وماذا عن أفغانستان؟
لابد أن حمرة الخجل سوف تظهر فى يوم ما على وجوه جميع المسئولين فى الإدارة الأمريكية الحالية، فقد تكشفت سلسلة الأكاذيب التى أقامت بسببها احتفالات النصر والنجاح.
نجحوا فى تدمير العراق بادعاء أن فيها أسلحة دمار شامل تهدد الأمن القومى للولايات المتحدة، وأن العراق يمول ويساعد منظمات الإرهاب وله صلة بأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وأحداث 11 سبتمبر، وهاهى ذى التقارير الرسمية الأمريكية، بل اعترافات وزيرى الدفاع والخارجية تعلن أنه لم يكن هناك أسلحة دمار، ولم يكن للعراق صلة بالقاعدة أو بن لادن أو أحداث 11 سبتمبر، وإذن فلماذا كان تدمير هذه الدولة العربية؟.. جاءت الإجابة أخيراً على لسان الرئيس بوش ونائبه ديك تشينى: لكى تكون إسرائيل أكثر أمنا!
وغدا سيضيف الجميع اعترافا بأن ذلك كان أيضا من أجل البترول والسيطرة عسكريا على المنطقة.
وسلسلة الأكاذيب امتدت إلى القضية الفلسطينية ابتداء بخطة ميتشل وتفاهمات تينت إلى رؤية الرئيس بوش وخارطة الطريق وتعهد الرئيس بوش شخصيا أمام العالم فى شرم الشيخ بإقامة الدولة الفلسطينية فى عام 2005 وهاهو ذا يتراجع ويلوذ بالصمت على خطة المذابح الجماعية واستخدام القوة العسكرية المفرطة لقتل الفلسطينيين التى تعيد إلى الذاكرة مذابح كمبوديا وأنجولا ورواندا وكوسوفا، وأخيرا فإن الولايات المتحدة تستخدم الفيتو لمنع صدور قرار من مجلس الأمن يطالب الحكومة الإسرائيلية بوقف هذه العمليات، مما شجع شارون على أن يعلن أنه سوف يستمر فى عمليات القتل والتدمير. ويعلن مستشاره أن الهدف هو جعل إقامة الدولة الفلسطينية مستحيلا.
كل ذلك بينما هناك مساحة أخرى للأكاذيب الأمريكية فى أفغانستان. فلقد أعلن الرئيس بوش فى الجمعية العامة للأمم المتحدة (أن الشعب الأفغانى فى طريقه إلى الديمقراطية والحرية). والمراقبون الأمريكيون ينشرون فى الصحف الأمريكية تقارير من أفغانستان تؤكد أن الولايات المتحدة خلال ثلاث سنوات نجحت فى تدمير أفغانستان بالأسلحة الحديثة، وفشلت فى تحقيق الأمن والاستقرار أو التنمية أو حكم القانون، كما ذكر البروفيسور ج. الكسندر ثير الأستاذ بجامعة ستانفورد والذى عمل مستشارا للإدارة الأمريكية فى أفغانستان، وكتب منذ أيام مقالا قال فيه: إن فشل الولايات المتحدة فى أفغانستان ليس بسبب صعوبات فى عملية بناء الدولة، ولكن بسبب قرارات إدارة بوش وسياساتها، فالتصريحات والكلمات عن التعمير وإعادة البناء لا تصاحبها جدية فى التنفيذ بالتمويل أو بالكوادر. ويقول: المشكلة أننا قمنا بغزو أفغانستان لتدمير هدف معين- طالبان والقاعدة- ولكننا لم نفكر كثيراً فيما سيكون بعد ذلك. وبعد ثلاث سنوات فإن نجاحنا فى القضاء على طالبان والقاعدة مشكوك فيه، وقد فشلنا فى إقامة دولة، وأصبحت أفغانستان- فى وجودنا- عبارة عن إقطاعيات يديرها الجنرالات، ويمولها اقتصاد يعتمد على تجارة الأفيون التى تدر عليهم مليارات الدولارات، والولايات المتحدة هى التى دعمت هؤلاء الجنرالات ومنحتهم الأسلحة والموارد المالية وأغمضت عيونها عما يرتكبونه من انتهاكات حقوق الإنسان، وتتخلى الولايات المتحدة عن مسئولية توفير الأمن والاستقرار فى كل أفغانستان وتكتفى بتأمين العاصمة كابول وتطارد فلول القاعدة فى الجبال بالطائرات، وقد تبين عدم صحة ما أعلنه الرئيس بوش عن انتهاء العمليات الكبيرة فى أفغانستان، والدليل على ذلك أن عدد ذلك القتلى هذا العام أكبر من العام الماضى من قوات الائتلاف التى تقودها أمريكا من العاملين فى الإغاثة، ومن الجنود الأفغان التابعين لحكومة قرضاى وإنتاج الأفيون زاد بنسبة 100% ووسط الهجمات الإرهابية وقتال الجنرالات المسيطرين على الأقاليم جرت أمس (السبت) انتخابات لاختيار الرئيس رغم تقرير الأمم المتحدة الذى شكك فى نزاهة هذه الانتخابات وحذّر من أن الجنرالات يمارسون الضغط والإرهاب على الناخبين والمرشحين، وأعلنت منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا أن أفغانستان منطقة خطيرة جدا على حياة مبراقبيها فى هذه الانتخابات. وقد تعرض الرئيس قرضاى لأكثر من محاولة لاغتياله كلما تحرك خارج كابول. وليس لحكومة قرضاى سيطرة على المناطق خارج العاصمة وكذلك الحال بالنسبة للقوات الأمريكية. فقط لم تعد طالبان هى التى تقيم فى قصر الرئاسة، وعادت الفتيات إلى المدارس فى بعض أجزاء من أفغانستان..
فأين هو النجاح الذى حققته الإدارة الأمريكية والذى يتحدث عنه الرئيس بوش بمنتهى الثقة؟. أو هكذا يحاول أن يبدو أمام الناخبين!