من أسرار الحرب
قدمت إلىّ إحدى لجان الكونجرس مذكرة معلومات عن العقود التى استأثرت بها شركة هاليبرتون الأمريكية فى العراق.
تضمنت هذه المذكرة تفاصيل عقدين فقط بين هذه الشركة والحكومة الأمريكية الفيدرالية، أحدهما خاص بنقل القوات الأمريكية وتقديم الإمكانات اللوجستية للجنود وإيوائهم، وتوريد التموين اللازم لهم.. والثانى خاص بإعادة تشغيل البنية التحتية للبترول فى العراق، وحتى يوم 10 مارس الماضى حصلت هذه الشركة وحدها على خمسة مليارات و900 مليون دولار عن العقدين، وهذا هو المعلن حتى الآن.
ومعروف أن نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى كان رئيسا لهذه الشركة وأنه مازال يتقاضى منها أموالا تحت بند مستحقاته عن مدة خدمته فيها، كما أن عددا من كبار المسئولين فى الإدارة الحالية كانوا يعملون فيها كمستشارين، والتقرير الذى قدم إلى لجنة الكونجرس يستمد معلوماته من تقارير وكالة مراجعة عقود الدفاع ومكتب المحاسبات العامة، ومركز إمدادات الدفاع بالطاقة، وقد سجلت تقارير هذه الجهات قصورا خطيرا فى تقدير أسعار الخدمات التى تقدمها هاليبرتون، كما سجلت ملاحظات عن تكرار مخالفتها للقانون الفيدرالى، وقدمت عرضا بمبلغ مليارين و700 مليون دولار دون أن تقدم مع العرض بيانات عن تكلفة كل بند من بنود هذه العقود، ونتيجة لذلك حصلت الشركة على مليار دولار عن توريد أغذية ولم ينفذ هذا البند، وتشير التقارير إلى ملاحظة سابقة لوكالة فحص عقود الدفاع أشارت فيها إلى أن شركة هاليبرتون لا تقدم أسعارا معقولة لخدماتها، وعلى الرغم من هذا التحذير الصريح حصلت الشركة على عقد جديد قيمته مليار و200 مليون دولار فى 16 يناير الماضى، وردت هيئة مهندسى الجيش الأمريكى على ذلك بأن لديها نظاما خاصا بها للفحص والمراجعة وأنها لم تكتشف أخطاء كبيرة فى العقود وتنفيذها.
فى هذه المذكرة أيضا أن مكتب المحاسبة العامة أخطر الحكومة عن وجود فرق قيمته 700 مليون دولار بين العرض الذى قدمته شركة هاليبرتون فى 8 أكتوبر 2003 مقابل خدمات لوجستية للقوات الأمريكية وقيمة العرض المعدل الذى قدمته بعد ذلك فى 23 ديسمبر 2003 عن الأعمال نفسها. وتضمن تقرير مكتب المحاسبة العامة أن وزارة الدفاع لا تدقق فى الإشراف على تنفيذ الشركة للأعمال الموكلة إليها، حتى أن المجلس العسكرى للمراجعة صدق فى عشر دقائق فقط على تجديد عقد معها بمبلغ 587 مليون دولار لمدة ستة اشهر، وشارك فى التعاقد عسكريون ليست لديهم خبرة فى العقود. وتضمن التقرير أيضا أن هاليبرتون قامت بتوريد البنزين من الكويت إلى القوات الأمريكية فى العراق فى الفترة من أغسطس إلى ديسمبر 2003 بزيادة بلغت ضعف التكلفة الحقيقية وفقا لبيانات مركز مساندة الطاقة للدفاع.
كما حصلت الشركة على مبلغ 67 مليون دولار عن توريد مواد غذائية دون وجود ما يثبت أنه تم توريدها فعلا، وطالبت الحكومة بمبلغ 61 مليون دولار عن توريد كميات من البنزين. وليس هناك ما يثبت توريدها وفى يناير الماضى اعترفت الشركة بأن مسئولى المشتريات حصلوا على 6 ملايين و 300 ألف دولار فى إطار اتفاقيات سرية!
وفى فبراير أعلن مسئولان فى هذه الشركة عن زيادة الأسعار نتيجة (تكلفة إضافية) وبعدها بدأ مكتب المفتش العام لوزارة الدفاع تحقيقا جنائيا عن الاتهامات الموجهة للشركة بالاحتيال.
وتقول المذكرة التى قدمت إلى لجنة الكونجرس إن الزيادة فى أسعار الخدمات التى قدمتها هذه الشركة للقوات الأمريكية فى العراق، وافتقاد الإشراف الكافى من وزارة الدفاع تسببا فى انتشار الفساد فى العراق وتحميل دافعى الضرائب الأمريكيين أعباء إضافية بينما الحقيقة أن هذه الزيادة تحملها الشعب العراقى وليس الشعب الأمريكى، وإلى الآن لم يظهر تقرير رسمى يحدد أين ذهبت أموال العراق التى كانت فى البنك المركزى، وفى قصور صدام، وفى أماكن تحت الأرض واكتشفتها القوات الأمريكية وأعلنت عن اكتشافها ولكن لم تعلن أين ذهبت، وأيضا لم تعلن كشف حساب عن بترول العراق الذى يتم تصديره منذ أكثر من عام.
طالبت المذكرة التى قدمت إلى لجنة الكونجرس بأن تكون هذه المعلومات موضع تحقيق فى الكونجرس لما تتضمنه من وقائع الإسراف والاحتيال والفساد.
وهكذا بدأت الحقائق تظهر عما جرى ويجرى فى العراق. ومازال هناك الكثير من الأسرار.