أمريكا فى عيون المصريين
فى تقرير لإذاعة (بى. بى. سى البريطانية) عن مشاعر المصريين تجاه أمريكا، أن المشاهدين لفيلم (فهرنهايت 11-9) فى القاهرة عبّروا عن رفضهم للسياسة الرسمية الأمريكية ومواقفها المتناقضة من القضايا العربية أثناء عرض الفيلم الذى يحمل نقدا لاذعا للرئيس الأمريكى وإدارته.
وعرض التقرير اتجاهين: أحدهما: يرى أن الانبهار بقيم ونمط الحياة الأمريكية بدأ يتلاشى لتحل محله مشاعر كارهة للمواقف غير العادلة للإدارة الأمريكية، وثانيهما: يرى أن بعض المصريين ينظرون بقدر كبير من التحفظ للولايات المتحدة لكن صورتها فى عيونهم لا تزال بها جوانب جذابة لما فى الثقافة الأمريكية من قيم الحرية والديمقراطية.
وأظهرت نتائج استطلاع للرأى فى 35 دولة من الدول الحليفة والصديقة تقليديا لأمريكا نشرته شركة جلوبسكان العالمية للبحوث وجامعة ميريلاند الأمريكية أن الأغلبية فى 30 دولة من هذه الدول يريدون خروج الرئيس الأمريكى جورج بوش من البيت الأبيض. وأعلن ستيفن كول مدير برنامج جامعة ميريلاند أن أربعة من خمسة أشخاص لا يريدون رؤية الرئيس بوش وقد أعيد انتخابه. ولم يحصل بوش على أغلبية تؤيده إلا فى الفلبين، ونيجيريا، وبولندا، وانقسمت الآراء بالتساوى فى الهند وتايلاند.
والحقيقة أن مشاعر المصريين عموما تعتبر أن الشعب الأمريكى شعب صديق، وأن الثقافة الأمريكية وأسلوب الحياة الأمريكية يجذبان قطاعا واسعا من الشباب، يرون أمريكا أرض الحلم الجميل بالحرية والرخاء، ولكن أغلبية المصريين يشعرون بالكراهية ليس لأمريكا كدولة أو كشعب ولكن للسياسة الأمريكية التى تحولت فى ظل الإدارة الحالية من موقف الصداقة إلى موقف العداء للعرب والمسلمين.. خصوصاً بعد غزو العراق وعمليات القتل والتدمير اليومية دون تمييز. وفظائع سجن أبو غريب. وفى نفس الوقت فإن الضغوط الأمريكية على سوريا والسودان وليبيا وسائر الدول العربية والإسلامية تثير فى نفوس الشعوب الخوف من نوايا أمريكا، وكذلك فإن تأييد الإدارة الأمريكية للفظائع التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى واغتصابها للأراضى الفلسطينية وإقامة السور العازل مع استمرار الإدارة الأمريكية فى إلقاء اللوم على الطرف الفلسطينى المظلوم والضعيف.. كل ذلك أدى فى النهاية إلى الحالة التى تجعل الإدارة الأمريكية تتساءل: لماذا يكرهنا العرب والعالم؟
والإجابة فى صحيفة الاندبندنت البريطانية التى قالت: إنه بينما عدد القتلى الأمريكيين فى العراق أكثر من ألف قتيل إلا أن الإدارة الأمريكية- والعالم- يتجاهلون القتلى العراقيين الذين يتساقطون كل يوم بالعشرات والمئات، والصواريخ والمدفعية الثقيلة الأمريكية تقصف المدن العراقية المزدحمة بالسكان دون مبالاة بعدد القتلى.
وفى كتاب صدر حديثا فى أمريكا بعنوان (لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب؟) من تأليف واحد من كبار قيادات المخابرات الأمريكية السابقين. إنه من المستحيل فهم التهديد الذى تواجهه أمريكا بدون إدراك مدى قوة وانتشار هذه الكراهية التى تغذيها التعليقات السلبية التى تصدر عن رجال الدين البروتستانت الأمريكيين عن الإسلام والنبى محمد صلى الله عليه وسلم، ويراها المسلمون تهديدا لهم واستهانة بعقائدهم، مثل قول القس المشهور بات روبرتسون: (إن هتلز سيئ، ولكن ما يفعله المسلمون باليهود أسوأ)، ووصف الأسقف صاحب التأثير الواسع جيرى فالويل للنبى محمد صلى الله عليه وسلم بأنه إرهابى!
وقول الأسقف جيمى سواجارت (فليبارك الرب هؤلاء الذين يباركون إسرائيل ولعنة الله على الذين يلعنون إسرائيل) ووصف القس فرانكلين جراهام الإسلام بأنه (دين شرير) والمسلمون لم يسبق لهم أن واجهوا منذ قرون مثل هذه الحملة والإهانات الأمريكية. ولابد أن يكون لها تأثيرها حتى وهى لا تعبّر عن أمريكا ككل.
ويقول الكتاب إن إسرائيل والحركات المسيحية الصهيونية المتشددة لها أثر كبير فى توجيه السياسة الأمريكية، ويؤيد ذلك البروفيسور اليوت كوهينى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية فى دراسة له بعنوان: (التاريخ والقوة المفرطة) بقوله إن القوة الامبريالية الأمريكية التى تسعى إلى فرض سيطرتها على الدول هى التى تجعل عدد أصدقائها يقل يوما بعد يوم.
والصداقة بالمفهوم الأمريكى أصبحت تعنى أن يقدم التابعون لها كل ما تطلبه مقابل أن تمنحهم الحماية، وهذا المفهوم يؤدى بها حتما إلى الانعزال السياسى والعسكرى كما حدث مع الامبراطوريات السابقة وآخرها الامبراطورية البريطانية، وهذا هو ما يجعل أمريكا تبدو فى عيون العالم فى صورة (البلطجى) ويجعل الضربات التى يوجهها إليها أعداؤها تبدو فى عيونهم شجاعة وانتصارا، وفى نفس الوقت فإن المشاعر العدائية للامبريالية هى مشاعر تلقائية وحتمية وهى التى تفسّر موجة العداء التى تجتاح العالم لأمريكا، وزاد من قوتها رد الفعل على سياسات رئيس أمريكى تؤدى معتقداته وأفكاره وسلوكه إلى غضب النخب السياسية والثقافية فى أوروبا والشرق الأوسط.
هذه هى صورة أمريكا فى هذه المرحلة ليس فى عيون المصريين والعرب والمسلمين وحدهم، ولكن فى عيون 30 دولة فى القارات الخمس، وفى عيون مفكرين أمريكيين لهم وزنهم أيضا.