القراءة أو الموت جهلا!
تعكس الصحافة الأمريكية شعور القلق لدى المثقفين وكبار المفكرين بسبب تراجع الاهتمام بالكُتّاب وبالقراءة فى المجتمع الأمريكى، وتتردد أصداء هذا القلق فى الصحافة الأوروبية عموما.. وهذا يجعلنا ندرك القيمة الحقيقية لمشروع مكتبة الأسرة الذى استمر عشر سنوات حتى الآن ليحقق نجاحا جعل العديد من دول العالم تقلده وتكرم صاحبة وراعية المشروع السيدة سوزان مبارك.
فى صحيفة هيرالد تريبون الأمريكية حذر الكاتب المعروف أندرو سولومان من خطورة الحقائق التى كشف عنها تقرير أخير عن مدى إقبال الأمريكيين على القراءة فقد تبين أن الأمريكيين لم يعودوا يقرأون كما كانوا من قبل، وأن الانصراف نسبيا عن القراءة يشمل الشباب والشيوخ، كما يشمل الأغنياء والفقراء، والمتعلمين وأنصاف المتعلمين، والرجال والنساء، والبيض والسود..! وهذا التقرير نشرته أخيرا المؤسسة الوطنية للآداب وقالت فيه إن انخفاض نسبة الإقبال على القراءة يصاحبه انخفاض فى نسبة الإقبال على المتاحف وحضور الحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية، وقد أثبتت الدراسة أن الأشخاص الذين لا يقرأون مصابون بالاكتئاب واللامبالاة، خصوصا الذين يمضون أوقاتهم مع التليفزيون أو الكمبيوتر أو الفيديو ولا يخصصون وقتا للقراءة، لأن القراءة هى وسيلة المعرفة التى تجعل الإنسان يدخل فى حوار مع الأفكار والمعلومات، والكتاب فى الحقيقة صديق يتحدث إلى قارئه. والمثير فى التقرير الأمريكى أنه قدم أدلة علمية على أن انتشار مرض الزهايمر الذى يصيب صاحبه بفقدان الذاكرة وعدم القدرة على التفكير وتدهور الحالة العقلية والنفسية عموما، يرجع إلى أسباب عديدة منها العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية التى يعيش فيها الإنسان، والجديد هو اكتشاف سبب آخر هو الركود الذهنى أو عدم الدخول فى حوارات ونشاط فكرى يحفز الذاكرة وخلايا المخ، وقد ظهر من الإحصاءات أن الذين يواصلون التعلم أقل عرضة من الإصابة بهذا المرض من الذين توقفوا عن البحث عن معرفة أشياء جديدة ومناقشة أفكار جديدة والبحث عن معلومات جديدة. ولذلك يصل الكاتب أندرو سولومان إلى أن أزمة القراءة فى أمريكا هى أزمة تؤثر فى الصحة الجسمية والنفسية والعقلية للأمريكيين!
ويقول إن النازيين كانوا على حق فى إيمانهم بأن الكتب والقراءة هى سلاح من أقوى الأسلحة فى حرب أهم من الحروب العسكرية، هى حرب الأفكار! ويقول أيضاً: بدون الكتب والقراءة لن تحقق أمريكا الانتصار فى الصراع ضد الاستبداد والإرهاب.. ويقدم نصيحة لكل أمريكى يقول فيها: إن ما تقرأه يشكّل عقلك وشخصيتك وسلوكك، وإذا لم تقرأ شيئا فلا تلومن إلا نفسك إذا وصلت إلى درجة هبوط الروح المعنوية، وفقدان الحيوية والنشاط، وذبول العقل والقدرة على التفكير والابتكار وعدم القدرة على مواجهة مشاكل الحياة، واهتزاز القيم والمثاليات.. كل ذلك لأنك لم تجدد نهر الأفكار فى عقلك وتركته راكدا.
ويضيف سولومان أيضا إن أزمة القراءة فى أمريكا ليست فقط سببا فى انخفاض مستوى الصحة الجسمية، والعقلية، ولكنها سبب فى أزمة سياسية، لأن القراءة تجعل المواطن يتابع ويفكر وينشغل بالأمور العامة، ويشترك ولا يقف موقفا سلبيا من القضايا الوطنية، وينبه إلى أن المجتمع الأمريكى يحتاج الآن بشدة إلى تعليم المواطنين القراءة وليس المقصود تعليمهم فقط كيف يقرأون، ولكن تعليمهم أيضا ماذا يقرأون، وإيجاد الدافع فى داخلهم للإقبال على القراءة أكثر والإيمان بجدوى القراءة وبأنها ضرورية لحياة الإنسان وبدونها لا يكون الإنسان إنسانا عاقلا! والوسيلة لذلك هى زيادة اهتمام المدرسة بالمكتبات وبحصص القراءة الحرة، وتحويل القراءة من الممارسة الفردية إلى ممارسة جماعية، بحيث تعقد حلقات مناقشة فى المدارس والأندية والمكتبات العامة حول كتاب معين ومناقشة ما فيه، وتعلم أسلوب القراءة الواعية التى تحلل، وتربط بين المعلومات ولا تتلقى الأفكار بسلبية وتستسلم لما فى الكتب دون تحليل ونقد.. بذلك تجعل القراءة حياة أخرى تضاف إلى حياة وخبرات الإنسان.. ولابد أن نعلّم الشباب أن القراءة وإن كانت أصعب من مشاهدة التليفزيون وألعاب الفيديو إلا أن الأصعب هو دائما الأكثر فائدة، كما أن الاسترخاء أو النوم أسهل من ممارسة الرياضة، لكن سلامة القلب والعضلات تتوقف على الممارسة الصعبة.
من حسن حظنا أن هذه الدعوة إلى القراءة بدأت فى مصر منذ عشر سنوات، وما زالت مستمرة وتزداد قوة وانتشارا.. وهذا شىء يجب أن نعترف بالفضل فيه لصاحبة الفضل.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف