هل أصبح المصريون فى حال أفضل؟
ماذا يجرى بالضبط فى مصر؟.. هل تحقق الوعد بتحسين مستوى معيشة المصريين؟.. وهل أصبح الفقراء على هامش المجتمع وليس لهم نصيب من الثروة وعائد التنمية؟.. وكيف يمكن أن نجعل الحياة أفضل لسكان جاردن سيتى والمعادى والزمالك، ولسكان الدويقة ومدينة السلام والعشوائيات أيضا على أساس أن كل مواطن فى مصر له كرامة وله حقوق لا يمكن أن يعيش بدون الحصول عليها؟.. وكيف نجعل حياة الناس فى الصعيد قريبة من مستوى حياة إخوانهم فى القاهرة والإسكندرية؟.
أسئلة تبدو كأنها تعبّر عن حلم من المستحيل تحقيقه، وبعض الصحف الصفراء أصبحت تحترف مهنة (الندّابة) التى لا تظـهر إلا فى الكوارث، ولا تنطق إلا تعبيرا عن المصائب، ولا تعيش إلا عندما يكون ما حولها كله أسود، ولا ترى ولا تعرف شيئا غير ذلك.
وبعيداً عن تصريحات الوزراء التى أصبحت موضع شك لدى المواطنين، نجد الإجابة المحايدة فى تقرير التنمية البشرية عن عام 2004 الذى صدر منذ أيام، والذى شارك فى إعداده برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، وخبراء معهد التخطيط، وأشرف على إعداده أستاذة الاقتصاد العالمية الدكتورة هبة حندوسة، وهو الآن أمام الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء.
ماذا يقول هذا التقرير بالأرقام؟. والأرقام لا تكذب ولا تتجمل، وخبراء الأمم المتحدة لا تهمهم مجاملة أحد، أو إرضاء دولة من الدول، بل إنهم يبالغون دائماً فى التدقيق والفحص والمراجعة، ولا يعتمدون إلا على الوثائق الأصلية. ويستغرق إعداد هذا التقرير سنة كاملة يتم خلالها الفحص والمراجعة والتأكد من كل معلومة وكل رقم!.
يقول التقرير: إن دراسة ما جرى فى مصر فى السنوات العشر الماضية تدل على استجابة للجهود لتضييق الفجوة بين الذكور والإناث فى الحصول على الخدمات والحقوق الأساسية، كما تدل على تحسن فى الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء. وتحسن آخر فى الفجوة بين الصعيد والدلتا. ومع ذلك فمازالت هناك فجوة بين الإناث والذكور فى (التمكين السياسى) وفى (المشاركة الاقتصادية) وكذلك ما زالت هناك فجوة واسعة فى مؤشرات التنمية البشرية بين الصعيد والدلتا، وإن بدأت فى الانكماش خلال العقد الماضى.
حققت مصر تحسنا بنسبة 49% فى مؤشر التنمية البشرية من عام 1975 إلى 2001 وأدى هذا التحسن إلى أن أصبحت مصر فى شريحة الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة بعد أن كانت ضمن شريحة الدول ذات التنمية المنخفضة. فى سنة 1960 كان معدل الالتحاق بالتعليم العام (من الابتدائى حتى نهاية التعليم الثانوى) 42% فقط، وفى عام 2002 وصلت النسبة إلى 86% نتيجة الجهد الكبير الذى بذلته الحكومة والعدد الكبير من المدارس التى تم إنشاؤها. وبالنسبة لمعرفة القراءة والكتابة لدى الكبار زادت إلى 69% سنة 2001 بعد أن كانت 47% سنة 1990- يقول التقرير: إن ذلك تحقق نتيجة السياسات التعليمية الناجحة والجهود والموارد التى بذلت لتخفيض نسبة أمية الكبار، كذلك تحقق النجاح للسياسة التعليمية فى زيادة التحاق الإناث بالتعليم من الابتدائى إلى الثانوى حتى وصلت النسبة عام 2001 إلى 83% من الفتيات، وأصبحت النسبة فى معرفة القراءة والكتابة فى الإناث كبار السن 54%.
زاد معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بنسبة 48%. وزاد معدل الالتحاق بالتعليم الأساسى والثانوى بنسبة 10%. وارتفع متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 66% على أساس تعادل القوة الشرائية للدولار.
وتظهر الأرقام انخفاض متوسط نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى بين عامى 2000 و2002 نتيجة التخفيض الكبير فى قيمة الجنيه المصرى.
تحسن مستوى عمر الإنسان فى مصر. انخفضت نسبة الوفيات بين الأطفال الرُضّع، وانخفض معدل وفيات الأمهات. كان معدل وفيات الأطفال 108 أطفال من بين كل 1000 طفل من المواليد، فأصبح المعدل 30 لكل 1000، وانخفض معدل وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات فأصبح 39 طفلا من كل 1000 بعد أن كان 204 من كل 1000. وزاد معدل عمر المصريين إلى 70 بعد أن كان 47 سنة!
ورغم برامج التنمية الريفية المكثفة فإن المؤشرات تدل على وجود خلل فى مستوى التنمية البشرية بين المدن والقرى، وتزداد الفجوة فى محافظات الصعيد بالمقارنة بالفجوة على المستوى القومى.
يقول التقرير: إنه من الصعب توقع حدوث تقدم أكثر بسبب زيادة السكان بمعدلات تلتهم الزيادة فى التنمية والخدمات. ومع ذلك انخفض عدد السكان الذين لا تصل إليهم مياه الشرب النقية إلى 6 ملايين فقط بعد أن كانوا 12 مليونا فى عام 1992. وانخفض عدد الذين لا يصل إليهم الصرف الصحى من 13 مليونا إلى 4 ملايين، والحرمان الإنسانى فى الريف والصعيد أكبر مما هو فى المدن والدلتا.
وهذا لا يعنى أن سكان الريف والصعيد منسيون، فقد انخفضت نسبة الأطفال الذين يموتون قبل سن الخامسة فأصبحت 48% بعد أن كانت النسبة 55% وانخفضت نسبة الذين لا تصل إليهم المياه فى الصعيد إلى 48% بعد أن كانت 51%. وفى نفس الوقت فإن معدل البطالة فى الوجه البحرى أعلى من معدلها فى الصعيد، وذلك بسبب تركز البطالة فى الشباب المتعلم (!).
التقرير يقول: إنه تحقق تحسن فى مختلف جبهات التنمية البشرية فى مصر خلال العقود الثلاثة الماضية، ولكن ترتيب مصر فى تقرير التنمية البشرية العالمى يعتبر منخفضا نسبيا بالمقارنة بكثير من الدول النامية. فى السنوات السبع الماضية (فيما عدا عام 1999) كان ترتيب مصر (120) فأصبح ترتيبها (105).
الملحوظة المهمة فى التقرير هى أن معدل النمو السكانى فى مصر لم يصل إلى المعدل المعقول رغم الجهود التى تبذلها الحكومة. النمو السكانى ما زال 2.1% سنويا وهو يزيد على معدل النمو السكانى فى معظم الدول التى سبقت مصر فى ترتيب مؤشر التنمية البشرية. ولا شك أن هذا النمو السكانى الكبير يزيد الضغوط على موارد الدولة وهى موارد محدودة أصلا، ومخصصة لخدمات الصحة والتعليم، ولا تسمح هذه الموارد المحدودة- بالاستمرار فى تقديم الخدمات لهذا العدد المتزايد، ولابد من البحث عن حل لهذه المعادلة الصعبة.
ومع ذلك حققت مصر تقدما فى زيادة معدل الالتحاق بالمدارس، وفى تحسين مؤشرات الحالة الصحية، والرقم الوحيد الذى يجب تخفيضه بأسرع ما يمكن هو معدل الأمية لأنه يعتبر السبب الثانى- بعد الزيادة السكانية- وراء احتلال مصر لترتيب متأخر فى سلم التنمية البشرية على المستوى العالمى.
هذا ما يقوله تقرير التنمية البشرية، وهو تقرير يتمتع بالاحترام فى المنظمات الدولية، ويشارك فيه خبراء عالميون لا يهمهم شىء سوى الأرقام من مصادرها الأصلية. ولذلك نجده يشير إلى السلبيات والإيجابيات، بدون مجاملة أو تجميل للواقع.
وأظن أن كل مخلص لمصر لابد أن يسره ما تحقق من تقدم، ويضع يده على الإيجابيات كما يضع يده على السلبيات، وهذا أول شروط الموضوعية والإخلاص، ولا نطـالب أبطـال النواح بالإشادة بالجهود التى أثمرت وحققت هذا التقدم، ولكن فقط نرجوهم ألا يلطموا الخدود ويشقوا الجيوب على أكاذيب وادعاءات يخترعونها.. فقط نطـالبهم بالنزول من عالم الكراهية والعداء إلى عالم الموضوعية والإنصاف، فهذا أفضل جداً لمصلحة البلد، ولمصلحتهم.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف