لمصلحة من؟ وماذا نختار: طـريق السلامة أو طـريق الندامة ؟
من الظواهر التى تدعو للتفاؤل أن مناخ الحرية فى مصر أدى إلى تسليط الأضواء الكاشفة على كل من يتحرك فى الساحة السياسية، فظـهر من الذى يحرص على مصلحة الوطن واستقلاله وكرامته، ومن الذى يعرف قدر القيادة الوطنية التى ضحت وأعطت وأنجزت وجندّت نفسها من أجل القضايا الوطنية والقومية. وحققت لشعبها إنجازات تفوق ما تحقق فى عشرات السنين السابقة، وكشفت هذه الأضواء أيضا (فئران السفينة) الذين كانوا يختبئون فى مرحلة الكمون فى انتظـار لحظـة مناسبة يظنون فيها أنهم قادرون على الانقضاص على الوطن وحريته، ويقدمونه على طبق من فضة لأسيادهم وأرباب نعمتهم!
وأيضا ظهر تحت هذا الضوء الكاشف دعاة الفوضى والانتهازية السياسية وأصحاب الأفكار الغوغائية التى تمثل نوعا جديدا من الطبل الأجوف لا يجذب سوى السذج الذين يسهل خداعهم، ويستهوى الذين فى قلوبهم مرض!. وأخيرا ظهر صبيان النفوذ الأجنبى وممثلو القوى التى تسعى إلى الهيمنة على البلد وعلى المنطقة كلها، كما نرى بأعيننا، وظهر ضعاف النفوس الذين يعرضون أنفسهم للبيع ويمكن شراؤهم بالدولارات والجنيهات وبكل العملات وقد بدأوا يتحركون وتعلو أصواتهم بجرأة غريبة، لأنهم موعودون بالحماية.
تحت هذه الأضواء الكاشفة عرفنا العدو والحبيب، واكتشفنا من هو الصادق فى ولائه للوطن، ومن هو المنافق، ومن الذى يستوحى فكره من ضمير الوطن والمواطنين، ومن يستوحى الفكر من الخارج ويعمل لتحقيق مخطط يهدف تفكيك البلد، وإثارة النعرات الطائفية وإشعال نيران الفتنة بين أبناء الوطن لصالح من يتربص وينتظر اللحظة للانقضاض.
ونحن نذكر من دروس التاريخ فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان المنافقون يظهرون الإيمان ويخفون فى نفوسهم الكفر. وكيف كان بعضهم يزايد حتى على الرسول صلى الله عليه وسلم ويحاول أن يبدو أكثر غيرة وحرصا على الإسلام من النبى الذى اختاره الله لتبليغ رسالته. وفى القرآن آيات كثيرة تكشف ما كان يفعله المنافقون وتحذر المؤمنين منهم. ومع ذلك فقد سعى المنافقون إلى إيذاء المسلمين وإلى الإساءة إلى الدين تحت ستار الغيرة على الدين وعملوا على تفكيك الدولة الإسلامية كلما اشتد عودها. وفى كل عصر من عصور التاريخ كان هناك فريقان: فريق المخلصين الصادقين وهم الكثرة التى تحمى الأوطان وتصون وحدتها وتعمل بجد للبناء والتقدم والرخاء، وتضحى من أجل المبادئ والقيم والمصلحة العامة، وفريق المنافقين الذين يظهرون أمام الناس بقناع الإخلاص والحرص على الصالح العام، ويبالغون فى ادعاء الإخلاص فيزايدون على المخلصين الحقيقيين.. بل ويحاولون تشويه صورة المخلصين الحقيقيين فى عيون الناس، لكى يخلو لهم الجو، ويحققوا أهدافهم الخفية.
ويكفى أن نتذكر من الذى فتح الطريق أمام قوات الاحتلال البريطانى عندما تصدى لها الزعيم الوطنى العظيم أحمد عرابى وقواته من أبناء الفلاحين الأوفياء لوطنهم؟.. من هم الذين ارتكبوا الخيانة الكبرى وظهروا كأنهم أكثر إخلاصا للوطن من عرابى وقواته، وساعدوا جيوش الاحتلال على هزيمة عرابى واحتلال البلاد سبعين عاما عانى فيها شعب مصر من الفقر والتخلف والجهل والحرمان؟.. من الذى فتح الطريق للاحتلال البريطانى؟.
ومن الذى فتح الطريق للاحتلال الصهيونى لفلسطين وادعى أنه المناضل ورافع راية الدفاع عن الأرض المقدسة، بينما كان يمكّن للعصابات الإِسرائيلية اغتصاب الوطن الفلسطينى، هل تذكرون من الذى باع فلسطين؟.. حاولوا أن تتذكروا!.
ومن الذى فتح الطريق أمام قوات الغزو الأمريكى لدخول بغداد فى لحظات بعد المقاومة العنيدة التى استمرت أياما سقط فيها مئات من الغزاة؟. من الذى أخلى الجسور وعطل المدافع وسرّح القوات العراقية وأثار روح اليأس والهزيمة بدلا من أن يشعل روح المقاومة؟. حاولوا أن تتذكروا وانظروا إلى ما يجرى فى العراق حتى اليوم، ومازال أدعياء الإخلاص والوطنية يصورون قوات الاحتلال على أنها قوات إنقاذ يجب أن تعامل بالترحيب اللائق بالضيوف الأعزاء الذين أصبحوا هم السادة المتحكمين فى مصير العراق، وأصبح العراقيون هم الاتباع! وانظروا كيف جاء رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكى ليعطى التعليمات للحكومة الجديدة!.
هل تريدون أمثلة أخرى؟
انظروا حولكم فى أى مكان فسوف تجدون أصنافا من المنافقين على اختلاف أشكالهم ولغاتهم وأساليبهم فى النفاق.
أو- على الأقل- افتحوا التليفزيون، وتابعوا بعض ما يقال على شاشات بعض الفضائيات، وفكروا أليس هؤلاء هم أكبر المنافقين؟!. إنهم يدّعون غياب الحريات فى مصر ولا يجرؤون على قول كلمة عن الحريات فى بلادهم ويتقولون عن تداول السلطة فى مصر ولا يقولون كلمة واحدة عن أسلوب تداول السلطة عندهم. ويبالغون فى وصف مظاهرات من بعض الشباب، ولا يتحدثون عن مدى السماح بالتعبير عن الرأى فى بلادهم. ويتحدثون عن ضعف الأحزاب السياسية فى مصر ولا يتحدثون عن عدم وجود أحزاب لديهم وعدم احتمال وجود أحزاب فى هذا القرن على الأقل، ويجدون فى أنفسهم الجرأة- أو (البجاحة) لادعاء ضعف منظمات المجتمع المدنى فى مصر ولا يستطيعون أن يقولوا كلمة عن أوضاع هذه المنظمات فى بلادهم لأنها ببساطة غير موجودة على الإطلاق وغير مسموح بوجودها.
فما معنى ذلك؟.
معناه ببساطة أن هناك من يحرّض على مصر بالذات ويعمل لحساب آخرين ويخدم أهدافا ومخططات تسعى إلى إثارة المصريين على وطنهم وقيادتهم وتحريكهم ضد مصالحهم.
ثم انظروا إلى (خطاب التحريض) الذى ظهر وانتشر فى الفترة الأخيرة، وفكروا.. أنهم يحرضون.. يحرضون من؟.. وضد من؟.. ولمصلحة من؟..
وفكروا لماذا تنفق الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات وتمنحها لأشخاص محددين بالاسم ولخمس أو ست جمعيات مع أن مصر فيها 18 ألف جمعية؟
ولماذا تخصص الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات لإصدار صحف، وتمويل صحف، ورشوة صحفيين وكتاب، وشراء ذمم وأقلام، وإنشاء قنوات تليفزيونية وإذاعات بالعربية، وإصدار نشرات ومطبوعات، وتنظيم برامج زيارات لشباب الصحفيين وأعضاء مراكز البحوث وتمويل مراكز أبحاث مخصصة لاعداد دراسات موجهة لتشويه كل ما?يجرى فى مصر وتقديم مادة وأفكار لحملات الهجوم على مصر؟.
وماذا يعنى أن تقول وزيرة الخارجية الأمريكية أن حبس شخص فى قضية منظورة أمام القضاء مسألة تهم الرئيس الأمريكى، وتهم الكونجرس، وتهم الشعب الأمريكى؟.
يا ربى!.
من هذا الذى تهتز له الدولة الأمريكية والشعب الأمريكى والكونجرس الأمريكى والرئيس الأمريكى؟.. من هذا الذى تهتز له أكبر دولة فى العالم.. الدولة التى تحتل العراق، وتهدد سوريا والسودان ولبنان، وتدعم إسرائيل؟
ألا يستدعى كل ذلك أن نفكر؟!.
ألا يدعونا ذلك إلى إدراك أننا فى مفترق طرق.. وأننا فى موقف اختيار بين طريق السلامة وطريق الندامة؟!.
أيها المصريون.. اختاروا.. واعلنوا اختياركم.
هل تختارون الاحتلال أو الاستقلال؟.
هل تختارون من يمـد يده إلى المصريين أو من يمد يده إلى الأمريكيين؟.
هل تختارون أن يرتفع على بلادكم علم مصر أو علم أمريكا؟.
اختاروا.. أنتم أحرار.. فهذا بلدكم.. وسوف تكون فيه قبوركم.. وسيكون فيه مستقبل أبنائكم من بعدكم.. اختاروا مستقبل بلدكم ومستقبل أبنائكم.*