الدبلوماسية الأمريكية الجديدة
بدأت الإدارة الأمريكية فى تنفيذ سياسة جديدة للسيطرة على مشاعر الغضب فى الدول العربية والإسلامية، ومواجهة ما تسميه الولايات المتحدة (الكراهية لأمريكا).
بدأت هذه السياسة بعد مناقشات حول سؤال هو: لماذا يكرهنا العالم؟
وانتهت إلى أن الولايات المتحدة عليها أن تقوم بحملات وجهود للتأثير إعلاميا وثقافيا على عقول الشعوب العربية والإسلامية، وهذا ما أطلقوا عليه الدبلوماسية الثقافية، وفى شرح هذه الدبلوماسية قالت (هيلينا فين) إنها التأثير فى الجماهير خارج أمريكا، وهيلينا فين دبلوماسية أمريكية بارزة، وعضو بمجلس العلاقات الخارجية، وتعتبر من العقول التى تتحمل مسئولية التخطيط للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد كتبت مقالا فى العدد الأخير من مجلة فورين أفيرز قالت فيه إن السنوات الأولى من الحرب الباردة تحملت فيها المسئولية وزارة الخارجية (قسم العلاقات الثقافية) والمخابرات الأمريكية الـ (سى. آى. إيه) وكان عليها تمويل وقيادة الجهود الأمريكية لما كانت تسميه (تعزيز التفاهم والتبادل الثقافى مع الشعوب). وكانت هذه الدبلوماسية تنفذ بجدية، وكان لها التأثير فى تحقيق الانتصار على الأيديولوجيات المتعارضة مع أمريكا، وفى محاضرة أعداء أمريكا، بل شاركت هذه الدبلوماسية الثقافية فى حماية الأمن القومى لأمريكا. لكن المسئولين عن صناعة السياسة الأمريكية تحولوا إلى الاعتقاد بأن القوة العسكرية وحدها كفيلة بتحقيق الانتصار على ما تسميه (الإرهاب الإسلامى الراديكالى).
وتستشهد هيلينا فين بما توصل إليه الباحث الأمريكى راجان مينون من أن نشر الثقافة الأمريكية، وبرامج الزيارات إلى أمريكا، وترجمة الكتب والمجلات الأمريكية، والإذاعات الأمريكية، وأمثال هذه الأنشطة ساهمت مساهمة فعّالة فى حصار الشيوعية، واليوم فإن على الإدارة الأمريكية التعامل بنفس الوسائل مع العالم الإسلامى، حيث الشباب هناك مشوش الفكر.. غاضب.. ويبحث عن أيديولوجية للخلاص تحقق له حياة أفضل، وعلى الولايات المتحدة أن تقدم نفسها على أنها النموذج والبديل، وتعمل على إغراء هؤلاء الشباب على التطلع إليها.
وتقدم هيلينا فين برامجا لنشر وتنشيط هذه (الدبلوماسية الثقافية) يجذب (المعتدلين) فى العالم الإسلامى للتعامل معها، وتقديم تعليم بديل للمدارس الدينية، وبالاشتباك مع فكر التطرف وهزيمته على أرضه. وفى السنوات الأخيرة تزايد فى العالم الشعور العدائى لأمريكا تزايدا مزعجا وتمركز فى الشرق الأوسط، ولتغيير هذه المشاعر وتوجيهها وجهة أخرى فإن على أمريكا أن تفتح الجسور للاتصال بالأغلبية الصامتة فى العالم الإسلامى بطرق أخرى غير القوة العسكرية أو الدبلوماسية التقليدية لأنهما لن يحققا نجاحا فى القضاء على الاتجاهات المعادية لأمريكا وحالة الغليان الزائدة الناتجة عن الإحباط والشعور بأن المسلمين متخلفون والدول المتقدمة لا تقدم لهم مساعدات كافية للتخلص من هذا التخلف.
وتقول هيلينا فين إن على أمريكا أن تغير الفكرة المسيطرة على قيادتها وهى أن الإسلام أكثر الأديان عنفا بطبيعته، وتدرك أن هناك أسبابا موضوعية للاستياء المنتشر فى الشرق الأوسط. وعلى أمريكا أن تعمل على تقديم حلول عملية وإيجابية لمساعدة شعوب هذه المنطقة بدلا من توجيه رسائل عدائية إليهم، ولن يكون ذلك إلا بالعمل بالدبلوماسية الثقافية الهادئة التى أثبتت فاعليتها ونجاحها فى الحرب الباردة، وهذه الدبلوماسية الثقافية تتمثل فى إنشاء (قواعد ثقافية) بدلا من القواعد العسكرية، تقوم بنفس العمل وتحقق الانتصار على أعداء أمريكا بأسلوب مختلف بالمؤتمرات والندوات والإصدارات الفكرية التى كانت تمولها وترعاها وكالة الإعلام الأمريكية فى الخمسينيات، ومن خلال التداخل فى الحياة الثقافية للشعوب، وفى التعليم، والإعلام، ونشر المعلومات الإيجابية عن الحياة والسياسة والنوايا الأمريكية.. وزيادة نشاط المكتبات والمراكز الثقافية الأمريكية.
ومن خلال شخصيات من أمثال سلمان رشدى يمكن التغلغل والوصول إلى عقول هذه الشعوب بأصوات وأقلام تخرج من بينهم وتحمل جنسيتهم وتتحدث بلغاتهم. وأيضا من خلال دعوة النخبة فى هذه البلاد إلى أمريكا للحوار مع مفكرين وخبراء أمريكيين.
تطالب الباحثة الأمريكية بزيادة ميزانية الدبلوماسية الأمريكية من 750 مليون دولار إلى مليار دولار لكى تحقق لأمريكا النصر بتكاليف أقل بكثير من تكاليف الحروب العسكرية.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف