الحياة خلف الجدار
ليس فى العالم كله حائط يفصل بين بلدين بعد سقوط حائط برلين سوى الحائط الذى أقامه شارون على الأراضى الفلسطينية.
وليس هناك شعب فى العالم يعيش فى معازل أقرب إلى السجون، بعد انتهاء سياسة العزل العنصرى فى جنوب إفريقيا سوى شعب فلسطين.
وفى التقرير الأخير للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن التمييز العنصرى الذى تمارسه إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة أسوأ مما كان فى جنوب إفريقيا قبل سقوط نظام الفصل العنصرى.
وليس فى العالم شعب محروم من التنقل داخل أرضه إلا الشعب الفلسطينى.
وفى تقرير من الأراضى الفلسطينية كتبه جيمس بنيت فى نيويورك تايمز أن الحياة على الجانب الفلسطينى أصبحت جحيما، وبدأت مؤسسات الدولة تنهار، وتدهورت الأحوال المعيشية وأصبحت أغلبية الفلسطينيين يعتمدون على معونات الأمم المتحدة، وعلى سبيل المثال فإن مدينة جنين قسمها الجيش الإسرائيلى إلى ما يشبه الجزر المنعزلة، وفقدت الصلة بالسلطة الفلسطينية تقريبًا، وقال عمدة المدينة إن جنين تحولت من مدينة إلى قرية صغيرة دمرت إسرائيل كل شكل من أشكال السلطة فيها، ولذلك انتشرت فيها الفوضى.
ووفقا للتقارير الإسرائيلية فقد قتل الجيش الإسرائيلى 3200 فلسطينى حتى الآن، وقتل الفلسطينيون ألف إسرائيلى.
وقد تلاشى الاستثمار تماما، فلم يعد هناك استثمار عربى أو أجنبى أو حتى فلسطينى، ويبدو أن سياسة إسرائيل هى القضاء على الشعب والسلطة والحلم تدريجيا، وبينما تتحدث الإدارة الأمريكية عن عدم رضاها عن الاستمرار فى بناء السور. فإن شارون يعلن استمراره فى البناء ورفض قرار محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، وبينما تتحدث الإدارة الأمريكية عن تمسكها بتنفيذ خريطة الطريق يعلن شارون أن خريطة الطريق ماتت، ويطرح لعبة جديدة هى خطة الانسحاب من غزة التى سوف تستنفد سنوات أخرى ولن تحقق شيئا.
ويقول الصحفى الأمريكى جيمس بنيت: إن مدينة جنين فقدت مركزها المتميز ومقومات حياتها ولكنها مازالت صامدة، ولم يمت الحلم الفلسطينى فى جنين، وفى غيرها، ومازال هناك شعب يقاوم ويناضل من أجل البقاء حيا، ويواجه مشاكل تفوق إمكاناته ابتداء من توفير الغذاء والدواء والسكن إلى إنارة الشوارع وإزالة المخلفات والقمامة.. والضغوط العسكرية والاقتصادية والنفسية التى تمارسها إسرائيل يوميا ولدّت روح المقاومة والرفض حتى فى الأطفال، وتزايد فى نفوس الفلسطينيين عموما الشعور بالظلم والاضطهاد والاحساس بأن العالم قد تخلى عنهم، ومن الطبيعى أن يكون هذا الشعور هو المولد للعنف والرغبة فى الانتقام إلى حد تفجير الذات.
أما على الجانب الإسرائيلى من الجدار الفاصل فإن جيمس بنيت يقول فى تقرير آخر: إن شارون يعتبر نفسه ويعتبره كثير من الإسرائيليين المؤسس الثانى لدولة إسرائيل بعد بن جوريون المؤسس الأول، لأنه هو الذى قضى على احتمالات قيام دولة فلسطينية، وربط إسرائيل بالولايات المتحدة بأكثر من أى وقت مضى، ووسع مساحة إسرائيل بضم أراض فلسطينية جديدة بالقوة، وأنشأ آلاف المساكن فى المستعمرات، وشجع آلاف اليهود على الهجرة إلى إسرائيل.. وهو لا يؤمن بالسلام، فهو رجل حرب، وحتى حين تحدّث عن معاهدة السلام التى تربط بين إسرائيل ودولتين عربيتين، وهل يمكن أن يكون ذلك نموذجا يمكن أن يتكرر؟. أجاب بأن هذه الاتفاقات بين القادة فقط وليست بين الشعوب.
يقول الصحفى الأمريكى: إن شارون قام بتطوير ثقافة قتال يهودية جديدة، وأنهى عصر الدياسبورا والخوف والجيتو والإحساس بالدونية ليحل محله عصر القوة العسكرية والنهم الخيالى للاستيلاء على مزيد من الأرض، وعزّز لدى الإسرائيليين الشعور بالتفوق والاستعلاء.
على الجانب الإسرائيلى من الجدار الفاصل يقف شارون ليعلن أنه سيفعل ما يريد أن يفعله وسوف تؤيده أمريكا، ويصرح بأنه لن يتفاوض على الأرض أو السلام بحجة أنه لا يجد شريكا فلسطينيا للتفاوض معه، وهو لا يخفى هدفه النهائى إذا استمرت الضغوط الدولية: اتفاقية مؤقتة تكون فرصة لإسرائيل لترتيب أوضاعها ثم يستأنف القتل واغتصاب أراض جديدة.. استراتيجية أن يصل بالفلسطينيين والعرب إلى حالة اليأس من الحصول على أى شىء كى يقبلوا فى النهاية بما يعطيه لهم بعد إقناعهم بأنهم إن لم يفعلوا سيندمون على هذه الفرصة ويكرر النكتة السخيفة بأن العرب شعب الفرص الضائعة.. والحقيقة أن العرب لم تضع منهم أية فرصة لأنه لم تكن أمامهم فرصة.