متى نحاسب الدكتور نظيف؟
من حق الدكتور أحمد نظيف وحكومته المطـالبة بفترة زمنية كافية للدراسة وإعـداد برنامج العمل والانطـلاق فى التنفيذ. ومن حق المواطنين أن يراقبوا- بحذر شديد وترقب- كل كلمة، وكل قرار، وكل إجراء، يصدر من هذه الحكومة، لأنها بدأت بإعطـاء المصريين آمالا عريضة فى إصلاح الأحوال، وتحسين مستويات المعيشة، والقضاء على المشاكل التى تنغص حياتهم، وأعلنت أن لديها فكراً جديداً، وأداءً جديداً، وحلولاً لجميع المشاكل بالأسلوب العلمى.
ولا نستعجل الحكومة، لأننا عايشنا حكومات كثيرة قبل ذلك، ونعرف أن انشغال الوزراء بإعادة ديكورات المكاتب، وانتداب أطقم العاملين فى السكرتارية، واختيار المعاونين والمستشارين، لابد أن يستغرق وقتا غير قصير.
مع ذلك فقد بدأت الحكومة بخطوات تدل على أن لديها رغبة حقيقية فى الإصلاح والعمل بجدية، وعيون المراقبين للوزراء الشبان الجدد تلاحظ أن لديهم روحاً للعمل مختلفة عما تعودناه من الوزراء السابقين، وهم يباشرون عملهم بأسلوب غير تقليدى، وبعضهم يفتح الكتاب ويتحدث كما لو كان يلقى محاضرة فى الجامعة عما ينبغى عمله فى ضوء النظريات الحديثة، وبعضهم الآخر يفتح الإنترنت ويحدثنا عما يجده فى مختلف المواقع، ولا حديث له إلا عن نشر أجهزة الكمبيوتر فى الحكومة وبيوت المواطنين.
وطبعا لا يستطيع أحد الاعتراض على نشر أجهزة الكمبيوتر، وقد قررت بعض الشركات العالمية الكبرى لإنتاج الكمبيوتر والبرمجيات أن تعمل فى مصر باعتبارها قد أصبحت من الأسواق المهمة لتصريف منتجاتها التى يهددها الكساد فى أوروبا وأمريكا، ونحن نفرح كلما شاهدنا رئيس الوزراء وبعض الوزراء يذهبون إلى كل مكان ومعهم كمبيوتر، ويتحدثون من الكمبيوتر، ويسجلون أفكارهم ومشروعاتهم على الكمبيوتر. وهذا شىء عظيم جدا، لأن معناه أن هذه الحكومة حكومة عصرية رغم أننا لا نشاهد رئيس وزراء بريطانيا أو إيطاليا أو فرنسا أو وزير من وزراء أمريكا وأوروبا يحمل معه الكمبيوتر إلى كل مكان ويضعه أمامه فى كل اجتماع وكل مؤتمر وكل حديث. ومع ذلك فليست هذه قضية تستحق أن نشغل أنفسنا بها.
القضية التى تشغل المواطنين هى لقمة العيش.. فرصة عمل للشباب الذى تهدده البطالة بالانحراف والضياع.. الأسعار.. الدروس الخصوصية.. الاحتكار.. الطوفان القادم مع تطبيق اتفاقية التجارة الحرة واتفاقية الشراكة مع أوروبا ويمكن أن يكتسح الصناعة المصرية الضعيفة التى لم تتطور منذ سنوات. المسكن البسيط الذى يأوى أسرة ويسترها من العيش فى الخيام أو عشش الصفيح.. الدواء الذى ينقذ حياة المريض الفقير وأمثال هذه الاحتياجات الضرورية لكى يكون الإنسان إنسانا.. وبعد ذلك ربما يفكر الإنسان فى الكمبيوتر الذى يشغل المثقفين ورجال الأعمال وطبقة الإدارة العليا.
***
كان السؤال الأول عندما جاءت حكومة الدكتور نظيف هو: هل هذه حكومة رجال الأعمال والأثرياء ومجتمع مارينا وباشاوات الاحتكار.. أو هى حكومة الملايين فى القرى والصعيد والعشوائيات؟ وحتى الآن لم تتضح الإجابة، مع العلم بأنه لا تناقض فى أن تكون الحكومة لهؤلاء وهؤلاء، لأن رجال الأعمال والأثرياء هم الأقدر على إنشاء مشروعات جديدة تضيف إلى الدخل القومى وتثرى الحياة الاقتصادية وتفتح أبواب الرزق للفقراء، هذا شىء مفهوم وليس السؤال عن الانحياز لفئة على حساب الفئة الأخرى، ولكن السؤال: هل ضمن سياسة هذه الحكومة تحقيق التوازن بين مصالح رجال الأعمال ومصالح المواطنين الفقراء الذين نسميهم-تأدبا-محدودى الدخل؟ وهذا التوازن هو الشىء الوحيد الذى يحقق الاستقرار السياسى والاجتماعى، ويحقق المصالحة بين الطبقات.
ولقد أعلن الدكتور نظيف وعوداً كثيرة لابد أن نسجلها عليه، ليكون الحساب معه على أساسها، مع ملاحظة أن المصريين الآن أصبح لديهم الوعى، والقدرة على التحليل والملاحظة والفهم والنقد، ولا تنطلى عليهم الوعود بعد أن شبعوا من الوعود عشرات السنين، ولم يعد أحد منهم يطيق سماع الكلام عن النوايا، وستعمل الحكومة وسوف.. وسوف.. الناس تريد أن ترى بعيونها ما تم إنجازه ولا تريد أن تسمع بآذانها. ولذلك فإن الأحاديث الكثيرة التى تملأ الصحف والإذاعات ويغرق الوزراء المواطنين بها فى جميع وسائل الإعلام ويقابلها بلامبالاة لأنهم ينتظرون ما سوف يتحقق.
***
وفى تصريحات رئيس الوزراء والوزراء وعود شملت كل شىء تقريبا، بحيث يتصور الإنسان أن مصر التى نراها الآن لن تكون هى مصر التى سنراها بعد سنة أو سنتين.
وعدنا رئيس الوزراء بعدم رفع الأسعار وبحماية الطبقات غير القادرة، وحتى الآن لم تنخفض سوى أسعار السيارات المستوردة، وجاء ذلك على حساب السيارات التى يتم تجميعها فى مصر، وتضررت صناعة السيارات المصرية فى الوقت الذى أعلنت فيه الحكومة أنها سوف تشجع وتساعد هذه الصناعة.
ووعدنا رئيس الوزراء بسياسة جديدة تمكّن من زيادة دخل المواطن عما يحصل عليه الآن، ووعدنا بأن تعمل الحكومة على تحسين مستوى معيشة المواطنين. ووعدنا بزيادة دور الدولة فى حماية غير القادرين من الآثار السلبية للإصلاح، واستمرار الدعم، وعدم فرض أعباء جديدة، وتنمية الصناعات المصرية لفتح مجالات جديدة للعمالة، وتحسين المواصلات والنقل، والرقابة على الأسواق، وحماية المستهلك من المنتجات الفاسدة والمغشوشة والأغذية منتهية الصلاحية التى يشكو المواطنون من انتشارها.
وكذلك القضاء على التعقيدات والمشاكل التى تواجه الشباب الذى يستمع إلى نداءات الحكومة ويتجه إلى الصندوق الاجتماعى ليبدأ العمل بمشروع صغير يحتاج فيه إلى المساندة والتوجيه والرعاية ولا يحتاج إلى عشرات العقبات التى تجعله يستسلم لليأس ويفقد الحماس.
ووعدنا رئيس الوزراء بأن يمتنع عن إطلاق الوعود الوردية وأن يعتمد على الأفعال، وقال إنه سيعمل على تغيير صورة الحكومة فى عيون المواطنين، واستعادة الثقة المفقودة، واستعادة المصداقية أيضا، وسوف يجد المواطن تسهيلات غير مسبوقة عند طلب الحصول على خدمة.. ووعدنا بإنشاء موقع على الإنترنت لكى يبعث المواطنون بشكاواهم إليه شخصيا، وهو بطبعه يفتح الإنترنت طوال الوقت.
الشىء الذى لا خلاف عليه أن هذه الحكومة تحظى حتى الآن بترحيب من المواطنين.. الوجوه الشابة.. والحماس الظاهر.. والاجتماعات الكثيرة.. والتصريحات المتفائلة.. كل ذلك يبعث على الأمل فى أن تحقق هذه الحكومة وعودها.
أهم ما فى هذه الحكومة أن الوزراء الشبان لم يتملكهم الغرور، ولديهم استعداد لأن يستمعوا ويتفاهموا. ويتميزون بأن بينهم تفاهماً وتعاوناً وهذا شىء كانت الحكومات الأخرى تفتقده، وكان بعض الوزراء يشعر إنه إمبراطور، وليس لأحد أن يتدخل فى شئون إدارته لوزارته حتى ولا?رئيس الوزراء، وكان ذلك أمرا طبيعيا ، لأن طول الفترة التى قضاها هؤلاء الوزراء فى وزاراتهم زادت على الحد المعقول، وجعلتهم يشعرون أنهم حصلوا على هذه الوزارات (تمليك) وأنهم أحرار فيما يملكون.. الوزراء الجدد يحاولون إزالة العنكبوت الذى عشش فى بعض الوزارات بسبب بقاء الحال على ما هو عليه لعشرات السنين دون تبديل أو تغيير.. ويحاولون قطع بعض أطراف الفساد والفاسدين الذين طال عهدهم بالفساد وأصبحوا خبراء وأساتذة فى التبرير والتزويق والتضليل، وخبراء فى إعداد وسائل الدفاع والتمويه..
وبصراحة، أنا أشفق على الوزراء الجدد، لأن أخطبوط البيروقراطية المصرية العظيم، وحيل النفاق والمنافقين، يمكن أن تلتف حولهم وتكبل حركتهم.
ومع ذلك فسوف ننتظر لنرى. ولكن إلى متى سوف ننتظر؟
هذا هو السؤال.
لذلك نقول للحكومة لابد من وضع برنامج زمنى لهذه البرامج بحيث يكون الحساب فى المواعيد التى حددتها للإنجاز.. ذلك أفضل من ترك الأمور بدون تحديد. وتظل الوعود معلقة فى الهواء!