متى نحاسب الدكتور شحاتة؟
الدكتور عبد الرحيم شحاتة له سجل ملىء بالإنجازات عندما كان محافظا للقاهرة، ونجاحه كمحافظ هو الذى رشحه ليصبح وزير التنمية المحلية، ويكون مسئولا عن تحقيق مطالب طموحة للناس فى المحافظات. والحقيقة أن مهمة الدكتور شحاتة ليست سهلة وفى نفس الوقت فإنها ليست مستحيلة، لأن أمامه أعمالا ناجحة حققها مصطفى عبد القادر وزير التنمية المحلية السابق الذى أدى واجبه بمنتهى الكفاءة والإخلاص، كما حققها عدد من المحافظين بنسبة نجاح تفوق ما كان متاحا لهم من إمكانات، وبعضهم حقق ما يشبه المعجزات.
ولكن أوضاع المحافظات – مع كل ذلك – ما زالت فى مجملها تحتاج إلى جهود كبيرة جدا، ليس من الوزير وحده، ولا من الوزارة والمحافظين فقط، ولكن لابد من مشاركة شعبية حقيقية تدفع وتساعد وتسد النقص. كذلك فإن الإعلام عليه مسئولية كبرى، لأنه حتى الآن لم يقم بما يجب أن يقوم به من حشد الناس، وإثارة حماسهم، وتشجيعهم على المساهمة بالفكر والجهد والمال، ولم يقدم بصورة كافية النماذج الناجحة لمشاركة المواطنين جميعا معه – وليس رجال الأعمال فقط- فى تحسين أوضاع محافظاتهم. وعندما أتحدث عن الإعلام أقصد التليفزيون والصحافة والثقافة الجماهيرية وكل وسائل الاتصال والتأثير فى الرأى العام.. ولا أعفى من المسئولية الأحزاب السياسية أيضا.
وكما كنت أتوقع، بدأ الدكتور شحاتة عمله بالأسلوب العلمى، جمع الدراسات والأفكار والمشروعات السابقة.. ولم يفكر فى تبديد وقته وطاقته فى هدم ما فعله السابقون عليه.. وأعد خطة للعمل إذا نفذت فعلا فسوف تتغير الحياة فى المحافظات والمدن والقرى، وسوف يتم تحسين مستوى معيشة المصريين فعلا، وسوف يتحقق الحلم بتحديث مصر فعلا وليس قولا.
الدكتور شحاتة وضع يده على نقطة البداية الصحيحة، وهى (الإنتاج).. وأدرك أن زيادة أو نقص الإنتاج هو العامل الأساسى المؤثر فى الأسعار، والأجور، والتضخم، والعجز فى الموازنة، وفى ميزان المدفوعات، وزيادة الديون الخارجية والداخلية- الإنتاج.. الإنتاج.. وكل جهد للإصلاح إذا لم يبدأ بتحسين وزيادة الإنتاج لن يكون مجديا ولن يحقق شيئا.. لابد أن ندرك، ونعترف، بأن إنتاجنا أقل من احتياجاتنا، والفارق بين إنتاجنا واحتياجاتنا فارق كبير، والجريمة التى نرتكبها فى حق أنفسنا أن هذا الإنتاج المنخفض فى الكمية والجودة لا يتناسب على الإطلاق مع ما لدينا من موارد.. لدينا موارد كبيرة من الأرض، والماء، والبشر، فلماذا لا يكون إنتاجنا متناسبا مع قدراتنا الحقيقية ومع هذه الموارد؟
الدكتور شحاتة وضع يده على الحقيقة التى لا يعترف بها كثيرون، وهى أن نوعية إدارة الاقتصاد المصرى فى الماضى هى السبب، ولذلك فإن البداية الصحيحة هى إعادة النظر فى الإدارة الاقتصادية، وهذا هو جوهر الإصلاح الاقتصادى.. تغيير كامل فى الإدارة.. إدارة الإنتاج وإدارة الخدمات.. الإدارة المتخلفة.. والبيروقراطية.. وسيطرة عقلية الموظفين القديمة.. والفساد الإدارى.. ونظام الضرائب الذى لم يحقق نجاحا.. وعدم استقرار القوانين.. كل سنة نظام جديد وقانون جديد وتعديل للقانون الجديد.. وحديث وردى عن التدريب ورفع كفاءة العاملين للوصول بإنتاجية العامل المصرى، والمهندس المصرى، والمدير المصرى، إلى مستويات أفضل مما هى عليه.. ولا نقول الوصول إلى المستويات العالمية.. ومع ذلك فكل هذا كلام فى كلام!
***
الدكتور شحاتة يضع أمامنا ثلاث حقائق عن الزراعة وإنتاج الغذاء، وهو فى الأصل أستاذ فى كلية الزراعة قبل أن يصبح محافظا ثم وزيرا.
الحقيقة الأولى نعرفها جميعا ولا نفعل شيئا ذا قيمة لعلاجها وهى زيادة السكان زيادة تفوق قدرتنا على تلبية احتياجات هذه الملايين التى تتدفق كل سنة.
الحقيقة الثانية نلمسها فى أنفسنا ونراها فى كل من حولنا، وهى أن استهلاك المصريين زاد فى جميع المواد الغذائية، ونحن نشكو كثيرا كعادتنا من ارتفاع الأسعار، ولكن الحقيقية أن المصريين يأكلون أفضل وأكثر مما كانوا يأكلون منذ نصف قرن.. وهذه الزيادة فى استهلاك المواد الغذائية لا تتناسب مع زيادة إنتاجنا منها.. صحيح أن الإنتاج زاد فى بعض المحاصيل.. ولكن زيادة الاستهلاك أكبر.. وهذه هى المعضلة!
الحقيقة الثالثة أن معدلات التنمية الزراعية متواضعة.. طبعا حدثت زيادة فى مساحات الأرض الجديدة المستصلحة.. وحدثت زيادة فى إنتاجية الفدان فى بعض المحاصيل.. ولكن الزيادة أقل مما كان ممكنا، وأقل بكثير مما هو مطلوب للاستهلاك المحلى والتصدير.
هذه الحقائق الثلاث هى التى أدت إلى (الفجوة الغذائية) التى نعانى منها، وجعلت هذه الفجوة تزداد سنة بعد أخرى.. وكان لابد أن يؤدى ذلك إلى زيادة الأعباء على ميزان المدفوعات حتى وصلت قيمة العجز فى ميزان المدفوعات الزراعية فى سنوات الخطة الخمس الماضية أكثر من 15 مليار دولار!
ما هو الحل؟
الحل عند الدكتور شحاتة هو البدء فى إعداد وتنفيذ مشروع وطنى متكامل للتنمية الزراعية يحقق زيادة الإنتاج، ويضيف مساحات جديدة للأرض الزراعية المنتجة، ويحقق تنوع المنتجات الزراعية، وبذلك يمكن تقليل الفجوة الغذائية وربما يؤدى إلى زيادة التصدير.
من الذى سيضع وينفذ هذا المشروع الوطنى المتكامل؟
طبعا ليس الدكتور شحاتة وحده، وليس المحافظون وحدهم، ولكن لابد أن يكون ذلك مشروع الدولة كلها بجميع أجهزتها، وقياداتها السياسية والتنفيذية، وإذا لم يشارك جميع المصريين فى هذا المشروع بنفس الحماس الذى أقاموا به السد العالى فلن يحقق ما نسعى إليه.
***
لابد أن نقدر للدكتور شحاتة – كوزير مسئول – اعترافه بالواقع وعدم اللجوء إلى تجميله، فهو يعترف بمنتهى الصراحة بأن الأرض، والمياه، والهواء، فى مصر تعرضت لاعتداءات صارخة، وأن برامج التصنيع والخدمات التى أنفقت عليها مليارات الجنيهات خلال أربعين عاما تجاهلت حماية العناصر الأساسية للتنمية وهو يقول بمنتهى الصراحة:
* أحرقنا الأرض الزراعية بعد أن جرّفناها وأقمنا عليها المبانى!
* لوثنا النيل بمخلفات الإنسان والحيوان على طول البلاد وعرضها!
* أسرفنا فى استخدام المبيدات بجميع أنواعها!
* قتلنا الأسماك فى البحيرات نتيجة صب كميات هائلة من المبيدات ومخلفات المجارى فيها!
* أنشأنا المصانع فى مواقع متناثرة حول المدن المزدحمة بالسكان دون ضوابط!
* سمحنا بازدحام المدن بالسيارات المتهالكة التى تلقى كميات هائلة من السموم!
* تركنا أهل الريف يفسدون ما كان للقرية من جمال، ولم نوقف عشوائية إلقاء المخلفات فى أنحاء القرية حتى أصبح القبح وانعدام النظافة وتجاهل اعتبارات الصحة هى السمات الغالبة مع الأسف!
ما الحل؟
الحل.. عنده – تنفيذ برنامج لإنقاذ البيئة.. والدكتور شحاتة يستخدم كلمة (إنقاذ) ولا يستخدم كلمة تحسين أو (تطوير).. مما يعنى أننا أصبحنا أمام خطر شديد يحتاج إلى إنقاذ.. وهو نفسه يقول: إن هذا البرنامج لابد أن يحقق احترام المصريين لحرمة النهر، وحرمة الطريق، وحرمة الأرض، وحرمة الهواء.. وهو نفسه الذى يقول: (إن هذه أمور تتعلق بإنقاذ المواطن المصرى من أخطار حقيقية لا يمكن مع وجودها تحقيق نهضة أو صيانة وطن). وأرجو قراءة هذه العبارة والكلمات التى اختارها الوزير المسئول وهى: أخطار حقيقية.. ولا يمكن تحقيق نهضة.. ولا يمكن صيانة وطن، مع وجودها.. هل نحتاج إلى مطرقة، تضرب رؤسنا وتوقظنا من سباتنا العميق، وتخرجنا من حالة الاستسلام، أكبر من هذه العبارة؟
ومع هذا المشروع الثورى للوزير فإن وعوده تشمل: إعادة ترتيب الخريطة السكانية بين الريف والمدن، وبين الوادى والصحراء، ومنع المواطن- بكل الطرق- من العودة إلى العشوائية فى المدن والقرى على السواء. وقبل ذلك وضع تخطيط مسبق لكل مدينة وكل قرية مدعم بسلطة القانون، ويحميه الرأى العام الذى يضع مصلحة المجتمع فوق الاستثناء والمحسوبية.. ومرة أخرى نلاحظ أن الوزير المسئول يتحدث عن الاستثناء والمحسوبية ويعترف بأنهما يؤديان إلى فساد المجتمع وضياع هيبة القانون.
هل يستطيع الدكتور شحاتة والمحافظون والحكومة تنفيذ كل هذه الوعود؟ هل يستطيعون إنهاء سطوة الفساد والمحسوبية والتحايل على القانون التى يتحدث عنها؟
***
والدكتور شحاتة يقدم فى مشروعه تحليلا دقيقا لأحوال الشباب وأسباب التطرف ويلخصها فى ثلاثة أسباب:
السبب الأول: البطالة ويقول إن البطالة تطحن طموح الشباب وتطلعه إلى المستقبل، وتضيع أحلى سنوات عمره، وأكثرها إنتاجا، وأغناها بالحماس والعطاء.
والسبب الثانى: النماذج الصارخة للسفه الاجتماعى لبعض الشرائح المستحدثة فى المجتمع، وهذه النماذج تدوس مثاليات الشباب.
والسبب الثالث: النماذج الفاضحة للانحراف السلوكى واستباحة المال العام التى تلوث نقاء الشباب ونقاء المجتمع.
والنتيجة- التى يصل إليها بعد هذا التحليل– هى أن الشباب يعيش فى صراع بين حبه لوطنه، وغيرته على مجتمعه من ناحية، ورغبته فى الخلاص من مشاكله الشخصية من ناحية أخرى، وتتلقفه جماعات التطرف الدينى، أو يقع فى هاوية الإدمان، لعله يجد فى أحدهما مخرجا يضع حدا لمعاناته أو ينسيه بعضا منها.
والحل عنده.. لا خيار أمام مصر لكى تستنقذ هذا الشباب إلا أن تكون أكثر تفهما لمشاكله، وأكثر عزما على التغلب على الظروف التى ولّدت هذا الاحباط الواسع لديه، ولا خيار أمامها إلا أن تحتضن شبابها وترعاهم وتسمع منهم، وتقدم لهم النصح، وتعيد تخطيط وتطوير التعليم والتدريب بما يخدم أولويات التنمية، وتعمل على تنشيط الاقتصاد الذى طالت علته لخلق فرص عمل جديدة حقيقية..
يقول الوزير المسئول: إن شباب مصر فى حاجة إلى العمل الذى يتيح الكسب الحلال، وإلى السكن، والزوجة، وفى حاجة أيضا إلى القدوة فى المجتمع، وبدون أن يتيح المجتمع هذه الاحتياجات الأساسية لأفراده يصبح الانتماء كلمة لا معنى لها.
إذا كان الوزير – العضو فى الحكومة – هو الذى يقول هذا الكلام فماذا يمكن أن يقوله الناس..؟
***
والدكتور شحاتة يمضى فى تحليله للمجتمع المصرى فيقول: إنه برغم الجهود التى بذلت فى الحقبة الأخيرة، فلا زالت ثنائية التنمية وتحيزها ظاهرة للعيان، ومن أهم ملامحها تفاوت التنمية بين المدن المتقدمة، والريف الأقل تقدما، وبين محافظات الشمال ومحافظات الجنوب، وبين قلة محدودة من الناس هم الأكثر دخلا، والشرائح العريضة هى الأقل دخلا، وبين قطاعات تحصل على الخدمات بسهولة، والقطاعات الأكبر تعانى من أجل الحصول على نصيبها المشروع، وبين الإناث والتحيز ضدهن والتفضيل للذكور.. هذه الفجوات التنموية بصورها المتعددة من غير المقبول استمرارها، للاعتبارات الدينية والأخلاقية، ولأن استمرارها يعرقل فرص التنمية.
والحل عنده إعادة التوازن بين قطاعات المجتمع، وإجراء قياسات التنمية البشرية على شرائح وفئات المجتمع لتحقيق العدالة، وإعادة توزيع الموارد القومية بين الأقاليم والمحافظات والمدن والقرى، وتطبيق استراتيجية تعيد للفئات الأكثر عددا والأشد احتياجا من محدودى الدخل حقها المشروع لكى تستعيد إحساسها بالانتماء.
إلى هنا والدكتور شحاتة– مثلنا جميعا– بارع فى التحليل والوصف والتشخيص، ولكنه حين يتحدث عن المسئولية عن العلاج فإنه يجعل هذه المسئولية شائعة، وهو يقدم روشتة للعلاج ولكنها فيما يبدو سهلة بالكلام وصعبة فى التنفيذ!
***
فهو يتناول قضية اللامركزية والمشاركة فيرى أن سبب المشاكل هى المركزية الشديدة من ناحية، وضعف منظمات المجتمع المدنى من ناحية أخرى، ولذلك فإن الحمل على الإدارة الحكومية ثقيل يفوق طاقتها، وقد دفعت مصر بسبب ذلك ثمنا غاليا، وأدركت مؤخرا أن المشاركة ليست مطلبا شعبيا فقط، ولكنها أصبحت مطلبا للحكومة أيضا، بعد أن أثقل الانفراد بالسلطة كاهل الحكومة وعرقل جهود التنمية.
والحل عنده هو تطوير إدارة المجتمع المحلى فى اتجاهين: اللامركزية، والمشاركة.. اللامركزية هى استجابة لطبيعة الدولة الحديثة، وهى ضرورية للديمقراطية، واللحظة الراهنة هى الفرصة السانحة للتطور لأن اللامركزية والمشاركة هما التوجه المعلن للقيادة السياسية، وللنخبة، وللحكومة، ولمنظمات المجتمع المدنى، وللقواعد الشعبية.. فلماذا لا يبدأ العمل فورا لتحقيق اللامركزية.؟ ولماذا الإصرار على بقاء المركزية والانفراد بالسلطة على حد تعبيره؟! هل يحتاج الأمر إلى تغيير القوانين؟ هل يحتاج إلى تغيير أسلوب العمل؟ هل يحتاج إلى تغيير القيادات؟
***
روشتة الدكتور شحاتة أقرب إلى الحلم وتتلخص فيما يلى:
أولا: رفع كفاءة البنية الأساسية فى القرى والأحياء والمدن فى جميع المحافظات، واستكمال البنية الأساسية فى مياه الشرب، والصرف الصحى، والطرق، والاتصالات، والطاقة، والكهرباء، وتحسين البيئة، والإسكان لمحدودى الدخل والشباب، من خلال برنامج شروق لتنمية القرى (الذى بدأه الدكتور محمود شريف وزير الإدارة المحلية الأسبق، واستكمله اللواء مصطفى عبد القادر وزير التنمية المحلية السابق، وكانت بدايته عام 1994 واستمر عشر سنوات حتى الآن، وتنتهى فى يونيو 2004، وأنفق عليه 2586 مليون جنيه منها 1837 مليون جنيه موارد حكومية، و749 مليون جنيه مشاركة شعبية، وفى خطة هذا العام – 2004 – 2005 مشروعات باستثمارات 240 مليون جنيه منها 120 مليون جنيه موارد حكومية، و120 مليون جنيه مشاركة شعبية.
وهذا شىء عظيم طبعا، ولكن سيتم رفع كفاءة البنية الأساسية فى مياه الشرب، والصرف الصحى، والطرق، والاتصالات، والطاقة، والكهرباء، والبيئة، والإسكان لمحدودى الدخل والشباب.. فى جميع القرى، بجميع المحافظات بمبلغ 240 مليوناً فقط، وماذا سيكون نصيب كل قرية وعندنا 4623 قرية ويضاف إليها 26753 من التوابع، والنجوع، والعزب؟!
يجيب الدكتور شحاتة بأن مشروع شروق ليس وحده، فهناك خطة عاجلة للقرى والأحياء والمدن لتوفير الخدمات الأساسية، باستثمارات تبلغ هذا العام 1193 مليون جنيه وقد أنفق فى السنوات الأربع الماضية 3563 مليون جنيه.
ويبدو أن الدكتور شحاتة غير راضٍ عن ترتيب الأولويات الذى تم فى هذه الخطة العاجلة، لأنه يتعهد بإعادة ترتيبها بشكل أفضل دون أن يقول لنا ماذا فى الترتيب القائم من عيوب، وماذا فى الترتيب الموعود من مزايا!
***
ومع مشروع شروق، والخطة العاجلة، يحدثنا عن تطوير المناطق العشوائية فيقول: إن إجمالى الاستثمارات فى خطة هذا العام تبلغ 129 مليون جنيه، تضاف إلى ما سبق إنفاقه على هذا المشروع منذ عام 1993 ويبلغ 2600 مليون جنيه. وتم بهذه الاعتمادات تطوير 309 مناطق عشوائية، ولا يزال العمل جاريا فى تطوير 578 منطقة أخرى، ويتبقى 243 منطقة عشوائية لم يبدأ العمل بها حتى الآن..
هذا يعطينا فكرة عن الحجم الحقيقى لمشكلة العشوائيات التى يعيش فيها ملايين المواطنين فى ظروف غير إنسانية.. تحسنت أحوال سكان 309 مناطق وأصبحو يعيشون فى ظروف إنسانية.. وسكان 578 منطقة عشوائية ينتظرون أن ينتهى العمل لتحسين ظروفهم، ولا يزال فى مصر سكان 243 منطقة عشوائية فى 19 محافظة ومدينة الأقصر لم يصبهم الدور ليعيشوا فى ظروف إنسانية!
***
الشىء الذى يثير الدهشة أن الوعود الكثيرة عن أحلام المحليات لا تقابلها زيادة الاعتمادات فى موازنات المحافظات لكى نصدق أنها ستنفذ. ففى العام الماضى كان المخصص للاستثمارات فى المحافظات مليار جنيه و220 مليونا، أما الاعتمادات هذا العام فلم تزد، بل انخفضت بمقدار 86 مليون جنيه، فكيف نصدق الوعد بزيادة المشروعات إذا كانت الاستثمارات قد انخفضت!
هل نفهم من ذلك أن الكلام على الورق شىء، والتنفيذ على الأرض شىء آخر؟
ومع ذلك فلا أحد ينكر ما تم من مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى ورصف الطرق بتمويل الصندوق الاجتماعى التى أنفق عليها مليار جنيه، ولا مشروعات الوزارات والجهات المركزية، ولا مشروع تنمية القرى الذى ينفذ مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بعد أن تبين أن القرى والمدن فى محافظات الصعيد وبعض محافظات الحدود لا زال معدل الفقر فيها مرتفعا.
ولا أحد ينكر مشروعات المساكن التى تمولها صناديق الإسكان الاقتصادى وبنك الاستثمار، ولكن كل هذه المساكن 38 ألف وحدة فقط، ولم يكتمل بناؤها حتى اليوم، فهل تكفى لحل أزمة تحتاج إلى مليون مسكن على الأقل؟
***
ونأتى إلى الهم الأكبر.. البطالة.. ماذا لدى الدكتور شحاتة؟
وعود الدكتور شحاتة تتلخص فى: تنفيذ تجربة تشغيل الشباب فى جميع المحافظات على غرار ما تم فى محافظات القاهرة والجيزة والفيوم، وزيادة فاعلية مشروع الإقراض من الصندوق الاجتماعى وصندوق التنمية المحلية، والتوسع فى إقراض الورش الحرفية لتشغيل الشباب، وزيادة نشاط الجمعيات التعاونية الإنتاجية.. الخ.. الخ.
***
الحقيقة أن روشتة الدكتور شحاتة جيدة وتبشر بالخير.. ولكنها غير كافية، وغير شافية، ولا تناسب التشخيص المؤلم لمشاكل المجتمع المصرى، ومع ذلك فإنها- كما يقال دائما- خطوة يبدأ به طريق الألف ميل.. وشىء أفضل من لا شىء..
لكن أمام الدكتور شحاتة مشكلتين لابد أن يجد لهما الحلول المناسبة:
المشكلة الأولى: هى عدم المصداقية.. الناس لم تعد تصدق وعود المسئولين.. وبعد أن كانوا يقرأون وعودهم فى الصحف ويقولون (كلام جرايد) أى مجرد فبركة وفرقعة فى الهواء، أصبحوا يقرأون الوعود ويقولون (كلام وزراء) ومأساة صفر المونديال ليست بعيدة! والحل أن يتبع الوزراء استراتيجية: (قليل من الكلام وكثير من العمل وتأجيل الوعود إلى أن يتم إنجاز العمل). ولذلك أنصح الدكتور شحاتة بأن يقلل من الحديث الذى يبدأ بكلمة (سوف) وينتظر إلى أن يصبح قادرا على أن يستخدم كلمة (تم) كذا وكذا.. وهذا هو السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الناس فى وعود الحكومة.
المشكلة الثانية: أن بعض المحافظين فهموا أن التوجيه الصادر إليهم بالالتحام بالجماهير على أن عليهم أن يجلسوا على المقاهى ويقفوا فى طوابير العيش، ويلبسوا الجلابية البلدى ويقطعوا تذكرة للعلاج فى وحدة صحية.. هذه أساليب المخبرين وليست أساليب المحافظين.. المحافظ لديه وسائل كثيرة لمعرفة المشاكل والالتقاء بالجماهير فى إطار جاد، وحوار حقيقى بدون هذه التمثيليات المظهرية.. لا يهمنا أن يسير المحافظ فى الشارع على قدميه والى جانبه مصورو التلفزيون ليسألوا الناس: مشاكلكم أيه؟؛ فهذا تبسيط مخل لفكرة الالتحام بالجماهير.. المقصود أن تكون هناك لقاءات سياسية، وحوارات سياسية، ومناقشات حقيقية للمشاكل، وإشراك حقيقى للقيادات الشعبية والجماهير فى البحث عن الحلول والمساهمة فيها.
خطة الوزير فيها نقاط كثيرة قد نعود إليها لاستكمال مناقشتها.
أما السؤال الأول والأخير للدكتور شحاتة فهو: متى يمكن محاسبته على ما تم وما لم يتم من قائمة الوعود الطويلة التى تضمنتها هذه الخطة ؟ هل بعد سنة، أو بعد عشر، أو بعد سنوات لا يعلم مداها إلا الله؟
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف