بوش يسير وحده !
الصورة المنشورة على الغلاف نشرتها مجلة (تايم) الأمريكية فى عددها الأخير، للرئيس جورج بوش وهو يسير على طريق طويل يبدو كأنه لا يوصل إلى شىء، وقد أعطى ظهره للعالم وكتبت بالبنط العريض على صفحتين عنوانا يقول (بوش يسير وحده).. ولم نجد أبلغ من هذه الصورة تعبيرا عن موقف الإدارة الأمريكية.
فالإدارة الأمريكية تبدو أمام العالم فى هذه الأيام فى صورة عدوانية لم يسبق لها مثيل.. تبدو متعطشة للحرب من أجل الحرب وليس من أجل تدمير أسلحة أو تغيير نظام حكم فى دولة لم تعتد على أمريكا أبدا ولم تهدد الأمن القومى الأمريكى كما تدعى الإدارة الأمريكية.
الإدارة الأمريكية تعطى ظهرها لشعوب العالم.. المظاهرات تدوى فى جميع أنحاء العالم وفى داخل أمريكا، واستطلاعات الرأى تشير إلى أن 12% فقط من الأمريكيين يؤيدون الحرب على العراق، والرئيس بوش يعلق على كل ذلك بأنه شىء طيب أن يعبّر الناس عن آرائهم، ولكن المظاهرات- أى الشعوب- لا دخل لها بالقرار.
ومجلس الأمن يسود فيه الاتجاه إلى عدم الحاجة إلى قرار يعطى لأمريكا الحق فى تدمير واحتلال العراق، بينما استجاب العراق لقرار مجلس الأمن، وفتح جميع المواقع بما فيها قصور الرئاسة للمفتشين يدخلون ويخرجون ويفتشون كما يشاءون، ورئيس فريق المفتشين يعلن رسميا وبصوت عال أن العراق يتعاون إيجابيا مع المفتشين، ويدمر الصواريخ التى أرادت أمريكا تدميرها، لأنها رأت أن فيها خطورة محتملة على إسرائيل، ومدير هيئة الطاقة النووية يعلن أمام العالم أن عمليات الفحص والتحليل للهواء والمياه وأعماق الأرض والتفتيش فى المعامل والمصانع والمدارس والجامعات أثبتت أنه ليس للعراق أية قدرات نووية، وأن المواسير الألومنيوم التى ادعت أمريكا أنها لصناعة قنابل نووية ثبت من الفحص أنها مستوردة لأغراض صناعية وليس لها أية علاقة بالقنابل النووية من قريب أو بعيد.. ومع ذلك أعلن الرئيس بوش أن العراق لا يتعاون ولم ينفذ قرار مجلس الأمن وقرار تدمير العراق لا رجعة فيه.
وفى بريطانيا استقالت وزيرة فى الحكومة احتجاجا على التبعية والخضوع من جانب رئيس الوزراء تونى بلير لسياسة الإدارة الأمريكية، وإرسال جنود بريطانيا لحرب بلا سبب سوى اقتسام الغنائم، وهدد أربعة وزراء آخرين بالاستقالة إذا شاركت القوات البريطانية فى الحرب، ورفض 112 عضوا من أعضاء مجلس العموم عن حزب العمل الحاكم هذه الحرب، واضطرت الحكومة البريطانية تحت ضغط الرفض الشعبى الذى لم يسبق له مثيل، اضطرت إلى إعلان أنها لن تشترك فى الحرب إلا بناء على قرار من مجلس الأمن يعطيها الحق فى ذلك، فكان رد الإدارة الأمريكية على لسان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن أمريكا سوف تحارب حتى بدون اشتراك حليفتها بريطانيا، وبدون قرار من مجلس الأمن، وحتى لو استخدمت فرنسا وروسيا الفيتو، وحتى.. وحتى..
العالم فى جانب.. والإدارة الأمريكية وحدها فى جانب.
والشعوب العربية فى حالة غليان ولا أحد يستطيع التكهن بما سيصل إليه الأمر بعد ذلك، والشعوب العربية تضغط اليوم على الحكام، وغدا قد لا تستطيع الحكومات مقاومة الضغوط المتزايدة عليها، والعالم العربى أصبح فيه رأى عام مؤثر ويمكن أن يؤدى إلى انفجار.. والإدارة الأمريكية تستهين بمطالب الحكومات، وبإرادة الشعوب، وتغمض العيون عن الاحتمالات المخيفة المحتملة.
وإذاعات وصحف العالم تنقل أصداء الغضب العالمى، وتشير إلى بعض المخاطر التى ستؤدى إليها الحرب وما سيعقبها من استمرار الاحتلال العسكرى للعراق وللدول العربية.. والإدارة الأمريكية تعلن أن القوات الجوية الأمريكية قامت يوم الثلاثاء 11 مارس الحالى بتجربة أكبر قنبلة تقليدية فى الترسانة العسكرية وزنها 21 ألف رطل- أى 9 آلاف وخمسمائة كيلو جرام- أى تسعة أطنان ونصف الطن، وأن هذه القنبلة سوف تستخدم فى الحرب ضد العراق لتدمير المواقع الحساسة وتحت الأرض، ولتحويل المأساة إلى نكتة أطلق العسكريون الأمريكيون على قنبلة الدمار الشامل هذه اسم (أم القنابل)، وكأن الموت والخراب وما سيحدث فى العراق من الأمور المسلية خاصة بعد أن تم السماح بتداول شريط فيديو لعملية تفجير القنبلة وينتج عن الانفجار كرة ضخمة من اللهب، وهالة بيضاء ارتفعت مئات الأقدام فى عنان السماء.. كل ذلك للتأثير على معنويات العسكريين والمدنيين فى العراق والعالم العربى.
وبابا روما أرسل مبعوثا خاصا إلى الإدارة الأمريكية لإبلاغها بأن البابا يعتبر الحرب على العراق حربا غير مشروعة وغير عادلة. وجاء الرد على لسان الجنرال تومى فرانكس قائد القوات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط: إن القوات أصبحت جاهزة!
وأصوات العقلاء فى الشرق الأوسط والعالم، وفى أمريكا يقولون إذا قامت الحرب فلن يكون هناك استقرار فى منطقة الخليج، ولا فى العالم العربى كله، ولا فى الشرق الأوسط، وسوف تحرق النار أصابع أمريكا أيضا، وتحدى الولايات المتحدة للأمم المتحدة وخروجها على الشرعية الدولية سيؤدى إلى انهيار الأمم المتحدة كما انهارت عصبة الأمم المتحدة، والإدارة الأمريكية تقابل كل ذلك بدفع المزيد من القوات والأسلحة وحاملات الطائرات ورفع درجة الاستعداد للحرب.
وحتى تقارير الحكومة الأمريكية ذاتها التى نشرت أخيرا أظهرت أن حالة الحرب هذه أدت إلى تعثر الاقتصاد الأمريكى منذ يناير الماضى، والبنك المركزى الأمريكى (الاحتياطى الفيدرالى) أعلن فى تقرير منذ أيام أن حالة الحرب أدت إلى إيجاد مناخ من عدم الاستقرار، وأدى ذلك إلى تباطؤ معدلات النمو خلال يناير وفبراير من هذا العام، وتراجع الإنفاق العائلى، ونقص الاستثمارات، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادى المتوقعة على المدى القصير، وانخفاض معدلات الإنتاج الصناعى فى أغلب مناطق الولايات المتحدة، وقابلت الإدارة الأمريكية هذا التقرير بالصمت والاستهانة!
الإدارة الأمريكية منهمكة فى إعداد اللمسات الأخيرة لحرب هدفها تدمير العراق، بينما قالت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية إن إدارة الرئيس بوش طلبت من خمس شركات أمريكية التقدم بعطاءات لتنفيذ عقود لإعادة إعمار العراق بعد الحرب، وأن هذه التعاقدات ستحقق أرباحا طائلة لهذه الشركات، وأن نائب الرئيس ديك تشينى كان يعمل مديرا لواحدة من هذه الشركات الكبرى هى شركة (هاليبيرتن) فى الفترة بين عامى 1995 وحتى توليه منصب الرئيس عام 2000، وطبعا سوف يعود إليها بعد انتهاء فترة ولايته.
معنى ذلك أن الإدارة الأمريكية قررت تدمير العراق، على أن يتحمل العراق ودول الخليج تكلفة القوات الأمريكية بالكامل، ثم تتولى الشركات الأمريكية إعادة بناء ما دمرته القوات الأمريكية بتكلفة تصل إلى مليارات الدولارات يتحملها العراق من برنامج النفط مقابل الغذاء.
