هـذا هـو الجهـاد الأكبـر
احتفلت دول العالم باليوم العالمى لمكافحة الفساد ولم تحتفل به مصر، لأن الحكومة المصرية قررت تأجيل الاحتفال لأجل غير مسمى بسبب الظروف التى تمر بها البلاد، مع أن هذه الظروف لم تمنع من إقامة ندوات ومؤتمرات واحتفالات ومهرجانات كان آخرها مهرجان السينما، ومع أن هذا الاحتفال كان المقصود به عرض ومناقشة ما تحقق ومالم يتحقق فى مجال مكافحة الفساد.

وكان الاحتفال بهذا اليوم تحت عنوان «دور الرقابة الشعبية والمساءلة المجتمعية فى مكافحة الفساد» وكان مكتب الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الانمائى سيشاركان فيه، وكان لهذا الاحتفال أهميته الخاصة لمصر بعد أن كشف التقرير السنوى لمنظمة الشفافية الدولية عن أن مصر هبطت فى ترتيبها بين الدول إلى مستوى غير مسبوق من الفساد الحكومى فى العام الماضى، وأن الثورات العربية عموما ومن بينها الثورة المصرية - لم تحقق الكثير فى مكافحة الفساد، ولتقرير هذه المنظمة أهمية دولية لأن الحكومات والشركات والمستثمرين يضعون نتائج هذا التقرير فى حسابهم عند التعامل أو التفكير فى ضخ استثمارات جديدة.
والحقيقية الصادمة التى جاءت فى هذا التقرير هى التى قالت إن الغضب المتنامى ضد الحكومات الفاسدة أجبر العديد من الزعماء على الرحيل عن مناصبهم، ولكن بعد أن انقشع الغبار اتضح أن مستويات الرشوة وسوء استغلال السلطة والتعاملات السرية مازالت الأعلى فى كثير من هذه الدول». وفى تعليقه على التقرير قال مدير منظمة الشفافية الدولية - كريستوف فيلكه إن مشاعر الإحباط بسبب الفساد جعلت الناس يخرجون إلى الشوارع فى العالم العربى، وإن الإدارة المصرية أعلنت مرارا أن محاربة الفساد هى كبرى أولوياتها، ولكن لم يتحقق الكثير حتى الآن على أرض الواقع مما يستلزم الاسراع فى وضع نظم صارمة للرقابة والمحاسبة وتعزيز استقلال القضاء. وقد قدمت مصر وعودًا كثيرة واتخذت بعض الخطوات ومن المؤكد أن عملية التحول صعبة بشكل غير معتاد وليس من الممكن تغيير الأوضاع بين عشية وضحاها.
***
وبعيدًا عن تقرير المنظمة الدولية فإن الشعور السائد بين الناس هو أن الفساد مازال متغلغلًا ومنتشرًا، وأن المواجهة الحاسمة مع الفاسدين تأخرت وهذا يضاعف حجم الغضب الشعبى الذى يتفجر فى أى مناسب وأحيانا بدون مناسبة، ولا يمكن تجاهل الشعور الشعبى بسبب أن لصوص المال العام الذين نهبا أموال الشعب يعيشون فى الخارج بحرية ويتنقلون بين المصايف والمشاتى العالمية ويديرون مشروعات بأموال منهوبة تدر عليهم المزيد من الأموال دون أن تصل إليهم يد الدولة المصرية إلى الآن، لأن معظهم يحملون جنسية أجنبية وقد أعدوا أنفسهم لهذا اليوم وكانوا يعلمون أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة واختاروا أن يكونوا زبانية فى دولة الظلم ويغنموا الملايين والمليارات من المال الحرام، وبعد مرور عامين على الثورة لم تصل التحقيقات والمحاكمات إلى نهايتها ولم تصدر أحكام قضائية نهائية عادلة بإدانتهم وبالزامهم برد هذه الأموال المنهوبة وهو هو شرط الدول التى يودعون فيها الأموال ويتملكون فيها عقارات وشركات، وبعض الدول التى يقيمون فيها تمنحهم الحماية لأن أموالهم الحرام تضع فى اقتصاد هذه الدول تغطى هذا الموقف غير الأخلاقى بمختلف الحجج منها عدم وجود أحكام إدانة نهائية، ومنها أنه لا توجد بينها وبين مصر اتفاقيات تسليم المتهمين، ومنها الادعاء بصعوبة تنفيذ اتفاقية مكافحة الفساد، ويزيد من حدة المشكلة أن البوليس الدولى «الإنتبول» لا يعمل بجديه لضبط وترحيل المطلوبين لجهات التحقيق والقضاء على الرغم من صدور نشرات من الحكومات المصرية لطلب القبض على بعضهم.
***
والأموال المنهوبة ليست قليلة، والدليل على ذلك أن مسئولة دولية كبيرة مثل وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى - كاثرين أشتون - أعلنت فى إحدى زياراتها لمصر أن مصر بمواردها «كانت» قادرة على أن تكون فى مقدمة الدول الغنية، وأن حجم الأموال المنهوبة تقدر بخمسة تريليونات دولار (للتذكرة: التليون ألف مليار)! وأن هذا المبلغ كان يكفى لوجود تسعين مليون مليونير مصرى(!) بينما وصلت ديون مصر الخارجية والداخلية إلى ترليون و250 مليار جنيه مصرى، ووصل 45% من الشعب المصرى إلى خط الفقر وتحت خط الفقر، ولذلك لابد من الاسراع والجديه.. فى التحقيقات والمحاسبة والمحاكمات حول أموال الخصخصة وعائدات بيع الأراضى وأين ذهبت مليارات المساعدات الخارجية.
والصحف العالمية تذكرنا بالتقدير الذى سبق أن أصدره قبل الثورة مركز جنوب أفريقيا للشئون الدولية وكان بعنوان «تجربة شركات جنوب أفريقيا فى مصر» وجاء فيه أن أهم المعوقات أمام زيادة الاستثمارات فى مصر الرشوة والمحسوبية والاعتماد على النفوذ والعلاقات الشخصية فى اتمام التعاقدات مع المستثمرين وعدم الشفافية فى المناقصات والمشروعات الحكومية، وبالإضافة إلى ذلك فإن المستثمرين يعانون من زيادة معدل غياب وتأخر الموظفين عن أعمالهم على الرغم من أن مصر تتميز بتوافر الخبرات وفرض الاستثمار وحجم السوق الكبير، ومصر هى الدولة الثانية الأكثر سكانا فى أفريقيا بعد نيجيريا التى يزيد عدد سكانها على 130 مليونا.
***
ليس هذا كل ما يقال عن الفساد والفاسدين، هناك الكثير من الحقائق يجب أن تكون معلنة ومعلومة لكل المصريين لكى تتحرك كل مؤسسات الدولة والمنظمات الأهلية وجهات التحرى والفحص والتحقيق، ويتحرك كل واحد من أبناء الشعب المصرى فى موقعه لمحاربة الفساد بجدية وباستمرار.. وإذا أردنا الحقيقة التى تعبر عن روح ثورة الشعب المصرى فإن تطهير البلاد من الفساد وبناءها على أساس الطهارة والنزاهة هو المعركة الكبرى التى يجب أن تكون الشغل الشاغل لكل المصريين.. وهذا هو الجهاد الأكبر لمن يريد أن يلقى الله وقد جاهد فيه حق جهاده لتحقيق الخير للبلاد والعباد.?
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف