سؤال إلى وزير الأوقاف
فى كل سنة تنظم وزارة الأوقاف مؤتمراً إسلامياً عالمياً، تدعو إليه عشرات العلماء ورجال الفتوى والفقه من 75 دولة ومنظمة إسلامية، كما تدعو عشرات من المفكرين الكبار من دول أوربا. هدف هذه المؤتمرات إعداد خطط وبرامج عمل لإظـهار حقيقة الإسلام فى مواجهة الهجوم الشرس والتشويه المتعمد الذى يتزايد فى أمريكا وأوربا.
وفى كل سنة يصدر المؤتمر التوصيات نفسها التى أصدرها فى العام السابق مثل التوصية بأن تتحرك المؤسسات العلمية والفكرية والثقافية والإعلامية داخل البلاد الإسلامية وخارجها.
وتنظيم تحرك فورى ومستمر للتعريف بحقيقة الإسلام وتعاليمه وما فيها من تسامح ودعوة للتعاون مع البشر جميعا دون تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو اللغة، والاتصال بالمنظمات ومراكز البحوث ووسائل الإعلام فى الغرب للرد على الشبهات والاتهامات والافتراءات والأكاذيب التى تنشرها بين المواطنين فى هذه الدول، وتوضيح أن دعوة الإسلام قائمة على التكامل بين الجوانب الروحية والمادية فى حياة الإنسان، وتكريم الإنسان حيا وميتا باعتباره خليفة الله، وباعتبار الكرامة الإنسانية حقا من حقوق الإنسان لا يمكن المساس بها.
فى كل سنة يقرر هذا المؤتمر القيام بحملة تشارك فيها الدول والمؤسسات الإسلامية للعمل فى المجتمعات الأوروبية والأمريكية لكى توضح أن الإسلام دين يؤمن بالتعددية، وبالتنوع والاختلاف فى الديانات والأجناس، وأن إرادة الله شاءت أن يعيش البشر مختلفين لحكمة أظهرها للمسلمين فى كتابه، كما أمر الله المسلمين بالالتزام بحرية الاعتقاد، وعدم الإكراه فى الدين، وجعل ذلك عنصرا أساسيا فى صحة عقيدة المسلم.
كما أن وثائق وقوانين حقوق الإنسان المعاصرة لم تخرج عن مبادئ الإسلام الذى سبقها بأربعة عشر قرنا.
وفى كل سنة يطالب علماء المسلمين بإزالة الخلافات بين الدول العربية والإسلامية حتى تتوحد مواقفها ويكون لكلمتها احترام فى الساحة الدولية، وليكون سلوك الدول الإسلامية ترجمة لمبادئ الإسلام الذى يطالب أتباعه بالحوار والجدال بالحسنى وليس بالعنف، وإدارة الأزمات والخلافات بالحوار وليس بالتصادم والعداء، ويقرر المؤتمر حشد المثقفين وكبار المفكرين فى الدول الإسلامية ليشاركوا فى هذه الحملات لكى يخاطبوا الدول المتقدمة بالأسلوب الذى يتناسب مع عقليتها وثقافتها ومعتقداتها. ولذلك يكرر المؤتمر فى كل سنة اعتزام الدول الإسلامية على التركيز على الدعوة إلى حلقات نقاشية بين علماء الإسلام ومفكريه، وكبار علماء ومفكرى أوربا والعالم من أجل تصحيح مفاهيم الغربيين عن الإسلام وتصحيح مفاهيم المسلمين عن شعوب الغرب وعدم الحكم على الشعوب بما تفعله الحكومات وما تنفذه من سياسات ضد المسلمين.
وكان المفروض أن يتم مراجعة المناهج الدراسية فى أمريكا ودول أوربا للكشف عما تحتويه من هجوم على الإسلام، وتشويه صورته، ومما يعمق كراهية الإسلام والمسلمين فى نفوس الأطفال والشباب، وممارسة الضغوط على الحكومات الغربية لتغيير هذه المفاهيم العدائية فى المناهج، وهذا أمر طبيعى تفعله الدول الغربية مع الدول الإسلامية، فهى تمارس الضغوط لتغيير المناهج وإزالة ما ترى أن فيه مساسا بصورة الغرب.
وفى المؤتمرات الأخيرة طرحت أفكار مهمة، وقدمت أبحاث جيدة وعملية، تحدثت عن الآثار السلبية التى لحقت بالإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر، واستغلال الحكومات والمنظمات الصهيونية، والإعلام الغربى، لمشاعر السخط على المجرمين الذين ارتكبوا هذا الحادث البشع لتحويل هذه المشاعر إلى الإسلام والادعاء بأنه دين يحرض أتباعه على العنف ومعاداة كل من يختلف معهم، وبمعاداة الحضارة وكل صور التقدم، ويتجاهلون أن الإسلام دين السلام والمحبة لكل البشر، ونبى الإسلام صلى الله عليه وسلم إنما جاء رحمة للعالمين كما جاء فى كتاب الله.
وفى مؤتمر عام 2002 أصدر علماء المسلمين بيانا رحبّنا به وتصورنا أنه بداية مرحلة جديدة من العمل الإسلامى فى أنحاء العالم، وصدر هذا البيان بعنوان (بيان القاهرة الإسلامى باسم خُمس سكان العالم) وجاء فيه اعتزام علماء المسلمين على مواجهة الظلم الصارخ للإسلام والمسلمين، والوقوف وقفة جادة تبين حقيقة الإسلام من واقع نصوص ومصادر الإسلام الصحيحة، والمبادئ التى أنزلها الله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، والتى كانت الأساس لحضارة كبرى قدم فيها المسلمون للبشرية إنجازات علمية وفكرية ساهمت فى النهضة الأوروبية فى القرون الوسطى. وكان النموذج الفريد للتعايش والتعاون بين المسلمين والمسيحيين واليهود هو النموذج الذى قدمه الحكم الإسلامى فى أسبانيا (الأندلس) وكان هذا النموذج أيضا مركز إشعاع علمى وحضارى تعلمت منه أوربا، واستفادت منه فى بناء حضارتها الحديثة.
وفى هذا البيان أعلن علماء المسلمين أنهم سوف يتحركون لإزالة اللبس والغموض الذى انتشر حول مفهوم الجهاد فى الإسلام وصلته بالإرهاب العالمى وهذا الإرهاب موجود فى جميع الديانات، وجميع الحضارات، وليس مرتبطا بالإسلام. ولابد من تحديد العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى على أساس الإنصاف. إذ لا يمكن تصور أن يكون فى دين من الأديان السماوية دعوة للعنف والعدوان، أن يكون مصدرا للشر للغير، ولابد من أن يتضح الفرق بين الجهاد فى المفهوم الإسلامى والإرهاب. فالجهاد هو الحق المشروع- بالقانون الدولى أيضا- فى مقاومة العدوان، لأن الإسلام يرفض العدوان ويطالب المسلمين بالتصدى لكل من يعتدى على أوطانهم أو أموالهم أو أعراضهم، ولا يمكن أن ينكر أحد هذا الحق على المسلمين أو على غيرهم من البشر، أما الإرهاب فهو شىء آخر، هو عدوان على الأرواح والأوطان، والفرق واضح بين العدوان ومقاومة العدوان.
مثل هذه المؤتمرات تمثل عملاً جليلاً يستحق التقدير، والأبحاث والدراسات والتوصيات لكل مؤتمر ثروة فكرية وإضافة لها قيمة كبيرة للعمل الإسلامى. ولكن السؤال هو: ماذا بعد هذه المؤتمرات والدراسات والتوصيات؟ هل هى أوراق وصيحات تذهب سدى، ويطويها النسيان إلى أن تتجدد بعد سنة؟
كنت أظن أن هذا المؤتمر يجب أن تكون له أمانة دائمة تعمل على التنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامى ومع المنظمة الإسلامية للعلوم والتربية والثقافة وغيرها من المؤسسات الإسلامية، وتسعى إلى تنفيذ هذه التوصيات وتحويلها إلى عمل. لأن الكلام فى العالم العربى والإسلامى كثير، بل أكثر مما يجب، والعرب والمسلمون فى منتهى النشاط والبراعة فى إنتاج الكلام، ولكن العمل قريب من الصفر. وكان الإمام مالك رحمه الله يقول (لا أحب كلاما ليس وراءه عمل) ولذلك نتساءل: لماذا لم تتحرك الدول الإسلامية؟ لماذا لم تبدأ فى تنفيذ شىء من هذه التوصيات؟ هل هى أموال تضيع بلا نتيجة؟ وكلام يتبدد فى الهواء؟ أو أن هذه المؤتمرات نوع من حديث المسلمين إلى أنفسهم لإقناع أنفسهم بما يؤمنون به؟ هل هو نوع من الجهد الضائع؟
هذه الأسئلة فى حقيقتها سؤال واحد لوزير الأوقاف العالم الجليل الدكتور محمود حمدى زقزوق: هل من سبيل لتحويل الكلام إلى عمل؟