العرب كالأيتام فى مأدبة الانتخابات الأمريكية
هل من مصلحة العرب أن يفوز بوش أم كيرى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية التى تجرى بعد أيام؟
فى اعتقادى أن العرب هم الطرف الخاسر سواء نجح هذا أو ذاك، ومن الواضح أن العرب هم الضحية الدائمة الجاهزة لإرضاء غرور القوة والنصر لدى قطـاع كبير من الشعب الأمريكى، ولإرضاء إسرائيل وقاعدتها السياسية والاقتصادية المسيطرة فى داخل الولايات المتحدة.
الحقيقة التى تعلمها الإدارة الأمريكية وتعلنها أن الكراهية لأمريكا زادت فى العالم العربى والإسلامى بسبب الخراب الذى ألحقه بوش وفريقه بالعرب والمسلمين، ولن ينسى العرب والمسلمون أبدا ما فعلته إدارة بوش فى العراق، وفلسطين، وقوانين محاسبة سوريا، والضغط على السودان، وعلى لبنان، ولكن لسوء الحظ لا يستطيع العرب والمسلمون أن ينتظروا من جون كيرى ما هو أفضل إذا فاز بالرئاسة. فهو يزايد على دعم إسرائيل، ويعلن عداءه لعرفات، ويتهم السلطـة الفلسطينية بأنها تدعم (الإرهاب)، ويشجع إسرائيل على بناء الجدار الذى يؤكد عنصرية إسرائيل، ويساعدها على حصار وسجن وقتل الفلسطينيين واغتصاب المزيد من أرض وطنهم.
وكيرى مثل بوش، كلاهما كرر القول بأن لإسرائيل الحق فى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ولم يتفوه أحدهما بكلمة إدانة واحدة أو بكلمة تعبر عن الشعور بالأسف لما يحدث للفلسطينيين من مذابح يومية على أيدى القوات الإسرائيلية، ولم يطلب أبدا من شارون أن يكف، أو حتى يخفف، من تهديداته للفلسطينيين وللشعوب العربية، أو إعلان مستشاره بأن خطة الانسحاب من غزة هدفها الحقيقى جعل الحلم بإقامة الدولة الفلسطينية مستحيلا، بل إن كيرى قال بالحرف الواحد: سأقوم بعمل أفضل من بوش لمنع التهديد الذى يستهدف إسرائيل، وقال ما قاله بوش كثيرا إنه لا يوجد شريك فلسطينى للتفاوض معه والتوصل معه إلى السلام، وفى مجال المزايدة على بوش فى الضغط على العرب قال كيرى: يمكننى أن أكون أكثر فاعلية فى محاسبة السعوديين ودول عربية أخرى.
ومواقف الرئيس بوش معروفة ونقاسى من نتائجها كل يوم، فالرئيس بوش - كما قال الكاتب الشهير بول كروجمان – ليس لديه إنجازات يفخر بها، ولو خسر فسوف يسقط غطاء السرية الذى فرضه، وسوف يكتشف الشعب الأمريكى الحقيقة عن المعلومات الاستخباراتية المغلوطة المطبوخة، وتسييس الأمن الداخلى، والتربح من الوظائف الكبرى، وغير ذلك من تجاوزات، ويضيف الكاتب الأمريكى إلى ذلك وصف سياسات بوش بالمظهرية، وادعاء دور الرجل الشرس، والجعجعة الوطنية، كما يصف بوش وأنصاره بالقدرة على تغليف أهدافهم الحزبية بالعلم الأمريكى رمز الوطنية، رغم أن بوش ومعاونيه تهربوا من الخدمة العسكرية فى فيتنام، فالرئيس بوش تم تعيينه فى مكان مريح فى الحرس الوطنى أثناء الحرب، ونائبه ديك تشينى طلب تأجيل خدمته العسكرية خمس مرات، وجون اشكروفت وزير العدل طلب تأجيل خدمته سبع مرات، ومع ذلك فإنهم يظهرون بمظهر رجال الحرب القادرين على إدارة ميادين القتال، وذلك لأن عصرهم هو عصر وطنية رامبو كما يقول بول كروجمان! وما فعلته إدارة بوش فى العراق ليس سوى تكرار لأفلام (الأكشن) التى يتحدث فيها البطل دائما بطريقة خشنة ويتمسك برأيه وموقفه ويظل يؤكد أنه على صواب ولا يخطئ أبدا، وجميع الناس يخطئون إلا هو! ولديه القدرة على اتهام من يعارض سياساته المتهورة بعدم الوطنية!
وفى النهاية فإن استراتيجية بوش كانت للاستهلاك المحلى، ومع ذلك هناك من يصدقه من الأمريكيين عندما يقول إنه قضى على تنظيم القاعدة، مع أن سياسته كانت فى مصلحة تنظيم القاعدة، ويجد من يصدقه بأنه جعل العالم أكثر أمانا مع أن الأمين العام للأمم المتحدة أعلن أن هذه الحروب لم تجعل العالم أكثر أمانا بل جعلته بالعكس أكثر خطورة وتوترا، وبعد أن ظهر فخورا بالزى العسكرى وأعلن انتهاء العمليات العسكرية فى العراق، وقف القائد العسكرى السابق فى العراق انتونى زينى وسط ضباط المارينز والبحرية وأعلن أن ما جرى لا يوصف إلا بأنه (الورطة الأمريكية فى العراق) وتحدث عن الفظائع التى وجد الجنود الأمريكيون أنفسهم يقومون بارتكابها، عندما وجدوا أنفسهم فى ظروف أصبحوا فيها غير قادرين على التمييز بين العدو والصديق، وتحدث أيضا عن الفظائع التى وقعت فى سجن أبو غريب.
الخراب فى العراق، والخراب فى الأراضى الفلسطينية، أما فى أفغانستان فالقصة مليئة بالأكاذيب. الرئيس بوش يدعى أن أفغانستان أصبحت حرة وديمقراطية بدليل أن عددا من النساء خرجن للإدلاء بأصواتهن لانتخاب قرضاى، والواقع أن سيطرة حكومة قرضاى وقوات الاحتلال الأمريكى غير قادرة حتى الآن على تحقيق الأمن خارج العاصمة كابول، ولم يتم القضاء على قوات طالبان أو تنظيم القاعدة ومازال القتال معها مستمرا فى جبال الجنوب وتستخدم أمريكا القوات الباكستانية بدلا منها، ويسجل المراقبون – وآخرهم الكاتب البريطانى الشهير باتريك سيل – أن عداء الشعب الأفغانى للأجانب عموما وللأمريكيين خصوصا يزداد، ويصعب على الأفغان أن يحتملوا وجود قوات أجنبية على أرضهم، وقد انتشرت زراعة وتجارة وتصدير الأفيون بعد دخول الاحتلال الأمريكى، ففى عام 2001. كان إنتاج أفغانستان من الأفيون فى حدود (180) طنا، وصل عام 2003 إلى (3600) طن، والمتوقع أن يزيد هذا العام بنسبة 40% ! وقد أدى ذلك إلى إفساد الرجال والحياة الاقتصادية والسياسية. ومليارات الدولارات من حصيلة تصدير الأفيون يحصل عليها عدد غير قليل من الشخصيات الكبيرة ذات النفوذ فى البلاد!
والرئيس بوش يضع سياساته وفق معتقداته الدينية كما قال الباحث الأكاديمى فى جامعة جونز هوبكنز (أمانويل دو فيرمان) الذى هاجر من بلجيكا إلى أمريكا منذ أربع سنوات، وفى تحليله لخطاب وشخصية بوش يقول إن بوش يبدى مشاعر عميقة بالكراهية والعداء والرغبة فى الانتقام والتهديد بالقوة الأمريكية، مما يتعارض مع تعاليم السيد المسيح التى تدعو إلى السلام وعدم الاستسلام لمشاعر الكراهية وللرغبة فى الانتقام، ويقول الباحث إن بوش هو أول رئيس أمريكى يستخدم الدين لتبرير مخططاته السياسية وإكسابها مشروعية دينية، ويتعجب الإنسان من ادعاء بوش بأن الرب يبارك أفعاله ونواياه، فهل يجوز للقائد السياسى استعمال الدين لخدمة أهدافه التى لا علاقة لها بالدين؟ وهل سينجح بوش فى استخدام الدين لكسب أصوات الناخبين؟ وهل ستصبح السياسة الأمريكية تعبيرا عن المعتقدات الدينية، وبذلك تكون أمريكا الدولة الحديثة الوحيدة التى يختلط فيها الدين بالسياسة كما يحدث فى أفغانستان والدول التى يحاربها بوش.؟
ربما يكون صحيحا ما يقوله البعض عن الأمريكيين من أنهم لا يشعرون بالحاجة إلى العرب والمسلمين لأنهم ليسوا موجودين! وأموال العرب يعتبرونها أموالهم! النفط.. والأسواق.. والأموال العربية فى المصارف تحت رحمتهم.. والاستثمارات تحت إشرافهم.. وهى أموال واستثمارات تفوق بكثير ما لدى إسرائيل وأنصارها، لكن إسرائيل تستثمر فى العقول والمؤسسات المؤثرة لخدمة أهدافها، والعرب غائبون عن الساحة.. بعضهم انسحب ويؤثر السلامة.. وبعضهم لا يستطيع أن يغير الأمور وحده.. والتفكك فى العالم العربى هو الذى سيجعلهم دائما كالأيتام فى مأدبة الانتخابات الأمريكية.!
ولن ينصلح حال العرب ماداموا يسلمون مقاديرهم لغيرهم، وينتظرون من الغير أن يحل لهم مشاكلهم ويصلح أحوالهم وينقذهم مما هم فيه.
والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!.