الديمقراطية الأمريكية!
الحروب والضغوط الأمريكية على عدد من دول العالم العربى والإسلامى لها أهداف ظاهرة، وأهداف خفية، أما الأهداف الظاهرة فهى ما تعلنه الإدارة الأمريكية من ضرورة إدخال إصلاحات سياسية تبدأ بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات، إلى آخر هذه القائمة، أما الأهداف الخفية فقد بدأت الصحافة الأمريكية فى كشف جانب منها.
كشفت صحيفة (هيرالد تريبيون) يوم 23 سبتمبر الماضى اعتزام الإدارة الأمريكية تعديل القانون الوطنى الأساسى لإدخال نصوص توسع من سلطة الحكومة والمخابرات ومكتب التحقيقات الفيدرالى فى انتهاك حرمة الحياة الخاصة وحرية المواطنين الأمريكيين داخل أمريكا، وكانت افتتاحية الصحيفة بعنوان (تهديد للحرية) وقالت فيها إن إدارة الرئيس بوش تعمل الآن على إصدار قانون فيدرالى أساسى جديد يمنح الحكومة سلطات كبيرة جدا أكبر مما يمنحها قانون مكافحة الإرهاب، ولا تسمح بالنقد أو الاعتراض على هذا المشروع، بينما يحاول العقلاء رفع صوتهم بالدعوة إلى تضييق السلطات الهائلة التى أصبحت للحكومة بعد 11 سبتمبر. وقد أعلن الرئيس بوش عن 3 نقاط جوهرية فى المشروع الجديد، أولاها: منح السلطات الحكومية الحق فى التفتيش، والاستيلاء على الأوراق والوثائق والمستندات، وانتزاع الشهادة من الأشخاص دون أمر من المحكمة ودون حضور محام، وثانيتها: التوسع فى تطبيق عقوبة الإعدام، وثالثتهما: التضييق فى حق المحبوسين والمعتقلين فى طلب الإفراج عنهم مقابل دفع كفالة.
وعلقت (هيرالد تريبيون) على ذلك بأن هذه السلطات والأدوات تهديد وانتهاك للحريات المدنية للأمريكيين، وليست ضرورية لمحاربة الإرهاب كما تدعى الإدارة الأمريكية، وأكثر ما يسبب الإزعاج فى المشروع هو الاتجاه إلى توسيع نطاق حرية الحكومة فى انتهاك الخصوصية والحرية الشخصية والحصول بدون إذن قضائى على البيانات الخاصة بالأفراد التى يجب أن تظل ملكا لأصحابها فقط مثل البيانات عن الحالة الصحية والمالية والأسرار والعلاقات الشخصية. وتقول (هيرالد تريبيون) إن إدارة بوش تدعى أنها لا تمتلك الصلاحيات القانونية الكافية لمحاربة الإرهاب، مع أن ما لديها من صلاحيات يكفى ويزيد، ولم يسبق أن أمسكت الإدارة الأمريكية بالمواطن وحاصرته كما يحدث الآن، وكان الأجدر أن تقوم هذه الإدارة بحماية أمن وحريات الأمريكيين دون خنق الحريات التى كانت موضع فخر أمريكا.
وقبل ذلك أشارت صحيفة (واشنطن بوست) يوم 11 سبتمبر إلى أن الرئيس بوش يستغل أحداث 11 سبتمبر لتبرير ما تفعله القوات الأمريكية فى العراق، وتبرير مساعيه للاستيلاء على البترول فى القطب الشمالى، وإسكات المعترضين على سياسته فى تخفيض الضرائب على الأغنياء، وعلى تزايد البطالة وتزايد عجز الميزانية، بل إنه يستغل أحداث سبتمبر لإسكات المطالبين بمناقشة الإنفاق العسكرى الهائل فى الحرب على العراق وتكاليف القوات فيها، وزيادة على ذلك فإن الإدارة الأمريكية تحارب من يبدون ملاحظاتهم على فجاجة الدعاية السياسية التى تقوم بها الإدارة الأمريكية فى الخطب والبيانات الرسمية فى الكونجرس والتصريحات للصحافة وحتى ارتداء الرئيس بوش ملابس الطيران وإعلانه انتهاء العمليات وانتصار القوات الأمريكية على العراق، وتقديم فيلم تليفزيونى يوم 11 سبتمبر هذا العام عن حياة وشخصية بوش مما أثار كل من شاهدوه من أنصاره.
وعلق قبل ذلك الكاتب الصحفى بول كروجمان (فى هيرالد تريبيون) يوم 13 سبتمبر فقال: بعد هجمات سبتمبر تستغل الإدارة الأمريكية هذه الهجمات لتحقيق مكسب سياسى وحزبى لها، وليس لمحاربة الإرهاب، والآن- بعد مرور عامين على أحداث سبتمبر- هل الشعب الأمريكى، والإعلام الأمريكى على استعداد لكشف الخداع الذى يتوارى خلف ستار الوطنية، وهذا ما سيحدد مستقبل أمريكا، وإن كانت الصحافة الآن أقل خجلا وترددا مما كانت عليه من حيث التصريح باستغلال الرئيس بوش لأحداث 11 سبتمبر بعد أن أصبح هذا الاستغلال واضحا جدا ولم يعد من الممكن استمرار الخداع أكثر من ذلك، كما لا يمكن استمرار حملة إدارة بوش على المنتقدين لسياسته واتهامهم بعدم الوطنية، فى الوقت الذى يصعب القول إن تصرفات هذه الإدارة بدافع الوطنية وحدها.
هذا هو الجدل السياسى الدائر فى أمريكا والذى تعكسه الصحافة الأمريكية وربما يتطور إلى ما هو أكبر.