هل هى حرب على الإسلام
أشعر بالقلق كلما قال الأمين العام للحزب الوطنى السيد صفوت الشريف إن الحزب الوطنى هو حزب كل المصريين. وأتمنى أن يقول إنه حزب الأغلبية وليس حزب (كل) المصريين.

ولولا أننى أعرف إيمان صفوت الشريف بالتعددية، وبحق الأحزاب الأخرى فى الحياة لظننت أن هذه نزعة جديدة للحزب الوطنى لاحتكار العمل السياسى، والقضاء على الأحزاب القائمة والعودة إلى الحزب الواحد.

ومع ذلك فقد يكون هناك كثيرون لا يعرفون عن صفوت الشريف وسياسات الحزب ما أعرفه، ويتصورون أن الحيوية الشديدة التى دبت فى الحزب، وظهور تيار يقود الحزب على أسس تنظيمية وسياسية جديدة ومنظمة، ويتحرك بوعى سياسى جعل الحزب الوطنى حزبا بحق يناضل يوميا للإبقاء على تأييد الجماهير له، واكتساب المزيد من الأعضاء والأنصار.

وكل هذا شىء عظيم وكنا نطالب به منذ سنوات.. وكان يقال لنا: اسكتوا.. نحن أدرى.. نحن قادرون على تسخين أو تبريد الحزب فى الوقت المناسب.. وفشلت نظرية المقدرة على امتلاك مفاتيح الناس بالسلطة أو بقرارات، وظهر فشل لعبة التسخين والتبريد، وانتصر أصحاب نظرية العمل السياسى على أسس علمية، وبناء الحزب من جديد، وبفكر جديد، وقيادات جديدة، وأسلوب جديد فى العمل السياسى والإدارة الحزبية..

إلى هنا ونحن سعداء ومقدّرون لكل ما يحدث فى الحزب الوطنى من تحرك وتفاعل مع الجماهير.. ولكن هناك نقطة ربما لا يلتفت إليها البعض فى غمرة العمل، وحماسة السعى إلى تحقيق الوجود الحزبى، وهى أن أحزاب المعارضة فى مصر كثيرة العدد، قليلة الأنصار، وقليلة الفاعلية، والقليل جدا منها له وجود فى الساحة السياسية، والكثير منها مجـرد لافتــات، وربما تكون لهـا صحف لا تعكس وعيا سياسيا ولكنها تعكس مرحلة انتهى عصرها من المراهقة السياسية، والاقتصار على تشويه وهدم ما يفعله الآخرون، وشعارهم: أنتم تعملون ونحن جالسون نوجه إليكم النقد بالحق وبالباطل..

والأحزاب الورقية التى يحدث قادتها أنفسهم لأنهم لا يجدون من يتحدثون إليهم.. لابد أن تشعر بأن القوة التى يتحرك بها الحزب الوطنى أصبحت خطرا عليها، بل خطرا على الحياة الحزبية كلها، لأنها قد تؤدى إلى أن تنفض الأعداد القليلة المشتركة فى هذه الأحزاب عنها، وتدخل هى الأخرى فى زمرة الحزب الوطنى، ما دام الحزب الوطنى هو حزب كل المصريين وبذلك تنتهى التعددية ونعود إلى الحزب الواحد!

هذه المخاوف لدى الأحزاب الصغيرة والأحزاب الورقية مخاوف مشروعة ويحسن النظر إليها بجدية، لأنه لا يمكن أن يكون هناك شعب من الشعوب كتلة سياسية واحدة، وفكرا سياسيا واحدا، ولو حدث ذلك فسوف يكون خطرا وخطأ..

فالشعب المصرى يلتف حول قائد واحد.. يثق فيه.. ويسير خلفه.. ويؤمن بصدق وطنيته.. وبحكمته وقدرته على قيادة سفينة الوطن وسط العواصف حتى تصل إلى بر الأمان.. هذا القائد يحظى بالإجماع الشعبى باعتباره قائدا للوطن، ورئيسا لكل المصريين على اختلاف تياراتهم السياسية.. فالكل عنده سواء.. هو مسئول عن الجميع.. والجميع يسيرون خلفه عن إيمان ويقين.. هذا شىء، والحزب الوطنى شىء آخر.. الحزب الوطنى حزب.. من حق كل مصرى أن يختار ممارسة العمل السياسى فيه أو يختار غيره دون أن يحق لأحد أن يشكك فى إخلاصه للوطن.. فكل الأحزاب وطنية.. حتى الأحزاب الورقية.. وكل من فيها وطنيون ومخلصون وليس لهم من هدف سوى الخدمة العامة، والمشاركة فى التفكير فى مستقبل البلد، ومن المشروع أن يكون لديهم طموح فى تولى المسئولية إن استطاعوا الحصول على ثقة الناس.

وأهم ما يميز مصر والمصريين هذا التنوع الخلاّق فى الأفكار، وهذه الحيوية الفكرية والسياسية التى لم تخلُ منها مصر فى أى وقت، وإن كانت قد أسدلت عليها ستائر فى وقت ثم عادت إلى الحياة.. ولكن- بصراحة- تعانى بعض وليس كل أحزاب المعارضة من عدم وجود فكر وبرنامج سياسى واضح ومقنع، ولديها مشكلة هى عدم قيام هذه الأحزاب بعملها بأسلوب علمى منظم مستفيدة من تجارب الأحزاب فى الدول الديمقراطية المتقدمة.

وأمام أحزاب المعارضة مشكلة أكبر، وهى أن قيادة الرئيس مبارك للحزب الوطنى تجعل له ثقلا لا يمكن منافسته مهما عملت، فالرئيس مبارك ليس مجرد رئيس جمهورية، ولكنه زعيم كل الشعب، ولذلك يجب التركيز على التفرقة بين وضع الرئيس مبارك كزعيم للمصريين، وبين وضعه كرئيس حزب.. وعدم الخلط بين المكانتين.. وإلا فسـوف يؤدى ذلك إلى القضـــاء على أحـــزاب المعارضة.. وليس ذلك فى صالح الحياة السياسية ولا فى صالح البلد.

مشكلة أحزاب المعارضة أنه لا يوجد فيها زعيم، ولا مشروع زعيم، وليس لديها قدرة على كسب تأييد الجماهير ولو بأعداد محدودة معقولة، وهؤلاء يرفعون عن أنفسهم أعباء الاعتراف بالقصور والتقصير، فيطالبون الرئيس مبارك بالتخلى عن قيادة الحزب، بدلاً من أن يطالبوا أنفسهم بالعمل على تطوير أنفسهم، وتطوير فكرهم، وتطوير برامجهم وأساليبهم فى العمل مع الجماهير.. إنهم يطالبون الحزب الوطنى بأن يتخلى عن مصدر قوته بدلاً من أن يعملوا على كسب مصادر قوة لأحزابهم.. إنهم يريدون أن يهبط الحزب الوطنى إلى مستواهم بدلاً من أن يرتفعوا هم إلى المستوى الذى وصل إليه الحزب الوطنى.

حقيقة أن أحزاب المعارضة فى مأزق.. وهى المسئولة عما وصلت إليه، وأمامها الآن فرصة نادرة لإعادة بناء تنظيماتها وأفكارها وعملها، وكلهم يتحدثون عن تداول السلطة بينما لم تشكل معظم هذه الأحزاب وزارات ظل أو لجاناً متخصصة للدراسة والاستعداد لهذا التداول إن كانوا جادين فى ذلك.. ولم تنتقل هذه الأحزاب من موقف المعارض لكل شىء والناقد لكل عمل وكل شخص.. إلى موقف بنّاء يطرح البدائل.. ويقدم الحلول.. لم تتحول هذه الأحزاب من موقف المعارضة السلبية إلى موقف المعارضة الإيجابية.. ولم تسهم فى إثراء الفكر والعمل الوطنى.

ومع ذلك فإن تنمية الديمقراطية تستلزم تقوية واحترام أحزاب المعارضة، ومساعدتها على أن تجد الطريق الصحيح للعمل الحزبى، وتخطى مرحلة المراهقة السياسية للوصول إلى مرحلة الرشد السياسى.

وإن كانت هذه الأحزاب هى المسئولة عن نفسها.. فإن الحزب الوطنى أيضا مسئول عن المساهمة فى ذلك باعتباره حزب الأغلبية، والأكثر قدرة تنظيمية، والأقوى فى الساحة السياسية والأعظم تأثيرا.. الحزب الوطنى مسئول عن إفساح المجال أمام أحزاب المعارضة للظهور والعمل.. والأخذ بيدها بقدر الإمكان.. لأن المباراة لن يكون لها معنى إذا كان فى الملعب فريق واحد.

وقد يكون ذلك دافعا لظهور حزب معارض جديد بكــوادر جديدة محترمــة لها ثقل.. وبفكر جديد له قدرة على إقناع وجذب جانب من الجماهير.

والمسألة تحتاج إلى وقفة للتفكير فى مستقبل الأحزاب والعمل الحزبى.. وليس هناك وقت مناسب أفضل من الآن
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف