التعصب ضد الإسلام فى الغرب !

منذ سنوات قام البروفيسور عبد الجواد الفلا تورى من الأكاديمية الإسلامية للعلوم فى مدينة كولن الألمانية مع زميله الألمانى «أودوتور شكا» بتحليل ما جاء عن الإسلام فى الكتب الدراسية الألمانية، وشمل بحثهم أيضاً الكتب المدرسية فى الدنمارك وفنلندا وهولندا وإيطاليا، وكشف بحثهم ما فى هذه الكتب من تشويه للإسلام فى عقول التلاميذ وهم فى مرحلة من العمر يتأثرون فيها بما يتعلمونه وتظل أفكارهم وانطباعاتهم فيها مؤثرة فى عقولهم على مدى العمر ويصعب تغيرها.
وأشار الباحثان إلى كتابات صحفية وجامعية فيها من الافتراءات ما لا يمكن السكوت عنه، ففيها مثلا أن بعض ممارسات المسلمين تجعل الغربيين يستنتجون أن الإسلام دين غير عقلانى لايجذب إلا المتخلفين (!)، ولم يجد مؤلفو هذه الأكاذيب مثالا على ذلك إلا فى معتقدات سكان منطقة جبلية قرب طنجة فى المغرب وهم فئة قليلة ومعزولة من مسلمى المغرب يعتقدون أن زيارة «سيدى عبد السلام مشيش» تعادل الحج، ومثلهم جماعة فى الجزائر يعتقد أتباعها أن زيارة ضريح «مولاى إدريس» قرب مدينة مكناس تعادل الحج... والمثال الثالث من بعض الطرق الصوفية التى تدعو المريدين إلى أن يسلموا أنفسهم بالكامل لشيوخهم، مما يعنى إلغاء العقل والتفكير وحرية الاختيار، وهذا ما يثير الدهشة والرفض من الغربيين الذين يؤمنون بحرية الفرد واستقلال إرادته ورفض الانقياد.. وذكر الباحثان ما يتداوله الغربيون من أقوال تعبر عن «الصورة الذهنية» لديهم عن المسلمين ومعتقداتهم مثل .. إنك تعرف أنك فى بلد مسلم عندما تجد دورة المياه معطلة ونجد بعض الناس يرفضون التكنولوجيا والتقدم العلمى. ومثل الادعاء بأن النساء فى الدول الإسلامية مواطنات من الدرجة الثانية بلا حقوق ولا كرامة، وحياتهن معاناة قاسية بسبب ما يتعرضن له من التهميش والقمع والدفن بالحياة، والحرمان من حقوق الإنسان التى يرفضها رجال الدين الإسلامى فى أحاديثهم، وكشف الباحثان أن نسبة كبيرة من الغربيين يعتقدون أن بعض المسلمين يعيشون فى ممارسات ويؤمنون بأفكار ترجع إلى العصور الماضية، وأخيرا قال الباحثان إن نظرة الغربيين للإسلام لن تتغير الا إذا رأوا بأعينهم أن المرأة فى المجتمعات الإسلامية لها نفس الحقوق والكرامة التى للرجل، وذكر الباحثان ما يشيع فى ثقافة الغرب من أفكار ترسّخ فى العقول أن الإسلام يرفض التحديث وحقوق الإنسان وأن المسلمين غارقون فى الإيمان بالسحر والخرافات وساعد على ذلك أن أكثر من نصف الشعوب الإسلامية أمية وتعانى من التخلف والانكفاء على الذات. وبالتالى فليس لديها وسيلة للتواصل مع ما فى العصر من أفكار وعلوم، ويدعى الباحثان أن خطباء المساجد يصرخون وهم على المنابر، وعلماء النفس يعلمون أنه كلما ارتفعت أصوات المتحدثين فإن الرسالة تفقد مصداقيتها عند السامعين، وصاحب الحجة القوية والمنطق السليم لايحتاج إلى رفع الصوت إلى درجة إصابة السامعين بالصمم(!).
سجل الباحثان أيضاً ما قاله أشخاص سئلوا عن رأيهم عن الإسلام والمسلمين فقال أحدهم إن المسلمين لا يريدون أن يتعايشوا مع العصر، ويريدون أن يعرفوا العالم ويحاولون الخروج منه لاعتقادهم بأن فى التفاعل مع الآخرين خطر على عقيدتهم، وقال شخص آخر إن المسلمين يعيشون فيما يشبه المتاحف الطبيعية، وأن على العالم الإسلامى أن يخجل من قلة العلماء وتراجع قيمة العلم فيه، ومع ذلك فإن لديهم شعورا بالتفوق على سائر الشعوب لا أساس له.. وقال آخر إنه مقتنع بأن الإسلام دين عدوان يحرض أتباعه على قتال كل من يختلف معهم ويؤمنون بأن هذا هو «الجهاد».. وقال أكثر من شخص إن الإسلام لم ينتشر إلا بالغزو والعدوان العسكرى على الشعوب، والحقيقة أن هؤلاء يمثلون فئة غير قليلة ويتفقون فى رأيهم هذا مع ما أعلنه بابا روما بندكوس من أن الإسلام دين حرب أرغم الشعوب التى قهرها على اعتناق الإسلام (!) وأصحاب هذا الادعاء لايستطيعون أن يفهموا الحقيقة وهى أن الإسلام انتشر لأنه حرر العقول من الشرك ونبه إلى عبادة الله الواحد الأحد وحرر الشعوب التى كانت تعانى من استبداد الحكم العنصرى واستبداد الكنيسة والملوك، وأن هناك بلادا دخل فيها الإسلام دون أن يصل إليها جندى مسلم واحد مثل اندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، والفلبين، والهند، والصين.. إلخ وكل دول أفريقيا المسلمة.
???
ومن الأكاذيب التى مازالت تردد فى الكتابات الغربية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان مزواجا جمع بين عدد كبير من الزوجات وهؤلاء يتجاهلون الأسباب الحقيقية لتعدد زوجات الرسول التى تتعلق بالدعوة أو بالرحمة بالأرملة التى فقدت زوجها، ويتجاهلون أن زوجات النبى داود والنبى سليمان كن أكثر عشرات المرات من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم.
إن الغرب يعيش فى أزمة يتحدث عنها الفلاسفة والمفكرون هناك، نتيجة التخلى عن الدين فى فترة من الفترات والإيمان الزائد بالعلم، مما أصاب المجتمعات الغربية بالأعراض التى يلاحظها الباحثون المنصفون مثل الاغتراب، وفقدان المعنى، وغياب الهدف الأسمى للحياة، وقسوة تأثير الفراغ الروحى، وكما يقول أحد الفلاسقة المحدثين فإن «الإلحاد» يفرض ضريبة على الملحدين فى الغرب وهم ليسوا قلة، وهذه الضريبة تمثل فى انتشار الجريمة، وإدمان المسكرات والمخدرات، والشذوذ المعلن والخفى، وازدياد معدلات الطلاق، والأسوأ من ذلك اتجاه الشباب إلى أن يعيشوا فرادى رجالا ونساء ويهجروا الأسرة، ويرفضوا تكوين أسرة، ولا يستطيع أحد أن يقدر حجم الخسارة التى لحقت بجيل نشأ دون وجود أحد الأبوين، ويصاحب ذلك روح الشك التى تبعد الناس عن اليقين الروحى والاطمئنان النفسى خصوصا بعد انهيار الشيوعية وانتصار الغرب الذى لن يدوم إلا لفترة قصيرة، وبدلا من أن ينعم العالم بالسلام فى ظل قيادة الغرب انتكس إلى حروب مسعورة مثل الحرب التى شنها الأرثوذكس اليونانيون، وحرب الغرب ضد كرواتيا والبوسنة، والحرب التى شنها الروس على المسلمين فى الشيشان، والحرب الأمريكية فى العراق وأفغانستان، وعدم قدرة الغرب «المتحضر» على وقف عمليات التدمير الواسعة للبيئة التى يقوم بها وأصبحت تهدد العالم.
???
هكذا نجد أن بعض-وليس كل - مايقال فى الغرب عن الإسلام ليس إلا أكاذيب وادعاءات صادرة عن كراهية ترفض الحوار والاستماع إلى الحقيقة، وهذا هو التعصب ضد الإسلام فى الغرب الذى يكشف عن نفسه فى أحاديث بعض القادة السياسيين والدينيين المؤثرين فى شعوبهم.
والسؤال الذى يجب أن نجد الإجابة الصحيحة عنه وتعمل بجدية كل الدول والمنظمات الإسلامية على أساسه هو: كيف نوصل الصورة الحقيقة للإسلام إلى الغرب؟ لقد جربنا الحوار، ولكن جلسات الحوار لم تحقق نتائج ملموسة، وجربنا توجيه النداءات وإرسال بعثات من الأزهر، وكانت الرعاية المضادة دائماً هى العقبة وظهر الأمر وكأن الحوار هو حوار من جانب واحد يعلو فيه صوت المعادين للإسلام والمتوجسين منه، ولايصل صوت الإسلام مسموعاً بدرجة كافية إلى الموطنين العاديين، ولا حتى إلى الطبقة المثقفة، خاصة بعد موقف بابا روما المعادى للإسلام والذى لم يتراجع عنه واكتفى بالإعلان عن شعوره بالأسف لما سببه حديثه العدائى عن الإسلام من استياء لدى المسلمين.. والبابا بالطبع له تأثيره الروحى الذى لايمكن إنكاره.. وقد أعلن فضيلة شيخ الأزهر الدكتور الطيب عن تعليق الحوار مع الكنيسة الى أن يتراجع البابا عن إساءاته للإسلام وللرسول. ولايزال الحوار مجمدا والبابا ومعه الكنيسة الكاثوليكية على موقفه.
ولذلك فإن على العالم الإسلامى ألا يتوقف عن الدفاع عن الإسلام وتوضيح حقيقته فى الغرب بكل الوسائل فى الصحافة، والتليفزيون، والجامعات، ومراكز البحوث. وتدعوا الحاجة إلى إنشاء مؤسسة بحثية وإعلامية كبرى فى أوروبا للتواصل مع العلماء والمفكرين والصحفيين والإعلاميين ورجال الدين فى أنحاء أوروبا وتقديم الحقائق لهم، وعقد ندوات ومؤتمرات هناك-وليس هنا- وأن يستمر هذا الجهد دون توقف لأن أعداء الإسلام لايتوقفون.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف