الشيعة كما يراهم أهل السُّنة
غاية ما يتمناه أعداء الإسلام أن تنشأ خلافات عقائدية بين المسلمين، وأن تزداد هذه الخلافات إلى أن تصل إلى درجة العداء، وأن يؤدى ذلك إلى حروب دينية، كما يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى أيرلندا، وبذلك يتولى المسلمون بأيديهم تبديد طـاقتهم وتمزيق وحدتهم وكسر شوكة الإسلام، وينسوا أمر ربهم لهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) و(كونوا عباد الله إخوانا).
ومحاولات إشعال هذه الفتنة ليست وليدة الآن بل كانت كذلك منذ بداية الإسلام وربما كانت أكثر شدة ومكرا مما هى عليه الآن، مع اختلاف الأساليب. إذ لم تكن فى العصور الأولى للإسلام أجهزة مخابرات لدول كبرى ودول صغرى، تعمل فى الخفاء وبأساليب فنية وعلمية للتأثير فى العقول وإثارة المشاعر، وتعمل أيضا على تجنيد عناصر من ضعاف النفوس -وهم فى كل زمان وكل مكان- ليكونوا عملاء للتشكيك وإثارة النزاعات والفتن، بعضهم يؤدى هذه الخدمة عن وعى واختيار ويحصل على الثمن، وبعضهم الآخر يقوم بنفس المهمة بدون وعى، وبدون قصد، وبحسن نية، ظنا منه بأنه يدافع عن الدين الحق. والطريق إلى جهنم- كما يقول المثل- مفروش بالنوايا الحسنة.
ولكن هناك فئة أخرى تستحق الاهتمام، لأنها من علماء الدين الشيعة والسُنّة، يقوم كل منهم بمحاربة المذهب الآخر، ودافعه فى ذلك شدة الحب لمذهبه والتعصب له، وربما الجهل بكل ما فى المذهب الآخر، والمثل يقول: (الناس أعداء ما جهلوا). وقد يكون دافعهم الخوف من أن تكون الدعوة إلى التقريب بين المذهبين دعوة لقبول معتقدات الفرق المتطرفة من الجانبين، وهى فرق مرفوضة من الجانبين، أو قد يكون دافعهم خشية التقريب فينتقل الشيعة إلى مذاهب السُنّة أو ينتقل أهل السُنّة إلى مذاهب الشيعة، وهذا أيضاً فرض مستبعد.
ونحن نجد كاتبا له مكانته فى باكستان مثل إحسان الهى ظهير رئيس تحرير مجلة (ترجمان الحديث) فى لاهور، وهو حاصل على ليسانس الشريعة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وماجستير فى الشريعة، وفى اللغة العربية، وفى اللغة الفارسية، وفى اللغة الأردية، وفى السياسة من جامعة بنجاب فى باكستان.. يؤلف كتابا بعنوان (الشيعة والسُنّة) يحذّر من التقريب بين السُنّة والشيعة. ويقول: لقد شاع فى هذا الزمان القول بالاتحاد والوحدة، وكثر استعمال هاتين الكلمتين: الاتحاد والوحدة، حتى كاد ينخدع بهما السذج من المسلمين، مالم يعرفوا ما وراءهما من كيد ودس ودهاء. فالدعوة إلى الوحدة مع القاديانية تخفى حقيقة القاديانية وأنها عميلة للاستعمار فى القارة الهندية الباكستانية، ووصمة عار على جبهة المسلمين المشرقة. وتثار هذه الدعوة لنفث السموم فى عقول المسلمين. كذلك الدعوة إلى الوحدة مع البهائية، وهى وليدة الروس والإنجليز والنزعات الشيعية تريد غزو الشيعة فى إيران والعراق.
ويضيف الباحث الباكستانى الشيعة إلى هذه المذاهب التى يحذّر منها، ويقول: إن الشيعة ربيبة اليهود وفصيلتهم فى بلاد الإسلام، ويستعملون الدعوة إلى الاتحاد وهى عندهم كلمة حق يراد بها باطل، كما نقل عن الإمام علىّ رضى الله عنه عندما سمع قول الخوارج: (لا حكم إلا لله) فقال: (كلمة حق يراد بها باطل) وقال: (سيأتى بعدى زمان ليس فيه شىء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل). ويرى إحسان ظهير أن الزمان الذى أشار إليه الإمام علىّ هو الزمان الذى نعيش فيه الآن.
***
ويقول أيضاً: لقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتبا ملفقة مزورة فى بلاد الإسلام، يدعون فيها إلى التقريب مع أهل السُنّة، ولكن بتعبير صحيح يريدون بها تقريب السُنّة إليهم بترك عقائدهم، ومعتقداتهم فى الله ورسوله وأصحابه وأزواجه الطاهرات، وفى الكتاب، ويعتنقون ما نسجته أيدى اليهودية الأثيمة من الخرافات فى الله، بأنه يحصل له (البداء) وفى كتاب الله بأنه محرف، وفى رسول الله بأن عليا وأولاده أفضل منه، وفى أصحابه حملة هذا الدين أنهم كانوا خونة مرتدين وفيهم أبو بكر وعمر، وعثمان، وأزواج النبى أمهات المؤمنين، وفيهن السيدة عائشة الطيبة الطاهرة بشهادة من الله فى كتابه، وفى أئمة الدين من مالك، وأبى حنيفة، والشافعى، وأحمد، والبخارى، بأنهم كانوا كفرة ملعونين- رضى الله عنهم أجمعين- وكل من عرف هذا ورد عليهم وقام على وجههم جعلوا يتصايحون عليه ويتنادون باسم الوحدة والاتحاد ويرددون قول الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). ثم يقول: فبعدا للوحدة التى تقام على حساب الإسلام، وإن كفار مكة طلبوا أيضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الاختلاف معهم، فأجابهم بأمر من الله: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولى دين) وقال: (قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين) وقال: (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون) وقال: (وما يستوى الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوى الأحياء ولا الأموات، إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فى القبور).
ويقول الباحث الباكستانى بعد ذلك: يمكن الوحدة إن أرادوها، بالرجوع إلى الكتاب والسُنّة والتمسك بهما حسب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).. ويفسر ذلك بقوله: فلنرفع الخلاف، ولنقض النزاع، فلتتوقفوا عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خيار خلق الله الذين بشّرهم الله بالجنة فى كتابه وقال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم، ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم) وقال: (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) وقال الرسول الناطق بالوحى: (لا تمس النار مسلما رآنى أو رأى من رآنى) رواه الترمذى وقال حديث حسن. وقال عليه الصلاة والسلام: (الله الله فى أصحابى، لا تتخذوهم غرضا بعدى، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه) رواه الترمذى.
***
فكأن هذا الكاتب يلخص قضاياه فيما يلى:
أولاً: إن الشيعة يقولون بأن القرآن الذى بين أيدينا ليس هو القرآن الذى أُنزل على النبى صلى الله عليه وسلم وأنه تعرض للزيادة والنقصان.
ثانياً: إنهم يوجهون السباب إلى الصحابة الذين كرّمهم الله ورسوله.
ثالثاً: إنهم يتخذون (التقية) وهى إظهار خلاف ما يبطنون وهذا كذب ونفاق وهما من الموبقات التى تدخل النار كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة.. ..، وإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار) رواه مسلم.
ويشتد الكاتب الباكستانى فى الهجوم على الشيعة ويقول إنهم خذلوا الإمام علىّ ويقول الكاتب الباكستانى أيضا إن عقيدة الوصاية أو الولاية عند الشيعة ليست إلا ترويجا للعقيدة اليهودية التى اختلقها اليهود من وصاية يوشع بن نون لموسى ونشروها بين المسلمين باسم وصاية علىّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فكرة الرجعة وهى فكرة يهودية- كما يقول- وعدم موت الأئمة، وقدرة الأئمة على أشياء لا يقدر عليها أحد من البشر والعلم بما لم يعلم به أحد، وإثبات (البداء) أى النسيان لله عز وجل.. وينقل عن يحيى بن حمزة الزيدى فى كتابه (طوق الحمامة فى مباحث الإمامة) عن سويد بن عقلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضى الله عنهما، فأخبرت عليا كرّم الله وجهه وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترأوا على ذلك، ومنهم عبد الله بن سبأ، فقال علىّ رضى الله عنه: (نعوذ بالله، رحمنا الله، ثم نهض وأخذ بيدى وأدخلنى المسجد، فصعد المنبر ثم قبض على لحيته، وهى بيضاء، فجعلت دموعه تتحادر عليها، وجعل ينظر للقاع حتى اجتمع الناس، ثم خطب فقال: ما بال أقوام يذكرون أخوى رسول الله ووزيريه وصاحبيه وسيدى قريش وأبوى المسلمين، وأنا برىء مما يذكرون، وعليه معاقب.) ومثل هذا روى فى الصحاح الستة، وفى نهج البلاغة للإمام علىّ.
ثم ينقل إحسان ظهير من الكتب القديمة أقوال الشيعة فى الطعن فى أبى بكر، وعمر، وعثمان، وأمهات المؤمنين، والعباس عم النبى، وعبد الله بن عمر، وطلحة والزبير، وأنس بن مالك، وأبو ذر الغفارى، وسلمان الفارسى.. الخ ويذكر أحاديث كثيرة فى كفر من يطعن فى أصحاب الرسول مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الذين يسبون أصحابى فقولوا لعنة الله على شركم) رواه الترمذى. وقوله: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) رواه الترمذى. وقوله (لكل نبى رفيق ورفيقى- فى الجنة- عثمان).
ويدلل إحسان ظهير على العلاقات القوية بين الإمام علىّ والخلفاء الراشدين الثلاثة بأن الإمام علىّ زوج أم كلثوم -ابنته من فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم- إلى عمر بن الخطاب، كما تزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان من فاطمة بنت الإمام الحسين، وهكذا كانت العلاقات بين علىّ وبنيه وبين الصحابة وأبنائهم علاقات مودة ومصاهرة، ولم تظهر النزعة إلى سب الصحابة إلا بعيدا عنهم.
ويؤكد أن (التقية) تتعارض مع تعاليم الإمام علىّ، يقول الإمام على: (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده) من كتاب الكافى فى الأصول باب الكذب- وقوله: (الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك) كما جاء فى نهج البلاغة- ولم يذكر عن الإمام علىّ وأولاده أنهم كذبوا وأظهروا بخلاف الحقيقة بحجة التقية.
هذا النقد من الكاتب الباكستانى مجرد مثال على مدى ما وصل إليه الخلاف مع الشيعة إلى حد الكراهية والعداء والاتهام بالكفر ونشر أفكار معادية للإسلام لتشويه الإسلام.
وشيخنا الشيخ سيد سابق يرى أن الإسلام يحرّم الكذب، ولكنه- مع ذلك يستثنى بعض الحالات من هذه القاعدة، كأن يتحقق من الكذب مصلحة كالكذب فى الحرب، أو كان الكذب من أجل الصلح بين المتخاصمين سواء كانوا أفرادا أم جماعات أم أمماً، أو كان الخصام بين الزوجين، كذلك يباح الكذب فى خداع العدو، أو فى توحيد الكلمة.
ويضيف الشيخ سيد سابق فى كتابه (هذا إسلامنا) أن كل قصد محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق فالكذب فيه مباح إن كان المقصود مباحا، والكذب واجب إن كان الهدف المقصود واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم وجب الكذب لإخفائه، ولو كان عنده وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب الكذب عليه بإخفائها، لأنه لو أخبر بالوديعة عنده أخذها الظالم قهرا، بينما يجب على من لديه وديعة ضمانها. وإذا استحلفه عليها لزمه أن يحلف ويورى فى يمينه، كذلك فى حالة استمالة قلب المجنى عليه فى العفو عن الجناية إذا كان ذلك لا يتم إلا بالكذب فالكذب فى هذه الحالة ليس حراما، وقد قال أبو حامد الغزالى إن من يرتكب فاحشة بينه وبين الله تعالى وسأله السلطان فله أن ينكرها، ويقول: ما شربت مثلا. وقد اشتهرت الأحاديث بتلقين الذين ارتكبوا ما يستوجب إقامة الحد عليهم بالرجوع عن الإقرار والاعتراف، كذلك حين يسأل إنسان عن سر أخيه فينكره ونحو ذلك.
معنى ذلك أن أهل السُنّة يبيحون الكذب فى حالات محددة، بل يقولون بأن الكذب واجب فى بعضها، والمعيار هو الموازنة بين مفسدة الكذب، والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة فى الصدق أشد ضررا فإن للإنسان أن يكذب، وإن كان عكسه يحرم الكذب، ويرى الإمام الغزالى أن الكذب على الصغار مباح إذا كان الصبى لا يرغب فى التعلم إلا بوعد أو وعيد كاذب فإن ذلك مباح، كذلك يجوز الكذب فى الشعر وقد قيل أعذب الشعر أكذبه.
وإذا فإن الكذب عند أهل السُنّة مباح فى هذه الحالات فقط لكنه يختلف عن مفهوم التقية الذى يبدو من كلام الشيعة أنهم يبيحونه فى كل الأحوال وليس فى حالات معينة. بينما يقول الشيعة إن التقية وردت فى القرآن ويجعلونها أصلا من أصول المذهب.
***
مثال آخر فى كتاب (الشيعة- المهدى- الدروز) للدكتور عبد المنعم النمر يقول فى مقدمته إنه عاش مدة طويلة من حياته وعلى عينيه غشاوة، إلى أن رأى صورة كبيرة للإمام علىّ فى محل فى العراق، وقال له صاحبه: نعرف أنكم تكرهونه! ويقول تعجبت من هذه المفاجأة ورددت سريعا: كيف تقول هذا، وهو أحب الصحابة وآل البيت إلى قلوبنا؟. فأصر وقال: بل تكرهونه وتكرهون آل البيت كلهم!
