ماذا فعلت أمريكا بشعب العراق ؟!
ماذا فعلت أمريكا بالعراق وشعبه؟
عندما أعلن الرئيس بوش غزو العراق قال: إن أهداف الحرب هى أولا: إزالة أسلحة الدمار الشامل وأن لديه الأدلة على وجودها، وثانيا- إزاحة الحكم الدكتاتورى، وثالثا: إعطـاء الشعب العراقى حقه فى الحرية والكرامة، والتمتع بعائدات ثروته البترولية..
والآن وبعد ما يقرب من عامين هل تحققت وعود الرئيس الأمريكى؟
الذى حدث أن أصبح الرئيس بوش يتهم الشعب العراقى بالإرهاب، ويناصبه العداء ويشن الحرب عليه ويصف كل من يقاوم الاحتلال العسكرى الأمريكى بأنه إرهابى، وتحول الجيش الأمريكى إلى جيش احتلال يمارس فى البلاد كل ما تفعله الجيوش المنتصرة بأعدائها المنهزمين.. هدم البيوت على أصحابها.. قتل المدنيين عشوائيا حتى وهم يتجمعون للاحتفال بزفاف أبنائهم.. تشريد الموظفين والقوات المسلحة.. حرمان المواطنين من أبسط ضرورات الحياة الإنسانية.. مثل الماء، والكهرباء، والصرف الصحى، وحرمانهم من مصدر رزق، وتحويل الشعب العراقى إلى شعب من الجياع بينما يتدفق الخير من أرضهم..
ثم تكشفت حقيقة ممارسات الجيش الأمريكى فى العراق بعد أن ذاعت فضائح سجن أبو?غريب. وما حدث فى سجن أبو غريب لا يقل عما حدث فى معتقلات النازى وسجون إسرائيل، ثم توالت فضائح اغتصاب النساء، وقتل الأطفال، وتدمير المستشفيات والمساجد، وسرقة الآثار، ونهب الأموال والمقتنيات التى كانت فى البنك المركزى وقصور الرئاسة وبيوت الأثرياء.
وبعد ذلك ذاعت أخبار استمرار التعذيب فى السجون- بعد فضيحة سجن أبو غريب- وأخبار جرائم الحرب بقتل المدنيين، وإلقاء غازات سامة على الأحياء السكنية، واستخدام أسلحة دمار شامل، وقتل الجرحى وهم يلوذون بالمساجد ويصرخون طلبا للنجدة والمساعدة، وسرقة وثائق الدولة.. و.. و..
هل هذه هى أمريكا؟ وهل هذه هى القيم الأمريكية التى يتحدث عنها الرئيس بوش ويقول إنه يعمل على نشرها فى العالم العربى؟
***
وهل هذا هو الجيش الأمريكى الذى لا يقهر؟ إنه يواجه مقاومة شعبية شاملة فى كل المدن، ويدارى فشله بادعاء أن هذه جماعات إرهابية، وأن وراءها رجلاً واحداً اسمه أبو مصعب الزرقاوى، وكأن هذا الزرقاوى كائن أسطورى يمكن أن يتواجد فى كل مكان وفى كل وقت ويتلبس فى كل هيئة ويعجز 140 ألف جندى أمريكى عن القبض عليه. إن صحيفة الجارديان البريطانية وصفت الهجوم الأمريكى على مدينة الفلوجة بأنه مجرد صفحة أخرى كئيبة ستكون نهايتها أبعد ما تكون عن النهاية السعيدة التى وعدنا بها الرئيس بوش، وقالت إن العالم يتعجب، كيف يصمد أهل الفلوجة أكثر من أسبوعين أمام القوة الأمريكية الخارقة التى قيل إنها سوف تسحق المدينة وكل من فيها فى ساعات معدودة، وليس هناك وجه للمقارنة بين القوة العسكرية للقوات الأمريكية والقوة التى تملكها المقاومة مهما كانت، ومع ذلك فإن مقاومة الشعب العراقى للاحتلال جعلت تكاليف هذا النصر باهظة.. ودفعت أمريكا الكثير من أرواح أبنائها، وأموال شعبها، ومصداقيتها ومكانتها السياسية فى العالم، ومن ثقة العالم فى العدالة الأمريكية.. دفعت أمريكا ثمنا باهظا لهذا النصر الذى لم يتحقق حتى الآن.حتى أن الهزيمة أشرف من النصر بهذا الأسلوب غير الأخلاقى!
المراقبون وصفوا الهجوم الأمريكى على الفلوجة بأنه جريمة حرب نظرا لعدد الضحايا الكبير الذى وقع فى هذا الهجوم بالإضافة إلى عدد الضحايا فى الهجوم السابق على المدينة فى أبريل الماضى، بالقنابل الأمريكية على 30 ألف مدنى كانوا فى المدينة، وأصبحت جثث معظمهم تملأ الشوارع وتنهشها الكلاب الضالة كما ذكرت تقارير المراقبين ومندوبى الإذاعات العالمية.
ولقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة انتقادات صريحة لخطط الهجوم الأمريكى على المدن العراقية، وقال إن هذا التدمير لا يدل على صدق النوايا الأمريكية، فضلا عن أنه سيؤدى إلى استعداء المواطنين العراقيين العاديين الذين لا شأن لهم بالقتال أو بالإرهاب. وحتى غازى الياور الرئيس العراقى المؤقت الذى اختارته سلطات الاحتلال انتقد هو الآخر هذا الهجوم وقال إنه سيؤدى إلى قتل آمال العراقيين من أهل السُنّة فى المشاركة فى العملية السياسية. وفى نفس الوقت فإن المراقبين يقولون إن تدمير الفلوجة وقتل من فيها ليس ضمانا لوقف الهجمات على قوات الاحتلال والمتعاونين معها ومع الحكومة المؤقتة سواء فى قوات الأمن العراقية أو فى غيرها، وهذا ما جعل الحكومة المؤقتة تنفذ سياسات صدام حسين لفرض حالة الطوارئ، وإغلاق الصحف ومكاتب المراسلين الأجانب، واستخدام لغة التهديد والعداء فى مخاطبة العراقيين، وهكذا لم يعد فى العراق ما يدعو إلى التفاؤل.
إن سحق الفلوجة لن ينهى الحرب، والأمريكيون لم يدركوا حتى الآن حقيقة الفشل العسكرى الأمريكى فى العراق، ودلالات استمرار المقاومة فى الفلوجة والموصل والرمادى وغيرها من المدن الأخرى وحتى فى العاصمة بغداد وحول معسكرات الجيش الأمريكى ومقار الحكومة المؤقتة، وبيوت وزرائها وكبار موظفيها.
قال الرئيس بوش إن اعتقال صدام حسين هو نهاية الحرب، لكن الحرب لم تنته. وقال إن تشكيل الحكومة المؤقتة هو بداية الحكم الديمقراطى فى العراق، لكن ذلك لم يحدث. والسبب بسيط يمكن أن يفهمه أى إنسان، وهو أن العالم ليس فيه شعب واحد فى أى عصر يرضى باحتلال بلاده.
***
هل يمكن القول بأن أمريكا انتصرت فى العراق وهى تواجه مقاومة يومية فى عدة مدن، وفشلت فى تنفيذ مخططها بإشعال الحرب الأهلية بين السُنّة والشيعة والأكراد، وبدلاً من ذلك تضامن الجميع للمطالبة بخروج الاحتلال وإعادة العراق حرا إلى أصحابه. وحتى أعضاء مجلس الحكم العراقى هددوا بالاستقالة، واستقال فعلاً عدد من الوزراء وكبار المسئولين. والوصف الذى يجمع عليه المراقبون للوضع فى العراق فىظل الوجود الأمريكى بأنه (كارثة).
وأضيف إلى كل ذلك ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً من أن الجيش يجرى تحقيقا فى تقارير عن حالة عصيان بين الجنود ورفض بعضهم المشاركة فى العمليات العسكرية، وتضمن بيان الجيش أن عدداً من الجنود الأمريكيين عبّروا صراحة وبطريقة غير لائقة عن رفضهم للمهام التى أوكلت إليهم، ونشرت الصحف الأمريكية أنباء عن اعتقال بعض الجنود الأمريكيين للتحقيق معهم أمام لجان التحقيق العسكرية بتهمه عصيان الأوامر فى منطقة قتال، وهى تهمة خطيرة بالنسبة للعسكريين.
***
وبسبب الفشل فى العراق استقال نائب مدير العمليات فى المخابرات الأمريكية المسئول عن العمليات السرية التى تقوم بها المخابرات فى مختلف أنحاء العالم، وقبله استقال مدير وكالة المخابرات الأمريكية جورج تينت، واستقال عدد من ضباط الوكالة والبعض الآخر سيقدم استقالته خلال الفترة القادمة. وأعلن مدير وكالة المخابرات الجديد بورتر جوس عن سياسة إدارة الرئيس بوش فى الفترة القادمة لاستخدام الضباط الأكفاء القادرين على التخفى وتجنيد العملاء فى أنحاء العالم وتوجيههم لتحقيق الأهداف الصعبة.
فشل فى الحرب، وفى السياسة، وفى المخابرات، ودعايات سياسية قوية تكرر الحديث عن النصر والنجاح، ومخابرات تعلن عن تجنيد عملاء بمختلف الطرق، فى أنحاء العالم، وعن عمليات سرية تعيدنا إلى قراءة كتاب (الأمريكى القبيح).
وهذه هى أمريكا.
و شعب العراق أصبح فى سجن كبير.