6 اكتوبر فى سجل انتصارات المصرين
فى أكتوبر 1998 نظمت القوات المسلحة الندوة الاستراتيجية عن حرب أكتوبر، كانت على أعلى درجة من التنظيم وشملت بالدراسة العميقة تحليل المعارك وما أحاط بها من عوامل سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ودولية، وقومية، أظـهرت عبقرية الأداء للقوات المسلحة المصرية، والتكامل الدقيق بين العناصر التى حققت النصر.
فى هذه الندوة تحدث الرئيس مبارك عن حرب أكتوبر كقائد سياسى وعسكرى شارك فى ملحمة النصر بالنصيب الأكبر. وفى حديثه عن روح القتال العالية التى كانت مثار دهشة المراقبين والمحللين العسكريين الأجانب قال: إن التسابق للتضحية بالروح فى المعركة من الجنود جميعا ودون استثناء كان الدافع لها الدفاع عن الأرض، وارتباط المصرى بالأرض أقوى من ارتباطـه بأمه وبأبنائه، وأعمق من ارتباطـه بالحياة ذاتها، والأرض فى ضمير المصرى تنصهر مع العقيدة، والقيم والتراث، والمستقبل.. تنصهر كلها فى سبيكة واحدة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن حرب أكتوبر لم تكن مجرد معركة عسكرية، وإنما كانت اختبارا حاسما لقدرة الشعب على أن يحول الحلم إلى حقيقة، وكانت أيضا إجابة عن سؤال صعب: هل تتحدد نتائج المعارك بنوعية وكمية السلاح أو بإرادة الرجال؟ وكانت إجابة المصريين أن النصر ليس بالسلاح وحده، وإن إرادة الرجال يمكن أن تتفوق على أحدث وأقوى الأسلحة.
وكان المعنى الذى أراد الرئيس مبارك أن يركز عليه فى تحليله لعوامل النصر فى حرب أكتوبر هو أن نصر أكتوبر ليس حدثا خارج السياق التاريخى لمصر والمصريين، وليس معجزة خارقة ليس لها مثيل فى سجل المعارك والحروب المصرية، وهو سجل ملئ بالانتصارات يحفظها التاريخ، ولن يستطيع أحد أن يلقى عليها ستار النسيان، أو غبار التهوين من شأنها، فالسجل ملىء.. من الحرب المظفرة لطرد الهكسوس عندما أرادوا احتلال أرض مصر المقدسة، وكان للهكسوس جيش لا يقهر، وكان الهكسوس مثالا للصلف العسكرى فى العصر القديم، لكن المصريين هزموهم، وحرروا الأرض المقدسة، وعادت جيوش المصريين مكللة بالنصر، وسجلت انتصاراتهم جدران المعابد الفرعونية، وأصبحت أناشيد النصر جزءا من الابتهالات فى الصلوات تخليدا للبطولة والتضحية والوطنية.. وفى السجل أمجاد النصر على الغزوة الاستعمارية التى جاءت تتمسح بالصليب وتسعى إلى اغتصاب القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.. ومسيرة النضال طويلة.. طويلة.. ليس فى تاريخ أى شعب فى العالم معارك وانتصارات، كما فى تاريخ المصريين.. حرب بعد حرب.. ونصر بعد نصر.. ونصر بعد هزيمة.. النصر دائما هو النهاية لملحمة النضال ضد العدوان ومحاولات الاحتلال المتكررة.. نابليون والحملة الفرنسية.. الاحتلال البريطانى.. العدوان الثلاثى.. حرب الاستنزاف بعد هزيمة 67.. ثم تصاعدت أحداث الملحمة الكبرى فى 6 أكتوبر.
هذا هو المعنى الذى أشار إليه الرئيس مبارك حين قال: إذا كان البعض يصف نصر أكتوبر بأنه إعجاز فإن المصريين كانت أعمالهم الكبرى سلسلة من الإنجازات الخارقة، وإن مكانة نصر أكتوبر يجب النظر إليها على أنها حلقة فى هذه السلسلة الكبيرة، ومواصلة لمسيرة حضارية طويلة.
والدراسات الاستراتيجية فى مراكز البحوث الدولية تتفق فى أن الأداء العسكرى للقوات المصرية كان قمة فى الدقة والتخطيط والإعداد والتدريب، وأن ذلك هو مفتاح النصر فى هذه الحرب، ويركز الرئيس مبارك على أن النصر جاء نتيجة عمل جماعى شارك فيه كل مصرى ومصرية، وكان هذا الإنجاز عملا بطوليا فدائيا خالصا لوجه الله والوطن، فجاءت المعركة فى اليوم الموعود معزوفة رائعة كفيلة بأن تتناقلها الأجيال القادمة بمشاعر الفخر.
الأبطال فى حرب أكتوبر كثيرون.. كثيرون.. كلهم صنعوا النصر وقدم كل واحد كل ما يملك من علم، وخبرة، وإرادة، وضحى أغلى الرجال بأرواحهم عن طيب خاطر.. وتحمل المسئولية الكبرى أحد قادة مصر العظام الرئيس الراحل أنور السادات. وبتواضع شديد يقول الرئيس مبارك عن دوره الحاسم فى هذه الحرب، إنه يعتز بالدور الذى هيأت له المقادير أن يؤديه فى هذه المعركة الفاصلة فى اللحظات الأولى والتى بدأت بدك حصون العدو المنيعة، وقصف مواقع القيادة والتحكم، وقطع خطوط اتصاله فى عمق سيناء، وتم ذلك فى ساعات محدودة مما أفقد العدو توازنه وأصابه باليأس بعد أن كان يتباهى بقوته التى لا تقهر.. مبارك يعتز بدوره فى هذا النصر، ونحن أيضا نعتز بدوره ونعتز معه بدور الرئيس جمال عبد الناصر، لأن إعداد القوات المسلحة لحرب أكتوبر استغرق ست سنوات كاملة كما يقول الرئيس مبارك، وهى الفترة التى انقضت بين النكسة الموجعة والانتصار الكاسح، ودارت خلالها حرب استنزاف باهظة التكاليف بشريا وماديا، وتطلبت من الشعب المصرى بجميع فئاته تضحيات جسيمة لم يتردد أحد فى تقديمها.
واليوم ونحن نحتفل بنصر أكتوبر يجب أن نركز على عدة نقاط:
* يجب ألا نسقط من حسابنا عنصرا مهما من عناصر النصر، وهو البعد القومى الذى تمثل فى تنسيق خطة متكاملة بين مصر وسوريا، ومشاركة الأشقاء العرب فى المشرق والمغرب فى المعركة بتوظيف سلاح البترول بمبادرة من قادة عظام، وبالسلاح، وبالقوات، وبالدعم المادى والسياسى، وإذا كان البعض يتنكر للعروبة اليوم، فإنه يخدم بذلك المخطط الخبيث للتفريق بين العرب وتشتيت قواهم، ودفعهم إلى التشرذم فى كيانات صغيرة محدودة، وواجب الحريصين على مستقبل مصر والمصريين أن يتصدوا لهذه المؤامرة، ويقفوا وقفة جادة لاستعادة وحدة الصف العربى. فالوحدة هى القوة.. ومصر مع الحرب حققت النصر.. وهى لا تستغنى عن أشقائها.. كما أن الأشقاء لا غنى لهم ولا حياة بدونها.
* ويجب أن تدّرس فى المدارس والجامعات بالتفصيل أعمال هذه الندوة الاستراتيجية عن حرب أكتوبر وبخاصة الحقائق التى طرحها الرئيس مبارك فى افتتاح وختام المناقشات، لا يكفى أن تكون حرب أكتوبر موضوعا فى حصة، أو فصلا فى كتاب التاريخ، ولكن يجب أن تكون فى كتاب مستقل بعنوان (معارك الاستقلال والحرية) ويكون كل فصل من فصول الكتاب عن ملحمة النضال ضد الاحتلال على مدى التاريخ لتكون حلقات سلسلة النصر والفخر واضحة ومحفوظة – بل محفورة – فى قلب وضمير كل مصرى.. وفصول الملحمة كثيرة من أحمس إلى السادات.. من طرد الهكسوس إلى طرد الإسرائيليين.. وهزيمة الغزاة فى كل عصر. هذا شىء ضرورى لحماية مستقبل الأمة ولإحياء جذوة الوطنية وعدم السماح لها بأن تخبو ولو لحظة.
* ويجب أيضا أن يتذكر المؤرخون، والمثقفون، والمبدعون كلمات العتاب التى وجهها إليهم الرئيس مبارك لأن هذه الصفحة الناصعة فى التاريخ المصرى لم تحظ بما تستحقه من الاهتمام، وكان جديرا أن يسجلوا اللحظات الحاسمة فيها بأقلامهم، ورسومهم، وأشعارهم، وأفلامهم، ومسرحياتهم، ورواياتهم، لكى تظل هذه اللحظات حية فى وجدان الأجيال المتعاقبة إلى الأبد.
نصر أكتوبر ليس مصادفة، ولا ضربة حظ.. نصر أكتوبر هو حقيقة مصر والمصريين، واقرأوا تاريخ مصر منذ آلاف السنين.