تطوير الجامعات.. حلم لم يتحقق
فى أكتوبر عام 1998 تم تشكيل لجنة قومية لتطوير التعليم الجامعى والعالى برئاسة وزير التعليم العالى، وأسفرت اجتماعات هذه اللجنة عن تشكيل ست لجان فرعية لدراسة تطوير هيكل الجامعات والمعاهد. وتطوير الأداء ونظم التعليم والدراسات العليا ودراسة اقتصاديات وتمويل التعليم العالى، ومدى ملاءمة هذا التعليم لاحتياجات المجتمع.
وفى يونيو 1999 عقدت ندوة لتطوير التعليم الجامعى والعالى شارك فيها خبراء البنك الدولى، كما شارك فيها شخصيات عامة واتحادات الطلاب والنقابات المهنية وأعضاء هيئة التدريس ورجال أعمال.
ثم عقد مؤتمر قومى كبير فى فبراير 2000 كان هدفه المعلن إعداد صيغة لتقديم تعليم متميز للطلبة باعتبارهم ثروة قومية تقع عليهم مسئولية قيادة الأمة. وأعلن رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد عن تنفيذ برنامج للإصلاح على المدى القصير، وبرامج أخرى على المدى المتوسط، وبرامج ثالثة تنفذ على المدى البعيد. وقيل إن هذا المؤتمر هو نقطة بداية للتغيير الشامل، وأن الجامعات والمعاهد ستكون بعده مختلفة عما كانت قبله، وسيصبح التعليم وأسلوب الإدارة مماثلا للجامعات الأمريكية والأوروبية.
وكالعادة، تجمع أكثر من 500 أستاذ ومفكر، وقضوا يومين فى جلسات عامة ولجان ومناقشات، وملأوا مجلدات تضم حصيلة ما قيل عن سلبيات التعليم، وأوجه النقص، والحلول الممكنة.. ولكى يطمئن الجميع إلى أن الكلام لن يتبدد فى الهواء أعلن عن وضع آلية تضمن تنفيذ توصيات المؤتمر، وتكليف فريق عمل يتفرغ لإدارة التغيير وتنفيذ الخطط والمشروعات التى استقر عليها الرأى فى المؤتمر، ويكون هذا الفريق حلقة الاتصال بين المجلس الأعلى للتعليم العالى والجامعات والمعاهد، ويقوم بمهمة التخطيط والتنسيق والمتابعة لبرامج التغيير، مع الالتزام بجدول زمنى للتنفيذ، والإعلان عن المدد المحددة للتنفيذ، وتوقيتات محددة بشكل قاطع، وتقرر أيضا عقد مؤتمر قومى للتعليم العالى كل عامين لمتابعة تنفيذ قرارات التغيير والتطوير.
ومضت حتى الآن خمس سنوات على اجتماعات وتوصيات اللجنة القومية لتطوير التعليم الجامعى والعالى، وأربع سنوات على اجتماعات وتوصيات ندوة تطوير التعليم الجامعى والعالى، وثلاث سنوات على المؤتمر القومى لتطوير التعليم الجامعى والعالى، فماذا تحقق؟
قيل إن الإصلاح الجامعى يبدأ من الأستاذ، بينما نسبة غير قليلة من الأساتذة لا تحضر حتى الآن إلى الجامعة، والمفروض أن يقضى الأستاذ ساعات فى مكتبه لمقابلة الطلبة وتوجيههم، وأن يشارك فى الأنشطة الطلابية، وأن يقوم بدور المرشد والأب الروحى لمجموعة من الطلبة ليذكروه بالفضل عندما يتفوقون فى الدراسة وفى الحياة العملية.. وحتى الآن لا يزال الحال على ما هو عليه.. ووفقا للائحة فإن كل أستاذ يجب أن يقوم بالتدريس 8 ساعات أسبوعيا، وما يحدث أن 60% من أعضاء هيئات التدريس ليس لهم جدول، وبالتالى فلا يذهبون إلى كلياتهم ولا يعرفهم الطلبة فضلا عن أن يلتقوا بهم ويستشيروهم فى شئونهم العلمية.
وقيل إن المحتوى الدراسى فى الجامعات والمعاهد متخلف فى كل التخصصات وكل المواد عن المعايير العالمية، ومتخلف حتى عن المعلومات الموجودة على شبكة الإنترنت، وقيل إن المفروض أن الأستاذ الجامعى هو المسئول عن تطوير التعليم وبناء الطلبة فكيف يقوم بذلك وليس هناك جهة أو وسيلة لتطوير الأستاذ أولا؟ وقيل إن الطلبة فى جامعات الدول الأخرى يتحدثون عن أحدث المراجع والنظريات التى تظهر فى أى مكان فى العالم، وعن مهارات البحث والتعليم الذاتى، وعن التفكير الخلاق واكتساب قدرات القراءة السريعة، ونحن نتحدث عن الدروس الخصوصية، والسرقات العلمية، والتزوير فى نتائج الامتحانات، والتلاعب لصالح أبناء الأساتذة.. الخ، هناك يتحدثون عن التعليم من خلال العمل والتجربة والممارسة، ويعملون بمبدأ أن ما يسمعه الطالب قد ينساه، وما يقرؤه قد يتذكره، ولكن ما يفعله سيظل يتذكره ولا ينساه.. وقيل إن الطلبة يتخرجون وهم غير مؤهلين للعمل.. خريج الطب لا يصلح لممارسة الطب.. وخريج التجارة لا يصلح لممارسة مهنة المحاسبة.. وخريج الحقوق لا يصلح ليكون محاميا.. لأن الدراسة فى واد والمهنة فى واد آخر، ولكى يمارس الخريج المهنة فعليه أن يبدأ بعد التخرج تعلم المهارات اللازمة لها.. وفوق ذلك فإن الطالب لم تعد لديه ثقة بالنفس، لأن الأستاذ يغرس فيه كل يوم الشعور بأنه غير صالح للدراسة، وأنه دون المستوى، دون أن يرشده أو يساعده على أن يكون صالحا.. والطالب لا يجد الفرصة للتعبير والمشاركة، وبالطبع لا تكفى هذه اللقاءات العابرة التى تظهر على شاشات التليفزيون لبناء شخصية الطالب.. بينما الكبار يرددون أن هذا الجيل غير قادر على تحمل المسئولية دون أن يفعلوا شيئا لإعداد هذا الجيل أو إعطائه فرصة لتحمل قدر من المسئولية.. وقيل فى المؤتمر بصراحة إن الجامعة ليست مجتمعا متكاملا، أو ساحة لتنمية العلاقات الإنسانية بين الطلبة فيما بينهم وبين أساتذتهم، أو حتى مجالا لتنمية قدراتهم لها ومعلوماتهم.. وإن نتيجة هذا الجو الجامعى ما نشكو منه دون أن نصارح أنفسنا بأسبابه من إحساس باللامبالاة.. والسلبية.. وعدم الرغبة فى المشاركة.. وقيل إن الأستاذ لابد أن ينتقل من دور المعلم والملقن إلى دور الراعى صاحب رسالة.. وقيل إن الأستاذ قدوة، وتأثيره على الشباب أقوى من أى تأثير آخر.. وكل منا يذكر بعد عشرات السنين نماذج عظيمة ونماذج سيئة من الأساتذة الذين مروا عليه فى دراسته..
قيل كلام كثير، منه مثلا: هل عندنا جامعة واحدة مثل هارفارد أو ستانفورد أو حتى مثل جامعة سيول أو كوالا لامبور؟. وقيل أيضا: هل سنستمر فى تعليم العلوم القديمة لجيل المستقبل؟ وهل من المعقول أن تغلق المكتبات فى الجامعات الساعة الواحدة ظهرا. وفى جامعات العالم تظل المكتبات مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل، وقيل: شبعنا حديثا من المسئولين عن الانفتاح على الجامعات العالمية المتقدمة، وعلى التجارب الجامعية العالمية، وشبعنا من الحديث المكرر عن اللحاق بالثورة العلمية والتكنولوجية العالمية، وأن الجامعات هى التى ستجعلنا نلحق بها، وعن ربط التعليم الجامعى باحتياجات سوق العمل، وعن تدريب الطلبة عمليا فى الشركات والمصانع ومواقع العمل أثناء الدراسة، وعن تطوير أسلوب ترقية أعضاء هيئات التدريس بحيث لا يعتمد فقط على البحوث التى يقدمونها للترقية، وتكون الترقية على أساس البحث العلمى والمشاركة فى الحياة الجامعية بكل جوانبها..
قيل كلام كثير جدا.. وصدرت توصيات كثيرة لو نفذ نصفها لتغير الحال فى الجامعات وخريجيها وأساتذتها.. فماذا تحقق؟.
الآن يفكرون فى عقد مؤتمر قومى لتطوير الجامعات والتعليم العالى.
وسوف نسمع نفس الكلام.. ونفس الوعود.. وسيعلن عن خطة شاملة كاملة للتطوير حتى عام 2025 أو حتى 2050.. وكما كنا نسمع أن الجامعات سوف تشهد تغييرا جذريا عام 2000، ولما جاء عام 2000 قيل إن التطوير سيكون فى عام 2015.. والآن.. متى سيحدث التطوير..؟ هل ننتظر الإجابة من مؤتمر قومى جديد..؟ أو سنجد من يقول: لا تظلمونا.. التطوير حدث.. ونحن الآن وصلنا إلى مستوى أرقى جامعات العالم ولكنكم لا ترون إلا نصف الكوب الفارغ..! أين نصف الكوب المملوء..؟
إن تحديث مصر يبدأ من الجامعات.. وإذا لم يتم تحديث الجامعات أولا.. فكيف يمكن تحديث مصر بدون تحديث مصانع الرجال؟
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف