النموذج الأمريكى للإصلاح
تزداد الأمور سوءا فى العراق يوما بعد يوم.. قوات الاحتلال تشن غارات مدمرة بالطائرات والصواريخ، والإدارة الأمريكية تعلن كل يوم عن تحول العراق إلى الديمقراطية وتمتع الشعب بالحرية.
الإدارة الأمريكية تتجاهل الحقيقة، وهى رفض الشعب العراقى لاستمرار الاحتلال. ورفض التعاون مع سلطات الاحتلال، حتى قوات الأمن التى تتولى سلطات الاحتلال إعدادها تتعرض لهجمات تقتل العشرات منهم، والاقتراح المطروح الآن بإعلان حالة الطوارئ فى البلاد لن يضيف جديداً ، لأن حالة الطوارئ معلنة فعلا والسجون مليئة بآلاف من العراقيين، ولم توجه إلى أحد منهم تهمة ولم يقدم لمحاكمة، والإدارة الأمريكية تتجاهل أصل المشكلة وتتحدث عن الظواهر والأعراض، وأصل المشكلة أن الشعب العراقى يرفض وجود قوات احتلال عسكرى أجنبى على أرضه أيا كانت الأسباب، والعراقيون مازالوا متأثرين بذكريات الاحتلال البريطانى لبلادهم ومقاومتهم وتضحياتهم إلى أن حصلوا على الاستقلال، وليس من الممكن إقناعهم بقبول الاحتلال العسكرى مرة أخرى بعد أن انتهى عصر الاحتلال العسكرى.. كذلك لا يمكن إقناعهم بأن هذا الاحتلال جاء لإعادة إعمار بلادهم، وتطوير المجتمع العراقى ليصبح مجتمعا ديمقراطيا، بينما يعانون من البطالة، والغارات الأمريكية التى تقتل وتدمر عشوائيا، ويواجهون لهيب صيف آخر بدون مرافق أساسية مثل الكهرباء والمياه بعد أن دمرتها القوات الأمريكية.
وفى الوقت الذى ينتظر فيه الشعب العراقى الإعلان عن موعد انسحاب قوات الاحتلال وإعادة مقاليد البلاد إلى أهلها، تقرر الإدارة الأمريكية زيادة قوات الاحتلال 25 ألفا آخرين، وربما يزداد هذا العدد، وقد قامت سلطات الاحتلال بإجراء استطلاع للرأى بين العراقيين أظهر أن العراقيين يريدون رحيل القوات الأمريكية.
والحكومة العراقية الجديدة تحتاج إلى وقت لكى تظهر مصداقية وتكسب ثقة الشعب العراقى فيها.
وبعض الكتاب الأمريكيين مثل روجر كوهين فى نيويورك تايمز يطالب الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالهزيمة، ويقول إنها هزيمة أخلاقية قد تمتد آثارها السلبية على القوة التى تمثلها الولايات المتحدة، بحيث يتعذر إقناع العالم مرة أخرى بأنها قوة تناصر الخير، أو أن لها رسالة عالمية هى تحرير الشعوب، ومن حق أى إنسان فى أى مكان فى العالم أن يتساءل: ما نوع الديمقراطية والتحرير الذى تحققه امرأة أمريكية عندما تجبر رجلا عراقيا على خلع ملابسه ليصبح عاريا ثم تجبره على الانبطاح أرضا فى سجن أبوغريب، وتجره من رقبته ككلب، فى نفس السجن الذى كان صدام يعذب فيه ضحاياه، وأى ديمقراطية هذه التى تتحقق بغارات الطائرات وقتل العشرات كل يوم؟ ومهما يقال من أن القائمين بالتعذيب هم قلة من العسكريين الأمريكيين، أو أن التعذيب شائع فى السجون العربية، فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئا وستبقى آثار الاعتداءات الأمريكية فى الأذهان لسنوات طويلة.
والسفير الأمريكى السابق فى الأمم المتحدة فى إدارة كلينتون ريتشارد هولبروك كتب يقول: إن هذه الانتكاسة هى أخطر انتكاسة للعسكرية الأمريكية منذ فيتنام، وعلينا الاعتراف بأن موقف أمريكا يتعذر الدفاع عنه. وفى أوروبا يقولون لو كانت أمريكا دولة صغيرة لكان قادتها يحاكمون الآن أمام محكمة جنائية دولية.
يقول روجر كوهين: الآن وبعد عام من دخول الدبابات الأمريكية بغداد أصبح السؤال الأساسى هو كيفية إنقاذ المصداقية الأمريكية، وهذه المصداقية هى التى يتوقف عليها تحقيق الاستقرار والسلام فى مناطق كثيرة فى العالم.
مع استمرار السياسة الأمريكية الحالية لايصدق أحد ما أعلنه الرئيس بوش الشهر الماضى من أن أمريكا تعمل على بناء عراق جديد يكون نموذجا لدول الشرق الأوسط يشجعها على الإصلاح حين ترى كيف تكون الحياة فى مجتمع حر.
أى نموذج للحرية هذا الذى تراه شعوب الشرق الأوسط فى العراق وهى لا ترى سوى قوات الاحتلال تملأ الشوارع بدباباتها وقادة عسكريين يتحدثون بغطرسة القوة وسجون تمتهن فيها الكرامة الإنسانية ودمار وبطالة وفقدان الأمل.
أى نموذج هذا؟!