فقدنا صاحب القلم الرشيق
رحل عنا المستشار عبد الحميد يونس، وكنا نظن أنه سيبقى بيننا طويلا لفرط حيويته ونشاطه ومتابعاته للأخبار والناس والأحداث، فهو محب للحياة.. بسيط.. مرح.. لا يحمل للدنيا هما.. وصاحب فلسفة خاصة تؤمن بالواقع وتتعامل معه.. وفلسفته أن يحب كل الناس.. ولذلك أحبه كل الناس.
عرفته فى السبعينات حين كنت محرر الشئون القضائية فى الأهرام وكان هو الأمين العام لهيئة قضايا الدولة ثم أصبح وكيلا لها. وكان ينظم زيارة سنوية إلى الأهرام مع رئيس وكبار مستشارى قضايا الدولة نلتقى فيها على الغداء فى كافيتريا الدور العاشر وتتحول إلى ندوة يمتد فيها الحوار إلى شئون القضاء والتشريع إلى المجتمع والصحافة والسياسة..
كان المستشار عبد الحميد يونس مثقفا بحق.. ثقافته واسعة وشاملة.. ربما لأنه بدأ حياته صحفيا فى أخبار اليوم ثم انتقل إلى قلم قضايا الحكومة الذى أصبح بعد ذلك هيئة قضايا الدولة، وقد ظل ارتباطه الشديد بها، ووفاؤه الشديد لزملائه وأصدقائه فيها رغم مرور عشرين عاما على خروجه على المعاش.
عمل مستشارا قانونيا فى أخبار اليوم.. وظل يكتب صفحته المتميزة (إنه فى يوم) فى مجلة أكتوبر وفيها لقطات ذكية ورشيقة ومليئة بالمعلومات عن تاريخ مصر وأبنائها، ولذلك كنا نسميه (الجبرتى).. وكنا معجبين بحصيلته النادرة فى معرفة أصول العائلات وتاريخ حياة الشخصيات المعروفة حتى الجوانب الخفية التى يظنون أن أحدا لا يعرفها.
وكان نادرا فى الدقة والانتظام.. يكتب صفحته مبكرا، ويرسلها قبل موعدها حتى أن صفحته هذا الأسبوع كانت جاهزة قبل وفاته بأيام وقام بمراجعتها بنفسه. وفى اليوم التالى لوفاته اتصلت بنا أرملته الأستاذة زينب الحكيم رئيسة الإذاعة السابقة وأبلغتنا أنه كتب صفحة الأسبوع القادم وتركها على مكتبه قبل وفاته بساعات.
كنت أظن أن دائرة أصدقائه مقصورة على مئات من محبيه فى أكتوبر، وفى أخبار اليوم، وفى هيئة قضايا الدولة، وفى نادى الجزيرة، وهى الدوائر التى كنت أظن أنه يتحرك فيها، ولكنى وجدت أن أصدقاءه بالآلاف ورأيتهم متأثرين لفراقه فى سرادق العزاء.. كانت كل الشخصيات المعروفة فى جميع الاتجاهات السياسية والفكرية والصحفية والشخصيات العامة.. بل كان عدد كبير من قرائه هناك مما يدل على أنه نجح فى إيجاد صلة صداقة بينه وبين قرائه.
وكان عنوان الصفحة (إنه فى يوم) مأخوذ من العبارة التقليدية التى تفتتح بها محاضر التحقيق ومحاضر جلسات المحاكم، وكأنه كان يريد أن يقول إنه يسجل ما يراه، وما يسمعه وما يعرفه، وأن ما يكتبه أقرب إلى الشهادة.
هناك رجال نبكى عليهم فترة.. ورجال نبكى عليهم طويلا.. لأن الخسارة فيهم كبيرة.. عبد الحميد يونس من هذا الصنف الأخير من الرجال.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف