أزمة المخابرات الأمريكية
تواجه المخابرات الأمريكية أزمة لم يسبق لها مثيل، فقد كانت صورتها الشائعة فى العالم أنها أدق وأقوى جهاز مخابرات فى العالم وقيل إنها قادرة على التقاط (دبة النملة) فى أى مكان فى العالم. وقال أحد كتابنا المعجبين بكل ما هو أمريكى إنها تعرف (ماركة الفانلة) التى يلبسها صدام حسين!
ثم جاء الفشل الكبير فى تفجيرات 11 سبتمبر وأعقبه الفشل الأكبر فى العراق والمعلومات الاستخباراتية الخاطئة عن أسلحة الدمار الشامل، ثم تعاقبت سلسلة الفشل بعد ذلك، وآخرها استنفار القوات الأمريكية منذ أيام بصورة لم يسبق لها مثيل، بناء على معلومات بهجوم وشيك اقوى من هجوم 11 سبتمبر، ثم تبين ان هذه المعلومات قديمة وعمرها سنوات!
وقد وجهت صحيفة هيرالد تريبيون نقدا شديدا للمخابرات الأمريكية فى افتتاحية أشارت فيها إلى أن المخابرات الأمريكية ضيعت فرصا كثيرة لإصلاح إدارتها البيروقراطية بعد الفشل المروع لوكالات المخابرات على النحو الذى ألمحت إليه لجنة التحقيق عن أحداث 11 سبتمبر، وقالت إن مدير المخابرات هو المستشار الأول للرئيس الأمريكى لشئون الأمن بالإضافة إلى عمله فى إدارة وكالة المخابرات المركزية ومسئوليته عن التنسيق بين أربع عشرة وكالة أخرى للاستخبارات تابعة لجهات متعددة فى الحكومة الفيدرالية.. وقد أوصت لجنة الكونجرس بتفرغ مدير المخابرات المركزية لإدارة هذا الجهاز وإنشاء منصب جديد يتبع الرئيس الأمريكى مباشرة يتولى المهام الأخرى، وتكون له سلطات واسعة تشمل الاعتراض على تعيين المسئولين عن العمليات الاستخباراتية وفصل من يرى عدم صلاحيته بما فى ذلك مخابرات وزارة الدفاع، ومكتب التحقيقات الفيدرالى، وله الإشراف على ميزانيات جميع أجهزة المخابرات الأربعة عشره.
وقد أنشأ الرئيس بوش فعلا هذا المنصب الجديد، لكن المتوقع أن يجد صاحبه صعوبة فى القيام بمسئولياته كاملة، خاصة من مخابرات وزارة الدفاع، بعد أن أنشأ وزير الدفاع دونالد رامسفيلد جهاز مخابرات خاصا فى وزارته مستقلا عن الأجهزة الأخرى ويتبعه هو شخصيا، والأهم من ذلك أن الكونجرس نفسه لا يشرف إشرافا كاملا على ميزانية أجهزة المخابرات-كما تقول هيرالد تريبيون-كما لا يشرف على نشاط المخابرات المتعلق بالعمليات، ووزارة الأمن الداخلى التى يشرف عليها أشكروفت تبدو تائهة وسط زحام الأجهزة والمعلومات وجهات الإشراف التى يجب أن تقدم إليها تقاريرها حتى أنها تقدم تقاريرها إلى 90 لجنة تقريبا. وقد اقترحت لجنة التحقيق فى فشل المخابرات فى أحداث 11 سبتمبر إدماج هذه اللجان التسعين فى لجنتين فى كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، والمشكلة أن ذلك يتطلب تضحيات بمكاسب وامتيازات وعلاوات.
والانتقادات تتناول أيضا المعلومات غير الصحيحة التى قدمتها المخابرات الأمريكية عن علاقة العراق بتنظيم القاعدة، وازدادت الانتقادات بعد عرض شريط فيديو ظهر فيه خضوع بعض منفذى تفجيرات 11 سبتمبر للتفتيش الدقيق فى مصار دالاس فى واشنطن بعد أن انطلق رنين جهاز كشف المعادن عند مرورهم، ومع ذلك فقد صعدوا إلى الطائرة بما كان معهم من أسلحة أو مواد متفجرة.
وقد كتب ريتشارد كلارك الرئيس السابق لجهاز مكافحة الإرهاب فى مجلس الأمن القومى الأمريكى قائلا: إن إدارة بوش أرادت أن تغطى على فشلها فى أحداث 11 سبتمبر فذهبت لغزو العراق وأعلنت أن ذلك سيجعل أمريكا أكثر أمنا، ولكن ما حدث كان على العكس، وقد انكشفت الحقائق وهى أن العراق لم تكن له أية علاقة بالقاعدة أو بتفجيرات سبتمبر ولا بأسلحة الدمار الشامل ولا بتهديد الأمن القومى الأمريكى، وهذا يدل على عدم كفاءة (مجموعة التفكير) فى الإدارة الأمريكية، والمسئولين عن تحليل المعلومات، ويقترح كلارك تكوين مجموعات سرية من الكوماندوز للقيام بعمليات (الإرهاب المضاد) وزيادة شبكات العملاء والشركات الأمريكية التى تعمل للمخابرات تحت غطاء غير رسمى، أى بدون حماية دبلوماسية.
وأهم ما قاله كلارك هو أن الإدارة الأمريكية محتاجة إلى إعادة التفكير لتحديد من هو عدو، والحقيقة أن هذه الإدارة-وأجهزتها-وجهت أسلحتها وحروبها نحو من توهمت أنهم أعداء. ويبدو أنها لا تجيد التفرقة بين العدو والصديق.. وفى النهاية فإن الأزمة ليست أزمة المخابرات وحدها، ولكنها أزمة الإدارة الأمريكية الحالية.