أى أن هذه الحرب ليس إلا عملية (بزنس) لكى تحقق الشركات الحربية والمدنية الأمريكية أرباحا طائلة، وكلها من عائدات البترول العربى، وبصراحة أعلنت الإدارة الأمريكية أن الدولة التى لن تشترك معها فى هذه الحرب لن تنال نصيبا من (الكعكة) بعد الحرب.
الأكثر بشاعة من ذلك ما ذكرته (وول ستريت جورنال) من أن العطاءات التى تقدمت بها الشركات حتى الآن إلى وكالة التنمية الدولية الأمريكية تشمل إعادة إنشاء 2400 كيلومتر من الطرق ستدمرها القوات الأمريكية، وإعادة إنشاء شبكات الكهرباء وآلاف المدارس وتوريد 550 مولدا كهربائيا لاستخدامها بعد تدمير شبكات الكهرباء وإلى حين إنشاء الشبكات الجديدة، وذكرت الصحيفة أن الشركات الخمس هى: بكتل جروب، وفلور كورب، وكيلوج بروان أندروت التابعة لشركة هاليبيرتن، ولويس بيرجر جروب، وبارسونز كورب.. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن الشركة التى كان مديرها ديك تشينى هى التى فازت بعقود الإشراف على عمليات مكافحة الحرائق فى حقول النفط بالعراق بعد الغزو الأمريكى.
وكان رد الفعل فى بريطانيا أن سارعت شركة برتش بتروليوم، وشركة شل إلى إجراء مفاوضات مع الحكومة البريطانية لتحديد نصيب كل منهما من عقود النفط العراقية بعد أن حصلت الشركات الأمريكية على معظم العقود، وذلك ضمن (تقسيم المغانم الضخمة المتوقعة من غزو العراق) بزعم تدمير أسلحة الدمار الشامل.. وذكرت صحيفة (فاينانشيال تايمز) البريطانية أن الشركات البريطانية العملاقة ناقشت مع المسئولين الحكوميين موضوع عدم استحواذ الشركات الأمريكية على عقود استغلال نفط العراق وإعادة بنائه بعد تدميره، وحضر هذه المفاوضات جيفرى نوريس كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء تونى بلير، وجاء تحرك الشركات البريطانية عد أن أجرت إدارة الرئيس بوش اجتماعات مع شركات أمريكية عملاقة لتوزيع عقود النفط، وإعادة البناء، والغذاء.
***
رؤساء الكنائس المسيحية فى أوربا اجتمعوا فى برلين يوم 5 فبراير الماضى بدعوة من مجلس الكنائس العالمى، ومجلس كنائس أوربا، والمجلس الوطنى لكنائس المسيح فى أمريكا، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، وكان هدف اللقاء إيجاد موقف مشترك للكنائس ردا على التهديد العسكرى ضد العراق، وأصدروا بيانا عبّروا فيه عن قلقهم من التهديدات بضرب العراق، وقالوا فى بيانهم: (تدعونا محبتنا للآخر، كأهل للإيمان، أن نعارض الحرب، وندعو إلى حل سلمى للنزاعات، ونصلى من أجل العدل، والحرية، والسلام، والأمن، لأهل العراق والشرق الأوسط عامة.. إننا نرفض أن تعتبر الدول القوية الحرب أداة للسياسة الخارجية لأن ذلك يخلق فى العالم جوا من الخوف والتهديد وعدم الأمن، ونحن لا نقبل الأهداف المطروحة للحرب ضد العراق من الولايات المتحدة والحكومات الأخرى، وأن استخدام الضربات العسكرية الوقائية، واللجوء إلى الحرب كأداة لتغيير نظام الحكم فى دولة مستقلة ذات سيادة هو أمر غير أخلاقى، ويمثل خرقا لميثاق الأمم المتحدة، وإننا نهيب بمجلس الأمن أن يدعم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذى يحد من الاستخدام الشرعى للقوة العسكرية، وأن يمتنع مجلس الأمن عن إصدار قرار يسمح بالحرب ويخلق بذلك سابقة استخدام العنف لحل النزاعات الدولية.)
هل هناك موقف أكثر قوة ووضوحا من هذا الموقف من كنائس العالم؟
بل إن كنائس العالم قالت أيضاً: (إن القوة العسكرية وسيلة غير مناسبة لنزع أسلحة الدمار الشامل فى العراق، ونصمم على إعطاء الأمم المتحدة الفرصة للعمل وفق آلياتها للتحرى عن وجود هذه الأسلحة، وإعطائها الوقت الكافى لإنجاز عملها. ويجب أن تلتزم كل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بحل النزاعات بوسائل سلمية، ونهيب بحكومة العراق أن تقوم بتدمير أى أسلحة للدمار الشامل لديها وكذلك الأبحاث المتعلقة بها ووسائل إنتاجها، وأن تتعاون الحكومة العراقية تماما مع مفتشى الأمم المتحدة، وأن توفر لرعاياها ضمانات حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية، وأن يجد العراقيون الأمل بوجود بدائل للدكتاتورية والحرب.
وقال بيان كنائس العالم: ستكون للحرب نتائج غير مقبولة إنسانيا، منها تشريد الكثيرين، وتخريب الدولة، واحتمال حدوث حرب أهلية، وستؤدى إلى قلقلة الوضع فى المنطقة.. وإن حالة أطفال العراق، وكل أولئك الضحايا الذين ماتوا بلا سبب وبلغ عددهم مئات الآلاف خلال اثنى عشر عاما من الحصار على العراق، كل ذلك يجثم على صدورنا، ونحن نؤكد على ضرورة الالتزام بالمبادئ الإنسانية، ونحذر من النتائج الطويلة الأمد للحرب على الحياة الاجتماعية والسياسية، وأن تغذية نيران العنف سوف تستهلك المنطقة، وستزيد قوة أفكار التطرف والكراهية، وتولد مزيدا من عدم الأمان وعدم الاستقرار فى العالم، وعلينا نحن رؤساء الكنائس المسيحية فى أوربا واجب أخلاقى فى مواجهة مشاعر الكراهية للغرباء فى بلادنا، وتخفيف مخاوف العالم الإسلامى من أن الغرب المسيحى ضد الحضارة والدين والقيم الإسلامية.
وأخيرا قال رؤساء الكنائس المسيحية فى أوربا جميعا: إننا نجهر بمعارضتنا للحرب ضد العراق.
هل وصلت هذه الصرخات من جميع الكنائس الأوربية إلى أسماع الرئيس الأمريكى؟
***
إذا لم يكن قد سمعها، فهل سمع نداء مجلس الكنائس العالمى الذى صدر بتوقيع القس كونراد رايزر لمنع الحرب على العراق وبعث مجلس الكنائس العالمى نداءه إلى الرئيس الأمريكى؟ وإلى الدول الأعضاء فى مجلس الأمن، وتضمن البيان إدانة قرار الكونجرس الأمريكى باستخدام القوة ضد العراق.. لقد حذر مجلس الكنائس العالمى فى بيانه من أن إنزال العقوبات على المواطنين الأبرياء لا يمكن أخلاقيا أن يقبله أحد، ويحذر المجلس من العواقب السياسية والدينية والاجتماعية على المدى الطويل لهذه الحرب، وهى (حرب من طرف واحد).. وقال البيان: إن أصوات المسيحيين الملتزمين بتعاليم المسيح وبرؤيا نبوية للسلام تتردد حول العالم ضد هذه الحرب غير المشروعة، وغير الأخلاقية، ضد العراق وهى حرب تفتقد الحكمة..!
هل سمع الرئيس بوش أصوات المسيحيين المؤمنين الذين عبّر عنهم مجلس الكنائس العالمى؟
وهل سمع ما أعلنه مجلس كنائس كندا يوم 15 فبراير الماضى وأشار إلى آخر استطلاع للرأى أظهر أن الغالبية العظمى من الكنديين تعارض الحرب الأمريكية على العراق، وليس فى كندا سوى 10% فقط يؤيدون بوش فى هذه الحرب. وفى البيان يقرر مجلس كنائس كندا: (لا يوجد تبرير أخلاقى لهذه الحرب.. وكنائس كندا تعارض الحرب غير العادلة. وأن مجلس الأمن سوف يفقد مصداقيته إذا خضع لضغوط الولايات المتحدة بالموافقة على الحرب، وقال البيان: إن إيماننا يعلّمنا أن نعارض هذه الحرب سواء بتفويض أو بدون تفويض من مجلس الأمن.
هل وصل هذا النداء إلى الرئيس بوش؟
***
وهل وصل نداء الهيئات المسكونية الألمانية إلى الرئيس بوش وهو نداء واضح وقوى برفض الحرب يحذّر من أن نتائجها سوف تكون كارثة إنسانية، وستؤدى إلى تقويض الأمم المتحدة وميثاقها، ويقول النداء (من المستحيل التنبؤ بالعواقب السياسية والاجتماعية الوخيمة لهذه الحرب سواء على دول الشرق الأوسط أو على العالم).
وهل وصل إلى الرئيس بوش بيان اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط برئاسة البابا شنودة الثالث، والبطريرك بطرس السابع، والمطران كيرلس سليم، والقس صهيونى، رؤساء كنائس الشرق الأوسط الأرثوذكسية الشرقية، والأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية، وهل قرأ مطالبة رؤساء الكنائس لأمريكا برفع الحصار عن شعب العراق وتجنيبه الحرب التى ستؤدى إلى نتائج مأساوية ليس لشعب العراق وحده بل للمنطقة كلها؟.. هل وصل هذا البيان إلى الرئيس بوش؟
***
وهل وصل إلى الرئيس بوش الملف الذى يحمل عنوان (الكنائس والعراق) الذى جمع قرارات وبيانات ومواقف كنائس العالم برفض الحرب الأمريكية على العراق واعتبارها استعمارا جديدا ترفضه كل الكنائس؟
بل هل وصل إلى الرئيس بوش ما أعلنه قادة الكنائس المسيحية فى الولايات المتحدة من رفض هذه الحرب على العراق، ورفض الادعاء بأنها حرب عادلة، وما قاله العضو الديمقراطى السابق فى مجلس الشيوخ توم أندروز من أن معظم الكنائس ومعظم المسيحيين فى أمريكا يعارضون الرئيس بوش فى حربه للعراق، وإن كان الرئيس يجد تأييدا من المحافظين فى الجنوب ومعظمهم من الإنجيليين، ولكن الأغلبية من الكنائس الأمريكية أعلنت أن الرئيس بوش لم ينجح فى تبرير الحرب، وكانت العبارات التى استخدمها قادة الكنائس ضد الحرب عنيفة جدا، وقالوا: (لا يمكن أن نتصور أن يسوع المسيح سيدعم هذا الهجوم) وحتى جيم وينكلر المسئول عن الكنيسة التى يتبعها الرئيس بوش نفسه أعلن: (إن الحرب الوقائية على العراق تتعارض مع كل ذرة من مفهومنا للإنجيل، ولتعاليم الكنيسة، وتخالف ضميرنا).
ورئيس أساقفة كانتربرى الدكتور روان ويليامز ورئيس أساقفة ويستمنستر الكاردينال كروماك مورفى فى بريطانيا أعلنا معارضتهما لهذه الحرب وأصدرا بيانا مع رئيس الكنيسة الكاثوليكية قالوا فيه إن الحرب على العراق (غير شرعية وغير أخلاقية).
***
بل.. هل سمع الرئيس بوش ما أعلنه البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان من معارضته للحرب ضد العراق وقال (إن الحرب كانت دائما هزيمة للإنسانية، والعراقيون تحملوا معاناة كبيرة حتى الآن نتيجة الحصار الذى استمر اثنى عشر عاما.. وإن الحرب لم تكن يوما وسيلة عادلة لحسم الخلافات..
وهل سمع الرئيس بوش ما قاله البابا لرئيس الوزراء البريطانى تونى بلير من رفضه للحرب وضرورة العمل على تجنب هذه المأساة، ووقف ما يعانى منه الشعب العراقى بسبب سنوات الحصار.
وهل سمع الرئيس بوش بالنداء الذى وجهه البابا وقرر فيه أن يكون يوم 5 مارس يوما للصوم والصلاة لإبعاد شبح الحرب (الذى يزرع الموت).
وهل سمع نداءات رئيس أساقفة طرابلس، وبطريرك السريان، وبطريرك روسيا، ومجمع الكنائس اليونانية، وبطريرك جورجيا، وبطريرك صربيا، وبطريرك الروم الأرثوذكس، وبطريرك الروم الكاثوليك، وكلها ترفض الحرب؟
***
وهل استمع الرئيس بوش إلى نداء فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى، ونداء بطريرك الكنيسة المرقسية البابا شنودة الثالث، ونداء القس صفوت البياضى رئيس الهيئة الإنجيلية فى مصر.. وكلها ترفض الحرب.
مـاذا يـريد الرئيس الأمريكى ليعرف أنه فعلاً- كما قالت مجلة تايم- يسير وحده؟
***
وهل قرأ الرئيس بوش افتتاحية صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية يوم 10 مارس الحالى بعنوان (لا للحرب) وقالت فيه إن الخيار الأفضل أمام الرئيس الأمريكى استمرار عمليات التفتيش عن الأسلحة فى العراق بدل الحرب، وإذا كان المطلوب قول نعم أو لا لغزو العراق فإن إجابتنا هى: لا، ويكفى استمرار التفتيش واستمرار الحظر على برنامج العراق لإنتاج الأسلحة، وإضافة مئات من المفتشين، والاكتفاء بالتهديد بالحرب، ولو كان بوش قد أدار النزاع مع العراق بطريقة متوازنة وحكيمة لكان قادرا الآن على حشد أصوات الأمم المتحدة وراء برنامج التفتيش، ويكون بذلك قادرا على إعلان أنه انتصر، ويعيد معظم القوات الأمريكية إلى الوطن، ولكن بوش مع الأسف، بمطالبته بتغيير نظام الحكمة، جعل حصوله على التأييد فى هذه السياسة صعبا، ووضع نفسه فى وضع صعب سواء بدأ الحرب أو انسحب، وسيجد نفسه مضطرا للحرب رغم أن أمريكا ليست معرضة لخطر من جانب العراق، ورغم سذاجة الربط بين العراق وأحداث 11 سبتمبر لا يوجد أى دليل على ذلك، بل إن أنصار بن لادن فى دول أخرى فى المنطقة كانوا فيها كما هو ثابت ولم يكن منهم أحد فى العراق، وليس من المفروض أن تشن دولة كبرى الحرب وتقرر غزو دولة أخرى عسكريا بناء على الظنون أو استنادا إلى معلومات استخباراتية واهية ومفككة! وحتى حجة بوش بأن العراق لم يذعن لقرار مجلس الأمن يكذبه تقرير رئيس المفتشين الذى أكد التعاون الإيجابى للعراق مع المفتشين، وإذا تجاهلت الإدارة الأمريكية مجلس الأمن وهاجمت العراق بمفردها فإن الضحية الأولى لهذه الحرب ستكون هى الأمم المتحدة نفسها، وإن السيناريو كله يعيد إلى الذاكرة ما قيل فى حرب فيتنام من أن أمريكا مضطرة لتدمير قرى بأكملها لإنقاذها!
هذا ما قالته (هيرالد تريبيون) وقالت أيضا: إن بوش قام بتغيير سبب الغزو عدة مرات، وآخر مبرر أن الولايات المتحدة تريد بالحرب تغيير المنطقة وتغيير العراق وفرض الديمقراطية، وهذا هدف يستحيل تحقيقه بالحرب ويتحدى الإرادة الدولية، ونظرية أن الحرب هى الحل للمشكلات المزمنة فى المنطقة نظرية خطيرة جدا؛ والأخطر منها أن الرئيس بوش بعد أن أعلن عن استعداده للعمل على حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، أصبح الآن يقول بنظرية أخرى هى أن غزو العراق هو الحل لهذا الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وإن كان سحب القوات الأمريكية يعنى الفشل بالنسبة للرئيس بوش، فإنه سوف يمضى فى طريقه على أمل أن يسقط الجيش العراقى نتيجة الضغط الذى تمارسه أمريكا عسكرياً وسياسياً، ولكن فى النهاية لن يستطيع الرئيس بوش حل كل النزاعات فى العالم بالجيش الأمريكى، ودون مساندة دولية، وبالتنكر للمبدأ الذى يقضى بعدم جواز ضرب دولة أخرى دون أسباب قوية جدا، أما الأسباب التى يبديها الرئيس بوش فهى أسباب غامضة، أو قائمة على افتراضات مشكوك فى صحتها، وعليه التوقف، والبحث عن وسائل أخرى، أقل تطرفا، لتحقيق أهدافه.
هل قرأ الرئيس بوش (هيرالد تريبيون) وقولها له: عليك التوقف، والبحث عن وسائل أخرى، أقل تطرفا، لتحقيق أهدافك.
وإلى متى سيظل الرئيس بوش يسير وحده؟ وإلى متى سيظل يزيد نيران الكراهية لأمريكا اشتعالا فى العالم العربى، والعالم الإسلامى، حتى جعل مركز الدراسات الإسلامية التابع للأزهر يخرج عن وقاره ويعلن أن الحرب على العراق هى (حرب صليبية جديدة)! وإن كان الرئيس بوش ذاته هو الذى استخدم هذا التعبير، لكنه تراجع عنه، وأعلن أنه لم يكن يقصد أنها حرب صليبية فعلاً، ونحن نصدقه، أو نحن نريد أن نصدقه، والحقيقة نحن نتمنى أن نصدقه.