة بحث عن كبش فداء لتبرير تراجعها، ولا تجد كبش الفداء إلا فى دولة عربية أخرى، وغالباً ما تكون هذه الدولة الضحية هى مصر.
والعرب فى الحقيقة يدفعون ثمن الأنانية والفردية، لقد تزايدت هجرة الأموال العربية إلى أمريكا وأوربا بدلا من استثمارها لتنمية الدول العربية، وتراجعت الاستثمارات العربية داخل البلاد العربية، ووصلت التجارة البينية بين الدول العربية وبعضها إلى 8% وحجم تجارتها مع العالم الخارجى 92%.. وفى هذه الحالة كان سهلا على أمريكا أن تفرض الحصار الاقتصادى على من تريد من الدول العربية دون أن تجد مقاومة أو اعتراضا من العرب أنفسهم، وإذا استمرت حالة التمزق وانتشار النزاعات والخلافات بين الدول العربية وارتباط كل دولة عربية فى نفس الوقت بأمريكا، فإن إسرائيل سوف تحقق كل أحلامها دون أن يقف فى طريقه شىء.
إن أمريكا تحل أزمتها الاقتصادية وعجز ميزانيتها بالسطو على الأموال العربية وعلى البترول العربى، وبفرض مبيعات السلاح على العرب حتى أصبحوا فى المرتبة الأولى بين دول العالم الثالث من حيث كثافة ونوعية الأسلحة دون أن يفعلوا بها شيئاً الآن أو مستقبلا، ولكنها فقط لإهدار الأموال وتنشيط تجارة وصناعة السلاح الأمريكى، وفى نفس الوقت تراجعت التنمية الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية فى البلاد العربية وتزايد العجز الغذائى فى إنتاج الدول العربية فتزايد الاعتماد على استيراد الغذاء.
والآن.. هذه لحظة مواجهة الحقيقة.
إما بالعمل على إحياء الجامعة العربية لتكون إطارا للعمل العربى المشترك حقيقة وليس كلاما، وإما بإيجاد إطار آخر تتجمع فيه الدول العربية الراغبة بصدق والقادرة فعلا على تحقيق مشروع مشترك للنهضة، ولا مانع من أن تبقى الجامعة العربية رمزا، أو منتدى، يلتقى فيه المختلفون والأشقـاء المتناحــرون، وتكـون كيـانا شكليا لا ينفع ولكنه لا يضر!.
وبدلا من القول أين مصر؟.. وماذا فعلت؟.. وماذا ستفعل؟..، تعالوا نعمل معا، لأن مصر وحدها لا تستطيع أن تكون البديل عن 20 دولة عربية، تعالوا واستجيبوا لنداء مصر بإقامة سوق عربية مشتركة ليس شرطا أن تشترك فيها كل الدول العربية، بل يكفى أن تقوم بين عدد من الدول العربية الجادة والمخلصة للفكرة، وليكن الباب مفتوحا لمن يريد أن يشارك بعد ذلك بشرط الجدية، وتعالوا لتنفيذ ما طالبت به مصر من حل المشاكل والأزمات بين العرب حلا حقيقيا بدلا من الاكتفاء بالحل الظاهرى والشكلى باللقاء وتبادل القبلات ثم الطعن من الخلف بعد ذلك.. وتعالوا لوضع ميثاق شرف بألا تعتدى دولة عربية على دول عربية أخرى مهما تكن الأسباب.. وإنشاء آلية حقيقية لفض المنازعات على أساس سليم كما تفعل الدول الاوروبية، وتعالوا لتنفيذ ما تطالب به مصر من إصلاحات سياسية حقيقية فى الدول التى ترغب فى البقاء على قيد الحياة وتنجو من الطوفان.
وإذا لم تفعلوا ذلك فلا تتحدثوا عن عمل عربى مشترك ولا تسألوا: أين العرب؟.. لأنهم لن يكون لهم وجود.