شيخ الأزهر .. لماذا لايذهب إلى أمريكا ؟
ما العمل وقد بلغت موجة العداء للإسلام والمسلمين فى الغرب مداها، وأصبحنا نقرأ كل يوم مقالات وتصريحات المسئولين، وأبحاث مراكز الدراسات والكتب ما يعكس حقيقة تدعو للقلق.. بل للخوف مما يمكن أن تأتى به الأيام نتيجة سوء الفهم وسوء القصد فى الغرب تجاه الإسلام؟.
ما العمل وقد وصل الهجوم على الإسلام إلى مستوى رؤساء دول وقادة عسكريين، ومسئولين عن وضع الاستراتيجيات؟.
ماذا ننتظر للذهاب إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية ونقيم جسور اتصال دائمة للتفاهم والحوار والتوضيح؟.
ولقد حدث مرة أن ذهب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوى إلى الولايات المتحدة عام 1995، وكنت فى صحبته، والتقى هناك بنائب الرئيس الأمريكى وبأعضاء بارزين فى الكونجرس، وزار المراكز الإسلامية، والتقى بأعداد من الجالية العربية والإسلامية فى أربع ولايات، وشارك فى حوارات جادة وعميقة مع قيادات إسلامية ومسيحية ويهودية شملت موضوعات الحوار بين الأديان، والقيم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث، والمفاهيم المغلوطة عن الإسلام، وتعمد بعض الباحثين الغربيين التركيز على الآراء الغريبة والفرق المتطرفة على أنها هى المعبرة عن الدين الإسلامى وكانت هذه فرصة لتوضيح الحقائق، كما كانت نتائج هذه الحوارات فى مجملها إيجابية.
ولا أنسى أن نائب الرئيس - آل جور فى ذلك الوقت - قال لشيخ الأزهر: إنه سعيد بهذه الزيارة وسعيد بما سمعه منه عن الإسلام، وأن زيارته جاءت فى وقتها لأن الإسلام يتعرض لحملة تشويه واسعة.. وبالفعل كانت هذه الزيارة فرصة للمناقشة والحوار المفتوح، ولمواجهة موجة العداء التى كانت قد بدأت تشتد فى برامج التليفزيون والكتب الصادرة عن مراكز أكاديمية، وفى المقالات والتعليقات والأخبار والصور التى تنشرها الصحف الكبرى.. وكلها تكشف عن توجهات عدائية، قد يكون بعضها عن سوء فهم، ولكن بعضها الآخر عن سوء قصد.
واجه شيخ الأزهر ما هو شائع الآن عن الإسلام فى الغرب من أنه دين بدائى يعتنقه مئات الملايين من الجهلاء يؤمنون بالخرافات، يدعو أصحابه إلى الاعتداء على أصحاب الديانات الأخرى، ولا يعترف بالحرية الدينية، أو الحرية الفردية، أو الديمقراطية، أو العلم، وهو- أيضا- دين الإرهاب والإرهابيين والتعصب والمتعصبين، والتخلف والمتخلفين.. والمسلمون يرفضون كل جديد فى العلم والحضارة الحديثة، لأن الإسلام يدعوهم إلى ذلك، وهم يعيشون فى الماضى ويريدون العودة إليه، بينما يعيش العالم فى الحاضر ويعمل بقوة لبناء المستقبل.. وهم يتخذون مواقف عدائية من حضارة الغرب القائمة على الصناعة والتكنولوجيا والمعلومات والبحث العلمى والحرية الفردية.. وكثير من الاتهامات التى أوردت بعضها بأقلام أصحابها فى كتابى (صناعة العداء للإسلام).
وبعد زيارة الولايات المتحدة زار الإمام الأكبر ألمانيا وبريطانيا، وكان المتوقع أن تستمر هذه الزيارات ولا تتوقف، ولكنها توقفت.. وكان المأمول أن تؤدى هذه الزيارات - إذا استمرت - إلى تكوين رأى عام فى الغرب يتفهم حقيقة الإسلام، وتكشف أبعاد الحملة التى تسعى إلى تشويهه بكل الطرق، والحرب عليه باستراتيجية متكاملة تشارك فيها أطراف متعددة، لكن ذلك لم يحدث، وقد سجلت بعض ما دار فى هذه الحوارات واللقاءات فى كتابى (الغرب والإسلام) على أمل أن يكون حافزا لتنفيذ خطة تحرك جادة وشاملة وذات نفس طويل.. لكن ذلك لم يحدث!
وكانت النتيجة أن تركنا الساحة فى الولايات المتحدة ودول أوروبا خالية للحملات المسمومة التى تحركها أهداف ومصالح سياسية تنفخ فى الرماد لتشعل النار فى ذكريات مؤلمة فى العقل الغربى عن آثار الفتح الإسلامى، وذكريات أخرى عن آثار الحملة الصليبية التى مازالت أصداؤها وتوابعها حية حتى اليوم، وكذلك استعادة نزعات الاستعمار الغربى القديم للعالم العربى والإسلامى، وتغذية نوايا الامبريالية الجديدة لاستعادة الهيمنة والاستنزاف وفرض التمزق والتخلف والصراعات على العالم العربى الإسلامى.. وهذه الحملات المسمومة قوية.. ومنظمة.. ومستمرة.. وتستند إلى قواعد نظرية وقيادات دينية وسياسية وأكاديمية وثقافية.
بعد ذلك جاءت خطوات معدودة ومحدودة.. مثل المؤتمر الدولى الذى عقد فى القاهرة فى يوليو 1997 تحت عنوان (الإسلام والغرب)، ومؤتمر بعده عن حوار الحضارات، وشاركت فيهما وفود من المنظمات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، ووجه الرئيس مبارك إليهما خطابين أشار فيهما إلى الأخطاء التى وقع فيها الغربيون فى فهم الإسلام، وشارك فى المؤتمرين قداسة البابا شنودة، وقال فيهما: إن الذين يفهمون الإسلام على حقيقته لابد أن يقفوا منه موقف الاحترام مهما اختلفوا معه.. وبعد سنوات سافر وفد محدود من الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور ميلاد حنا إلى الولايات المتحدة، وقام بجهد ملحوظ فى اتصالاته مع الشخصيات المؤثرة هناك.
لكن ذلك كله لا يكفى لمواجهة الهجمة الشرسة، وبعد أن اتسعت جبهة الحرب على الإسلام والمسلمين.. والغريب أن الجهد تركز أكثره فى العمل فى الداخل لإقناع المسلمين بما يؤمنون به، وفى الخارج قامت منظمة العلوم والثقافة الإسلامية بعقد عدد من الندوات فى بريطانيا، لكن ذلك كله ليس سوى قطرات متباعدة لا يمكن أن تكون نهر من المعرفة السليمة بالإسلام.
لذلك أقول: إن الظروف الحالية تقتضى قيام فضيلة الإمام الأكبر بجولات- ليس جولة واحدة أو اثنتين- فى أنحاء الدول الغربية على أن تكون البداية فى الولايات المتحدة، وأسبابى لذلك أن مصر هى قاعدة الإسلام الصحيح.. العقلانى.. الرشيد.. المتسامح.. الرافض للتطرف والتعصب والإرهاب.. والأزهر له قيمة كبيرة ومكانة عالية فى الذهن الغربى تجعله يبدو لدى البعض فى مكانة الفاتيكان، وتجعل صورة شيخ الأزهر مماثلة لصورة بابا روما.. يضاف إلى ذلك أن فضيلة شيخ الأزهر يتمتع بالقدرة على النفاذ إلى القلوب وشرح حقائق الإسلام بأسلوب مبسط والإقناع بما يتفق مع العقل الغربى الذى لا يقنعه الكلام العاطفى والسجع والمحسنات اللفظية، ولكن يقنعه المنطق العقلى والتحليل العلمى والحديث بموضوعية.
ولكى تنجح هذه الجولات تحتاج إلى عوامل للنجاح.. أن يصاحب شيخ الأزهر مجموعة من قيادات الفكر الإسلامى المستنير، وأساتذة الترجمة الفورية المتخصصون فى ترجمة النصوص والمعانى الإسلامية، وأن يسبق هذه الجولات إعداد مسبق لوضع جدول اللقاءات والحوارات مع قيادات تمثل شرائح مختلفة ومؤثرة فى المجتمعات التى يزورها.. والمهم ألا تكون زيارات قصيرة لأيام قليلة تضيع فى اللقاءات الاحتفالية والمجاملات، وتكون فيها فرصة لعقد لقاءات وحوارات جادة لا يكون الاعتذار فيها دائما بضيق الوقت.
أريد أن أقول: إذا لم نذهب إليهم بسلاح الكلمة الطيبة.. فسوف يأتون إلينا بأسلحة أخرى.. والله المنجى! *