هيكل أمام المدعى الاشتراكى متهماً بتهديد الجبهة الداخلية ومهدداً بفرض الحراسة
فى يوم 28 مايو 1978 كان العنوان الرئيسى فى الصفحة الأولى من (الأهرام) على خمسة أعمدة يقول: إحالة 5 صحفيين بينهم هيكل إلى المدعى الاشتراكى، وتحته عنوان فرعى: الداخلية تعلن (الصحفيون الخمسة شهِّروا بمصر وهددوا سلامة الجبهة الداخلية).
وفى الخبر: بعث السيد محمد نبوى إسماعيل وزير الداخلية أمس إلى المدعى الاشتراكى قائمة أولى بأسماء خمسة صحفيين مصريين موجودين فى الداخل، وقال وزير الداخلية فى رسالته إلى المدعى الاشتراكى: إن الصحفيين الخمسة قد دأبوا على إرسال أخبار ومقالات إلى الخارج تشهِّر بمصر وتهدد سلامة الجبهة الداخلية.. والصحفيون الخمسة هم: محمد حسنين هيكل، ومحمد سيد أحمد، وأحمد حمروش، وصلاح عيسى، وأحمد فؤاد نجم، وقد بعثت وزارة الداخلية إلى المدعى الاشتراكى بالوثائق الخاصة التى سيتناولها التحقيق مع الصحفيين الخمسة وفيها صور المقالات التى كتبوها.. وقد أصدر المدعى الاشتراكى قرارا بمنع الصحفيين الخمسة من السفر إلى الخارج حتى يجرى التحقيق معهم.
فى اليوم التالى 29 مايو 1978 بعثت وكالة رويتر للأنباء برقية بعنوان (هيكل يقول لم أسئ إلى مصر ومن حقى أن أختلف مع الرئيس السادات).. ويقول الخبر الذى نشرته الصحف خارج مصر: صرح محمد حسنين هيكل لوكالة رويتر بأنه لم يستطع فهم القرار الذى صدر بتحويله إلى المدعى الاشتراكى فى مصر للتحقيق معه بتهمة الإِساءة إلى مصر، ونفى هيكل أنه يمكن أن يسىء إلى وطنه، ولكنه أضاف قائلا: إننى بالتأكيد أختلف مع الرئيس السادات فى كيفية تحقيق السلام فى الشرق الأوسط وكنت أظن أن ذلك حق كل مواطن.
وفى يوم 15 يونيو نشر الأهرام على الصفحة الأولى خبرا يقول: بدأ أمس المستشار أنور حبيب المدعى الاشتراكى التحقيق مع الأستاذ محمد حسنين هيكل فيما نسب إليه من نشر مقالات فى الداخل والخارج تمس سمعة مصر، وحضر التحقيق الذى استمر ساعة ونصف الساعة الأستاذ ممتاز نصار محامى المدعى عليه، والسيد حسن الشرقاوى سكرتير عام نقابة الصحفيين ممثلا للنقابة، ويستأنف المدعى العام الاشتراكى التحقيق صباح اليوم.
وفى نفس اليوم 15 يونيو 1978 - قالت برقية من وكالة الاسوشيتد برس: جرى استجواب محمد حسنين هيكل مطولا أمس بواسطة المستشار أنور حبيب المدعى الاشتراكى واثنين من مساعديه هما المستشار عبد الرحيم نافع والمستشار أحمد سمير سامى، وذلك بشأن مقالات نشرها هيكل خارج مصر، وبعد الاستجواب الأولى الذى استغرق ساعتين ونصف الساعة قال محمد حسنين هيكل للصحفيين: لقد كان جو التحقيق مهذبا ولا أستطيع أن أضيف أكثر، لأن المدعى الاشتراكى طلب منى ألا أتحدث للصحفيين عن تفاصيل التحقيق، وأضاف هيكل أنه شديد العرفان للصحافة العالمية والعربية لأنها تتابع قضيته باهتمام، لكنه يأسف لأنه لا يستطيع أن يساعد أكثر فى إلقاء الضوء على موضوعات التحقيق معه.
وقالت الوكالة بعد ذلك: إن بدء التحقيق مع هيكل كان موضوع تعليقات فى معظم صحف الولايات المتحدة وأوروبا، وقد خصصت خمس صحف كبيرة فى العالم هى نيويورك تايمس وواشنطن بوست الأمريكيتان، والموند الفرنسية، والتيمس الإنجليزية، والكورييرا ديلاسيرا الإيطالية افتتاحيتها اليوم لموضوع التحقيق مع هيكل.. وقالت اسوشيتد برس أخيرا: إن هيكل يواجه إقصاءه من نقابة الصحفيين ومنعه نهائيا من الكتابة داخل مصر أو خارجها، وربما يواجه عقوبة السجن بين خمس سنوات وسبع سنوات.
ونشرت فى مصر فى هذه الأيام عشرات المقالات ورسوم الكاريكاتير تحتها إشارات عن هيكل على أنه أساء إلى مصر، وأنه ترك وطنه ولجأ إلى الخارج، قيل مرة إنه لجأ إلى بيروت، ومرة أخرى إنه لجأ إلى لندن، وقيل مرة ثالثة إنه لجأ إلى ليبيا رغم أنه لم يذهب إلى ليبيا منذ سنة 1970.. والحقيقة أنه كان فى مصر سنة كاملة لم يغادرها.
أما المقالات التى أحيل هيكل بسببها إلى المدعى الاشتراكى، فقد كتبها ونشرها فى صحف العالم العربى وغيره ابتداء من شهر مارس 1978 أى بعد أربعة شهور من مبادرة الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس، وظهرت فى كتاب بعنوان (حديث المبادرة) فى أوائل مايو 1978 بعد ستة شهور من المبادرة، ونشرت هذه المقالات وطبع الكتاب وهيكل مقيم فى مصر، وعندما صدر قرار التحقيق معه أمام المدعى الاشتراكى بمقتضى قانون العيب تم إعلانه فى مكتبه بالقاهرة، وحين تقرر مصادرة جواز سفره سلمه هو بنفسه.
***
يقول هيكل: ومثلت أمام تحقيق غريب فى بابه وبعد أن انتهى، مضت أربع سنوات من سنة 1978 إلى سنة 1981، ولم يحدث لى شىء إلا حملة إعلامية تؤجج نيرانها بين الحين والحين خطبة للرئيس السادات يختصنى فيها بالكثير من استهجانه وضيقه بمواقفى، وخلال تلك الفترة عرض كثيرون فى العالم العربى وخارجه توفير ملجأ لى خارج مصر، ولم أجد داعيا للقبول، وكان تحسبى باستمرار أن اللجوء السياسى خارج الأوطان يخلع جذور الشجرة من أرضها، ويرهن الإرادة لحيازة أو لرهن تفرضه الظروف على أى لاجئ.
ويقول هيكل تعليقا على حملة الهجوم عليه: إن صراعات التاريخ الكبرى أعقد بكثير من أن يجرى حلها فى استوديوهات الإذاعة والتليفزيون وأمام الميكروفونات والعدسات.
***
يقول هيكل: إن الحملة علىَّ وصلت إلى حد القول بأننى ملحد، والواقع أن علاقتى بالرئيس السادات كانت تختلف كثيرا عن علاقتى مع عبدالناصر، فقد كنت طرفا فى حوار مع عبدالناصر، ولكن السادات بدأ مرحبا بالحوار، وانتهى بأنه لم يعد طرفا فى حوار مع أحد، لا معى ولا مع غيرى، وربما كان يشعر بالفارق بين علاقتى به وعلاقتى بعبدالناصر، وربما كان إحساسه بأننى لعبت دورا فى توليه السلطة لم يكن يعطيه سعادة، فالإنسان عادة لا يسعد بأن يكون مدينا لأحد، وأذكر أننى اختلفت معـه أول مـرة حين اتصل بى- بعد توليه بقليل- ليطلب منى أن أخصص مقالى الأسبوعى بصراحة عن جعفر نميرى، وقال لى: إن نميرى يقول: إن هيكل لم يكتب عن ثورة السودان، وإنه وعده بأن أكتب هذا الأسبوع عنها.. وقد أبديت دهشتى وقلت: إنه ليس فى ذهنى موضوع الكتابة عن السودان، وأضفت: أخشى أن تفهم أن عبدالناصر كان يحدد لى ما أكتب فيه وهذا غير صحيح، وأنا أعترض على أن تحدد لى ما أكتب فيه، فقال: إنه يريد أن (يصلح) علاقتى بجعفر نميرى، وانتهى الموضوع عند هذا الحد، ولم أكتب مقالى فى ذلك الأسبوع.
ويقول أيضا فى حديثه مع صلاح عيسى المنشور فى الأهالى يوم 27 أبريل 1983 وفى كتاب هيكل (أحاديث فى العاصفة) إن السادات تصور أنه حين نقلنى من الأهرام قد حكم علىَّ بألا أصبح صحفيا إلى الأبد، ولهذا كان يغضب لأننى مازلت صحفيا رغم تركى الأهرام، وقد حدث عندما قابلت الخمينى عام 1979 فى باريس ونشر الخبر.. سأل السادات صديقا مشتركا هو محمد قابل: الخمينى ليه؟. وعندما قال له الصديق إن المقابلة تمت باعتبارى صحفيا قال دهشا: لكن أنا عزلته!. وعندما وصل شاه إيران إلى أسوان سأل السادات عن هذه المقابلة وهل لديه أنباء عن نوايا الخمينى القادمة فى ضوء هذه المقابلة؟. فقال له السادات:إن فى مصر تقليدا بأن يكتب كل صحفى يسافر إلى الخارج تقريرا عن لقاءاته واتصالاته، واتصل بى أحد كبار المسئولين من أسوان وطلب منى كتابة تقرير، ولكنى رفضت وقلت إننى أكتب مقالات أنشرها ولم أكتب تقارير لأحد طول عمرى، وأن ما جرى فى مقابلتى للخمينى منشور.
ويقول أيضا: لقد قلت ونشرت فى حياة السادات ما قلته بعده، من إدانة سياسات الانفتاح وما تقود إليه من فساد، وحتى عندما كنت فى الأهرام لفت النظر إلى المحاذير التى تحيط بتجارة السلاح، وفى كتابى (الطريق إلى رمضان) تكلمت عن الإدارة السياسية لحرب رمضان، وهناك كتب عديدة لى جمعت فيها مقالاتى التى عبَّرت عن خلافى معه منها (الحل والحرب) و(حديث المبادرة) و(رسائل إلى صديق هناك) و(لمصر لا لعبدالناصر) و(الديمقراطية الغائبة والسلام المستحيل) و(عند مفترق الطرق).. فليس ما بينى وبين السادات حقد- كما قيل- ولكنه خلاف سياسى، وقد تعودنا أن نسمى الخلاف السياسى حقدا، لأننا لا نقبل بالخلاف ونهرب من النقاش حوله،أنا أدعى أنه ليس هناك محضر مكتوب فى الدولة عن أهم الاتصالات التى أجراها السادات مع كثير من ساسة العالم.. ويقول كيسنجر فى مذكراته إنه كان مندهشا جدا، لأن أنور السادات كان يتفاوض معه دون أن يكون هناك أحد يدون الحديث ليكون وثيقة رسمية من وثائق الدولة، فى حين أن كيسنجر كان قد اصطحب معه من يدوَّن اللقاء.
***
قبل إحالة هيكل إلى التحقيق أمام المدعى الاشتراكى كان قد أجرى أحاديث هاجم فيها مبادرة السادات بالذهاب إلى القدس، يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 1979 بعد ستة أيام من إعلان المبادرة أذاعت محطة (آى. بى. سى) وهى أكبر محطات التليفزيون الأمريكية حوارا مع هيكل نقلته بالأقمار الصناعية من مكتبه بالقاهرة قال فيه: إننى شعرت بالقلق عندما سمعت الرئيس السادات يقول: إنه لم يستشر فى مبادرته أحدا وإن جميع مستشاريه لم يعرفوا بها إلا عندما قام بإعلانها، كنت أفضل أن تكون الأمور على غير هذا النحو، إن عملية صنع السلام عملية مهمة وجادة وخطيرة، وبأمانة فإننى كنت أفضل أن تجرى عملية صنع السلام فى جنيف، إن السلام لا تصنعه إرادة رجل واحد مهما كانت الثقة فيه، وصنع السلام يحتاج إلى اقتناع كل الناس وبالدرجة الأولى اقتناع كل الدول العربية، فالقضية هى قضية الأمة العربية كلها.
وفى يوم 24 نوفمبر 1979 أذاعت القناة الثانية من التليفزيون البريطانى حوارا مع هيكل قال فيه: مازلت مذهولا لهذه الزيارة.. إنها فى رأيى تجىء على عكس كل شىء من أسس سياساتنا قبلها حتى فى عهد الرئيس السادات نفسه.. كيف يمكن عبور الخطوط إلى الناحية الأخرى.. وهناك حالة حرب مازالت قائمة، وأجزاء من وطننا ومن العالم العربى محتلة، والخصم الذى نعبر الخطوط إليه يقول لنا صراحة إنه لن يقبل تحت أى ظرف من الظروف أن ينسحب إلى ما وراء خطوط سنة 1967 ولن يقبل تحت أى ظرف من الظروف قيام دولة فلسطينية؟. إننى لا أعرف للرحلة سابقة أخرى فى التاريخ.
هذا ما كان يقوله ويكتبه.
بعد ذلك امتنع هيكل عن الكلمة المنطوقة مع قرب إتمام الزيارة، وغادر القاهرة إلى الإسكندرية، وبعد فترة من الصمت الكامل عاد للإدلاء بحديث إلى صحيفة التيمس البريطانية نشرته يوم 20 ديسمبر 1979 فى الصفحة الأولى واستكملته فى الصفحة الرابعة وكان عنوان الصفحة الأولى (هيكل يحذر من مخاطر اتفاق بغير قبول عربى: تحذير من سلام مصنوع من ورق الكرتون)، كما أدلى قبل ذلك بحديث إلى جريدة الاكسبريس الفرنسية نشرته فى صفحتها الأولى، ونشرت أخبار اليوم يوم 10 ديسمبر 1979 فقرات من بعض ما جاء فى هذا الحديث فى صفحتها الأولى تحت عنوان (واحد ضد مصر) واكتفى هيكل للرد على هذا الاتهام بكتابة مقال ختمه بعبارة (إننى واحد من مصر).
ونشر هيكل مقالا بعنوان (هذا هو الرد: مناحم بيجن شخصيا) ذكر فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن قال فى بيانه أمام الكنيست يوم 21 يونيو 1977: إننى أعلن أن حكومة إسرائيل لن تطلب من أية أمة قريبة أو بعيدة، صغيرة أو كبيرة، أن تعترف بحقنا فى الوجود.. إن أرض إسرائيل غير قابلة للمناقشة.. إننا سنسعى إلى تعميق الصداقة بيننا وبين الولايات المتحدة.. إن ما يوجد بيننا ليس فقط المشاعر والإيمان بالقيم الأخلاقية والديمقراطية المشتركة.. بل أيضا المصالح المشتركة الحقيقية والعميقة.. وأنا واثق أن الشعب والإدارة فى أمريكا لن يقبلوا لنا إلا ما نقبله لأنفسنا.
وأشار فى مقاله إلى ما قاله بيجن فى أول زيارة له إلى أمريكا بعد انتخابه رئيسا للوزراء، وضمن ما قاله: إننا جعلنا العرب ييأسون من أنفسهم.. ثم جعلناهم ييأسون من الاتحاد السوفيتى.. والآن لابد أن نجعلهم ييأسون من الضغط علينا بواسطة الولايات المتحدة، وعندما يتم ذلك فسوف يدركون أنه ليس أمامهم وسيلة غير التوجه إلى إسرائيل مباشرة، وقبول ما نعرضه عليهم.
***
وأشار هيكل فى هذا المقال أيضا إلى ما قاله بيجن فى الجلسة المغلقة التى حضرها بعض أعضاء مجلس الرؤساء اليهود فى أمريكا بدعوة من لجنة أمريكا- إسرائيل للشئون العامة وهى اللجنة التى تشرف على توجيه وتنسيق النشاط الإسرائيلى اليهودى فى القارة الأمريكية، وقال بيجن: إن الرئيس السادات جاء إلى القدس وكان بغير شك على اطلاع كامل بالنسبة لسياسة الحكومة، ولقد أعدت تأكيد خطوط هذه السياسة فى نفس الوقت الذى وجهت فيه الدعوة إليه، لأنى لم أشأ أن أترك شيئا للمصادفات.. ولقد اندهشت أن الرئيس السادات قال:إنه لا يريد حلا منفردا مع إسرائيل، وكأن رأيى أنه ليس أمامنا شىء آخر، فهو لم يكن يحمل تفويضا من الآخرين حين جاءنا.. بل إن الآخرين كانوا يهاجمون زيارته لنا.. وكانت تعليماتى إلى وفدنا الذى ذهب إلى محادثات القاهرة محددة بقصر المناقشة على العلاقات المصرية الإسرائيلية، ولم تكن هناك إمكانية حقيقية لبحث أى شىء آخر.
هكذا كانت أحاديث ومقالات هيكل هجوما على مبادرة السادات بزيارة القدس، وما تبعها من مفاوضات واتفاقات.. وإن كان أنيس منصور قد كشف بعد أكثر من 25 عاما فى عموده اليومى (مواقف فى الأهرام يوم 26 نوفمبر 2003 أن الرئيس السادات فى مباحثاته مع جولدا مائيرا رئيسة الوزراء الإسرائيلية أثناء زيارته للقدس حدثها عن قيام دولة فلسطين فقالت له: ليس فى حياتى فقال لها: فى حياة الذين بعدك.. فكان ردها: ولا فى حياة هذا الكون!
***
فى هذا الجو الملبد.. الملىء بالخلافات والتوتر.. وهجوم الدول العربية على السادات بسبب المبادرة جاء قرار إحالة هيكل إلى المدعى الاشتراكى، وكان وصف الاتهام أنه أساء إلى مصر بأحاديثه ومقالاته فى الخارج والداخل، وكانت هذه أول مرة - وآخر مرة - يتولى فيها المدعى الاشتراكى إجراء تحقيق سياسى، وقبل ذلك كانت تحقيقاته مقصورة على تجار المخدرات، ومهربى العملة، وأصحاب شركات توظيف الأموال الوهمية، ومعروف أن اختصاص المدعى الاشتراكى بعد التحقيق إما أن يصدر قرارا بحفظ التحقيق وإما أن يصدر قرارا بإحالة المتهم إلى محكمة القيم، وهذه المحكمة مكونة من عدد من المستشارين وعدد من الشخصيات العامة، والعقوبات التى تملكها وفقا لقانون إنشائها تنحصر فى فرض الحراسة على أموال المتهم، وإلزامه بغرامة مالية، أو الحكم بالسجن، وكان التحقيق مع هيكل هو التحقيق الوحيد الذى انتهى ولم يصدر المدعى الاشتراكى قرارا بشأنه، ولم يصدر ما يشير إلى مصيره.
ويتحدث هيكل عن هذه التجربة فيقول: لسنوات طويلة تعرضت فى مصر لحملات عاصفة، ولم تكن لدىَّ بالطبع فرصة للرد أطرح فيها وجهة نظرى، ومع أنى أوضحت بعض الأمور فيما نشرته خارج مصر، إلا أننى كنت حريصا على ألا أنقل (خناقة) مصرية إلى خارج مصر، وهكذا فإن محاضر التحقيق الذى أجراه معى المدعى الاشتراكى كانت أول مناسبة تتيح لى أن أطرح وجهة نظرى.. وطوال فترة التحقيق التى امتدت ثلاثة شهور، من يونيو إلى أغسطس كان التحقيق معى خبرا فى كل الصحف المصرية، بنفس الصيغة فى نفس المكان تقريبا، بأننى ذهبت إلى جلسات التحقيق وعدت متهما بأننى كتبت خارج مصر ما أساء إلى سمعتها.. بدون تفصيل أو إيضاح، وإزاء هذا الغموض راجت داخل مصر وخارجها أقاويل عما يجرى فى التحقيق، ووجد بعض ذلك طريقه إلى النشر فى صحف عربية وأجنبية، وكان فيه ما هو قريب من الحقيقية، كما كان فيه ما هو بعيد عنها، وطوال فترة التحقيق، وقد أبلغت رسميا بقرار منعى من السفر، امتنعت متطوعا عن الكتابة والنشر لكى أقطع الطريق عن أية حجة أو لبس، وبعد انتهاء التحقيق وبعد إبلاغى رسميا برفع الحظر على السفر، رأيت أن أنشر وقائع هذا التحقيق السياسى فى كتاب بعنوان (وقائع تحقيق سياسى).
***
كانت الجلسة الأولى فى العاشرة من صباح الأربعاء 14 يونيو 1978، وكـان أول سـؤال وجهه المدعى الاشتراكى- المستشار أنور حبيب- هو: هل تعتنق عقائد سياسية معينة؟. وكانت إجابة هيكل: أعتقد أن قناعاتى هى القناعات الأساسية للثورة المصرية.
وكان السؤال الثانى: ما هى وجهة نظرك فى الصراع الدائر فى الشرق الأوسط والعناصر المؤثرة فيه؟.
وكانت إجابة هيكل: وجهة نظرى كما شرحتها فى كل ما كتبت: أن هناك صراعا قائما بين الحركة القومية العربية ككل وبين قوى الاستعمار العالمى، وأن إسرائيل تلعب دور الطليعة المتقدمة لهذه القوى، كما أن مصر هى القوة الطليعية للعالم العربى ودورها فى هذا دور أساسى لأنها القوة الوحيدة القادرة حاليا على إدارة الصراع وبالتعاون مع الشعوب العربية، فضلا عن اعتقادى الراسخ بأن مصر على وجه التحديد مستهدفة من الكيان الصهيونى، واعتقادى أنها مستهدفة حتى أكثر من فلسطين، بقصد عزلها عن كتلتها الطبيعية وهى الأمة العربية، وخريطة الصراع فى المنطقة كما يلى: قوى الاستعمار الراغبة فى السيطرة على المنطقة لدواع معروفة (موقعها الاستراتيجى.. ثرواتها وخصوصا البترول..إلى آخره) ومع هذه القوى هناك إسرائيل، وهى موجودة بحكم صلتها الوثيقة بالقوى الاستعمارية، لكنها أيضا موجودة لأهداف خاصة بها أبرزها الحلم الصهيونى.. ومن ناحية أخرى هناك الأمة العربية الراغبة فى تحقيق استقلالها وحريتها وحقها فى استغلال مواردها.. هكذا نجد إسرائيل موجودة فى الصراع بالوكالة عن الاستعمار العالمى، وبالأصالة عن الحلم الصهيونى.. ومصر موجودة فى الصراع بالوكالة عن الأمة العربية وبالأصالة عن ضرورات استراتيجية مصرية.. إن حركة الصراع تركزت فى فلسطين، ولكن حدود هذا الصراع فى الحقيقة أبعد من فلسطين بكثير.
وأضاف هيكـل: لقـد شرحت تصوراتى تفصيلا بالنسبة لهذه القضايا فى مقال كتبته أخيرا لمجلة السياسة الخارجية الأمريكية سوف تنشره فى عددها القادم- يوليو 1978- وسوف أتشرف بتقديم نسخة منه إلى هذه الهيئة الموقرة فور صدوره.
***
وكان السؤال الثالث من المدعى الاشتراكى: ما رأيك حاليا فى موقف مصر الخارجى بالنسبة لإسرائيل أو الدول الغربية والشرقية؟.
وأجاب هيكل: بالنسبة لإسرائيل فإننى شرحت رأيى وبالنسبة للغرب، فى اعتقادى أن هناك تناقضا فى المصالح بين الغرب عموما، وخصوصا الولايات المتحدة، ومصر.. ولكن علينا أن نراعى المتغيرات.. أمريكا أخذت الدور الاستعمارى بطريقة جديدة (الدولة الراغبة فى السيطرة) وكان رأيى أما وقد انتهت العلاقة الاستعمارية مع أوربا الغربية فيجب أن نحاول إدارة التناقض بأسلوب جديد نستطيع معه تضييق منطقة الخلاف وتوسيع منطقة المصالح المشتركة بقدر ما نستطيع.. أما الولايات المتحدة فقد تعاقبت المراحل فى علاقاتنا معها من الصدام إلى محاولة التعايش.. وأية محاولة للتعايش لا تلغى التناقض، ولكن تغير أساليب مواجهتنا له.. هناك مقالات لى ناديت فيها بضرورة تحييد أمريكا، وقد جر علىَّ ذلك مشاكل مع الاتحاد الاشتراكى لدرجة اتهامى بالعمالة لأمريكا.
***
وكان السؤال الرابع من المدعى الاشتراكى: كيف بدأ الدور الأمريكى؟.. وكيف تطور مع التطورات التى حصلت؟.
وكانت إجابة هيكل: الدور الأمريكى بدأ بطريقة واضحة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما راحت الامبراطورية القديمة تتداعى، وخرجت أمريكا كالقائد الذى لا ينازع فى المعسكر الغربى.. ونلاحظ أنه فى عام 1945 - فى أعقاب الحرب مباشرة- كانت الولايات المتحدة تسعى إلى ثلاثة أهداف.. الحصول على حقوق وامتيازات طيران فوق الشرق الأوسط.. السعى للحصول على كل ما يمكن من بترول المنطقة وكانت أزمة البترول الإيرانى والتأميم فى عهد مصدق مظهرا من مظاهر هذا السباق.. السعى إلى إحاطة الاتحاد السوفيتى بنطاق من الأحلاف العسكرية.. وكان مجموعة الانقلابات السورية (1950-1949.. إلخ). فى جزء منها صدى للصراع بين شركات البترول الأمريكية والإنجليزية، ومنذ عام 1950 عرضت الولايات المتحدة إقامة حلف دفاع فى الشرق الأوسط بالمشاركة مع بريطانيا وفرنسا وتركيا، وقدم أول مشروع لمصر فى فترة مقاومتها للاستعمار البريطانى (1951) ورفضت حكومة الوفد.. والمشكلة أن القوى الوطنية العربية فى رغبتها فى الخلاص من النظام الاستعمارى القديم تصورت أن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دورا فى مساعدتها بعد ما بدا من خلافاتها مع النظام الاستعمارى القديم، لذا نجد أن السياسة المصرية فى سياستها الواعية أحيانا، واللاواعية أحيانا أخرى تتصور إلى حد ما أنها تستطيع أن تضغط على القوى الاستعمارية التقليدية بواسطة علاقات جديدة مع الولايات المتحدة، لكن المسائل بدأت فى التغير مع الحرب الباردة.
وفى تجربة ثورة 23 يوليو مرت العلاقات المصرية الأمريكية بعدة مراحل:
-1 مرحلة الغواية - من أغسطس 1952 إلى آخر سنة 1955، وكان موضوع الحوار أو الضغط محاولة إغراء مصر وجعلها تجر الدول العربية وراءها فى حلف عسكرى لمواجهة السوفييت، وثقتها أن ذلك ممكن بالإغراء وبالمساعدة الاقتصادية والعسكرية، وحاولت مصر أن تستعمل الولايات المتحدة فى الضغط على بريطانيا، وكانت حجتها أنها لا تستطيع أن تدخل فى أحلاف جماعية إلا بعد التحرر من الاحتلال. وبدأت مصر تنادى بإمكان قيام نظام عربى مستقل لحماية الأمن العربى أيضا.. وكانت وجهة نظر مصر فى ذلك الوقت أنها لم تكن تعتبر أن الاتحاد السوفيتى هو الخطر الأساسى عليها، وترى أن قبولها الدخول فى أحلاف عسكرية يعرضها لضربات نووية، وأن مقاومة الشيوعية لا تكون بالدخول فى أحلاف، إنما بالتنمية وبنظام عربى يحقق وحدة الأمن والمصلحة العامة للعالم العربى.
-2 مرحلة احتواء - بعد سنة 1955 تمثلت فى تشجيع قيام حلف بغداد بمناورات ضد مصر، وسحب عرض السد العالى، والحصار الاقتصادى والسياسى، وهذه المرحلـة بلغت ذروتها بمشروع ايزنهاور سنة 1957 -أما فيما يتعلق بأمريكا وحرب السويس فنرجع فيه إلى مجموعة وثائق الخارجية الإسرائيلية المنشورة سـنة 1968 ومقـــالاتى عـن 20 سنة بعد حرب السويس المنشورة سنة 1976. ولابد أن نسلم بأننا استفدنا من أمريكا فى حرب السويس ودوافعها إلى مساعدتنا فى ذلك الوقت كانت محكومة بعوامل دولية لا تتعلق بحرصها على النظام المصرى، إنما تتعلق بأن الغزو تم بدون تنسيق معها، وبأن تأميم قناة السويس أحدث فورانا فى المنطقة العربية أعطى مصر قوة دفع هائلة، والحقيقة أن حلف بغداد سقط عمليا فى السويس سنة 1956 ودفن رسميا فى بغداد سنة 1958، وكان الهدف لأمريكا بعد السويس هو تحقيق أهداف العدوان بوسائل أخرى.
-3 فى المرحلة الثالثـة مـع أمريكـا حـاولت الحركة القومية العربية- ومصر بالذات - أن تأخذ ظاهر الأمور، وأن تشجع أمريكا للقيام بدور إيجابى فى المنطقة، وقد بدا حتى نهاية حكم الرئيس كيندى أنه يمكن الحفاظ على صيغة علاقة محتملة مع الولايات المتحدة، وساعد على ذلك أن هذه الفترة شهدت خلافات بين الحركة القومية العربية والاتحاد السوفيتى، وكانت هذه هى الفترة التى عقدت فيها اتفاقية القمح الأمريكى مع مصر، ولكن عندما تغيرت الصورة السياسية فى المنطقة وسقط حكم عبدالكريم قاسم فى العراق، ثم لحقه نظام الانفصال فى دمشق وبدأت حركة القومية فى الفوران من جديد، عادت أوضاع التناقض مع أمريكا فى عصر جونسون، وتبدت فى محاولات للضغط على حرية الإرادة المصرية، فيما يتعلق بأنواع التسليح، ومن ذلك طلبه حق التفتيش الأمريكى على مصانع الصواريخ المصرية ومصانع الطائرات ودخلنا مرة أخرى مرحلة عنف ظلت تتصاعد حتى نهاية سنة 1966 عندما بدأ الحصار الاقتصادى بإلغاء اتفاقات القمح، ثم بدأ التمهيد لمؤامرة 1967.
بعد ذلك، وفى مرحلة ما بعد العدوان، كانت قد تأكدت فى المجال الدولى ظاهرة الوفاق وما تستتبعه من ضرورة حسن ضبط وإدارة العلاقات بين القوتين العظميين، وقد بدأت من قبل العدوان- وواصلت بعده- الدعوة إلى تحييد أمريكا.. وهنا يهمنى إظهار الحقيقة، وهى أن السياسة المصرية كانت تحاول بكل الوسائل العثور على أرضيـة تستطيع عليها أن تقيم نوعــاً من الاتصـال مع أمريكـا، من ذلك برقيـة جمال عبدالناصر فى تهنئة نيكسون بنجاحه، وما أعقب ذلك من بعثه ممثله الخاص سكرانتون الذى تحدث لأول مرة عن سياسة أمريكية متوازنة، ثم الدكتور محمود فوزى لواشنطن ليعزى فى جنازة أيزنهاور ويجرى اتصالات، ثم رسالة عبدالناصر المفتوحة إلى نيكسون فى أول مايو 1970 بأن يضغط على إسرائيل للانسحاب أو يمتنع عن إمدادها بالسلاح وإلا اعتبر شريكاً لها فى احتلال الأرض العربية، ثم مبادرة روجرز.. واستمرت المحاولات فى عهد الرئيس السادات، وأتذكر أننى -كما كنت فى عهد عبدالناصر- قمت إلى جانبه بدور لا بأس به فيما أظن، وعلى سبيل المثال فإن الرئيس السادات كلفنى بأن أتحدث نيابةً عنه إلى مستر اليوت ريتشاردسون الوزير الأمريكى الذى جاء ليعزى فى وفاة عبدالناصر، ثم كلفنى بمقابلة ويليام روجرز، وكانت هناك موضوعات مطروحة تمثلت فى مبادرة روجرز ثم مبادرة الرئيس السادات فى 4 فبراير سنة 1971.
***
ثم أفاض هيكل فى شرح تطورات العلاقات المصرية السوفيتية.. خاصة فى المساعدة على إعـادة بنـاء الجيش المصـرى سـنة 1967 وتطــوير القـوة العسكرية المصرية وأدى ذلك إلى تمكن مصر من خوض حرب الاستنزاف التى يعتبرها الخبراء العسكريون -والإسرائيليون- حربا رابعة.. إلى إنهاء الوجود العسكرى السوفيتى فى مصر سنة 1972.. ثم قيام المشير أحمد إسماعيل بزيارة الاتحاد السوفيتى فى أواخر سنة 1972 وبدأ بعدها التدفق الضخم من السلاح السوفيتى إلى مصر.. وبعد حرب أكتوبر ظهر نوع آخر من المشاكل كان من أثره أن عاد التوتر فى العلاقات.. وهنا لابد أن نلاحظ أن الاتحاد السوفيتى كانت بينه وبين الحركة القومية العربية منطقة لقاء ومنطقة خلاف.. نحن الاثنان نرغب فى الخلاص من الاستعمار.. وهذه منطقة اللقاء.. ولكن الخلاف يبدأ بعد ذلك.. نحن نريد استقلالنا الكامل.. والاتحاد السوفيتى يريدنا أقرب ما يمكن إليه.. ذلك هو الأمر المنطقى فى العلاقات بين الدول.. مناطق لقاء ومناطق خلاف، ومهمة السياسة أن تحاول توسيع مجالات اللقاء وتحاول تضييق مجالات الخلاف، والموضوع ليس موضوعاً شخصياً، ولكنه أكبر من ذلك.. وقد دافعت عن ذلك ومازلت أدافع عن دور طبيعى ومشروع للاتحاد السوفيتى فى الشرق الأوسط ولم يؤثر فىَّ أن بادجورنى مثلاً طلب إلى الرئيس السادات ذات مرة إخراجى من الأهرام لأنى أتعرض بالنقد للسياسة السوفيتية.
وختم هيكل إجابته بقوله: هذه هى الصورة فى خطوطها العامة.
وأعلن المدعى الاشتراكى: انتهت الجلسة. الجلسة التالية موعدها غداً الخميس 15 يونيو 1978.
***
الجلسة الثانية. الخميس 15 يونيو 1978 وجرى التحقيق كما يلى:
المدعى الاشتراكى: ما هى وجهة نظركم بالنسبة للسياسة التى انتهجتها مصر مع الدول العربية فى فترة مشاركتكم فى العمل السياسى وحتى الآن؟.
هيكل: إن كل سياسة تستمد اتجاهاتها من مصدرين: أولهما (الثوابت) والثانى (المتغيرات). إننى وضعت انتماء مصر القومى- أى العربى- بين الثوابت، أما الطريقة التى تمارس بها مصر انتماءها العربى فهى تخضع للمتغيرات. ونستطيع أن نرى أكثر من نمط للطريقة التى مارست بها مصر دورها العربى. من أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى قيام الثورة كانت الجامعة العربية هى الإطار الذى مارست فيه مصر دورها بقيادة تيار عربى غالب، ومن ذلك المعركة ضد الأحلاف، حلف بغداد وفترة الاندفاعات الوحدوية- قيام الجمهورية العربية وفترة بداية التحولات الاجتماعية والاتجاه نحو الحل الاشتراكى. وهناك مثلاً نمط ثالث مارست به مصر دورها بعد الثورة أيضاً، وهو نمط قيادة إجماع عربى شامل وذلك يحدث عادةً فى أوقات الخطر الخارجى الداهم، ويمكن أن نقول إن مؤتمرات القمة العربية تعبر تعبيرا واضحـا عـن هـذا النمط، ومـن ذلك مثلا مؤتمرات القمة العربية سنة 1964 و1965 وبعد حرب 1967 وبعد حرب 1973 وهكذا..
المدعى الاشتراكى: وما هى مواطن الصدام، ومدى ما وصل إليه فى هذه المرحلة وإن ظلت العلاقات قائمة بين مصر والدول العربية دون خلافات أو صدامات، وإن كانت قد حدثت اصطدامات فما مرد ذلك فى رأيك؟
هيكل: لقد حدثت اصطدامات بالتأكيد، ويمكن ردها بصفة عامة إلى أربعة أسباب رئيسية:
-1 اختلاف مراحل التطور بين شعوب الأمة العربية.
-2 اختلاف التصورات المطروحة لحل التناقض الرئيسى الذى يواجه الأمة العربية فى هذه المرحلة، وهو التناقض مع إسرائيل.
-3 اختلاف الأوضاع الاقتصادية بين البلاد العربية.
-4 ظروف وطبيعة الارتباط بين بعض الدول العربية وبعض القوى الخارجية.
***
وشرح هيكل رأيه فى أسباب الخلافات بين مصر والسعودية فى مرحلة من المراحل بسبب التطبيق الاشتراكى فى مصر، والخلافات مع حزب البعث بسبب الاختلاف فى النظر إلى بعض قضايا العمل العربى، ومع حزب البعث العراقى لأنه كان شديد الجموح فى نظرته إلى استراتيجية مواجهة الصراع العربى الإسرائيلى، ومع المغرب بسبب التزام مصر المبدئى فى الدفاع عن الثورة الجزائرية، ومع سوريا بعد الانفصال واستمرت الخلافات بعد سقوط حكم الانفصال فى دمشق وإلى ما قبل ظهور الرئيس حافظ الأسد بسبب الطبيعة المغامرة للنظام السورى فى تلك الفترة، ومع السودان بسبب منطقة حلايب.. وهكذا.. وهكذا.
