الإصلاح يبدأ من أمريكا!
أخيرا أصدرت المحكمة العليا فى أمريكا قرارا يسمح لسجناء جوانتانامو بالتظلم أمام المحاكم الأمريكية لطلب الإفصاح عن أسباب اعتقالهم الذى استمر ما يزيد على عامين دون توجيه أى اتهامات إليهم، وحتى دون السماح لهم بالاتصال بذويهم أو الحصول على حقوق المسجونين أو الأسرى فى أى مكان فى العالم ووفقا للقوانين الدولية.
والمعتقلون فى جوانتانامو يعاملون معاملة غير إنسانية.. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقا قالت فيه إن البيت الأبيض والمسئولين العسكريين بالغوا كثيرا فى الخطر الذى يمثله هؤلاء المعتقلون كمبرر لعمليات التعذيب التى تعرضوا لها بعيدا عن الإعلام والقضاء والقانون الأمريكى، رغم اعتراف هؤلاء المسئولين بأن معظم هؤلاء المعتقلين لا ينتمون إلى أى منظمات إرهابية ولم يشتركوا فى قتال ضد القوات الأمريكية، وقد كشفت الصحف الأمريكية عن تقرير سرى للمخابرات الأمريكية يثير الشك فى أهمية هؤلاء المعتقلين، ويشير إلى أن بعضهم أبرياء وأن اعتقالهم تم عشوائيا فى فوضى الحرب، وثبت بعد أكثر من عامين أنهم ليست لديهم معلومات ذات أهمية، وليست هناك اتهامات يمكن أن توجه إليهم، ومنهم خمسة عشر شخصا فقط يمكن تقديمهم إلى المحكمة العكسرية التى قرر الرئيس بوش تشكيلها مؤخراً لهذا الغرض بعد أن كانت الولايات المتحدة تدين المحاكمات العسكرية، وقد أحيل منهم مؤخراً ستة أشخاص فقط، وفى نفس الوقت أعرب قائد معسكر الاعتقال فى جوانتانامو الجنرال جاى هود أمام المسئولين فى البيت الأبيض عن خيبة أمله فى التوصل إلى معلومات ذات قيمة بعد عمليات التعذيب التى استمرت أكثر من عامين، وقال: إننا كنا نتوقع أن نحصل منهم على معلومات استخبارية تساعدنا فى ضرب المنظمات الإرهابية لكن ذلك لم يحدث.
وقد بدأ التساؤل فى البنتاجون عن الانتهاكات التى ترتكب ضد هؤلاء المعتقلين، خاصة بعد ظهور كذب الادعاء بأنهم مقاتلون أعداء كما وصفهم الرئيس بوش، وبالتالى قرر عدم تطبيق اتفاقات جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب عليهم، ثم تكشف أن الاعتداءات على المعتقلين العراقيين فى سجن أبو غريب، لم تكن سوى تطبيق لبرامج التعذيب المتبعة فى معتقل جوانتانامو والمعتمدة من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
وأمام الاتهامات الأمريكية لحقوق الإنسان كتب الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر مقالا بعنوان (فضيحة حقوق الإنسان فى العراق) قال فيه: إنه يجب وضع ضمانات لعدم وقوع الولايات المتحدة فى المزيد من الإحراج السياسى بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وأن هذا يقتضى إعادة النظر فى مجمل السياسات الأمريكية التى تطبق فى الوقت الحالى، والتى تثير القلق لدى الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان فى أنحاء العالم، ولذلك يجب إخضاع السجون والمعتقلات الأمريكية فى الخارج لمراقبة جهات محايدة ومستقلة، ويجب على الولايات المتحدة الالتزام بتطبيق اتفاقات جنيف، ويكفى ما أحدثته صور التعذيب فى سجن أبو غريب من صدمة للشعب الأمريكى ولشعوب العالم وقال كارتر: إن المخاوف التى تبديها المنظمات الدولية لا تقتصر على الانتهاكات التى تحدث فى السجون الأمريكية فى الخارج، بل تمتد إلى الانتهاكات فى السجون داخل أمريكا أيضا.
ويشير الرئيس كارتر إلى طول فترات الاعتقال التحفظى للمشتبه فيهم ممن ينتمون إلى أصول شرق أوسطية وحرمانهم من الالتجاء إلى محامين أو مقابلة أسرهم، وعدم توجيه اتهامات إليهم، ويثير القلق أكثر ما أعلنه رامسفيلد مؤخراً من استمرار احتجاز المعتقلين فى جوانتانامو إلى أجل غير مسمى حتى وإن تمت محاكمتهم وثبتت براءتهم وهو تصريح استفزازى لا يصدر فى دولة كبرى، وكذلك إعلان رامسفيلد عدم تطبيق اتفاقات جنيف على المعتقلات الأمريكية، ويعلق كارتر بأن هذه السياسات العدوانية لها تأثيراتها المباشرة على وضع أمريكا فى الساحة الدولية.
وبهذه الممارسات تكون أمريكا قد أسهمت على المستوى الرسمى فى إدارة عجلة التاريخ إلى الوراء، باعتبارها الدولة النموذج التى ستقلدها معظم الدول فى انتهاك حقوق الإنسان والاتفاقات الدولية، وتكون أمريكا هى التى تشجع الأنظمة الدكتاتورية على إساءة معاملة المسجونين والمعتقلين، والاعتداء على حقوقهم القانونية والإنسانية
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف