قانــون أمــريكى .. سـلاح جديد لإرهـاب العرب !
قبل انتخابات الرئاسة بثلاثة أيام فقط وقع الرئيس الأمريكى جورج بوش على قانون يلزم وزارة الخارجية بمراقبة معاداة السامية، وإعداد تقرير يتضمن تصنيف الدول وفقا لمعاملتها لليهود، وحصر الكتابات والرسوم والأفعال التى تصدر من منظمات أو أفراد وتتضمن مساسا باليهود من قريب أو بعيد.
وفى جولة من جولاته الانتخابية الأخيرة أعلن: (أن أمريكا ستواصل المراقبة، وستعمل على ضمان ألا يجد أصحاب النزعات لمعاداة السامية مكانا لهم فى العالم.. وأن الحرية تعنى القضاء على الشر الذى يتمثل فى معاداة السامية)..
وكان هذا القانون هو آخر هدية قدمها الرئيس بوش لليهود بعد السلسلة الطويلة من الأعمال والتصرفات والمواقف التى تملق بها اليهود فى أمريكا وفى إسرائيل. ولذلك مر القانون بسرعة البرق على غير العادة. قدمه النائب الديمقراطى الصهيونى المعروف بمعاداته للعرب توم لانتوس الذى سبق أن اقترح على إسرائيل أن تشن غارات بالقنابل الذرية لهدم السد العالى فى مصر (!) ووافق عليه الكونجرس ووقعه الرئيس وكأنه مسألة عاجلة تتعلق بالأمن القومى الأمريكى ولا تحتمل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات.
وهذا القانون سوف يترتب عليه أن تقوم وزارة الخارجية بمتابعة وتسجيل كل ما يمس اليهود فى أية دولة وفى أى وقت، وتسجل موقف الحكومة فى كل دولة على هذه الأعمال، كما تسجل أيضا الكتابات ورسوم الكاريكاتير والمسرحيات والتمثيليات وبرامج التليفزيون ومناهج الدراسة لتحكم عليها إن كانت تتضمن معاداة السامية أم لا.
هذا القانون فى حقيقته ليس سوى سلاح أمريكى جديد تقدمه الحكومة الأمريكية، تعلن به أنها حامى حمى إسرائيل، والوكيل الرسمى عنها وأنها هى ممثل الادعاء والقاضى ومنفذ الحكم على كل دولة وكل هيئة وكل إنسان يتجرأ على توجيه كلمة تتضمن نقدا للسياسات الهمجية الإسرائيلية وإلا اعتبر ذلك معاداة للسامية، وفرضت عليه العقاب! وقد أصبحت معاداة السامية فى المفهوم الأمريكى مساوية لمعاداة إسرائيل أو انتقادها أو رفض أعمالها العدوانية بقتل المدنيين وهدم بيوت الفلسطينيين وتدمير محطات الكهرباء والمياه والصرف الصحى والطرق والمطارات. كل هذا يجرى أمام العالم، وتريد الحكومة الأمريكية أن يقف العرب صامتين لأن أية كلمة رفض أو إدانة أو نقد يمكن اعتبارها معاداة للسامية، والويل لمن تحكم عليه الإمبراطورية الأمريكية بالإدانة.
الغريب أن الرئيس بوش سارع بالتصديق على هذا القانون رغم أن وزارة الخارجية عارضته وأبلغت الرئيس بأن هذا القانون غير ضرورى، لأن الخارجية الأمريكية تقوم فعلا بتتبع الأنشطة المعادية للسامية وتضع ذلك ضمن أولوياتها، وأن تقارير الخارجية الأمريكية عن حالة حقوق الإنسان والحرية الدينية فى دول العالم تتناول كل ما يتعلق بمعاداة السامية.
لم يسأل أحد من أعضاء الكونجرس لماذا تعتبر أمريكا نفسها مسئولة عن إعلان الحرب على كل من يعادى السامية، ولا تعتبر نفسها مسئولة عن العداء للعرب والمسلمين، بينما تعلن أنها مناصرة للحريات وحقوق الإنسان وأنها دولة الخير التى تحارب الشر؟!.
ولم يفكر أحد فى البيت الأبيض فى محاسبة رجل مثل الجنرال وليام بويكن نائب وكيل وزارة الدفاع لشئون الاستخبارات والمجهود الحربى عندما وقف فى اجتماع كبير بإحدى الكنائس وقال: إن معركة الولايات المتحدة مع الراديكاليين الإسلاميين هى صراع مع الشيطان، وإن المسلمين يعبدون وثنا وليس إلها حقيقيا، ولم يهتم مسئول بتعليق المتحدث باسم منظمة تحالف الأديان حين قال: لو كان الذى قال مثل هذه التصريحات ضابط مسلم عن المسيحيين الإنجيليين لكانت الحكومة الأمريكية كلها قد انقضت عليه (!)
ولم يسجل أحد فى الخارجية الأمريكية موقف كبير حاخامات إسرائيل المعادى للعرب عوفاديا يوسف حين قال فى خطبة علنية: إن أرواح القطط أطهر من أرواح العرب، وإن الله نادم على أنه خلق العرب!
ولم يتضمن تقرير من تقارير الخارجية الأمريكية إشارة إلى نتائج البحث الذى أجرته جامعة تل أبيب تحت إشراف البروفيسور حزاى بوروش ونشرته صحيفة (هآرتس) منذ سنوات وسجل فيه أن الشخصية النمطية للعربى والمسلم فى الكتب المدرسية فى إسرائيل لم تتغير بعد معاهدة السلام مع مصر والأردن، فهى تصور العربى على أنه أقل مرتبة من اليهودى، وأن 12 كتابا مدرسيا فى المرحلة الإعدادية تصور العربى فى صورة منفرة من حيث المظهر، والملابس، والعادات، وأسلوب المعيشة، والعلاقات داخل الأسرة، و تتحدث عن العلاقات بين العرب والمسلمين على أنها علاقات عدائية.
ولم يستمع أحد فى البيت الأبيض إلى شهادة أعضاء البرلمان الأوروبى بعد زيارتهم لقطاع غزة وقالوا فيها: إن الجيش الإسرائيلى يمارس العقاب الجماعى مهيئا بذلك البيئة والظروف لظهور المهاجمين الانتحاريين. وأعلنوا أنهم شاهدوا ما يلاقيه الفلسطينيون من إهانات من الجيش الإسرائيلى عند نقاط التفتيش. أليست هذه شهادة أوروبية تستحق التسجيل والمحاسبة؟
كما لم يتتبع أحد فى الخارجية الأمريكية ما قاله البروفيسور صمويل هانتنجتون- أستاذ الدراسات الدولية بجامعة هارفارد وفيلسوف العصر الأمريكى الجديد- حين تحدث عن تفوق الإنسان الغربى على الإنسان العربى والمسلم وحتمية الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية، مع أن هذه النظرية أصبحت معروفة حتى للأطفال فى مختلف دول العالم.
ولم تستنكر الحكومة الأمريكية ما كتبه سلمان رشدى فى صحيفة نيويورك تايمز أشهر الصحف الأمريكية تحت عنوان (نعم، هذا هو الإسلام) وقال: إن قادة الدول التى تحارب الإرهاب يقولون إنها ليست حربا على الإسلام مع أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تفترض براءة الإسلام من الإرهاب، وإن إنكار الصلة بين الإرهاب والإسلام لا يعبر عن الحقيقة، وإن معظم المسلمين المتدينين يخضعون لآراء وعادات وممارسات إرهابية بدون وعى ولا هم لهم سوى عزل المرأة، ورفض التحديث، وكراهية الدول المتقدمة. ولم تستنكر الخارجية الأمريكية تزايد حالات اضطهاد المسلمين الأمريكيين فى العمل والشارع والمحلات والتضييق عليهم ووضعهم فى موضع الاتهام بدون دليل، واعتقال الكثيرين دون إبداء الأسباب ودون منحهم حق الدفاع.
وحتى لم يقرأ أحد فى البيت الأبيض ما قاله الكاتب الإسرائيلى دانى كرفان فى صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فى يوم 23 نوفمبر 2003 فى وصف اقتلاع الزراعات وأشجار الزيتون فى الأراضى المملوكة للفلسطينيين الفقراء دون أن يردعهم قاض أو قانون، وتحت غطاء الأمن يتم قتل الأبرياء، والتنكيل بالمدنيين، وهدم بيوتهم، وردم آبار المياه، وتسميم المواشى، وكل ذلك لأنهم فلسطينيون، وربما ينفذ الذين يفعلون ذلك سياسة غير معلنة هى الضغط على الفلسطينيين حتى يهاجروا. والمتطرفون فى الحكومة الإسرائيلية لا يريدون السلام وجعلونا نحن أيضا نفتقد المظهر الإنسانى.. ولم يعلق أحد على هذه الاعترافات من هذا الكاتب الإسرائيلى والتى قال فيها: لقد فقدنا الإحساس بمعاناة الآخر(!) وقال أيضا: لم تعد إسرائيل الحالية تمثل قيم الصهيونية واليهودية، وأنبياء الكذب لدينا ولديهم يستخدمون لغة العنف ذاتها.
أليست هذه أمثلة إسرائيلية وأمريكية بمعاداة العرب؟ ماذا فعلت الإدارة الأمريكية؟
ويبقى السؤال: ماذا سيفعل العرب أمام سلاح الإرهاب الأمريكى الجديد؟
هل يلجأون إلى الصمت كالعادة، والصمت فى هذه الحالة علامة على الرضا.
أو يعلنون الاعتراض والاستنكار والرفض لهذا الانحياز لإسرائيل وضد العرب والمسلمين. وهذا أضعف الإيمان؟!