ماذا تريد أمريكا من الفلسطينيين؟
لقد جاء المبعوث الأمريكى وليم بيرنز وذهب.. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يأتى فيها مبعوث أمريكى لبحث إنهاء الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين وإعادة الاستقرار إلى الأراضى الفلسطينية وإلى إسرائيل، فقد سبق أن جاء بيرنز عشرات المرات كما جاء غيره من المبعوثين الأمريكيين مئات المرات، وأصبحت هذه الزيارات بلا معنى وبلا نتيجة، وحتى لم يعد لها تأثير سيكولوجى أو إعلامى لدى العرب، ولا أحد يهتم بمتابعة التصريحات التى تصدر عن وعود الإدارة الأمريكية عن القيام بمسئوليتها عن صنع السلام وتنفيذ وعودها عن إقامة الدولة الفلسطينية.
والمواقف الأمريكية عكس هذا الاتجاه، والضغوط الأمريكية كلها موجهة ضد الفلسطينيين، وليس هناك بادرة تدل على إرادة حقيقية للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الانتهاكات التى استباحت أرواح المدنيين الفلسطينيين، ولم يحدث فى التاريخ عمليات هدم للبيوت وحصار لشعب وحرمانه من العمل والطعام والدواء كما يحدث للفلسطينيين، والعربدة التى تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلية مسجلة بالصوت والصورة ومعروضة على شاشات تليفزيونات العالم.
كل ذلك وتصدر من الولايات المتحدة تصريحات، وتعتبر الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين دفاعا عن النفس، كما تعتبر مقاومة الاحتلال إرهابا، وترى أن عمليات القتل التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى هى جزء من الحرب العالمية على الإرهاب التى أعلنتها الإدارة الأمريكية.
وقائمة المطالب والمواقف والتصريحات الأمريكية كما يلى:
1-إبعاد عرفات عن أى دور فى القيادة والعمل السياسى، إلى حد حظر زيارته، ومباركة حصار الإسرائيليين له طوال العامين الماضيين.
2-مطالبة الفلسطينيين بتشكيل حكومة تتولى التفاوض وتقود الفلسطينيين وتستند إلى تأييد من المجلس الوطنى الممثل لسلطة الفلسطينيين، وكذلك تعيين وزير مالية وإخضاع التصرفات المالية للرقابة وضمان الشفافية، وقد فعل الفلسطينيون ذلك ولم تتحرك أمريكا ولا إسرائيل بعدها.
3-وقف المقاومة الفلسطينية، وقد أوقف الفلسطينيون عملياتهم. ولكن إسرائيل لم توقف عمليات القتل والهدم والاقتحام والحصار، وكان المقصود هو نزع سلاح الفلسطينيين حتى يسهل على إسرائيل قتلهم دون مقاومة!
4-قبول استيلاء إسرائيل على مزيد من الأراضى الفلسطينية كلما أرادت ذلك دون القيام بأية بادرة للاحتجاج!
5-قبول بناء إسرائيل السور العازل الذى سيؤدى إلى انتزاع قرى فلسطينية وتمزيق قرى أخرى وتشتيت آلاف الأسر وتكرار ما حدث فى الماضى على أيدى العصابات الصهيونية، ولكن هذه المرة على أيدى قوات الدفاع الإسرائيلية النظامية!
6-قبول قيام إسرائيل باعتقال من تريد اعتقالهم من الفلسطينيين وتوجيه ما تريد من اتهامات إليهم، ومحاكمتهم، أو عدم محاكمتهم، دون اعتراض، ودون تدخل أية جهة دولية مسئولة عن حماية المدنيين والقانون الدولى وحقوق الإنسان.
7-السكوت على تيار العداء الإسرائيلى ضد الفلسطينيين والعرب، ومنع صدور كلمة ضد الممارسات الإسرائيلية وإلا اعتبرت جريمة تصنف ضمن العداء للسامية!
8-إيقاف تيار الرفض الفلسطينى للغطرسة الإسرائيلية وإلا فإن ذلك يعتبر رفضا للتسوية وعداء للسلام!
9- قبول ما تتفضل به إسرائيل على الفلسطينيين من بقايا الأرض، على أنه تنازل منها، وقرارات صعبة.
10- إفساح المجال أمام جيل جديد يحب إسرائيل، ويقتنع بأن العنف الإسرائيلى ليس عداوة ومن الممكن التعايش فى ظل هذا الاستبداد دون مشاكل!
11- أن يكون أمن إسرائيل مسئولية الحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى بحيث ينال الشعب الفلسطينى العقاب الجماعى العشوائى كلما تمرد شاب أو فتاة وفجر نفسه ضيقا بهذه الحياة التى لا تحتمل وتعبيرا عن رفض الاحتلال وعدم تحمل العذاب الدائم الذى يعيش فيه هو وأهله وشعبه!
12- عدم المطالبة بحق الفلسطينيين فى الأمن.
13- عدم المطالبة بالحق فى السيادة على الحرم الشريف وعدم الخوض فى هذا الموضوع وقبول تأجيل موضوع القدس نهائيا وإلى الأبد.
14- عدم تكرار الإشارة إلى أن السلام العادل يعنى حق الفلسطينيين والعرب فى استعادة أراضيهم قبل احتلالها فى حرب 1967.
15-أن تكون مسئولية السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية أمام شارون وحكومته وليس أمام المجلس الوطنى والشعب الفلسطينى.
وهذه المطالب ليست سرية، ولكنها معلنة بأعلى صوت وتطرح بصياغات وأساليب مختلفة على لسان المسئولين الكبار فى الإدارة الأمريكية، وتطرح أيضا ولكن بفجاجة وفظاظة على لسان شارون الذى أعلن مؤخرا أنه لن يرفع الاحتلال عن الجولان حتى لو زار الرئيس الأسد إسرائيل، وأنه لن يقبل قيام الدولة الفلسطينية مادام هو على قيد الحياة، وأنه سيعمل على طرد أو قتل الرئيس عرفات، وأنه مستمر فى بناء السور العازل الذى يجعل القرى والمدن الفلسطينية سجونا دائمة، وينزع أراضى جديدة، وأكثر من ذلك فقد مزق كل الاتفاقات السابقة التى وقّعت عليها إسرائيل والولايات المتحدة وكل اتفاق منها عليه توقيع رئيس الولايات المتحدة وأقيمت له احتفالات وارتفعت الأصوات بالحديث عن انتهاء الحروب وسفك الدماء والعيش معا فى سلام.. مزق أوسلو، وغزة أريحا، واتفاق القاهرة، واتفاق واشنطن، واتفاق شرم الشيخ، وخطة ميتشل، وتفاهمات تينت، وأخيرا ألقى خريطة الطريق وتجاهل تنفيذ ما سبق وقبل تنفيذه، وبذلك هدم شارون جهود عشرين عاما من المفاوضات والتقدم الذى حدث خلالها.
وأخيرا أعلن شارون عن العمل من جانب واحد، وأعطى لنفسه الحق دون منازع فى إخلاء بعض المستوطنات العشوائية التى لا قيمة لها، وضم المستوطنات التى أقيمت على الأراضى الفلسطينية بقصد اغتصابها، وأعلن أنه سيعطى للفلسطينيين فترة تجريبية للمفاوضات، فإذا لم يذعنوا للمطالب الإسرائيلية فسوف يقوم بانسحاب من بعض أراضى الضفة بقرار أحادى، مما يعنى أنه سوف يتولى وحده رسم الخريطة الجديدة كما يريد هو وأنصاره من الأحزاب اليمينية المتشددة.
كل ذلك يجرى.. إسرائيل تقتل الفلسطينيين وتأخذ أرضهم، والفلسطينيون يأخذون من الإدارة الأمريكية كلمات مطاطة ليس وراءها عمل، وزيارات وهمية لمبعوثين لا حول لهم ولا قوة.
ما تفعله أمريكا فى العراق معروف، فهل ما يفعله شارون فى الفلسطينيين امتداد لما تفعله أمريكا فى العراقيين.. هل هو مخطط واحد، أو أن شارون مارق ولا تستطيع أمريكا أن توقف جموحه.. ومن يصدق ذلك *