نزاهة الانتخابات الأمريكية
تعتبر الإدارة الأمريكية الحالية نفسها مسئولة عن توفير مناخ الحرية والديمقراطية فى العالم، وتعطى نفسها الحق فى مراقبة نزاهة الانتخابات فى معظم الدول، بينما ترتفع أصوات فى داخل الولايات المتحدة تشكك فى نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة يوم 2 نوفمبر.
وقد أعلن الرئيس الأمريكى جيمى كارتر أن نزاهة هذه الانتخابات موضع شك، والرئس كارتر هو الذى توفده الإدارة الأمريكية لمراقبة نزاهة الانتخابات فى الدول الخارجية، وقد آثر الصمت على شبهات التزوير فى الانتخابات السابقة، والتى وصلت إلى المحكمة العليا، والتى قال الصحفى الشهير مايكل مور عنها إن نتيجتها الحقيقية كانت حصول آل جور المنافس للرئيس بوش على أعلى الأصوات ولكن (التلاعب والحيل السياسية والقانونية) خلقت مشكلة كبرى لم يجد آل جور معها سوى التنازل عن حقه حفاظاً على سمعة الولايات المتحدة وكرامة الرئاسة الأمريكية.
أما الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر فقد أعلن شهادته فى مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، وكان عنوانه (حتى لا يتكرر ما حدث فى انتخابات 2000) قال فيه إن الانهيار الذى حدث فى النظام الانتخابى فى فلوريدا فى هذه الانتخابات تسبب فى جدل ما زال مستمرا حتى اليوم. وقد تم تكليفه هو والرئيس الأسبق جيرالد فورد بقيادة فريق من الخبراء وشخصيات من الحزبين الديمقراطى والجمهورى لوضع مقترحات لإصلاح العملية الانتخابية بأكملها حتى لا يتكرر ما حدث. وأنه شارك مع الرئيس فورد والخبراء فى إعداد توصيات نالت موافقتهم بالإجماع وقدّموها إلى الرئيس بوش وإلى الكونجرس واستجابت الحكومة وأصدرت فى أكتوبر 2002 قانونا باسم (مساعدة أمريكا على التصويت) لكن معظم مواد هذا القانون لم تنفذ!.. ويقول الرئيس كارتر إن الحقيقة المزعجة هى أن احتمال تكرار ما حدث عام 2000 فى الانتخابات السابقة ما زال قائما فى الوقت الذى تقوم فيه دول أخرى كثيرة فى العالم بإدارة انتخابات تنال الاعتراف الدولى بأنها شفّافة ونظيفة ونزيهة(!).
ويقول الرئيس كارتر إن (مركز كارتر) الذى يرأسه قام بمراقبة ما يزيد على 50 عملية انتخاب فى أنحاء مختلفة فى العالم جرت كلها فى ظروف مضطربة وخطيرة ومتوترة، وعندما كان يشرح دور المركز فى مراقبة نزاهة الانتخابات فى هذه الدول كان السؤال الذى يوجّه إليه: (ولماذا لا يقوم المركز بمراقبة نزاهة الانتخابات فى فلوريدا؟. وما تفسيرك للمشكلات الخطيرة التى وقعت فى انتخابات الرئاسة 2000؟).
وكان يجيب بعدم قدرة المركز على مراقبة الانتخابات فى جميع أنحاء العالم، ولم تكن الإجابة تقنع أحدا لأن المركز راقب مؤخراً الانتخابات فى فنزويلا وأندونيسيا وسيراقب الانتخابات فى موزمبيق فكيف لا يستطيع مراقبة الانتخابات فى بلده؟.
والرئيس كارتر يقول ما هو أخطر، وهو أن بعض شروط النزاهة فى الانتخابات غير متوافرة فى فلوريدا فى الوقت الراهن.. ولذلك طالب بتكوين لجنة انتخابية غير حزبية، أو تعيين شخصية غير حزبية موثوق فيها للقيام بمسئولية تنظيم العملية الانتخابية لضمان عدم تكرار انحياز المشرفين على الانتخابات إلى مرشح معين وانتهاك الضمانات الأساسية لحرية الانتخابية، وتكون هناك سلطة محايدة غير متحيزة تحظى بثقة الجميع تتولى إدارة العملية الانتخابية بالكامل.
كما طالب الرئيس كارتر بإصلاح نظام التصويت، وتوحيد الإجراءات الانتخابية بحيث يتم إحصاء جميع أصوات المواطنين الأمريكيين دون تفرقة بينهم على أساس وضعهم الاجتماعى وإمكاناتهم المالية، وبذلك تعود الثقة فى الناخبين، ويطمئنون إلى نزاهة وحياد العملية الانتخابية لأن ضمانات إجراءات الانتخابات الحرة لم تكن متوافرة فى فلوريدا، ويكفى أن كبيرة المسئولين عن الانتخابات كاترين هاريس كانت وزيرة خارجية فلوريدا ونائب رئيس لجنة الدعاية الانتخابية للرئيس بوش (!) وفى هذا المنصب اليوم جيليندا هوود التى كانت داعية شديدة التحيز لبوش عام 2000، وبالإضافة إلى ذلك فقد تم إلغاء آلاف من أصوات الناخبين الأمريكيين من أصل أفريقى، واستبعدت أصوات 22 ألف صوت من المؤيدين لآل جور بادعاء أنهم أصحاب نشاط إجرامى، بينما لم يستبعد غير 61 فقط من الناخبين من أصل أسبانى للسبب نفسه، ومعروف أن الأمريكيين من أصل أسبانى كانوا ممن يؤيدون بوش، أما حاكم فلوريدا جيبى بوش- شقيق جورج بوش فقد قام بدور قوى لتأييد شقيقه، ولم يتم اتخاذ أى خطوات لتصحيح هذه التجاوزات حتى الآن.
يقول كارتر: إن الأمر يتنافى مع ما يمليه الضمير أن تتم باستمرار ممارسات متحيزة تقوم على الغش فى أية دولة، ناهيك أن تكون هذه الدولة هى الولايات المتحدة.. وعلينا نحن الأمريكيين أن نرفض ذلك تماما ما دمنا نعتز بأننا نموذج يجب أن يحتذى به فى احترام قواعد الديمقراطية الحقة!
ولا تعليق من جانبنا، ويكفى ما كتبه رجل مسئول له مكانة عالمية يحترمه العالم يدرك معنى مسئولية كل كلمة يقولها.
لماذا لا تأخذ الولايات المتحدة بالنظام المصرى بإشراف القضاء على جميع لجان وعمليات الفرز فى الانتخابات؟.
ولماذا لا يدرك صقور البيت الأبيض معنى ما قاله الشاعر العربى القديم:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليما؟