الحوار بين المذاهب الإسلامية مطلوب أكثر
نحن فى عصر تسود فيه نظريتان متناقضتان. الأولى هى نظرية صراع الحضارات والثقافات التى ظـهرت فى الولايات المتحدة وكانت ترجمتها ما نراه من العداء للإسلام والحرب ضد المسلمين، والثانية هى: نظرية حوار الحضارات والثقافات التى يتمسك بها العالم العربى والإسلامى، وتروج لها مصر بكل قوة.
وفى مصر بدأ الحوار بين الأديان، لأن دين الإسلام يأمر بالإيمان بالله، ورسله وكتبه جميعا، دون تفرقة بين أحد من الرسل. وقد لخص الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة الإسلام بقوله: مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل بناء لا ينقصه سوى لبنة واحدة، وأنا هذه اللبنة، والمعنى أن الإسلام لا ينقض ولا?يخالف ولا يعادى الأديان الأخرى، ولكنه، يصدقها ويؤمن بها.. الإسلام خطوة على الطريق الذى فيه سارت الديانات السماوية السابقة عليه، وليس طريقا مختلفا عنها أو متعارضا معها.
ولا يعقل أن يجرى حوار بين الأديان، ولا يدور حوار بين فرق وطوائف ومذاهب المسلمين أنفسهم، بينما هذا ما كان يجب أن تكون له الأولوية.
ولذلك فإننى أدعو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى، وفضيلة المفتى الدكتور على جمعة، وفضيلة الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر إلى تبنى الدعوة إلى حوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية فى رحاب الأزهر الشريف، وهو قلعة الإسلام، والأقدر على جمع كلمة المسلمين، بما يحظى به من تقدير ومكانة عالية فى أنحاء العالم.
ومنذ أيام زارنى السيد حجة الله جودكى المستشار الثقافى فى السفارة الإيرانية، وكنت أريد أن أستمع إلى ملاحظاته على ما كتبته عن الشيعة وهل فيها ما يحتاج إلى مراجعة، فكانت إجابته بأنه قرأ ما كتبته ورأى أنها دراسة موضوعية ليس فيها سوى رغبة فى المعرفة والوصول إلى فهم لمذاهب الشيعة قديما وحديثا.
وفى حديثه أبدى لى ملاحظات تستحق الدراسة ألخصها فيما يلى:
* إن الباحثين ينقلون من الكتب الأربعة المعتمدة لدى الشيعة، وهى: الكافى، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، وهذه الكتب – مع مالها من أهمية كبيرة لدى الشيعة- فإن فيها الكثير من الأحاديث النبوية غير صحيحة، فكتاب الكافى مثلا فيه 6 آلاف حديث منها أقل من 2000 حديث صحيح والباقى أحاديث مكذوبة- وهذا هو الحال فى الكتب الثلاثة الأخرى. ولذلك قام آية الله بهبهانى مؤخرا بمراجعة هذه الكتب الأربعة وتنقيحها وحذف الكثير من الأفكار مما لا يتفق مع المفهوم الصحيح للمذهب الشيعى، وأصبح المعتمد لدى الشيعة أربعة كتب جديدة هى: صحيح الكافى، وصحيح الاستبصار، وصحيح من لا يحضره الفقيه، وصحيح التهذيب. وهذه الحقيقة لا يعرفها كثير ممن يتحدثون أو يكتبون عن الشيعة ومازالوا يعتمدون على الكتب القديمة وفيها كلام كثير مرفوض مثل القول بأن القرآن حدث فيه تحريف بالحذف أو الإضافة، ومثل القول بأن الإمام فى الشيعة منصوص عليـه فى القرآن، ومثل اعتبار التقية من أصول المذهب الشيعى.
* وإن الباحثين من الشيعة يفرقون بين فكر الشيعة العلوى المنسوب للإمام علىّ، وفكر الشيعة الصفوى الذى فيه غلو وتطرف، ولم يعد أحد من الشيعة يردد أفكاره.
* إن عقائد الشيعة تختلف من بلد لآخر، ويصطبغ المذهب بتراث وثقافة وطبيعة شعب كل بلد، ولذلك نجد اختلافات بين الشيعة فى كل من إيران، والعراق، وباكستان، وأذربيجان، ولابد من الالتفات إلى هذا الاختلاف فى ضوء اختلاف الثقافات وعدم النظر إلى الشيعة على أنهم جماعة واحدة.
* إن من الأخطاء الشائعة مثلا الاعتقاد بأن الرداء الأسود الذى يغطى كل جسم المرأة من رأسها إلى إخمص قدميها الذى يسمى (الجادور) هو لبس المرأة الشيعية وفقا للمذهب، وهو ليس كذلك، ولكنه جزء من تراث وتقاليد وثقافة الإيرانيين، فهو مرتبط بثقافة البلد، وليس بمعتقدات أو تعاليم المذهب. ولذلك نجد ملابس المرأة فى بلاد الشيعة الأخرى مختلفة، وبالطبع ليس هناك علاقة بين الملابس والعقيدة الإسلامية فى سائر المذاهب.