المدعى الاشتراكى: فى رأيك هذه الخلافات التى ذكرتها.. أيهما ترى كان على حق؟ مصر أو الدول العربية؟
هيكل: شأن أى خلاف يقوم داخل نظام واحد لا يمكن إنسانياً أن يكون لطرف واحد الحق فى كل ما يقوله أو يفعله بينما يحتكر الطرف الآخر الخطأ، وأنا أعتقد بصفة عامة أن الخط الاستراتيجى المصرى فى هذه الفترة كان خطاً سليماً.
.. .. ..
المدعى الاشتراكى: هل اتخذ الحوار بين الدول العربية شكل حوار سياسى أم اتخذ صورا وصلت أحياناً إلى قرب الاشتباكات العسكرية؟.
هيكل: .... إننى أظن أن مصر كانت على حق استراتيجياً فى اليمن رغم أننى أعترف أننى فى البداية عارضت التدخل العسكرى المصرى فى اليمن.
المدعى الاشتراكى: ما هى وجهة نظرك فى المواجهة العربية الإسرائيلية حتى الآن؟.
هيكل: لا أتصور أن العرب يستطيعون تحقيق هدفهم دفعة واحدة، بسبب الظروف العالمية الراهنة وظروف القوة السائدة.. إننى أتصور أنه صراع طويل وعلينا قدر ما نستطيع أن نعبئ له، وأن نتعامل معه مرحلة بعد مرحلة بما يتناسب مع طاقاتنا والطاقات العربية، وأن نجعل تكاليفه محتملة خصوصاً بالنسبة لشعب مصر، ولهذا فأنا أعتبر أن عملنا فى هذا السبيل هو مزيج من الحرب والسياسة..
المدعى الاشتراكى: القوتان العظميان فى منازعتهما على الشرق الأوسط. من الذى يحقق للعرب ولمصر مآربهم فى هذه المشكلة خاصة أنكم تقولون إنه لابد من مزيج من السياسة والقوة مرحلياً لحل المشكلة الفلسطينية أو الشرق الأوسط، بما فيما الاحتلال فى سيناء والجولان وفلسطين؟
هيكل: .. من ناحية إدارة الصراع العربى الإسرائيلى لابد أن يكون فى اعتبارنا أن هناك إرادة عربية مستقلة لها إمكاناتها ومواردها القادرة على أن تعطيها حداً كبيراً لحرية الحركة والتصرف، ومع تسليمى بالصراع بين القوتين العظميين فى الشرق الأوسط فإن أهم الحقائق هو وجود طرفين محليين آخرين فى الصراع وهما: إرادة عربية لها إمكانية استقلال، وإرادة إسرائيلية لها إمكانية استقلال.. الحل الأمثل فى اعتقادى أن تتمكن مصر من تعبئة الإرادة العربية والإمكانات العربية لكى تحصل من القوتين العظميين على أقصى ما تستطيع كل منهما تقديمه لها. ولقد مارست مصر هذه السياسة المتوازنة القائمة على الاستفادة من الصراع الدولى، ومارستها بنجاح، وفى كل صراع دولى يمكن أن يكون الأطراف المحليون ضحايا أو مستفيدين، وهذا يتوقف على حجم إرادتهم المستقلة وإمكاناتهم. وأنا أعتقد أن حرب أكتوبر كانت تطبيقاً ناجحاً لهذه السياسة، وكانت معارك الحرب كلها بسلاح سوفيتى، وقد استطاعت السياسة المصرية أن تشد الولايات المتحدة لدور إيجابى فى سبيل الحصول على حلول ولو مؤقتة، ولهذا فإن علينا الاستمرار فى الحصول من الطرفين الدوليين على أقصى الممكن.
المدعى الاشتراكى: أشرتم إلى حرب أكتوبر، فهل هناك وجهات نظر معينة بالنسبة لفض الاشتباك الأول والثانى؟
هيكل: .. مما يشرفنى أننى كنت قريباً إلى أبعد حد من الرئيس السادات فى مراحل التحضير السياسى والعسكرى لحرب أكتوبر، وأبرز ما أعتز به فى تلك الفترة هو أن الرئيس السادات كلفنى بكتابة توجيهه السياسى والاستراتيجى إلى المشير أحمد إسماعيل على فى أكتوبر 1973 بتحديد هدف الحرب.. وكانت ثقة الرئيس السادات- وهو قائد هذه المعركة- واضحة فى هذا التكليف، إلى جانب أننى كنت زائراً شبه مقيم فى قصر الطاهرة- مقر قيادته فى ذلك الوقت- ليس فى ذلك فقط.. بل إن الرئيس السادات كلفنى أيضاً بكتابة خطابه لمجلس الشعب فى 16 أكتوبر والذى حوى شروطه لوقف إطلاق النار. وإذن فسواء فى قضية الحرب أو جهود الحل كان موقفى فى منتهى الوضوح. وأعتقد أننى بعد حرب أكتوبر وفى الإعداد لفك الاشتباك أبديت آراء واجتهادات وكان هدفى توسيع دائرة الخيارات المطروحة، وأعتقد أننى لأسباب طويلة كانت لى آراء مختلفة فى موضوع فك الارتباط الأول والثانى، ولكنى أحب أن أوضح مسألة مهمة تتعلق بدورى أو دور أى صحفى. وهو أن القرار له سلطة شرعية واحدة، وأن هدفنا جميعاً لا يمكن أن يكون إلا إدارة حوار يقصد منه توسيع دائرة الاختيار.
***
المدعى الاشتراكى: هل لم تكن معارضا لفض الاشتباك؟
هيكل: نعم. وقد أبديت آرائى فى تلك الفترة فى مجموعة مقالاتى التى نشرتها الأهرام أيامها.
المدعى الاشتراكى: عند فك الاشتباك الثانى كنت قد تركت الأهرام، فهل أبديت بعض الملاحظات أو الأفكار فى أية صحيفة أو وسيلة إعلام؟.
هيكل: نعم.. وفى أى سؤال عما كتبت فى هذا الموضوع وفى تلك الفترة، فإنى أرجو أن يكون المرجع هو نصوص ما كتبت.
***
المدعى الاشتراكى: بالرغم مما أكدته فى تشجيعك واقتناعك بالحرب فقد نشرتم مقالاً بعنوان (تحية إلى الرجال) فى مارس 1971 أخشى أن يكون به تثبيط عزائم رجال القوات المسلحة؟
هيكل: أرجو أن يسمح لى بالاستفاضة فى شرح هذا الموضوع لأنه موضوع بالغ الأهمية. إننى تعرضت لحملات راحت تدعى علىَّ بما لم أقله، وربما عكس ما كتبت.. لقد قيل إننى بالغت فى قوة العدو وشككت فى إمكانية الحرب وإننى كنت انهزامياً.. لقد كنت أكثر الذين يتعرضوا بالكتابة وضوحا وتحديدا فى قضية الحرب، وقد نسب إلىَّ بعض الذين يتعرضون للكتابة الآن أننى الذى صككت شعار أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها. وهذا صحيح.. ولكنى لا أريد أن أبنى موقفى أمامكم هنا على مجرد شعار.. إننى تعرضت لقضية الحرب فى أكثر من ثلاثين مقالاً وأعتقد أن ما فيها كاف لتوضيح موقفى.
مقال بتاريخ 15 سبتمبر 1967 عنوانه (طريق بعد القتال) قلت فيه (إن النكسة التى فُرضت على النضال العربى تضعه أمام مرحلتين لا يستطيع اختصارهما فى مرحلة واحدة، مرحلة لإزالة آثار العدوان الذى بدأ يوم 5 يونيو، ومرحلة بعدها لقضية النضال العربى الأولى وهى فلسطين.. إن النكسة تجعل المرحلة الأولى عاجلة لا تقبل الانتظار، ومعاودة العمل من أجل قضية فلسطين تتطلب اجتياز مرحلة إزالة آثار العدوان كحد أدنى لابد من توفيره وضمانه.. ثم قلت فى فقرة أخرى (إن الثورة الحقيقية ليست فى ترديد الشعارات أو تسجيل المواقف، إنما الثورة الحقيقية هى فى تحريك كل الممكن من طاقات الأمة العربية وقواها وتوجيهها إلى ساحة المعركة بطريقة واعية وإيجابية.. وفى فقرة تالية قلت: ولقد قلت- ومازلت أقول- إنه لا مفر من القتال مالم تحدث معجزة تحول دونه وترى للمشكلة حلا غيره، مع العلم بأننا لا نعيش الآن فى زمان المعجزات.. إنى أكاد أقول إن العبء الأساسى سوف يكون على الطيران بالدرجة الأولى، وليست هذه عبرة يوم 5 يونيو وحده، فإن هذه الحقيقة كانت واضحة أمام كثيرين من قبل هذا اليوم بزمان طويل.
وهكذا استطرد هيكل فى قراءة فقرات من مقالاته التى تدل على أنه كان مع الحرب ولم يكن مشككاً فى قدرات رجال القوات المسلحة..
