هل ستكون هذه القمة مختلفة؟
هل ستكون هذه القمة مختلفة، أو ستكون مثل القمم السابقة، يجتمع القادة العرب فيبدأون بتبادل الكلمات عن الوحدة والتضامن والتكامل وما فى القلب فى القلب.. ويختمون لقاءهم ببيان مرصع بأقوى ما فى اللغة العربية من كلمات عن الإرادة والعزيمة والتصميم على أن يفعلوا كذا وكذا وكذا.. ثم يركبون طـائراتهم ويعودون إلى بلادهم ولا يذكر أحد بعد ذلك ما أعلنه..؟
الزعماء فى العالم حين يجتمعون يبحثون بجدية، ولا يصدرون قرارا إلاّ إذا كانوا عازمين وقادرين فعلا على تنفيذه، لأن القرارات التزامات تتعلق بكرامة الدول ومكانتها ومصداقيتها، وليست مجرد تمنيات أو مناورات أو كلام فى الهواء.
وهذه القمة مختلفة شاء من شاء وأبى من أبى.. لأنها تجتمع فى ظروف مختلفة وتواجه أزمات صعبة، هى فى حقيقتها اختبارات لمدى صدق النوايا ومدى صدق الإرادة.
أمام القمة الأزمة التى وصل إليها الصراع الإسرائيلى الفلسطينى.. خاصة بعد التصعيد والتحدى من الحكومة الإسرائيلية: هل تستمر سياسة التطبيع والتعاون والغزل المتبادل وتجاهل الأمر الواقع..؟
والأزمة فى العراق التى اشتدت وأصبح الشعب العراقى يعانى من أسوأ ظروف معيشية.. بعد تدمير البنية التحتية.. وحرمان الموظفين وأفراد الجيش والبوليس من رواتبهم ومعاشاتهم.. واستنزاف البترول.. ونهب الشركات الأجنبية.. وانتشار وتغلغل المخابرات المعادية.. وانتهاك حقوق الإنسان.. وخضوع العراق لاحتلال عسكرى أجنبى من المقرر أن يستمر عشرات السنين.. ما العمل؟
وأزمة الضغوط الأمريكية التى كان آخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يطالب بفرض تغييرات فى أنظمة الحكم وفق الإرادة الأمريكية، وتغيير فى الثقافة العربية والقيم الإسلامية ونظم التعليم، لكى تتوافق أساليب الحياة فى الدول العربية والإسلامية مع النموذج الأمريكى، وتصبح الدول العربية جزءا من الإمبراطورية الأمريكية منسجما ومتوافقا مع المصالح الأمريكية وملبيا لكل ما تفرضه عليها دون مقاومة أو اعتراض.. ما العمل؟
وأزمة الجامعة العربية التى يتغنى الجميع بأنها بيت العرب بينما اطفئت أنوارها وأصابها التخريب وأصبحت من أطلال العرب. يكفى أن الدول العربية لم تدفع أنصبتها فى ميزانية الجامعة عن العام الماضى، والموظفون مهددون بالحرمان من رواتبهم.. فضلا عما أصابها من الشلل السياسى.. وتحولها إلى كيان باهت عاجز عن التأثير فى الأحداث.. وفاقد للمصداقية على المستوى الدولى.. ولولا الروح النضالية والاستبسال من الأمين العام عمرو موسى لكانت الجامعة العربية قد أصبحت فى طى النسيان.. ما العمل؟
وأزمة الخلافات المزمنة بين الدول العربية.. خلافات على الحدود.. وخلافات على الزعامة.. وخلافات شخصية وحساسيات تعبر عن حالات نفسية.. وخلافات على اختيار الطريق المؤدى إلى السلامة وسط الأخطار المحيطة بالجميع.. وخلافات حتى حول الانتماء العربى ذاته.. مع تكرار القول عن تجاوز الخلافات ورأب الصدع وتوحيد الصف مازال الحال على ما هو عليه.. رغم الطوفان القادم.. ما العمل؟
والأزمة التى يعانى منها الشعب الفلسطينى بعد الخسائر الفادحة فى الأرواح وفى الاقتصاد وفى البنية التحتية.. وبعد قطع الأرزاق والحياة فى ظروف غير إنسانية.. والجميع يعلمون أن السلطة الفلسطينية عاجزة عن تدبير رواتب الموظفين وقوات حفظ الأمن ورعاية اليتامى وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية لهم.. بينما بعض الدول العربية قدمت ملايين الدولارات لضحايا فى بلاد أجنبية، ودول قدمت ملايين لإنقاذ حيوانات مهددة بالانقراض، ودول دفعت عشرات الملايين لشراء لاعب كرة، ودول أنفقت الملايين على عروض فرق راقصة أجنبية.
ماذا سيقدم العرب لشعب مهدد بالانقراض؟
وأزمة الفقر والتخلف فى الدول العربية.. دول عربية تعانى من العجز عن توفير الحد الأدنى للخدمات لشعوبها.. وشعوبها تعانى من الحرمان من العلاج، والتعليم، والسكن، والعمل، وحتى من مياه الشرب النقية والصرف الصحى.. هل يستقيم الكلام عن التكافل العربى والنخوة العربية مع هذا الحال؟! ثم أين التكامل الاقتصادى الذى تحدثوا عنه كثيرا؟! وأين مشروعات استثمار الأموال العربية فى تنمية الدول العربية التى شغلونا بها منذ سنوات؟! وإلى متى يستمر تدفق الأموال العربية إلى الدول الأجنبية لزيادة رخائها وتحرم الشعوب العربية من فرصة التنمية والإصلاح الاقتصادى؟!.
وسوف يؤكد القادة العرب من جديد تمسكهم بمبادرة السلام العربية التى سبق أن قدموها ورفضتها إسرائيل ولم تعرها الولايات المتحدة اهتماما، وفى مواجهتها قدمت حكومة إسرائيل مبادرات عديدة بالعدوان والقتل والتدمير واغتصاب الأراضى..
السؤال الذى ينتظر كل عربى إجابته: هل سيعود الزعماء إلى بلادهم دون اتخاذ موقف واضح قوى؟ وإعلان هذا الموقف بصوت واحد يقنع العالم بأن العرب مازالوا أحياء.. ومازالوا قادرين.. ومازالت لديهم إرادة.. ومازالت لديهم رغبة فى التحديث والحرص على حقوقهم وعدم التفريط فيها.. ولديهم عزيمة تكفى لتغيير الأحوال فى العالم العربى.. التغيير الحقيقى الذى يجعل الدول العربية تعيش فى القرن الحادى والعشرين.. قرن ثورة العلوم.. وثورة التكنولوجيا.. وثورة الديمقراطية والحريات..
هل يدرك القادة العرب أن الشعوب العربية أصبحت قادرة على التمييز بين الصدق والادعاء.. وأن الشعوب على وشك أن تفقد الصبر؟!
ومهما يكن الأمر فمازال لدى الشعوب أمل فى زعمائهم.. والزعماء العرب مازالوا قادرين على تبديد مشاعر الإحباط السائدة فى الشارع العربى.
ولن يصفق لهم أحد قبل أن يرى بعينيه نتائج هذه القمة مجسدة على أرض الواقع.. لأن أحدا فى العالم العربى لم يعد يتلهى بالكلمات والشعارات.*