استعادة الأموال المهربة ممكن..ولكن !
الرأى العام فى مصر يسوده نوع من الترقب والقلق بشأن استعادة الأموال المنهوبة من أموال الشعب والمهربّة.. إلى الخارج، وكل من تقابله يسألك: أين هذه الأموال؟ ولماذا لم تتمكن الحكومة من استعادتها؟ وهل تقاعست الحكومة وأهملت أم أن المسئولية تقع على عاتق رجال القانون الذين عجزوا عن التعامل مع القضية بجدية وكفاءه؟
يزيد من قلق الرأى العام فى مصر ما يقال وينشر عن مئات المليارات من الدولارات المهرّبة، وما صدر عن حكومة سويسرا باعلانها تجميد 700 مليون دولار من هذه الأموال، وزيارة وزير الخارجية السويسرى لمصر واعلانه أنه جاء ليبحث مع المسئولين المصريين كيفية إعادة هذه الاموال، وبعدها سافر وزير الشئون القانونية المصرى إلى لندن أيضاً ليبحث كيفية إعادة الأموال المهربة فى بريطانيا..
وعلى الرغم من ذلك تبدوالمسألة وكأنها مسألة معقدة وأن التوصل إلى هذه الأموال لن يكون سهلاً كما قال خبير القانون الدولى الشهيرالدكتور شريف بسيونى الذى نبه إلى أن المشكلة الكبرى هى عدم وجود معلومات دقيقة عن حجم هذه الأموال وأماكن تهريبها، لأن الذين قاموا بعمليات السمسرة الواسعة فى بيع الشركات وأصول الدولة حققوا ثروات طائلة والمثال على ذلك بنك الاسكندرية الذى اشترته مجموعة من أصحاب الحظوة والنفوذ ثم باعته بضعف الثمن بعد 48 ساعة، وهؤلاء استخدموا وسيلة جهنمية لإخفاء هذه الأموال،فقد أخرجوها من مصر ثم أعادوها إلى مصر بأسماء شركات أجنبية تحت زعم أنها شركات استثمارية. وبعض هذه الأموال كان من تجارة المخدرات!
والغريب أن هناك مشروعات حصلت على قروض من البنوك بضمان مشروعات وشركات هرّبت هذه الأموال إلى الخارج مرة أخرى.. والأموال التى دخلت مصر مسجلة. ولكن الأموال التى خرجت منها غير مسجلة بحجة أن تسجيلها سيصيب المستثمرين بالخوف، وبذلك فإن الحديث عن استعادة هذه الأموال يدخل فى مجال علم المجهول على حد تعبير الدكتور شريف بسيونى، والمساعى المصرية قد تصل إلى بعض النتائج لأن مصر ليس لديهاخبراء بالقوانين فى الدول الأجنبية ولا خبره فى أعمال استعادة الأموال المهرّبة وهذا ما دفع الحكومة المصرية إلى الاستعانة بخبراء أجانب على دراية بكيفية كشف الألغاز والسراديب التى تختفى فيها هذه الأموال. وقد تمكنت كل من هاييتى،وكازاخستان والفلبين من استعادة بعض الأموال المنهوبة فى الخارج ولكن ذلك لم يتم إلا بعد صدور أحكام جنائية نهائية ضد مهربى هذه الأموال والصعوبة الحقيقية أن مهربى الأموال استعانوا بخبراء ومحامين لتأسيس شركات فى دول لديها نظام قانونى يسمح بتملك الشركة لحامل الأسهم مثل جزر الكايمان ويتم تحويل أموال هذه الشركات إلى شركات أخرى مماثلة، وهكذا تنقلت الأموال من شركة إلى شركة ومن بلد إلى بلد والأمر يحتاج إلى وقت لتتبع خط سير هذه الأموال واكتشاف مكانها.
?q?
هذا ما قاله الخبير الدولى الدكتور شريف بسيونى، وخبراء آخرون فى استعادة الأموال المنهوبة المهرّبة مثل أدريان فوزارد منسق مبادرة استرداد الأصول المنهوبة فيقول إن الأموال المهرّبة من الدول النامية تبلغ عشرين مليار دولار سنوياً، والمشكلة أن هذه الأموال تنتقل من ولاية قضائية وقانونية إلى ولاية أخرى وتدور فى متاهة التحويلات الإلكترونية التى تقسمها وتخفيها ويتم سحبها ثم إعادة ايداعها فى أماكن أخرى مما يطمس آثارها، وهذا ما دفع رئيس البنك الدولى والأمين العام للأمم المتحدة إلى وضع مساعدة الدول على استرداد الأموال المنهوبة ضمن قائمة الأولويات، وتم إطلاق مبادرة استرداد الأموال المنهوبة، والأصل أن استعادة هذه الأموال يستلزم أولاً صدور أحكام قضائية بالإدانة على الفاسدين، ولكن يمكن توقيع الحجز على الأموال المنهوبة ومصادرتها بدون أحكام جنائية فى حالات موت الجانى، أوهروبه من الولاية القضائية أوتمتعه بالحصانة من الملاحقة القضائية، وهذا مانصت عليه المادة 54 (أ) و(ج) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التى تدعوالدول إلى مصادرة الأموال المنهوبة دون حاجة إلى أحكام قضائية فى الحالات التى لايمكن فيها ملاحقة الفاعل قضائياً.
ولنا أن نستفيد من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التى دخلت حيز التنفيذ فى عام 2005 وتنص على تقديم الدول المساعدة للتمكن من استرداد كل دولة للأموال المهربة التى حصل أصحابها بطرق غير شرعية وتشمل مساعدة الدول تتبع الأصول المهربة لديها وتجميدها والحجز عليها ومصادرتها وإعادتها واتخاذ التدابير التى تسمح بمصادرة الأموال الناتجة عن الفساد بدون الاستناد إلى حكم قضائى، وتلزم الاتفاقية الدول بإعادة الأموال الناتجة عن الاختلاس وغسل الأموال إلى أصحابها الشرعيين ..
كذلك فإن البنك الدولى مع مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات ومنع الجريمة لهما مبادرة منذ عام 2007 أعلنها بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة وروبرت زوليك رئيس البنك الدولى فى ذلك الوقت وانطونيوماريا كوستا المدير التنفيذى لمكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات ومنع الجريمة لإعادة الأموال.. وأعلن رئيس البنك الدولى وقتها «ينبغى الا يكون هناك ملاذ آمن لمن يسرقون أموال الفقراء» وإن مساعدة البلاد النامية على استرداد الأموال المنهوبة عامل رئيسى لتمويل البرامج الاجتماعية وتحذير القادة الفاسدين بأنهم لن يهربوا من القانون.
???
نفهم من كل ذلك أن هناك نوعين من المصادرة لاسترداد الأموال المنهوبة مصادرة بناء على حكم قضائى نهائى،ومصادرة بدون حكم قضائى وتختلف الاجراءات فى كل منهما، وتكون المصادرة بدون حكم بإثبات أن هذه الأموال تم الحصول عليها بالفساد وبطرق غير قانونية، وبإثبات أن الجانى هارب، وبالتالى فإن إثبات الأدلة الجنائية غير ممكن،أوأن يكون الجانى قد مات، أوأن يكون قوياً إلى درجة أن التحقيقات معه ومحاكمته تكاد تكون مستحيلة، وتكون المصادرة للأموال وليست ضد الأشخاص حتى ولوصدر الحكم بتبرئة الجانى من الجريمة الجنائية لعدم وجود دليل أولعدم استيفاء ما يلزم لإثبات الإدانة وفى هذه يكون قبول أدلة إثبات أقل من الادلة التى تتطلبها المحكمة الجنائية .
الموضوع يطول شرحه، وفيه تفاصيل فنية كثيرة، والمهم أن نعلم أن استرداد هذه الأموال يحتاج إلى مجهود كبير وصبر لأنه سوف يستغرق سنوات فى تتبع سير الأموال وتحديد المكان الذى تم تهريبها فيه كما يحتاج إلى جهود سياسية وقانونية مع الدول للتوصل إلى اتفاق على استعادة هذه الأموال أواستعادة جزء منها على الأقل ..
وندعوالله أن تصحوضمائر اللصوص والفاسدين ويتقدموا بأنفسهم بالمعلومات أوبالأموال وقد تكون الخطوة الأخيرة بفتح حساب فى البنك المركزى لتقبل أموال التائبين فرصة للتطهر وللصفح وقبول التوبة..