ويقول: مرة كنت أجلس مع تاجر أنسنا إليه من أسرة البهبهانى فى الكويت نسبة إلى بلدة (بهبهان) فى إيران، وكان عائدا منها فى زيارة لأسرته وقال لى: تصور أن جدتى تعتقد أننا نعمل هنا فى بلاد الكفار! وقد سألتنى: هل فيه مسلمون غيرنا فى الدنيا؟. لأنها تعتقد أن من عدا الشيعة كفار! وضحكنا، ولم أقف عند هذا كثيرا، فهى عجوز جاهلة لا تدرى من أمر الحياة شيئا.
ويقول أيضاً: ومرة فى الستينات التقيت بأستاذ محام كبير ووزير من وزراء نورى السعيد فتعارفنا وتصادقنا وقضينا أكثر وقتنا معا فى المصيف فى (سير) فى لبنان، ثم ذهبت بعد ذلك إلى بغداد وزرته فى بيته واحتفى بى كثيرا، وأخذنى فى رحلة إلى المدائن، ثم إلى بابل، ودامت بيننا المراسلات، ثم عدت لمصر وأنا أحمل له أجمل الذكريات، وكنا لا نتطرق إلى حديث المذاهب والدين، ثم ذهبت إلى بغداد وسألت عنه فلم أعثر عليه وقيل لى إنه توفى، وعز علىّ كثيرا، وحين سألت عليه وجدت محدثى يعرفنى فقال لى: إنه شيعى من أسرة محترمة، ولكنه يظهر أنه سمى ولده باسم (عمر) وهو اسم تكرهه الشيعة، ولكنه أطلق عليه هذا الاسم المكروه حتى يمنع عنه الحسد ويعيش، وهذه العقلية- كما يقول الدكتور النمر- عندنا ما يشبهها فتسمى الأسرة طفلها الوحيد باسم (خيشة) أو (شحّات) لمنع النظرة والحسد عنه.
ويقول الدكتور النمر: زارنى قادم مصرى من أمريكا فروى لى قصة شاب مصرى صديق له وجد عملا فى محل هناك لأحد الشيعة، فلما وجد صاحب المحل أن اسمه (عمر) طرده مع شدة حاجته إليه، لأنه لا يطيق سماع هذا الاسم!
ثم يقول إنه بعد ذلك عكف على دراسة كتب الشيعة وعجب كيف فاته كل هذه السنوات من عمره أن يدرسها، فتكونت لديه حصيلة من المعرفة جديدة عليه، أحس أنها كذلك جديدة على الكثيرين غيره من العلماء والمتعلمين وغيرهم. وتابع ما صدر من كتب وخطب وأحاديث عن زعيم وإمام المذهب الشيعى الإثنى عشرى الإمام الخمينى فوجد فيها صورة طبق الأصل مما حوته الكتب القديمة عندهم من النظرة السوداء لغيرهم من أهل السُنّة. ويقول: إن مذهب الشيعة كان عالما مجهولا تماما بالنسبة له، ويتحدث عن روح العداء بين الفرس والعرب قبل الإسلام، والفرس كانوا أصحاب حضارة وقوة والعرب برغم فقرهم وضعفهم يشمخون بأنوفهم ويعتزون بأنفسهم، ولذلك حين حارب الروم الفرس انحاز العرب للروم ضد الفرس، وقال المفسرون إن أبا بكر انتصر للروم لأنهم كانوا أهل كتاب والفرس مجوس وثنيون يعبدون النار، وحين أخذ الرسول صل الله عليه وسلم يوجه كتبه إلى الملوك والرؤساء يدعوهم للإسلام فى السنة السابعة للهجرة، كان كسرى ممن أرسل إليهم كتابا حمله إليه الصحابى عبد الله بن حذافة السهمى، فلما بلغ كسرى الكتاب استشاط غضبا ومزقه، إذ كيف يجرؤ عربى بدوى على أن يرسل له بمثل هذا ويقول له: (أسلم تسلم فإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس)؟ فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، غضب، ودعا عليه، وقال: (فرق الله ملكه) ولم يكتف كسرى بذلك بل كتب إلى واليه فى اليمن يأمره بأن يرسل إلى (هذا الرجل) برجلين جلدين ليأتيا به إليه، ونفذ الوالى الأمر وجاء الرجلان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغاه بمهمتهما فأخبرهما بأن الأحوال تغيرت فى بلاد الفرس، وأن كسرى ثار عليه ابنه (شيرويه) وقتله، فتعجبا، وحمّلهما الرسول عند رجوعهما دعوة إلى والى اليمن لأن يسلم، ويبقى واليا من طرفه على اليمن، وانتهى الأمر بأن أسلم هذا الوالى واسمه (باذان) وظل عاملا للرسول صلى الله عليه وسلم فى اليمن بعد أن ضعفت دولة الفرس..
***
وفى معركة القادسية سنة 636 ميلادية التقى جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبى وقاص بجيش الفرس بقيادة (رستم) واستمر القتال ثلاثة أيام وانتهى بهزيمة الفرس وقتل رستم وتقدم المسلمون نحو العاصمة (المدائن) بعد ذلك عام 13 هجرية- 637 ميلادية ففتحوها، ثم حاول الملك محاولة أخيرة فجمع جيشه واشتبك بالمسلمين عام 19 هجرية- 642 ميلادية فى موقعة (نهاوند) وانتصر فيها المسلمون، وقضوا على كسرى وجيشه وسقطت دولة الفرس نهائيا. ووجد عامة الفرس فى الإسلام إنقاذا مما كانوا يعانونه من الملك والرؤساء والإقطاعيين والأغنياء المستفيدين من الحكم فاقلبوا على الإسلام بإخلاص، لكن الطبقة العليا وجدت فى الإسلام قضاء على مصالحهم، فاشتعلت قلوبهم بالحقد على الإسلام، فتظاهروا بالإسلام وساروا مع التيار، لكى يسهل عليهم العمل على تخريبه من الداخل وينتقموا منه حين تواتيهم الفرصة. وكانت بداية التآمر اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب، ونفذ المؤامرة (فيروز أبو لؤلؤة) وهو مجوسى عاش فى المدينة وظل على دينه فى ظل سماحة الإسلام، ولما عجزوا عن القضاء على الدولة الإسلامية لجأوا إلى التستر والنفاق يتآمرون، ويضعون فى مرحلة الكمون خطط الهدم، وأظهروا إسلامهم، وانتموا إلى القبائل العربية الكبرى انتماء ولاء، وسموا أبناءهم أسماء عربية، وادعى كثيرون منهم، وخصوصا زعماؤهم السياسيون أنهم ينحدرون من أصلاب أهل بيت النبوة، ودفعوا أبناءهم إلى إتقان اللغة العربية، والتفقه فى القرآن والحديث، واتخذوا كل ذلك لإفساد الفكر العربى. ويأمرون أتباعهم عند أخذ العهد عليهم بستر ما يكشفونه لهم من كتاب الله، وتأويل التأويل، ويسمون ذلك (البلاغ) وغير ذلك من أسرارهم ورموزهم كما جاء فى كتاب (التنبيه والإشراف تأليف على بن الحسين المسعودى) وهو كتاب مطبوع فى مصر عام 1938.
***
وينقل الدكتور النمر عن العلامة الشيخ الأثرى خطة الفرس الذين تظاهروا بالإسلام لقتل عمر، وتدخلهم فى الشغب على عثمان، وتدبيرهم مع الخوارج مؤامرة لقتل الإمام علىّ ومعاوية وعمرو بن العاص واشتركوا فى ذلك مع القائد الفارسى (زادويه)، وفى أيام الدولة الأموية تآمروا فى السر مع بنى العباس، من أجل تولية فارس من سلالة (يزدجر) الملك الساسانى السابق حتى أنه سمى الأمويين (الشجرة الملعونة) وذلك هو أبو مسلم الخرسانى! ويقول الدكتور النمر إن ما كان يضمره الخراسانيون غير ما يضمره العباسيون، ولم يخف على العباسيين أن الفرس كانوا يسعون إلى إزاحتهم ويجعلوا الحكم فارسياً ولذلك تنبهوا لأبى مسلم وقضوا عليه فى بادئ أمره.
يقول الدكتور النمر: إن الشيعة زادوا على أركان الإسلام الخمسة التى وردت فى الحديث الشريف (بُنى الإسلام على خمس..) زادوا ركنا سادسا هو الإيمان بالإمام المعصوم وهو علىّ وبنوه من بعده، وهذا الإمام- عندهم- هو الخليفة والحاكم للمسلمين حتى قيام الساعة، ومن لم يؤمن بالركن السادس فليس بمؤمن كما تنص على ذلك كتبهم ويتحدث بذلك علماؤهم الخواص، وسرى ذلك إلى عامة الشيعة بأن من لم يؤمن بما يؤمنون به فليس بمسلم، وبأنه مخلد فى النار شأن من لم يؤمن بالله. ولذلك تعمق فى ذهن عامة الشيعة اعتقاد بأننا (أهل السُنّة) كفار، وإن كان علماؤهم يتحفظون على ذلك ويقولون: هو كلام العامة الجهلاء، ولكن من الذى علّم هؤلاء وأوحى إليهم بفكرهم هذا؟ ثم كيف نجد فى كتب كبار حكمائهم لعن أبى بكر عمر وعثمان ويصفونهم بأنهم كفار وأنهم خالفوا القرآن والسُنّة عمدا بتوليهم الحكم وإبعاد علىّ عنه وهو المتعين للحكم من الله ورسوله؟ معتمدين فى ذلك على حديث قالوا إن الرسول وهو راجع من حجة الوداع عند (غدير خم) عين عليّا ليخلفه فى حكم المسلمين، ويعلق الدكتور النمر بأن هذا الحديث لم يصح بهذا المعنى عند أهل السُنّة لو سمع الصحابة هذا الحديث لكان أحدهم ذكرّهم به حين حدث الاختلاف حول من يكون الخليفة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان خلافا خطيرا، فلماذا لم يقم من يقول لهم: أريحوا أنفسكم، فالرسول صلى الله عليه وسلم عين عليّا خليفة من بعده، ولم يكن ذلك ليخفى على جميع الصحابة وما كانوا ليعصوا للرسول أمرا، ويضيف الدكتور النمر: غاية ما فى الأمر أنه روى عن الرسول قوله: (من كنت مولاه فعلىّ مولاه) وفهمه الصحابة الذين سمعوه على معنى الحب لعلىّ وليس تولية له ليحكم المسلمين بعده.. ويضيف: وكيف يأمر القرآن بالشورى ويجعلها صفة للمؤمنين كالصلاة فيأتى الرسول فيجهز عليها ويخالف أمر ربه فى أهم أمر من أمور المسلمين فيعين عليّا وذريته حكاما إلى يوم القيامة؟
***
ويناقش الدكتور النمر ما قاله الإمام الخمينى فى كتابه (كشف الأسرار) الذى يجادل فيه أهل السُنّة ويدلل على صحة الاعتقاد بالركن السادس (الإمامة) وضرورة إيمان كل مسلم به. فيبدأ بما جاء فى القرآن عن وراثة الملك (وورث سليمان داود) النمل- و(فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) مريم- ليخرج من ذلك بصحة نظريتهم فى أن عليّا يرث الملك والحكم عن الرسول. ويدلل على أن أبا بكر خالف نصوص القرآن ويتهمه بأنه اخترع الحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة) ثم يذكر عمر ابن الخطاب ويصفه بأنه (المفترى).
ويؤكد الدكتور النمر على أن المذهب الشيعى لم يتبلور تماما كمذهب وحزب إلا متأخرا، وأن كبار آل البيت كانوا مصدر إشعاع دينى لكل المسلمين وموضع تكريم من الجميع ولم يكونوا راضين عن المغالين فيهم، بل كانوا يبعدونهم عن مجالسهم، ولم يكونوا يفرقون بين مسلم ومسلم، والشيعة أنفسهم اختلفوا فى تحديد الأئمة الذين يقولون بأنهم معينون من الله بالكتاب والسُنّة، وقد اختلفوا بعد الإمام جعفر الصادق فيمن يكون الإمام بعده، هل يكون من ذرية ابنه إسماعيل الذى مات فى حياة أبيه ثم لذريته، أو تكون لابنه الآخر موسى الكاظم؟ ونتج عن هذا الخلاف نشأة فرقة الإسماعيلية، وفرقة الموسوية، وسارت الإمامة من موسى الكاظم بن جعفر الصادق إلى ابنه على الرضا، وهكذا، وافترقت الشيعة إلى عشرات الفرق ولكن يجمعهم القول بوجوب الإمامة فى علىّ ونسله. وأن عصمة الأئمة كعصمة الأنبياء.
***
ويردد الدكتور النمر القول بأن للشيعة مصحفا غير مصحف أهل السُنّة، ويقول إن آية الله الخمينى استشهد به فى خطبة له أذاعتها إذاعة طهران الفارسية فى الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر الأحد 2 مارس 1986م، وكان يخطب فى اجتماع للسيدات للاحتفال بذكرى مولد السيدة فاطمة بنت الرسول وزوجة الإمام على فقال: (إنه فخر للنساء جميعا أن يتخذ يوم مولد فاطمة الزهراء يوما للمرأة، إنه فخر ومسئولية.. فيما يتعلق بالصديقة فاطمة الزهراء أجد نفسى عاجزا عن الحديث عنها، إلا أننى اكتفى برواية نقلت مدعمة بالأدلة، وهذه الرواية من كتاب (الكافى) تقول بأن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول بأن فاطمة الزهراء عاشت بعد وفاة والدها 75 يوما قضتها حزينة كئيبة، وكان جبريل الأمين يأتى إليها لتعزيتها وإبلاغها بالأمور التى تقع فى المستقبل، وكان يتردد عليها خلال هذه الأيام.. ولا أعتقد بأن رواية كهذه وردت بحق أحد باستثناء الأنبياء العظام، وكان علىّ يكتب هذه الأمور، فقضية نزول جبريل على شخص ما ليست بالقضية السهلة والبسيطة، ولا تعتقدوا بأن جبريل ينزل على كل شخص، إذ لا بد من تناسب روح الشخص الذى ينزل عليه جبريل، وبين جبريل الروح الأعظم.. الخ). وفى مكتبة صديقه سماحة الشيخ على كاشف الغطاء- وهو من كبار علماء الشيعة فى النجف- عثر الدكتور النمر على الرواية التى استند إليها الخمينى، فى كتاب (الكافى- الأصول والروضة) الجزء الخامس طبعة المكتبة الإسلامية فى طهران، وهذا الكتاب هو المرجع الأساسى للشيعة، وصاحبه هو (ثقة الإسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب الكلينى المتوفى سنة 929 هجرية، وهو عند الشيعة فى منزلة البخارى عند أهل السُنّة. يقول الكلينى فى (باب فيه ذكر الصحيفة الجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام) (البند الخامس).. محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبى عبيدة قال: (سأل أبو عبد الله (جعفر الصادق) بعض أصحابنا عن الجفر فقال: (مملوء علما، قال له: فالجامعة؟ قال: (تلك الصحيفة طولها سبعون ذراعا فى عرض الأديم مثل فخذ الفالج (الجمل الضخم). قال: فمصحفى فاطمة؟ قال: فسكت طويلا ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون، إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما (هكذا) وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبريل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها فى ذريتها. وكان علىّ عليه السلام يكتب ذلك، فهذا هو مصحف فاطمة عليها السلام. هذا ما جاء فى كتاب (الكافى) وقد أضاف الخمينى فى خطبته: (ولعله أخبرها بما فى أيامنا هذه).
وحين ناقش الشيخ محمد أبو زهرة صحة حديث الإمام جعفر الصادق عن (الجفر) رأى أن الذين يريدون أن يجعلوا للإمام الصادق والأئمة من بعده مرتبة تعلو مرتبة الإنسان العادى الذى يجتهد ويبحث هم الذين أضافوا إلى علومه الكثيرة علماً آخر لم يؤته بدراسة ولكنه أوتيه بوصية أودعها النبى عليا، وأودعها علىّ من جاء بعده من الأوصياء الأثنى عشر، وقال الشيعة المحدثون إن (الجفر) هو علم الحروف الذى تعرف به الحوادث إلى انقراض العالم، وعن الإمام الصادق أن الجفر فيه علم النبيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل. ويقول الشيخ أبو زهرة: نحن لا نعرف هذا العلم والتصرف فيه، ولكن نعرف الأحاديث عنه فى مصادرهم التى تقول بأن هذا العلم شريف منحهم الله إياه.
وبعد تحليل الأحاديث التى وردت عن (الجفر) فإن الشيخ أبو زهرة ينفى نسبة الكلام عن الجفر إلى الإمام الصادق لأنه يتعلق بعلم الغيب، والله سبحانه انفرد وحده بعلم الغيب، ولا يُعطى إلا لبعض الأنبياء ليثبتوا به رسالتهم، وقد قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء) ويصل الشيخ أبو زهرة إلى أن نفى (الجفر) عن الإمام جعفر الصادق لا ينقص من قدره العلمى، ولا من شرفه النسبى. ويقول إن أكثر الروايات عن (الجفر) طريقها الكلينى ولا تقبل روايات الكلينى لأنه هو الذى قال- عن جعفر الصادق- إن فى آيات القرآن نقص وزيادة وكذّبه فى ذلك كبار العلماء من الأثنى عشرية.
يعلق الدكتور النمر على ذلك بقوله بأن الإخبار بأن جبريل عليه السلام نزل على فاطمة وأخبرها بأخبار، وحدثها بغيبيات، وأن الإمام علىّ رضى الله عنه كان كاتب وحيها، يسمع أيضا ويكتب، فإن هذا شىء غريب جدا، لأنه بوفاة الرسول انقطع نزول جبريل إلى الأرض، وجبريل ما كان ينزل إلا بأمر من الله، وبوحى منه يبلغه لأحد رسل الله، فكيف يقال ويروى أن جبريل نزل على فاطمة، وأن عليا كان كاتب وحيها، وأن ما بلّغه جبريل وكتبه هو مصحف فاطمة؟ وينقل أحمد أمين عن الكافى للكلينى أن مصحف فاطمة (مثل قرآننا ثلاث مرات، وليس فيه من قرآننا حرف واحد). ويقول الدكتور النمر: مثل هذه الأفكار والأخبار بعيدة وغريبة عندنا نحن أهل السُنّة، وكم من أمثالها من (الجفر) الذى يقول الكلينى إن فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل، ومن أمثالها أيضا (الجامعة) وغير ذلك مما ورد ذكره فى الحديث المنسوب للإمام جعفر الصادق وغيره من الأئمة، وهى تصيب الإنسان بالدوار، وتوقعه فى متاهات تبعد به عن تصوراته الإسلامية السليمة الثابتة عندنا بيقين، وهى تفتح الباب للادعاءات بنزول جبريل على غير فاطمة رضى الله عنها، مما حدث بعد ذلك من المدعين أو من أتباعهم، ومن شأن هذا أن يطمس الأصل أو يحجبه، ويضعف الرؤية له، وقد سلم أهل السُنّة من مثل هذا، ولذلك لم يرج عندهم، ولم ينطل عليهم أى ادعاء غريب كهذا.
***
ويلخص الدكتور النمر الفروق بين الشيعة والسُنّة فى نقاط، فيقول إن عقيدة أهل السُنّة كما يلى:
* يؤمن السُنّة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
* ويؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، أنزل عليه القرآن عربيا بمعانيه العربية دون تأويل باطنى.
* ويؤمنون بالله الخالق الرازق المدبر، القادر على كل شىء، لا شريك له فى ذاته ولا فى صفاته، ولا فى أفعاله، ولا واسطة بينه وبين خلقه. خلق الخلق مباشرة دون واسطة عقل كلى أو غيره.
* ويذكرون بالتوقير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا على اختلاف درجاتهم فى البذل والعطاء وفى الفضل.
* ويؤمنون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين أحدا من صحابته ليكون خلفا له فى حكم المسلمين. وإن كانت صدرت منه إشارات فى ذلك مثل إنابته أبا بكر للصلاة بالناس فى مرض موته. ونؤمن بأن الذى تم من اختيار الصحابة لأبى بكر كان توفيقا من الله لهم. وأن حكم المسلمين إنما يكون بالشورى، يختارون من يرون أنه أفضلهم وأجدرهم بالحكم، وليس الحكم وراثيا فى أسرة من الأسر إلا بموافقة المسلمين وليس مفروضا عليهم وإن ما تم من اختيار الخلفاء الراشدين كان يمثل الشورى بصورها أو ببعض صورها المحكمة. فالمبدأ الأساسى هو الشورى أما وسيلة تنفيذها فيمكن أن تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.
* وأن الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون حرصوا على جمع القرآن وكتابته وإشاعته بين المسلمين بكل أمانة وإخلاص دون أى تحريف أو تبديل.
* وأن الحاكم هو واحد من المسلمين، وكلوا إليه تدبير شئونهم، ويجرى عليه ما يجرى على أى مسلم من الخضوع لأحكام الشريعة، وليس له فضل إلا بمقدار عمله، وليس لأحد من الخلفاء أو الحكام أو غيرهم أن يدعى أنه واسطة بين الناس وبين خالقهم فى قبول أعمالهم أو عدم قبولها، بل هو كأى فرد من المسلمين أمام الله، وأمام تعاليمه، لا يتعالى عليهم بحسب أو نسب أو جاه.
***
والشيعة تتلخص معتقداتهم فيما يلى:
* يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقرآن المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. لكنهم يؤمنون بأن للقرآن ظاهرا هو للعوام (وهم أهل السُنّة فى رأيهم) وباطنا لا يعلمه إلا أئمتهم ميراثا عن النبى صلى الله عليه وسلم وعلىّ والأئمة من بعده ويعتمدون عليه.
* ويؤمنون بأن الحكم بعد الرسول إنما هو حق الإمام علىّ وحده، وأن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى قرر ذلك حين رجوعه من حجة الوداع ويروون فى ذلك حديثا لا يدل على تعيين علىّ بالذات خليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
* وبناء على قولهم هذا يحكمون بأن أبا بكر وعمر وعثمان اعتدوا على حق علىّ فى الخلافة، وانتزعوا الحكم منه ووافقهم الصحابة على ذلك، وبذلك ظلموا أهل البيت وفى مقدمتهم السيدة فاطمة بنت الرسول رضى الله عنها، حيث لم يورثوها ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قليلا، ويتهمون الصحابة بأنهم اخترعوا حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة) ليحرموا فاطمة!
* وأن أبا بكر والصحابة غيروا السُنّة وكذلك غيروا آيات من القرآن فى حق على وآل البيت خاصة، وحذفوا منها ما يدل على حق علىّ وآله. والصحابة لذلك معتدون وكافرون ومنافقون وكذّابون هم وكل من رضى عن عملهم من الصحابة، ولم يخرج عن ذلك سوى أربعة من الصحابة عينوهم بأسمائهم انضموا لعلىّ وحقه. ويعتقدون أن عليَّا هو الحاكم الحقيقى، وهو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الحكم بعده فى ذريته من السيدة فاطمة- رضى الله عن الجميع- إلى يوم القيامة، فهم أئمة الدين وحكام الدنيا، ولا حاكم على المسلمين من غيرهم وإلا كان ظالما وكافرا.
* ويعتقدون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم علّم الإمام عليَّا علما خاصا ولم يبح به لأحد، وبناء على ذلك فإن عليَّا هو وارث علم النبوة- علم الحقيقة- واستشهدوا على ذلك بحديث (أنا مدينة العلم وعلىّ بابها) وهو حديث لم يصح عند أهل السُنّة، وهم يعتقدون بأن الأئمة درجة فوق البشر ودون النبوة والناس عبيد لهم فى الطاعة.
* ويقولون إن الإمام عليَّا لما رأى الصحابة غيروا فى القرآن عرض عليهم الصحيح فرفضوه كلهم واحداً بعد الآخر، فاحتفظ به لنفسه، ثم توارثته ذريته الأئمة، وأن هذا المصحف موجود عند صاحب الزمان- المهدى- وسيعود به حين يعود، ويسمح لهم الآن بقراءة المصحف الموجود المعروف منه، إلى أن يظهر القرآن الصحيح مع المهدى، وهذا القول منهم ورد فى كتب التفسير والحديث وعلم الكلام للشيعة، ويقولون إنه قد روى فى ذلك عندهم ما يزيد على ألفى حديث. ولا يقبلون الحديث عن الصحابة وتابعيهم لأنهم- عندهم- كفار، ولا يقبلون الحديث إلا عن الذين أيدوا الإمام عليَّا وهم: المقداد، وأبو ذر، وسلمان الفارسى، ويضاف عمار، وعندهم أربعة رواة آخرين لا يثقون إلا بهم هم: زرارة بن أعين، وأبو بصير الليث المرادى، ومحمد بن مسلم، ويزيد بن معاوية الجعلى، وهم الذين مدحهم الإمام جعفر الصادق، وقال عنهم: هؤلاء حفاظ الدين، وأمناء أبى على حلال الله وحرامه. وقد تجد عندهم أحاديث رواها البخارى أو مسلم أو غيرهما من رواة الحديث من أهل السُنّة، ولكنهم لم يعتمدوها إلا من رواة من الموثوق بهم عندهم من الشيعة.
* وهم يعتقدون بنزول الوحى والملائكة على أئمتهم، وقد عقدوا لذلك أبوابا فى كتب الحديث عندهم، كما يعرف ذلك حتى من مراجعة فهارسها كما جاء فى كتاب (بصائر الدرجات) لمحمد بن الحسن الصفار المتوفى سنة 290 هـ - وكتاب (الكافى) للكلينى.
* ويعتقدون بالرجعة، ومعناها رجوع المهدى وكذلك رجوع بعض الأشخاص الذين ظلموا الإمام علىّ وذريته ليحاكمهم وينتقم منهم ثم يعودون للموت، وتعلو- بعد ذلك- كلمة آل البيت، على أن ذلك الاعتقاد ليس خاصا بالإثنى عشرية بل هو عام لدى الشيعة، وسموه المهدى، وسماه الإسماعيلية القائم أو صاحب الزمان.
* وهم يؤمنون بالتقية. وهى عقيدة عند كل الفرق، وتمثل مبدأ خطيرا يزعزع الثقة فى كلامهم وأفعالهم.
* وهم جميعا يقررون أن الله يجوز عليه (البداء) ويقصدون أن الله يظهر له أمر لم يكن يعلمه فيغير كلامه وفعله وحكمه تبعا لما يستجد من علمه، ومن ذلك ما رووه عن الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه بعد أن مات ابنه إسماعيل فى حياته فقال: مابدا لله فى شىء كما بدا له فى إسماعيل ابنى، ما ظهر لله كما ظهر له.. الخ. وفى كتب الشيعة الكثير عن ذلك، مثل رواية الريان بن صلت قال: (سمعت الرضا عليه السلام- توفى 202 هـ- يقول ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء).
ويعلق الدكتور النمر على ذلك قائلاً: صدقنى وأنا أكتب هذا تصيبنى حيرة، إذ كيف يصدر هذا عن أئمة فضلاء نجلهم جميعا كجعفر الصادق الإمام العظيم وغيره، وكيف ينسب إليهم مثل هذا.. إننى أستبعد كثيرا أن يصدر هذا عنهم، إذ لا يمكن أن ينسبوا الجهل والخفاء لله، لا يمكن أبدا، لكن كتب الأمهات عندهم هى التى تجمع على نقل الكثير من هذه الروايات، ولذلك وجدنا كبيرا من علمائهم وفقهائهم وهو الشيخ محمد بن النعمان ويلقبونه (المفيد) يقول فى كتابه (أوائل المقالات فى المذاهب والاختيارات): واتفقت الإمامية على إطلاق لفظ البداء على وصف الله تعالى، وإن كان ذلك من جهة السمع (الروايات) دون القياس، وأى أنهم يصدقون ذلك رواية عن الأئمة بينما يستبعده العقل! أما لماذا اعتنقوا هذا المبدأ فإن بعض علمائهم أجابوا عن ذلك وأقدم من أجاب هو سليمان بن جرير قال: (إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدا، وهما القول بالبداء والرجعة.. فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا لأنفسهم منزلة الأنبياء فيما كان ويكون من العلم والأخبار، فإذا قالوا لشيعتهم إنه سيكون فى الغد كذا، فإذا جاء كما قالوا، قالوا لهم: ألم نقل لكم إننا نعلم من الله عز وجل وجهته ما علمته الأنبياء؟ وإن لم يكن اعتذروا لهم بقولهم: بدا لله فى ذلك شىء فغير القضاء. وقد ذكر هذا التفسير القريب المؤلفان الشيعيان أبو الحسن النوبختى وسعد القمى فى كتابهما (فرق الشيعة). وهذا التفسير ينطبق أيضا على (التقية) حيث يمكن للأئمة الرجوع عن أى قول قالوه بحجة أنهم قالوه تقية، وبذلك ينفتح الباب ويقنع العالم.
ويعتقدون بأن عندهم (الجفر) وهو وعاء من الجلد فيه علم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة، وهذا يتعارض مع النص القرآنى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) وفى روايات وكتب الشيعة الكثير من الروايات عن جعفر الصادق عن (الجفر) بأنه (مملوء علما).
والشيعة الإسماعيلية يعتقدون بأن الله لم يخلق الخلق ويدبر شئونهم ولا يرزقهم ولا يحييهم ولا يميتهم.. الخ إنما الذى يفعل ذلك هو (العقل الأول) الذى صدر عن الله، وعن العقل الأول صدر العقل الثانى، ولذلك يوصف العقل الأول بأنه الخالق الرازق.. الخ أما الله سبحانه- عندهم- فهو منزه عن الأسماء وعن هذه الصفات والأفعال لأنه كامل، والكامل لا يتصل بالناقص (أى بالخلق) ويسمون ذلك (التوحيد).
ومن كبار مؤلفى الشيعة (الحر العاملى) المتوفى سنة 1104هـ وفى كتابه (الفصول المهمة) طبعة إيران يقول فى باب (الأئمة الإثنا عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين وغيرهم..) ويروى عن جعفر بن الباقر أنه قال: (إن الله خلق أولى العزم من الرسل وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم، وفضّلنا عليهم فى علمهم، وعلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلمهم، وعلمنا علم الرسول صلى الله وعليه وسلم وعلمهم).
***
ويقول الخمينى فى كتابه (ولاية الفقيه): (إن من ضروريات مذهبنا ألا ينال أحد مقامات الأئمة الروحية، لا ملك مقرب، ولا نبى مرسل، كما وردت فى رواياتنا أن الأئمة كانوا أنوارا تحت العرش قبل تكوين العالم، وعنهم نقل أنهم قالوا: إن لنا مع الله أحوالا لا يسعها ملك مقرب، ولا نبى مرسل، وهذه المعتقدات من القواعد والأسس التى عليها قام مذهبنا).
ومن قواعد مذهبهم مخالفة أهل السُنّة فى آرائهم ويسمونهم (العامة) ويروون قاعدة عن جعفر الصادق حين سئل: أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكما من الكتاب والسُنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة (أهل السُنّة) والآخر مخالفهم فبأى الرأيين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقيل له: فإن وافقها الخبران جميعا؟ قال ينظر إلى ما هم إليه أميل- حكامهم وقضاتهم- فيترك ويؤخذ بالآخر جاء ذلك فى مقدمة الكافى للكلينى تحت عنوان (فضل العلم).
***
وفى بحث قدمه الشيخ محمد جواد مغنية رئيس المحكمة الشرعية فى لبنان من منشورات الشركة الحديثة للطباعة والنشر فى بيروت بعنوان (علىّ والقرآن) يقول فيه فى ص 26: (أما أسرار القرآن العلمية، ومعجزاته الغيبية، أما علومه وفنونه، وإحاطته بكل شىء، وسر ملاءمته لكل زمان، فلا يعلمها إلا الله والراسخون فى العلم، وهم محمد وأهل بيته، أما غيرهم فلا يعرف شيئا، أو تنحصر معرفته وخبرته بمعارف أهل زمانه) ثم يقول فى ص 38: (كان علىّ أستاذا للكل بعد النبى صلى الله عليه وسلم دون استثناء، يستمدون العلوم من معينه، ويحتجون بأقواله كما يحتجون بالقرآن، فقد صح عن الرسول قوله: علىّ مع القرآن، والقرآن مع علىّ، لن يفترقا حتى يردا على الحوض) ثم يقول بعد ذلك: (ونستنتج من الحديث الحقائق التالية):
إن قول الله ومحمد صلى الله عليه وسلم وعلىّ واحد من حيث الحجة ووجوب الاتباع، كما دلت الآية (7) من سورة الحشر: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) دلت على أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة القرآن، ودل حديث (علىّ مع القرآن) على أن قول علىّ بمنزلة القرآن أيضا، والنتيجة الطبيعية لذلك أن عليّا هو الوسيلة إلى الله، وحجته على الخلق، وأن الراد عليه كالراد على القرآن).
ثم قال فى ص (40) إن الحديث الشريف يدل دلالة واضحة أن عليّا والقرآن سواء بسواء، وأن كل ما للكتاب من فضل وعظمة فهو لعلىّ.. الخ.
***
يذكر الدكتور النمر أنه أثناء إقامته فى الهند للتدريس فى جامعة (دار العلوم ديوبند) عرف مولانا محمد منظور نعمانى أحد قادة الفكر الإسلامى فى الهند وكان أحد أعضاء مجلس إدارة هذه الجامعة، ويصدر مجلة قيمة باسم (الفرقان) وقد ألّف كتابا عن ثورة الخمينى باسم (الثورة الإيرانية فى ميزان الإسلام) باللغة الأردية، وترجمه إلى اللغة العربية الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم قال فيه إن أمله خاب فى ثورة الخمينى لأنه كان ينتظر منه تصحيحا للمذهب الشيعى لكنه استمر فى سب الخلفاء الراشدين، وكرر القول بأن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام،وأن معرفة الأئمة والتسليم بهم شرط الإيمان، والأئمة هم النور الذى ذكره القرآن (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا) وأن طاعة الأئمة فرض كطاعة الرسل، وللأئمة حق التحليل والتحريم، وهم معصومون كالأنبياء، ولهم خصائص تميزهم عن البشر، وأغرب ما قاله الخمينى- تكرارا لما قاله الشيعة قبله- إن حمل الأئمة لا يكون فى رحم الأم، بل يكون فى جنبها، ويولد من فخذها، لأن الله يبعد الأئمة عن القذارة والنجاسة، والمؤمنون (الشيعة) بإمامة الأئمة المعصومين لهم الجنة حتى لو كانوا فجرة فاسقين، والمسلمون الآخرون (من غير الشيعة) لهم النار حتى لو كانوا من البررة المتقين، والأئمة يشهدون على أهل زمانهم يوم القيامة، وجميع الكتب المُنزّلة على الأنبياء السابقين كالتوارة والإنجيل والزبور وغيرها موجودة لدى الأئمة يقرأونها بلغتها الأصلية، وعندهم (الجفر) فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل. وعندهم كذلك مصحف فاطمة، وأعمال العباد تعرض على الأئمة وتتوافد عليهم الملائكة، والأئمة لهم معراج كل ليلة جمعة يصلون إلى العرش وهناك ينالون العلم الجديد، والأئمة نالوا جميع العلوم التى وهبها الله الملائكة والرسل والأنبياء، ونالوا علوما لم يهبها الله للأنبياء والملائكة، وهم يعرفون ساعة موتهم، ويموت الإمام باختياره، ولديهم معجزات الأنبياء، ويمتلكون الدنيا والآخرة ويهبون من يشاءون ما يشاءون..
هذا ما يقوله الخمينى وما يقوله الكلينى فى أهم مرجع للشيعة (الكافى).
***
والأستاذ الحسن الندوى من علماء السُنّة فى الهند له مؤلفات مترجمة فى مصر يجيب عن سؤال: هل هذه الأقوال من الماضى ما زال يرددها الشيعة إلى اليوم، يقول: (لعل من يفكر ويقول: إن ما ظهر من فرقة الإثنى عشرية من تطرف إنما يرجع إلى ما قبل عصر العلم والتحقيق والفكر والدراسة، وقبل ارتباطهم بالعالم الإسلامى وجماعة المسلمين، وقبل انطلاق دعوتهم إلى الثورة الإسلامية، وحينما كانوا يعيشون فى نطاقهم المحدود، أما الآن فلا يستطيع شخص مثقف من الشيعة ممن يكون مطلعا على روح الإسلام ومقاصده، وداعية إلى الإسلام، ومتألما للوضع الذى تعيش فيه الأمة الإسلامية أن يعتقد بمثل هذه المعتقدات التى لا يكاد يصدقها العقل. ثم ينقل العلاّمة حسن الندوى عن الإمام الخمينى فى كتابه (الحكومة الإسلامية) قوله: (فإن للأئمة مقاما محمودا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبى مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث، فإن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، والأئمة العظام عليهم السلام، كانوا قبل هذا العالم أنوارا، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى مالا يعلمه إلا الله). ويتحدث الإمام الخمينى أيضا عن الإمام الغائب (المهدى) وظهوره ويقول إنها أصل من أصول العقيدة.
ويذكر الدكتور عبد المنعم النمر أن الخمينى أعاد طبع كتاب الكافى طبعة جديدة وترجمه إلى اللغة الإنجليزية ويرسل دعاته إلى أنحاء العالم لينشروا مذهبه.
***
وللعقاد رأى فى مصادر الأفكار الغريبة عند الشيعة، فيقول إن البداوة العربية لم تكن معزولة عن ثقافة الأمم المحيطة. فقد كانت على اتصال بعقائد الهند وفارس والروم، وحسبنا مثال واحد من معسكر الإمام نفسه هو مثال عبد الله بن سبأ المشهور بابن السوداء، وهو يهودى، ابن زنجية، مولود فى بلاد اليمن، ومذهبه الذى اشتهر به هو مذهب الرجعة الذى يجمع بين قول اليهود بظهور المنقذ من نسل داود، وقول النصارى بظهور المسيح، وقول أهل الهند بظهور الإله الذى يتقمص جسم إنسان، وقول أهل فارس بتقديس الأوصياء من أقرباء الملوك والأمراء، فهذه عقيدة لا تظهر من رجل يمنى إذا كان أهل الحزيرة بمعزل عن ثقافات الهند والفرس والروم وبنى إسرائيل. وقد كانت عاصمة الإمام علىّ فى الكوفة، وكانت مثابة للغادين والرائحين من أبناء الحضارات المعروفة فى العالم بأسره، ومن المسلمين الذين عاشوا بها أو بجوارها أناس كانوا ينظرون فى كتب الفرس.. ومنهم من كان يتبع طريقة الفرس والروم.
بهذا يلخص العقاد وجهة نظر أهل السُنّة فى أن عقائد الشيعة تأثرت بعقائد ديانات ومجتمعات أخرى. وليس ذلك غريبا لأنه لا يمكن أن يمحو الإنسان من عقله وسلوكه ما نشأ عليه هو وآباؤه وأجداده، والمثال القريب على ذلك أن المصريين أسلموا وبقيت فيهم بعض طقوس وأفكار وعادات فرعونية، وهذا ما ينطبق على قبائل البدو، والفرس، والهنود، بل وينطبق على المسلمين فى الصين وفى أوربا، وإن قيل إن الشيعة ظـهرت أولا فى العراق فى بلد عربى قبل أن تنتقل إلى إيران بلد الفرس، فإن العقاد أجاب على ذلك بأن العراق كان فيها من كل البلاد والأجناس والديانات بعضهم دخل فى الإسلام وبعضهم الآخر بقى على ديانته دون أدنى اعتراض من المسلمين وفقاً للمبدأ القرآنى: (لكم دينكم ولى دين). واختلاط الفكر الإسلامى بهذه الأخلاط من الأفكار والمعتقدات والديانات لا بد أن يؤدى إلى التأثير بها تأثرا مباشرا أو غير مباشر وهذا ما سنجده فى الأدب والفلسفة والفن والعادات والتقاليد وحتى فى ألوان الطـعام.. وهذا ما يسميه العلماء (التداخل الحضارى) أو (التفاعل بين الثقافات)