الإرهاب دخل عصر العولمة!
شئنا أو لم نشأ، لقد فرض علينا النظـام العالمى الجديد أن نعيش فى عصر الإرهاب، وبفضل الضغوط واستخدام القوة المفرطـة تعددت صور الإرهاب.. وأصبح فى العالم إرهاب تمارسه الجماعات، وإرهاب يمارسه الأفراد الذين ضاقوا بالحياة فى عالم ضاع فيه العدل، وإرهاب تمارسه دول لا تراعى المبادئ الأخلاقية والإنسانية، وتستهين بالشرعية الدولية وبالقانون الدولى.
والإرهاب لم يبدأ فى تاريخ البشرية يوم 11 سبتمبر مع الهجمات على نيويورك وواشنطن، ولكنه موجود قبل 11 سبتمبر، ونحن فى مصر عانينا منه. وتعرضنا لحوادث إجرامية، وارتفع صوتنا ينبه العالم مبكرا إلى خطورة الإرهاب ويدعو إلى تنسيق الجهود الدولية لمحاربته والقضاء عليه وفقا لما تتفق عليه الدول فى مؤتمر يحدد أولا ما هو الإرهاب، ويفرق بين الإرهاب ومقـاومة الاحتلال ومقاومة الإرهاب والدفاع الشرعى عن النفس وعن الوطن، ويحدد أيضا كيفية القضاء على الإرهاب بالقضاء على أسبابه أولا، ويحدد بعد ذلك المسئوليات والأدوار لكل دولة بحيث لا تقف دولة موقف المتفرج بينما تكتوى غيرها بنار الإرهاب.
الإرهاب ليس جديدا، ولكن الجديد هو المفهوم الغامض الفضفاض الذى تعلنه أمريكا للإرهاب وانفردت بتحديده وحدها، وتعمل على فرضه على دول العالم، وهو مفهوم يتسع لكل ما تريد أمريكا أن تعتبره إرهابا لحماية احتلالها العسكرى للدول العربية والإسلامية، وللسير خلفها فى الحروب الظالمة التى تشنها، وهى حروب ليس لها سوى 3 أهداف.
الهدف الأول: هو السيطرة على بترول العالم كله حتى يمكن لأمريكا التحكم فى مقدرات دول العالم ووقف نموها حين تريد.
والهدف الثانى:هو إعادة نشر القوات والقواعد العسكرية الأمريكية فى دول العالم العربى والإسلامى وتكون العراق هى نقطة الارتكاز فى هذه الاستراتيجية الإمبريالية.
والهدف الثالث: هو إعداد منطقة الشرق الأوسط لمرحلة تكون فيها إسرائيل هى الدولة الأقوى والأكثر تقدما، بحيث تكون مسيطرة سياسيا واقتصاديا على دول المنطقة، ويكون لها التفوق العسكرى والتكنولوجى، وعملية تدمير العراق هى البداية. لذلك وقد صرح الرئيس الأمريكى بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد بذلك وقالا بمنتهى الوضوح إن إسرائيل أصبحت أكثر أمنا بعد تدمير القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية للعراق.
فى هذا العالم أصبح الإرهاب صناعة أمريكية، وكما أن أمريكا هى التى فرضت العولمة وفتح الحدود وحرمان الدول من حماية صناعاتها وثرواتها، فقد فرضت أيضا عولمة الإرهاب، بعد أن أعلنت الحرب العالمية على شبح غامض لا تعرف طبيعته ولم تحدد مكانه ولا أسلوبه، وقالت إن الإرهاب هو ما تراه أمريكا إرهابا، والعدو هو ما تراه الإدارة الأمريكية عدوا وما تقرره بقيادتها اليمينية المتطرفة.