***
ووصل هيكل إلى مقاله بتاريخ 28 مارس 1969 وعنوانه (نظرة على خط وقف إطلاق النار) دعا فيه إلى إشعال خط وقف النار، وقال فيه: من ناحيتنا نحن نخسر أبطالاً، وتتعرض منشآت لدينا للخطر، ولكن خط وقف إطلاق النار يثبت أمام العالم مع كل يوم أنه مجرد لغم موقوت، كما أن جماهيرنا تجدد إيمانها بحقها فى الدفاع عن النفس وقدرتها عليه برغم قيود الاضطرار والانتظار ثم إن مقاتلينا يجرى تطعيمهم للمعركة بالدم والنار بحيث لا ينقض كل شىء عليهم بغتة كما حدث فى يونيو 1967. ومن ناحية العدو فإن تكاليف الاحتلال عليه تزيد، ونزيف الدم لديه يزيد، واستهلاك المعدات لديه يزيد، والأعباء الاقتصادية التى يتحملها بسبب المواجهة تزيد، والفارق بين العدو وبيننا هو أن أية خسارة قد تلحق بنا لن تكون كبيرة إذا ما قورنت بما خسرناه فى يونيو 1967 وكان غالياً، وأما أى شىء يخسره العدو فسوف يكون كبيراً بعد كل ما استطاع تحقيقه فى انتصار سنة 1967.. وكان رخيصاً.
عندئذٍ قال المدعى الاشتراكى وسجل فى محضر التحقيق: هذا يكفى لجلسة اليوم، واقترح تأجيل الجلسة إلى يوم الأربعاء 21 يونيو 1978.
الجلسة الثالثة: الأربعاء 21 يونيو 1978.
المدعى الاشتراكى: فى جلسة التحقيق السابقة كنت تتحدث عن مقال مارس 1971 فى الأهرام (تحية إلى الرجال) فهل لديك ما تريد إضافته؟
هيكل:.. لقد كنت دائماً أقول وأكرر إنه لا مفر من الحرب، وقد أوضحت بالتحليل أن حربنا لابد أن تكون حرباً هجومية نقوم نحن بشنها، ثم شرحت أنها لابد من أن تكون حرباً طويلة لتلافى أثر التفوق العسكرى الإسرائيلى الذى يعتمد على الحرب الخاطفة، ثم ركزت على الأسباب التى تحتم أن تكون حربنا على جبهتين بما يعنيه من ضرورة إقامة جبهة شرقية مع سوريا على الأقل. ثم وصلت إلى النقطة الساخنة فى الاستراتيجية العربية وهى أن أول أهداف الحرب لابد أن يكون تكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر البشرية وفى المعدات، لأن ذلك هو الطريق المباشر لكسر نظرية الأمن الإسرائيلية، كما يكفل تغيير موازين القوة فى المنطقة.. ذلك كله استعرضته فى مقالاتى بعد الحرب سنة 1967 وسنة 1968.
***
وقال هيكل: أمامى مقال نشر يوم 11 إبريل 1969 بعنوان (الجيش الإسرائيلى والدواعى الملحة لهزيمته فى معركة) حوى تصوراً كاملاً لمعركتنا الممكنة مع إسرائيل.. إن التصورات التى جاءت فيه وصلت إلى درجة أدعى معها أن ما حدث بعد ذلك فى أكتوبر 1973 لا يخرج كثيراً عما جاء فيه، والمقال شاهد. وجاء فيه: (يتحتم على أمتنا العربية أن تبذل قصارى ما تستطيع لكى تجعل ميزان الخوف والطمأنينة يميل إلى ناحيتها فى صراع المصير الدائر الآن على أرض الشرق الأوسط.. إسرائيل بوسائل صناعية حاولت قلب الميزان، ونجحت فى هذه المحاولة إلى حد ما، وأخذت لنفسها الطمأنينة وتركت الخوف للعرب بعكس كل قوانين المنطق والطبيعة.. وهناك طريق واحد: إنزال هزيمة لا شك فيها بالجيش الإسرائيلى فى معركة عسكرية.. معركة عسكرية واحدة.. لست أتحدث عن هزيمة العدو فى الحرب، إنما أتحدث عن هزيمة العدو فى معركة، فهزيمة العدو فى الحرب مازال أمامها طريق طويل لا تظهر أمامنا احتمالاته الآن، ولكن هزيمة العدو فى معركة تدخل فى نطاق القدرة التى يمكن أن تكون متاحة قبل الطريق الطويل لنهاية الحرب.. المعركة التى أتحدث عنها أقل طموحاً من معركة 5 يونيو، قد تكون محدودة، ولكن يتحتم أن يكون النصر العربى بعدها لا شك فيه، والهزيمة الإسرائيلية بعدها لا شك فيها فى إطار هذه المعركة.. معركة ترغم العدو على التقهقر من مواقع يحتلها ويرتد إلى مواقع أخرى خلفها ولو بكيلومترات قليلة. أتحدث إذن عن معركة ولا أتحدث عن الحرب كلها، وأتحدث عن معركة محدودة، ولو وقعت لكان تأثيرها على الحرب كلها غير محدود. سوف تكسر أسطورة تحاول إسرائيل ترسيخها فى الأذهان مؤداها أن الجيش الإسرائيلى لا يقهر. والجيش الإسرائيلى هو العمود الفقرى للمجتمع الإسرائيلى، ويمكن أن نقول ما حققته المقاومة العربية ضد الصهيونية- ولو حتى بمجرد الرفض- هو أن الأحلام الكبرى للحركة الصهيونية قد تبددت، واستحالت الدولة الإسرائيلية- أمام الرفض العربى- إلى حامية عسكرية، وبالتالى أصبح المجتمع الإسرائيلى أشبه ما يكون بمجتمع الحامية العسكرية، وحتى إذا لم يكن من شأن المعركة، كما أتصورها كسر العمود الفقرى للمجتمع الإسرائيلى، فإن مثل هذه المعركة سوف تؤدى على الأقل إلى شرخ فى العمود الفقرى الإسرائيلى، ومثل هذه المعركة سوف تبدد أو تهز الاعتقاد لدى سكان إسرائيل بأن الجيش الإسرائيلى قادر على حمايته. وتؤدى إلى زعزعة نفوذ المؤسسة العسكرية التى أصبحت لها اليد الطولى فى توجيه وتنفيذ السياسة الإسرائيلية.. ومثل هذه المعركة سوف تؤدى إلى سقوط فلسفة الاستراتيجية الإسرائيلية التى تنادى بإمكانية فرض السلام على العرب، وفرض السلام هو فى الحقيقة تعبير مزيف يعنى فى الصميم (شن الحرب).. ومثل هذه المعركة وما يترتب عليها سوف تمد يد التغيير إلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية إزاء أزمة الشرق الأوسط بشكل خاص.. إن إسرائيل رغم ضآلتها أثبتت للسياسة الأمريكية أنها أهم بالنسبة لها من العرب على ضخامتهم بالنسبة للمدى القصير على الأقل، ومع أن المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط كلها على الجانب العربى فإن الولايات المتحدة تعطى تأييدها كله للجانب الإسرائيلى. ومن المتناقضات الغريبة أن الولايات المتحدة تحمى مصالحها لدى العرب بالدعم الذى تعطيه لإسرائيل، أى أن إسرائيل هى المسدس الموجه إلى الأمة العربية الذى تستطيع الولايات المتحدة وراء إرهابه أن تواصل تحقيق مصالحها فى المنطقة.
وقرأ هيكل المقال كله للمدعى الاشتراكى وفيه: هل مثل هذه المعركة ممكنة؟ والرد: لست أدعى لنفسى خبرة عسكرية، ومع ذلك فإنى أقول بإمكانية حدوث مثل هذه المعركة التى يمكن أن نُنزل فيها بالجيش الإسرائيلى هزيمة لا شك فيها.
واستعرض هيكل أمام المدعى الاشتراكى مقالاته الأخرى.. مقال بتاريخ 8 أغسطس 1969 بعنوان (إرادة الصراع وصراع الإرادة) وفيه: أن المعركة الشاملة يجب أن تبدأ فى جو الحقيقة وليس فى جو الخرافة، والحقيقة تقول إن الجيش الإسرائيلى قوى، ولكن القول بأن الجيش الإسرائيلى لا يقهر خرافة صاغتها أوهامنا بعد هزيمة ألحقناها بأنفسنا بأكثر مما ألحقها بنا الجيش الإسرائيلى.. وعندما يعبر جنودنا ويفاجئون جنود العدو فى خنادقه ويرونهم أمامهم يصرخون ويجرحون ويسقطون موتى، فإن ذلك له أثره المعنوى بجانب أثره المادى.. إن ضرب هيبة العدو، وكسر خرافة تفوقه الساحق مطلب ضرورى قبل الانتقال إلى منطقة صراع الإرادة.
ومقال بتاريخ 3 أكتوبر 1969 عنوانه (الحرب القادمة) وفيه: إن الجيش الإسرائيلى لم يعد يملك فرصة المبادأة بالهجوم واستعمال أسلوب الحرب الخاطفة بسبب المواقع الطبيعية.. وطول خطوط مواصلات العدو.. ولأن دخوله وسط الكثافة السكانية انتحار.. وإذن فإن الجيش الإسرائيلى سوف يكون فى الحرب القادمة فى موقف الدفاع، وهذا نوع من الحروب لم يؤهل هذا الجيش له ولا يمكن تأهيله له لأنه يتعارض مع خواصه الإرهابية، وحتى إذا جرى تأهيله لهذا النوع من الحروب، فإن الجيش الإسرائيلى يفقد بذلك أهم ميزاته.
ومقال فى 19 ديسمبر 1969 بعنوان (باب الحرب) وفيه: إن الأمة العربية وإسرائيل تدخلان إلى حقبة السبعينات من باب واحد: باب الحرب.. كل شىء سوف يتقرر فى الحرب وبالحرب.. وما زلت أذكر كلمة للفريق عبد المنعم رياض فى آخر لقاء بيننا قبل أن يستشهد فى ميدان القتال بأيام قليلة. قال: فى المعركة القادمة لن تكون حربنا ضد إسرائيل فقط، إنما من أجل وجودنا ذاته. وجودنا بكرامة وشرف..
ومقال فى 30 يناير 1970 يحاول استكشاف نوع العمليات الإسرائيلية ضدنا وهو بعنوان (حتى لا نقع فى كمين.. نوع العمليات الإسرائيلية المقبلة ضدنا) ومقال فى 17 يوليو 1970 تحت عنوان (عن الدفاع والهجوم) يتعرض لمشكلة مهمة أثيرت فى ذلك الوقت عما إذا كنا نملك أسلحة هجومية أو أن كل ما لدينا دفاعى؟. وشرحت وجهة نظرى كاملة بما مؤداه أنه إذا كان هدف الحرب هو تدمير القوات المسلحة للعدو، فإن الأسلحة الحديثة- حتى ما يبدو دفاعيا بحتا بينها- يقوم فى الحقيقة بعمل هجومى.. فالصاروخ المضاد للطائرات والصاروخ المضاد للدبابات لهما قوة هجومية..
وسأل هيكل: هل فى استطاعتى بدل أن أقرأ أمامكم نصوص ما أستشهد به من مقالات أن أقدمها لكم كاملة فى ملف يلحق بالتحقيق؟.
وأجاب المدعى الاشتراكى: كنت أريد أن أقترح عليك ذلك.
***
وانتقل هيكل إلى موضوع السؤال: عن مقال (تحية للرجال) المنشور فى 12 مارس 1971 وتركزت عليه حملة كبيرة، وقال هيكل للمدعى الاشتراكى: إن كثيرين مما شاركوا فى هذه الحملة استغلوا عنصر الزمن ومضى سنوات على النشر لضمان قدر من النسيان فيكون فى استطاعتهم أن ينسبوا لغيرهم أى شىء يريدونه فى اطمئنان من أن أحدا لا يتذكر ما قيل قبل سنوات، ثم إن من يعنيه الأمر لا يستطيع أن يرد.
وقرأ هيكل نص المقال ثم قال: ماذا نجد فيه؟
أولاً: سوف نجد فيه تحية للمقاتلين. ومناسبة التحية- وهذا واضح فى صلب المقال وفى مقدمته- أن هناك أمرا إنذاريا صدر فى ذلك الوقت بوضع القوات المسلحة تحت الإنذار استعدادا لعمليات عسكرية.
ثانياً: هذا المقال هو فى الواقع تصور مبكر لخطة إسرائيل العسكرية فى مواجة أية عملية عبور لقناة السويس نقوم بها، ويلاحظ من تاريخ نشر هذا المقال أننى فى الفترة السابقة على كتابته كنت فى رحلة صحفية إلى أوروبا، واشتركت فى ندوات تبحث موضوعات سياسية وعسكرية، وتابعت دراسات عن مختلف جوانب أزمة الشرق الأوسط، وكان من نتيجة ذلك أن توافر لى تصور واضح لاحتمالات رد الفعل الإسرائيلى إذا نحن أخذنا زمام المبادرة وقمنا بعملية عبور، وقد وجدت أن أنشر على الناس ما تجمع لى من معلومات، وكنت أتصور أنه من المفيد جدا أن تعرف الجماهير أكبر قدر ممكن من الحقيقة، لأن ذلك حقها، وهو أيضا مفيد لها، وكان رأيى أن خير تكريم للمقاتلين هو أن يكون الشعب كله عالما وعارفا بطبيعة المهام الموكولة لهم، وفضلا عن ذلك فإن الشعب سوف تكون له- من علمه ومعرفته- فرصة أفضل لمتابعة التطورات.. وأثبتت الظروف فيما بعد- وخلال حرب أكتوبر- أن ما نشرته فى هذا المقال كان هو بالضبط تقريبا ما فعله الإسرائيليون فى مواجهة الهجوم المصرى.. وهكذا فإننى أعتقد أنه كان يجب أن أكافأ على هذا المقال بكلمة شكر، ولا أحاسب عليه أو أهاجم بسببه.. ويقال إن نشر مثل هذه المعلومات الواردة فى المقال لا لزوم له بالنسبة للقارئ العادى.. ولست أعرف من له حق الوصاية على ما يحق للقارئ العادى أن يقرأه أو لا يقرأه.. ويقال إن النشر يؤثر على معنويات الرجال الذين سيقومون بالعمليات. ولست أتصور أنهم لم يكونوا على علم بما سوف يجدونه أمامهم عندما يبدأون عملياتهم.
ويقال لماذا لم تقدم هذه المعلومات- خصوصا وهى من مصادر موثوقة- إلى المسئولين لكى يقدروها كما يرون، ثم يتصرفون بمقتضى مسئولياتهم؟. وهذا يجرنا إلى قضية كبرى، وهى قضية مسئولية الصحفى، وأمام من هى؟. هناك من يعتبرون أن مسئولية الصحفى أمام المسئولين، وهناك من يعتبرون أن مسئولية الصحفى أمام قرائه، بل إن أية علاقة له بالمسئولين لا قيمة لها إذا لم تكن فى النهاية لفائدة قرائه، وأنا أنتمى لهذا الرأى الأخير.. وهكذا فأنا كصحفى يستشعر دوره المهنى والوطنى وضعت ما لدى أمام الجميع- الرأى العام والقيادة أيضا- وكان من بين أهدافى للنشر فى ذلك التوقيت أن أقوم بعملية تنبيه.. كان قد صدر أمر إنذارى لوضع القوات المسلحة فى وضع الاستعداد لبدء عمليات، ومن سوء الحظ أن ذلك جرى ضمن صراع على السلطة فى الداخل، ولم يتورع أصحاب هذا الصراع عن إدخال قضية الحرب واستعمالها فيه. وأستشهد فى هذا الصدد بما جاء فى كتاب الرئيس السادات الذى كتب فيه قصة حياته تحت عنوان (البحث عن الذات) وأستشهد بما جاء فى صفحة 299 وامتد إلى الصفحة 300 يقول الرئيس السادات بالحرف:
(فى يناير 1971 كان علىَّ أن أتخذ قرارا بالنسبة لمبادرة روجرز، فدعوت إلى اجتماع اللجنة المركزية العليا ووزير الحربية ووزير الخارجية، وكان واضحا من المناقشة أن الرأى الغالب- وهو رأى مراكز القوة- وهم الأغلبية فى القيادة السياسية التى تركها لى عبدالناصر، أن نستأنف حرب الاستنزاف مع إسرائيل فى الوقت الذى كان فيه نصف الوطن- وهو الصعيد- معرضا لإغارات إسرائيل كما حدث خلال عامى 1968 و1969، ورغم أن الاتحاد السوفيتى كان يماطل فى إرسال الصواريخ لمواجهة هذه الإغارات وحماية منشآتنا فى الصعيد (برغم أننا وقّعنا معه اتفاق إرسالها) وكان يسرف فى إرسالها بمختلف الحجج. كان واضحا أيضا من مناقشاتهم أنها مناورة لإحراجى وإحراج البلد، فانتهيت من الاجتماع بأن قلت لهم إننى لم أدخل حرب استنزاف أخرى حتى تصلنى بطاريات الصواريخ، وأؤمن المنشآت فى الصعيد- نصف مصر- كما أننى سأجدد مبادرة روجرز لشهر واحد فقط ينتهى فى 7 مارس 1971 حتى أعطى آخر فرصة للعالم ولأمريكا ولإسرائيل ليتحملوا مسئوليتهم. هذا هو نص ما كتبه الرئيس السادات فى مذكراته، ويلاحظ أن تاريخ نشر مقالى (تحية للرجال) يتوافق مع هذا التوقيت.
***
وحكى هيكل أنه فى يوم 30 سبتمبر، بعد وفاة عبدالناصر بيومين، وقبل تشييع الجنازة بيوم واحد، شارك فى اجتماع مجلس الأمن القومى وكان عضوا فيه بوصفه وزيرا للإرشاد القومى وقتها، وكان رأى السادات أن هناك وفودا كثيرة قادمة للعزاء فى وفاة جمال عبدالناصر، ولكنهم سوف ينتهزون الفرصة لكى يتكلموا معنا فى الأوضاع، خصوصا بالنسبة لنوايانا فى موضوع وقف إطلاق النار.. كان هناك وفد سوفيتى قادم للعزاء برئاسة الكيسى كوسيجن رئيس الوزراء، ووفد أمريكى برئاسة اليوت ريتشاردسون وزير الخدمات الاجتماعية، وهو وقتها من أقرب المقربين إلى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، وكان هناك وفد بريطانى برئاسة دوجلاس هيوم وزير الخارجية البريطانى، والسكرتير العام للأمم المتحدة.. وكثيرون غيرهم من ساسة العالم.. وهكذا دعا الرئيس السادات أعضاء مجلس الأمن القومى إلى اجتماع لمناقشة موقفنا المبدئى تجاه هذه النقطة بالذات: هل نجدد وقف إطلاق النار، أو نرفض التجديد؟.
ولم يحضر الرئيس السادات هذا الاجتماع لأنه كان مشغولا بترتيبات الجنازة فى اليوم التالى، أول أكتوبر، واجتمعنا فى مكتب وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى وقتها لمناقشة الموضوع، وكان عددنا فيما أذكر قرابة عشرة أشخاص بينهم بالطبع وزير الحربية، ووزير الخارجية محمود رياض، ومدير المخابرات العامة حافظ إسماعيل، ووزير الداخلية شعراوى جمعة، ووزير الدولة أمين هويدى، ووزير شئون رئاسة الجمهورية سامى شرف، ورئيس أركان الحرب الفريق محمد صادق، ومدير المخابرات العسكرية.. وكان علينا أن نضع تقدير موقف يكون تحت تصرف الرئيس السادات فى محادثاته مع رؤساء الوفود الزائرة.
يقول هيكل: فى بداية الجلسة استمعت إلى مناقشات تصدر عن عواطف وانفعالات غير واضحة مثل: إننا لا نستطيع تأجيل المعركة تكريما لجمال عبدالناصـر وإلا فـإن النــــاس سـوف يتهمون خلفـاءه بالقصـور أو الجبن .. وكـان رأيى أن تكـريم جمــال عبدالناصر يكون بمعركة توافرت لها أسباب النجاح، وقلت: لابد أن نتأكد أن الفريق فوزى جاهز لفتح النار.
وكان ملخص ما قاله الفريق أول محمد فوزى إنه رجل عسكرى منضبط، يخضع لتوجيهات القيادة السياسية، فإذا طلب إليه من القيادة السياسية أن يكسر وقف إطلاق النار فسوف يفعل، وإذا طلب إليه أن يستمر فى التزامه بوقف إطلاق النار فسوف يفعل، لكن القيادة السياسية فى الحالتين يجب أن تتحمل هى مسئولية إصدار الأمر. وقال إنه يريد أمراً مكتوباً بالطريقة التى يتصرف بها، وبعد إلحاح من هيكل أعلن رأيه فقال: إنه يريد أن يلفت النظر إلى أن بطاريات الصواريخ المطلوبة لتغطية مرافق الصعيد لم تصلنا بعد.
فقلت له: إذن فإن استمرار وقف إطلاق النار لفترة محددة أخرى يناسبك أكثر فى هذه الظروف؟
ورد الفريق أول محمد فوزى: إننا لو أعطينا شهراً واحداً حتى تصل بطاريات الصواريخ المطلوبة للصعيد فإن الموقف سيكون أفضل.
وقلت فى الاجتماع: إن القائد العام يطلب مد وقف إطلاق النار شهراً. وأنا أعتقد أن المناسب الاستجابة للمطلب العالمى بتجديد فترة سريان وقف إطلاق النار بثلاثة شهور. لأكثر من سبب بينها أحزان الناس، ومسئوليات القيادة الجديدة، والعالم لن يأخذ مد وقف إطلاق النار كدليل على ضعف خلفاء عبدالناصر، ولكنه سوف يدرك من وراء القرار أن هؤلاء الخلفاء لا يتصرفون بعصبية، وأنهم يعطون أنفسهم الفرصة للإمساك بكل خيوط الموقف، وبأنهم قادرون على قيادة الجماهير دون انسياق وراء احتمالات غير محسوبة.
وصباح يوم 3 أكتوبر عقد اجتماع حضره كوسيجن رئيس الوزراء السوفيتى والرئيس السادات كما حضره هيكل بوصفه وزيراً للإرشاد. رغم أنه استقال وأرجئ خروجه من الوزارة إلى ما بعد الاستفتاء على السادات مع مجموعة محددة من أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى والوزراء، وقال كوسيجن إنه حريص كصديق أن يؤكد صداقة الاتحاد السوفيتى ودعمه للنضال المصرى، ولكنه فى نفس الوقت -كصديق أيضاً- يحذر من خطرين بعد عبدالناصر. الأول: هو احتمال انشقاق فى القيادة السياسية الجديدة، والثانى: هو أن تندفع القيادة السياسية الجديدة تحت ضغوط رغبتها فى إثبات نفسها إلى مغامرات غير محسوبة، وأثبتت التطورات فيما بعد أن السوفييت بالنسبة لخطر المغامرات غير المحسوبة قرروا الإبطاء فى إرسال بعض المعدات -وبالذات بطاريات الصواريخ للصعيد- وبعض جسور العبور، حتى لا يكون تمام الاستعداد حافزاً إلى المغامرة كما كانوا يرون..
***
وقال هيكل فى التحقيق بعد ذلك: هكذا رحبت بقرار الرئيس السادات بمد العمل بوقف إطلاق النار ثلاثة شهور أخرى.. لكن المشكلة أن قضية الحرب دخلت بعد ذلك فى الصراع الداخلى حتى جاء يوم فى شهر مارس سنة 1971 تقرر فيه فعلاً موعد لكسر وقف إطلاق النار، وبدء العمليات العسكرية ووضع القوات المسلحة فعلاً فى حالة تأهب.. فى ذلك الوقت كتبت المقال بعنوان (تحية للرجال) وكان المقال عرضاً لخطة إسرائيل فى حالة قيامنا بعبور قناة السويس، للتنبيه إلى حجم المخاطرة، وشنَّت علىَّ مراكز القوة أعنف الهجمات بسبب ما كتبت، لكن ما قاله الرئيس السادات فى كتابه عن (محاولة توريطه وتوريط البلد) فى معركة يؤيد نقطة التنبيه بين كل النقط التى أثرتها فى مقالى، والدليل النهائى على صحة هذه النقطة، أن الرئيس السادات كان قد أعلن سنة 1971 سنة الحسم، ومع ذلك فإن المعركة لم تجئ إلا بعد أكثر من سنتين ونصف السنة على تاريخ كتابة هذا المقال.
المقال كان فى مارس 1971. والمعركة جاءت فى أكتوبر 1973.
وعندما جاءت المعركة كانت التصورات التى كتبتها فى المقال مطابقة تقريباً لما حدث على أرض ميدان القتال.
وبعد هذا المقال كتبت فى 7 يناير 1972 مقالاً عنوانه (التصدى للشبح)، وفى 31 مارس 1972 كتبت مقالاً بعنوان (الحرب فى زماننا) تكلمت فيه عن ضرورة (كسر حاجز الوهم) وكان ذلك قبل المعركة بسنة ونصف السنة. أين إذن دعوى الانهزامية؟ وأين بث اليأس؟. وأين التهويل فى أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر؟. كل تلك الدعاوى أبعد ما تكون عن موقفى.. بل هى عكس موقفى. وإن دورى فى حرب أكتوبر فى الناحية السياسية والإعلامية من الإعداد للحرب، وهو دور لم أعطه لنفسى، إنما أعطاه لى الرئيس السادات، يشهد لى قطعاً. وقد شرحت هذا الدور تفصيلاً فى كتابى (الطريق إلى رمضان) الذى نشر فى لندن بالإنجليزية، وتُرجم إلى أكثر من عشرين لغة فى العالم، وأستأذن فى تقديم نسخة منه إلى هذه الهيئة الموقرة.
فقد دعانى الرئيس إلى مقابلته فى استراحة برج العرب فى الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1973، ووجدت الرئيس السادات فى انتظارى على باب الاستراحة، وكانت هناك سيارة مرسيدس بنية اللون واقفة فى الانتظار، وطلب منى أن أركب معه، وجلس بنفسه على عجلة القيادة وجلست على المقعد المجاور له، وحين أراد بعض ضباط الحرس أن يركبوا معنا فى مقعد السيارة الخلفى طلب منهم الرئيس السادات أن يلحقونا فى سيارات أخرى، وانطلق بالسيارة على طريق صحراوى خلفى، وذهبنا إلى استراحة أخرى فى كنج مريوط بعد نصف ساعة، وخلالها فإن الرئيس أخطرنى بالموعد التقريبى للمعركة، وبأنه يريدنى للمشاركة فى بعض نواحيها السياسية والإعلامية، وأنه يفكر فى أن أتفرغ لهذا العمل بجانبه فى رئاسة الجمهورية وأترك عملى الصحفى فى الأهرام، وقلت له إننى أستطيع أن أؤدى ما يطلبه منى وفى نفس الوقت أواصل عملى الصحفى. وحين وصلت بنا السيارة كنا قد دخلنا فى تفاصيل الإعداد للعملية السياسية والإعلامية التى تمهد وتصاحب بدء العمليات العسكرية على جبهة القتال، وطرحنا للمناقشة عدة مسائل:
* التهيئة الدولية للبدء فى العمليات دون أن نذيع سرها الكبير.
* الطريقة التى نخطر بها الدول الصديقة مع بدء العمليات.
* الموقف حيال القوتين العظميين وكيف نتصرف حيالهما قبل وبعد المعركة؟
* الأسلوب الذى نتحدث فيه فى الأمم المتحدة توقعاً لإثارة موضوع بدء العمليات فيها.
* السياسة التى نتبعها فى الإعلام عن الحرب.
* كيف يمكن أن نجد الذريعة الإعلامية المقبولة لبدء العمليات؟.
* ما هى الأدوار التى يمكن أن يعهد بها إلى كبار معاونى الرئيس فى فترة التمهيد للعمليات وفى فترة استمرارها؟.
وكنا وحدنا فى شرفة استراحة كنج مريوط واستمر حديثنا من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة الرابعة بعد الظهر..
وقال هيكل: كنت أقرب الناس إلى الرئيس السادات فى هذه الظروف الحاسمة.. وضاعف سعادتى أن الرئيس كلفنى يوم 27 سبتمبر بأن أكتب توجيهه إلى القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول -وقتها- أحمد إسماعيل على- بتحديد الأهداف الاستراتيجية للحرب، وسلمته للرئيس بخط يدى، وبلغ من حرص الرئيس عليه أنه دعا أحد موظفى سكرتاريته للكتابة على الآلة الكاتبة، ثم أمره بعد ذلك أن يبقى فى غرفة مقفلة داخل بيته فى الجيزة حتى تبدأ العمليات، ولكيلا تكون هناك ثغرة يتسرب منها السر، ثم منحه بعد ذلك علاوة.
ثم قال هيكل للمدعى الاشتراكى:
هل يمكن أن يكون موضع هذه الثقة فى هذا الأمر شخصاً انهزامياً أو داعية يأس؟.
.. ..
واستمر التحقيق..