* إن شيعة إيران فى مرحلة من المراحل كانوا ينظرون إلى فكرة التقريب بينهم وبين السنة بشىء من الريبة، ولكنهم الآن يختلفون، وكثير من المثقفين والعلماء يتفهمون أهمية التقريب، ولذلك أنشئ فى إيران مجمع التقريب بين المذاهب، وهذا المجمع يعقد مؤتمرات ويصدر مطبوعات ليس الهدف منها توحيد المذاهب، أو الدعوة للمذهب الشيعى، ولكن الهدف أن تتضح الحقائق ويعرف أهل كل مذهب حقيقة المذاهب الأخرى ليدركوا أنهم جميعا مسلمون لا يختلفون فى شىء من أصول الدين. ويضم هذا المجمع ممثلين عن مذاهب الشيعة الزيدية، والأثنى عشرية، والأباضية، والبهرة، مع ممثلين من مذاهب السنة المالكية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة.
* إن البعض يتصور أن زواج المتعة منتشر فى إيران وهذا غير صحيح، فهو موجود فى الكتب ويعتبر مسألة فقهية أكثر منه مسألة حياتية فى المجتمع. والمرأة الإيرانية ترفض زواج المتعة.
* إن الشيعة لم يشتركوا فى أية جماعة من جماعات التطرف والإرهاب، وتنظيم القاعدة على سبيل المثال ليس فيه أحد من الشيعة، ولم يحدث أن شارك شيعى فى أية تفجيرات حدثت فى العالم.
* إن الخلاف الأساسى بين الشيعة والمتطرفين أن المتطرفين يعتمدون على الأحاديث أكثر من اعتمادهم على القرآن، والشيعة يعتمدون على القرآن أكثر.
* إن كتب الفقه السنية للمذاهب الأربعة موجودة فى الجامعات والحوزات العلمية والمكتبات العامة فى إيران، وتباع بكميات كبيرة فى معرض الكتاب السنوى الذى يقام فى طهران، والكتب الدينية الصادرة من مصر تلقى إقبالا كبيرا من شيعة إيران.
* إن الحديث عن قرآن للشيعة يختلف عن القرآن المعروف هو قول موجود فى الكتب القديمة وليس له وجود فى الواقع، ويقول المستشار الثقافى الإيرانى: لقد عشت حياتى كلها فى إيران فلم أعثر ولم أسمع عن مصحف فاطمة الذى يتحدثون عنه. وما فى الكتب القديمة عن هذا المصحف يستند إلى أحاديث مزورة، وما أكثر الأقوال غير الصحيحة فى كتب الشيعة وفى كتب السنة أيضا، وفى تفسير الطبرى وهو من أهم كتب التفسير عند السنة أقوال غير صحيحة أخذها سلمان رشدى ونسج منها هجومه على الإسلام.
* إن فكر الشيعة اليوم لم يعد قائما على حتمية وجود إمام من آل البيت، والدليل على ذلك أن آية الله على هاشمى رافسنجانى رئيس مجلس مصلحة النظام فى إيران ليس من آل البيت.
* إن الشيعة اليوم لا يؤمنون بمبدأ التقية لأنه كان من ضرورات الحفاظ على حياتهم فى مرحلة من المراحل فى الماضى حين كانوا يتعرضون للاضطهاد والسجن والقتل فى الدولة الأموية ثم الدولة العباسية، وهم الآن آمنون فى أوطانهم ولم تعد بهم حاجة إلى التقية.
معنى ذلك أن فكر الشيعة يتغير ويتطور مع الزمن، وما كان قائما منذ ألف وأربعمائة عام لم يعد موجوداً اليوم كما كان فى الماضى، ومع تقدم المناهج العلمية واستخدامها فى الكشف عن الأحاديث المزورة والأقوال المدسوسة على الشيعة. فإن عملية تجديد ومراجعة شاملة تتم فى الحوزات العلمية وعلى أيدى طبقة المثقفين الجدد الذين درسوا العلوم الحديثة وعايشوا العصر وأدركوا طبيعة المتغيرات الجديدة فيه.
بالنسبة لى كان حديث المستشار الثقافى الإيرانى مثيرا وجديرا بالاهتمام ، ويدعو إلى بحث ميدانى يعتمد على الكتب الحديثة وعلى المشاهدة والمعايشة ولا يعتمد على الكتب القديمة وحدها.
ولقد أقيمت ندوات ومؤتمرات علمية للتقريب بين المذاهب فى بلاد أخرى غير مصر، ومصر هى الجديرة بقيادة هذا العمل الجليل حسبة لله ولدينه.
وأنشئت فى الأزهر الشريف إدارة للحوار الإسلامى- المسيحى. فلماذا لا تنشأ فى الأزهر إدارة للحوار بين المذاهب؟.
أليس ذلك هو الواجب مادمنا ننادى بوحدة المسلمين؟