والنتيجـة أن دول العالم جميعها ودون استثناء يهددها الإرهاب، وليس هناك دولة كبرى أو صغــرى على الكرة الأرضية لم تتعــرض لحـــوادث إرهـــاب، أو لا تتوقع حوادث إرهاب لا تعرف متى وأين وكيف ستقع. لم تعد هناك صورة واحدة أو جماعة واحدة، أو قيادة واحدة للإرهاب، الإدارة الأمريكية تعمل على تبسيط الأمور وتختزل كل الإرهاب فى تنظيم القاعدة واسامة بن لادن وأبى مصعب الزرقاوى، وهو تبسيط يتفق مع عقلية الإدارة الحالية ولكنه لا يتفق مع الواقع. الواقع أن العالم ملىء بجماعات الإرهاب القائمة التى تكونت وبجماعات فى سبيلها إلى القيام والتكون، منها جماعات إسلامية، وجماعات كاثوليكية، وجماعات بروتستانتية، وجماعات يهودية، وجماعات بوذية، وجماعات سيخية، وجماعات لا تؤمن بالأديان السائدة ولها عقائد خاصة.. باختصار الإرهاب ليس مقصورا على جنس أو دين أو دولة أو قارة معينة.. الإرهاب موجود فى الجميع.
والإرهاب دخل عصر العولمة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة فى الاتصالات والتفجيرات والمعلومات، وأصبح عابرا للحدود ومتعدد الجنسيات، وبين الجماعات المختلفة تنسيق وتناول للمعلومات والأسلحة والأموال، ومعسكرات التدريب يتم فيها إعداد الإرهابيين من كل جنس ودين.. الإرهاب أصبح شبكة عالمية.. وحكومة إلكترونية.. وخلايا انفرط عقدها وتعمل وحدها دون انتظار تعليمات من قيادة مركزية، وهى مسلحة ولديها أحدث أجهزة للتجسس لا تقل عما لدى أقوى أجهزة مخابرات فى العالم، حتى أن المخابرات الأمريكية بجلال قدرها وعشرات الآلاف الذين يعملون فيها فشلت فى الوصول إليها.
وضحايا الإرهاب فى العالم عشرات الآلاف.. وفى مصر مئات.. وفى أمريكا ثلاثة آلاف.. وفى فرنسا، وأيرلندا، وبريطانيا، وأسبانيا، وتركيا، وروسيا، وألمانيا، وإيطاليا، كل هذه الدول وغيرها تعرضت لعمليات إرهابية، وفيها جماعات إرهابية.
فى مرحلة كان الإرهاب يلجأ إلى خطف الطائرات، وفى مرحلة كانت أجهزة المخابرات تدير عمليات ومنظمات الإرهاب، وفى مرحلة حدث تنسيق بين جماعات الإرهاب وعصابات المافيا المنتشرة فى دول العالم، وفى مرحلة سيطرت جماعات إرهابية على منظمات لها أهداف سياسية أو دينية ووجهتها إلى ارتكاب جرائم القتل والتدمير العشوائى، وفى مرحلة قامت دول بعمليات إرهاب للقضاء على شعوب أو لتهديد الاستقرار، أو لتحقيق خسائر تعطل النمو الاقتصادى والاجتماعى لهذه الشعوب لكى تبقى فى حالة التخلف والتبعية، وفى المرحلة الأخيرة أصبح الإرهاب متعدد الصور والوجوه، وتحول إلى نوع جديد من الحرب ضد (العدو) إلى جانب العودة التقليدية بالجيوش الرسمية، حتى أصبحت بعض الدول تعتبر الإرهاب جزءا من سياستها الخارجية، وتمد الجماعات الإرهابية بالسلاح والأموال وبالفكر والأيديولوجية - الإرهابية سابقة التجهيز.
وليس هناك حل لإنقاذ العالم من هذا الإرهاب الشامل سوى الاستجابة لنداء مصر، بعقد مؤتمر دولى تتوصل فيه دول العالم مجتمعة على استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب، وتعمل كلها على تنفيذها، لأن دولة واحدة لن تستطيع القضاء على الإرهاب العالمى حتى ولو كانت أقوى دولة فى العالم، كذلك لن تستطيع كل دولة أن تقضى وحدها على الإرهاب فى داخلها دون معونة بقية دول العالم.
ونتمنى أن يتفهم هذه الرؤية الرئيس بوش، والإدارة الأمريكية الحالية المتعصبة، قبل فوات الأوان.*
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف