حوارات فى لندن
تابعت فى لندن خلال زيارتى لها حوارات ومناقشات شملت أحوال بريطانيا وأحوال العالم، وكان نصيب ثورات العالم العربى كبيرا، كما كان تركيز المعلقين كبيرا على العنف والعدوانية فى رد فعل الشعوب العربية والإسلامية على الفيلم المسىء للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكان رأى صحيفة التايمز الشهيرة أن التعبير عن الغضب بهذه الصورة كان اختبارا للروح السائدة فى الشارع العربى بعد هذه الثورات.
وقالت إن الغرب كان يرى أن هذه الثورات سوف تنقل الشعوب العربية إلى مستوى التعبير المتحضر الراقى الذى ظهر فى ميدان التحرير فى الأيام الأولى للثورة، ولكن ما حدث كان العكس، ولذلك تساءلت الصحيفة: هل الربيع العربى أصبح «الخريف العربى» الملوث بدماء الضحايا الأبرياء وبالاعتداءات على السفارات من القاهرة والخرطوم إلى تونس وصنعاء وأفغانستان؟. وكانت الاعتداءات هى جزاء الدول الغربية على المساعدات التى قدمتها للدول العربية!.
ودل ذلك على أن الأحوال لا تشجع الغرب على التفاؤل حتى فى مصر التى كانت ثورتها واعدة بالانطلاق نحو الديمقراطية وإقامة دولة مدنية حديثة، وقد أدان العرب الفيلم الفاشل، ولكنهم لم يعلنوا إدانتهم لعمليات العنف والفوضى فى اقتحام السفارات ولم يعلنوا الغضب لقتل السفير الأمريكى وثلاثة من زملائه فى بنغازى.
وأضيف إلى ذلك ظهور جماعات إسلامية جهادية مسلحة تستغل ضعف الحكومات الجديدة وهشاشة الأوضاع الأمنية خاصة فى ليبيا وتهاجم أقسام الشرطة وتفجر سيارات مفخخة، ومع ذلك فإن الغرب لا يزال لديه الأمل والتفاؤل فى أن يعود التوازن إلى الحياة السياسية فى الشارع العربى، فليس من المنطقى أن تطلب حكومات الثورة فى الدول العربية مساعدات من الدول الغربية ومعونات فنية واستثمارات وتدفق السياح منها، بينما تعلن الشعوب العربية كراهيتها للغرب.
وفى نفس الوقت يزور مصر عدد كبير من المستثمرين الأمريكيين والأوروبيين لبحث فرص الاستثمار وتنمية الاقتصاد والسياحة، ويأملون أن يتوافر لذلك مناخ الأمن والديمقراطية لأن المستثمرين لا يجازفون بأموالهم ومشروعاتهم إلا حين يشعرون بالثقة والاطمئنان إلى سلامة حياتهم ومشروعاتهم وأموالهم.. ولكى تساعد الحكومات الغربية الشعب السورى للحصول على حريته لابد أن يتم ذلك فى جو من الصداقة وليس فى جو من العداء.. والحكومات الغربية من جانبها أعلنت إدانتها للفيلم وإدانتها لرد الفعل بالقتل والاقتحام، وعبّرت عن أملها فى ألا يتسبب فيلم ساقط فى إساءة العلاقات بين الدول والشعوب!
***
هذا الكلام يستحق أن تفكر فيه الجماعات التى تتبنى العنف وتدعو إلى كراهية الغرب، إدانة الفيلم واجبة.. والغضب لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم واجب.. ولكن التعبير عن الغضب يجب ألا يكون بأفعال همجية إلا إذا كان المقصود هو إساءة العلاقات بين الدول العربية والإسلامية ودول الغرب وإحراج الرئيس الأمريكى أوباما فى وقت الانتخابات مما جعل منافسه يقول إن أوباما يساعد أعداء أمريكا ويؤيد ثورات وشعوب تعتدى على أرواح وسفارات أمريكية.
باختصار الرأى العام فى بريطانيا يشعر بالقلق من أن يكون الربيع العربى ليس ربيعا، ولكنه خريف بما فى الخريف من رياح وزوابع وأتربة ومتاعب.
***
والحوارات فى لندن تتناول مسألة استعادة مصر للأموال المنهوبة، والحكومة البريطانية تدرك أهمية هذا الموضوع، وترغب فى التعاون مع مصر إلى أقصى درجة، وقررت تشكيل وحدة عمل خاصة للعمل على تجميد ورد هذه الأموال بعد أن تقدم الحكومة المصرية ما يثبت أن هذه الأموال غير مشروعة.
ويقولون فى لندن إن المشكلة فى مصر أنه حتى الآن لم تصدر أحكام قضائية نهائية بأن هذه الأموال مسروقة والنظام القانونى فى بريطانيا لا يسمح بتجميد أموال أشخاص بدون أحكام قضائية، ولتسهيل الأمور قررت الحكومة البريطانية إيفاد خبير قانونى بريطانى متخصص فى قضايا استعادة الأموال المنهوبة لمساعدة السلطات المصرية على إعداد الوثائق التى يطلبها القضاء البريطانى.
والمهم أن تدرك السلطات فى مصر أن هذه الأموال لا تسترد تلقائيا بمجرد طلبها دون إثبات أن هذه الأموال من أموال الدولة المصرية وليست من الأموال الخاصة لأصحابها، وهناك مفوضية فى الأمم المتحدة تعمل فى إطار الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد على مساعدة مصر فى استرداد هذه الأموال بالطرق التى تتفق مع القوانين والنظم فى كل دولة من الدول الأوروبية، كذلك فإن أكبر أجهزة الاستخبارات المالية فى بريطانيا تعمل للتحقق من وجود الأرصدة والممتلكات للأشخاص المطلوبين ومصادر هذه الأموال، ويشمل البحث 42 مصريا يعيشون فى بريطانيا ولديهم أرصدة وممتلكات فيها.
باختصار الكرة فى ملعب الحكومة المصرية.
***
المصريون فى لندن أكثر مما كنت أتصور.. وقد رأيت أعدادهم الكبيرة فى المساجد والكنائس والحدائق.. ومئات من المصريين فى مراكز مرموقة فى الشركات والجامعات والبيزنس.. وككل المصريين يعيشون فى الخارج وقلوبهم فى مصر.. ولو تحركت الحكومة لتشجيعهم على الاستثمار فى مصر فسوف تتدفق أموالهم إذا وجدوا مشروعات حقيقية واعدة.
والاقتراح الذى سمعته من كثيرين هو: لماذا لا يكون فى الحكومة المصرية وزير ووزارة لشئون المصريين فى الخارج لإقامة الجسور والحوار وإعادة الثقة.. لماذا؟.