صدام الأصوليات
عندما بدأ الترويج فى الولايات المتحدة لنظرية (صدام الحضارات) التى أطلقها صمويل هنتنجتون نظر إليها المفكرون والسياسيون فى العالم العربى والإسلامى على أنها نوع من شطحات الفكر واجتهاد وصل بصاحبه إلى الشطط، لأن النظرية تنتهى إلى أن الصدام بين الغرب والإسلام صدام حتمى ولا مفر منه.
ولكن انتشار النظرية تم بطريقة غريبة، ومع ذلك لم يأخذها العرب والمسلمون مأخذ الجد، واكتفوا-كالعادة-بتكرار الحديث عن أن الإسلام يدعو إلى حوار الحضارات والتعاون بين البشر ويحرم الصراع لمجرد الاختلاف فى العقيدة أو التعارض فى المصالح، ولا يجيز الصراع إلا فى حالة الدفاع عن النفس أمام اعتداء صريح وغير عادل.
بعد ذلك ظهرت نظرية (صدام الأصوليات) وقيل فى تفسير الصراع الإسرائيلى-الفلسطينى إنه صراع بين الأصولية التى يمثلها الليكود والأصولية التى يمثلها حماس وحزب الله والجهاد.. الخ وامتلأت الكتب والمجلات العلمية بدراسات عن الجماعات الدينية اليهودية الأصولية فى إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية وتبنى البعض هذه النظرية لتفسير الصراعات العديدة المنتشرة فى أنحاء متفرقة من العالم، من يوغوسلافيا السابقة إلى الشيشان، ومن أيرلندا إلى أفغانستان وهكذا.
والجديد الآن أن يقدم البعض تفسيرا للنظرية التى تطبقها الإدارة الأمريكية الآن عن (الحرب الاستباقية) على أنها فى حقيقتها صورة من صور صدام الأصوليات، يقول اصحاب هذه النظرية إن الولايات المتحدة حدث فيها تحول أساسى لم يلتفت إليه كثيرون، جعل التيار الحاكم فيها الآن تيارا أصوليا يستند إلى أفكار وتهويمات دينية، ويوشك أن يتغلب على الروح الأمريكية التقليدية التى كانت تباهى بأنها علمانية وليبرالية ومعادية للتعصب والتطرف والجمود الفكرى، وأنها قلعة حرية الفكر وحرية العقيدة.. إلى آخر هذه المبادئ ويقولون إن هذا التيار الأصولى وصل إلى البيت الأبيض، وتكشف الدراسات الأمريكية الأخيرة عن وجود تيار مسيحى أصولى متشدد لا يختلف عن نظيره التيار الإسلامى الأصولى المتشدد، وهذا التيار هو الذى يروج لنظرية صراع الحضارات، ويعيد النزعة الأمريكية القديمة عن تفوق الرجل الأبيض أو تفوق الإنسان الأمريكى ويوشك أن يصل إلى مرحلة (أمريكا فوق الجميع) ويشمل التيار الأصولى فى أمريكا الكنائس المعمدانية وغالبية الكنائس البروتستانتية، وهذا التيار يضم شخصيات قيادية فى الكونجرس والبيت الأبيض والبنتاجون ويملك محطات تليفزيون وصحفا وإذاعات، ومن هؤلاء القس فولويل، والقس روبرتسون، والقس سواجارات وهم أشهر المعادين للعرب والمسلمين، ويكررون فى أحاديثهم التلفزيونية الادعاء بأن الإسلام دين فى جوهره إرهابى، وأن الحضارة الإسلامية قائمة على العداء للغرب.
والأشد غرابة من ذلك ما أذاعته وكالات الأنباء عن توزيع كتيبات على الجنود الأمريكيين المشتركين فى غزو العراق تتضمن دعوات وأذكارا وصلوات لكل يوم من أيام الأسبوع فيها دعوات للرئيس الأمريكى تذكرنا بما كان يدعو به الشيوخ للسلطان قلاوون وغيره من سلاطين القرون الوسطى، وفى هذه الكتيبات صفحة ينزعها الجنود بعد التوقيع عليها ويسلمونها إلى قيادتهم لإرسالها إلى البيت الأبيض مكتوب فيها: (لقد صليت من أجلك ومن أجل عائلتك، وموظفيك، ومن أجل جنودنا.. ليكن سلام الله دليلك)..
وتقول صلاة يوم الأحد (أننى أدعو الرب من أجل أن يلجأ الرئيس ومستشاروه إلى الله كل يوم ولا يعتمدون على فهمهم الخاص) وصلاة يوم الاثنين تقول (إننى أدعوك يا رب أن يكون الرئيس ومستشاروه أقوياء وشجعانا لعمل الصواب بغض النظر عن النقاد )قد لا نصدق أن ذلك يحدث فى أمريكا .. ولكن الواقع أن ذلك هو ما يحدث!