فلسفة الإدارة الأمريكية
فالإدارة الأمريكية تتحدث عن خريطة الطريق لإنشاء الدولة الفلسطينية وتتجاهل ما يحدث فى الأرض من قتل وتدمير وحصار وصل بالسلطة الفلسطينية إلى درجة الشلل السياسى كما وصل الاقتصاد الفلسطينى إلى درجة الإفلاس، ومؤسسات الدولة الفلسطينية تنهار. بينما الإدارة الأمريكية تتحدث عن تصميمها على تنفيذ خطة بناء الدولة الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية تعلن كل يوم استعدادها لبدء التفاوض على الحل النهائى. واستعدادها لتنفيذ جميع التزاماتها وفقا لخريطة الطريق مقابل تنفيذ إسرائيل لخطوة واحدة هى وقف العمليات العسكرية التى تحولت إلى جرائم حرب يومية.. ومع ذلك ترد الإدارة الأمريكية ما تدعيه إسرائيل عن عدم وجود شريك فلسطينى للسلام، وتتجاهل الحقيقة وهى أنه لا يوجد شريك إسرائيلى للسلام، وليس على الأرض سوى قادة للغزو والعدوان.
وأمام عيون الإدارة الأمريكية حالة الضعف على الجانب الفلسطينى، والمقاومة للاحتلال يمكن أن تنتهى فورا إذا انتهى الاحتلال، ولكنها تتجاهل هذه الحقيقة وتريد إنهاء المقاومة التى تسميها إرهابا دون أن تتوقف الاعتداءات العسكرية على الفلسطينيين، وهى فى حقيقتها إرهاب دولة.
وتشتعل المقاومة للاحتلال فى العراق فى الشمال والجنوب وفى بغداد ذاتها، بينما يعلن وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد أن الهدوء والاستقرار عادا إلى العراق (!) وتفرض سلطات الاحتلال حظر التجوال، وتقتل عددا من الصحفيين الذين يعملون على كشف حقيقة ما يجرى فى العراق، وتمنع القناة الفضائية التى تبث مشاهد من القصف الأمريكى العنيف للمدن والمساكن وأماكن العبادة، وتقرر منع صدور الصحف التى تعارض استمرار الاحتلال، وتمنع نشر صور الانتهاكات التى يمارسها جنود الاحتلال فى أنحاء العراق، وتعلن أنها نجحت فى بناء عراق جديد ديمقراطى وحر، وتطالب بقية الدول العربية بتطبيق الديمقراطية، وإطلاق الحريات وفقا للنموذج العراقى الذى صنعته أمريكا!
والصحافة الأمريكية تتحدث عن إخفاق السياسة الأمريكية فى العراق، والفشل فى إعادة الإعمار، وتتحدث عن قرار الكونجرس بتخصيص 18 مليار دولار لإعادة إعمار ما خرّبته القوات الأمريكية، ولكن ما أنفق حتى الآن كان من عائدات العراق، وتتحدث الإدارة الأمريكية عن نجاحها فى تخليص الشعب العراقى من نظام حكم دكتاتورى ارتكب جرائم قتل واعتقالات وتعذيب، والحقيقة أن شيئا لم يتغير سوى وجوه من يمارسون الدكتاتورية والاعتقالات والتعذيب، وتزهو الإدارة الأمريكية لأنها أنهت ثلاثة عشر عاما من العقوبات الاقتصادية التى فرضتها على العراق، بينما يعانى الشعب العراقى من نقص الكهرباء والمياه النقية والغذاء والأدوية، ونصف الموظفين العراقيين فقدوا وظائفهم وأصبحوا عاطلين بلا مورد رزق بعد أن كانوا يعملون ويحصلون على أجور منتظمة، فضلا عن ترشيد قوات الجيش العراقى ويعانى أفرادها من البطالة والعجز عن إعالة أسرهم.
وتتحدث الإدارة الأمريكية عن أن ثروة العراق عادت إلى العراقيين بفضل الغزو، بينما تتحدث الصحافة الأمريكية عن سيطرة سلطة الاحتلال على أموال وعائدات بترول العراق وعن عقود حصلت عليها الشركات الأمريكية بأضعاف القيمة الحقيقية لها، ومنذ أيام تحدثت صحيفة واشنطن بوست عن مليارى دولار من عائدات العراق تم منحها لشركات أمريكية دون أن تحقق نتائج ملموسة.
ويتحدث الرئيس الأمريكى عن انتقال السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة. بينما القرارات تتخذ فى واشنطن وتصدر من سلطات الاحتلال، وفى افتتاحية هيرالدتريبيون يوم 10 أغسطس الحالى بعنوان: (إخفاق إعادة إعمار العراق) بعض الحقائق الأخرى التى لا تتحدث عنها الإدارة الأمريكية.
هذا التناقض بين القول والفعل فى السياسة الأمريكية، وهذه الفلسفة القائمة على تجاهل الحقائق من أهم أسباب كراهية الشعوب العربية للسياسة الأمريكية، والإدارة الأمريكية تتساءل لماذا يكرهنا العرب؟. وتتجاهل الأسباب الحقيقية لذلك برغم أن العالم كله يعلمها ويتحدث عنها!.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف