ماذا وراء الجدار الإسرائيلى؟
إذا نظرنا إلى الجدار الذى تقيمه إسرائيل لعزل الفلسطينيين نجد أنها تعزل به نفسها أيضا، وبينما هدفها أن تجعل الفلسطينيين يعيشون فى سجن خلف الأسوار، فإنها سوف تعيش أيضا فى سجن خلف الأسوار..
وإذا كان غضب الفلسطينيين بسبب هذا الجدار قد بلغ مداه، فإن الغضب أيضا لدى الإسرائيليين.. وفى صحيفة يديعوت أحرونوت كتب سيفر بلوتسكر مقالا يقول فيه إن الجدار هو الذى يخلق الحدود، وسيضطر الفلسطينى للحصول على تأشيرة دخول إذا أراد اجتيازه وسيتعرض للتفتيش والاستجواب حتى إذا أراد الوصول إلى أرضه التى أصبحت فى الجانب الإسرائيلى للجدار، والإسرائيليون يتعاملون مع الأجزاء التى تم بناؤها من هذا الجدار على أنها حدود، وشارون لا يريد أن يستمع إلى الأمم المتحدة التى تطالبه بوقف بنائه، ولا يستمع حتى إلى الإدارة الأمريكية التى تحذره بلطف من عواقب بناء هذا السور، فالحدود التى يخلقها هذا السور يتم تحديدها من جانب واحد، وهى حدود غير مقبولة من أى دولة فى العالم لأنها تضم أراضى فلسطينية إلى إسرائيل. ولا أحد فى العالم يقبل ما تعلنه حكومة إسرائيل من أن هذا السور لا يشكل حدودا وأنه مجرد إجراء أمنى.. ويقول الكاتب: سوف نبكى وتبكى أجيال من الإسرائيليين بسبب هذا الجشع فى ضم أراض ليست لنا، وسنندم على العواقب حين نرى أن هذا الجدار عزلنا عن العالم.
وتوماس فريدمان- اليهودى الصهيونى الهوى- كتب هو الآخر مقالا فى نيويورك تايمز بعنوان (جدار الخوف) يقول فيه إن (التفجيرات الانتحارية) تسبب الجنون للإسرائيليين، والجدار ليس سوى التعبير المادى عن الخوف الذى يتملك إسرائيل، وقد اعترف آرى شافيت الكاتب فى صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بأن هذا الجدار (مشروع مأساوى يبدو مثل سور برلين، ويبدو خطأ كبيرا، ولا أحد فى إسرائيل يريده) وعلى الجانب الآخر تبرر الحكومة الإسرائيلية إصرارها على بنائه بأنه ضمان للأمن، ولكن هذا الجدار يمثل نقطة تحول كبيرة فى الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، هل هى نقطة تحول إلى العقل والهدوء أم نقطة تحول إلى مزيد من الصراع؟
ويقول فريدمان: إن هذا الجدار سيؤدى إلى سجن مئات الآلاف من الفلسطينيين، ويفصل بينهم وبين مزارعهم وأسرهم ووظائفهم، وهذا ما حدث بالفعل، واليسار الإسرائيلى يريد إقامة السور بطريقة تجعل جلاء إسرائيل عن الضفة الغربية أمرا آمنا، واليمين الإسرائيلى يريد بناء الجدار بطريقة تجعل بقاء إسرائيل فى الضفة أمرا آمنا، بينما يرى بعض الأمريكيين أن الجدار ليس الحل الأمثل لأزمة إسرائيل، وترى دول العالم أن السلام العادل هو الذى يحقق الأمن والاستقرار الدائمين للإسرائيليين وللفلسطينيين ولدول الشرق الأوسط جميعها. أما السور الذى يقام لاغتصاب أرض الآخرين فلا يحقق آمنا ولا استقرارا لهؤلاء وهؤلاء.. وسيتحول إلى حائط مبكى ثان أطول من حائط المبكى الأول، مع فارق مهم أن حائط المبكى الجديد سوف يبكى عنده شعبان وليسا شعبا واحداً، سوف يبكى اليهود انهيار حلمهم بقيام دولة ديمقراطية، ويبكى الفلسطينيون ضياع حلمهم بإقامة دولتهم على أساس العدل.
وعضو الكنيست ابراهام بورج الذى كان المتحدث باسم الكنيست من عام 1999 حتى 2003 كتب فى يديعوت أحرونوت يقول إن على شارون أن يعلن سياسته للشعب بصراحة، وهل هو يريد إسرائيل دولة عنصرية يهودية معادية للغير، أو يريدها دولة ديمقراطية؟ هل يريد أن يعطى الأمل للإٍسرائيليين وحدهم ويحرم الآخرين من الأمل أو يريد أن يكون الأمل للشعبين؟ وهل سيدوم الأمن فى دولة تعيش خلف الأسوار والأسلاك الشائكة ومتاريس الطرق، وتنتفض رعبا من انفجارات محتملة، أو تعيش داخل حدود آمنة ومعترف بها، وتقبل قيام دولتين وعاصمة مشتركة فى القدس؟
ويقول بورج فى مقاله: إن التآكل فى الكيان الصهيونى وصل إلى الرأس، كان ديفيد بن جوريون يخطئ أحيانا لكنه ظل يسير على خط مستقيم مثل السهم، وعندما كان بيجن يخطئ لم يكن أحد يتشكك أو يطعن فى دوافعه، ولكن الأمر لم يعد كذلك مع شارون، بعد أن أظهرت استطلاعات الرأى أخيرا أن أغلبية الإسرائيليين لا يثقون بالاستقامة الشخصية لرئيس الوزراء، وبمعنى آخر فإن شارون: أخلاق شخصية مشبوهة، واستخفاف صريح بالقانون، وممثل لوحشية الاحتلال، وسحق أى فرصة للسلام.. هذه هى دولتنا، وهؤلاء هم قادتنا، وهذا هو الوقت لطرح البديل، وليست المسألة الليكود إزاء العمل، أو اليمين إزاء اليسار، ولكن المسألة هى: الصواب إزاء الخطأ، والمقبول إزاء المرفوض، والالتزام بالشرعية والقانون إزاء خرق الشرعية والقانون.. والمطلوب رؤية إسرائيلية للأمل للشعبين الإسرائيلى والفلسطينى..
هذا ما يقوله الإسرائيليون خلف سور شارون. ويضيف إبراهام بورج: إن على أصدقاء إسرائيل فى العالم من اليهود وغير اليهود، رؤساء دول وحاخامات وعلمانيين، أن يختاروا، ويمدوا أيديهم ويساعدوا إسرائيل على السير وفق خريطة الطريق لكى تعيش إسرائيل وتصبح مجتمع السلام، والعدل، والمساواة.
أصوات غير قليلة فى إسرائيل ترفض سور برلين الجديد.. وهذا يعنى أنه ما زالت فى إسرائيل أصوات عاقلة.