ماذا تريد منا أمريكا ؟
أعتقد أن هذا هو الوقت الذى يجب أن نقف فيه (وقفة مع الصديق) ونسأل الرئيس جورج دبليو بوش سؤالا صريحا ومباشرا، ونرجوه أن يجيب عنه بإجابة صريحة ومباشرة، هو: ما الذى تريده منا أمريكا؟!
من جانبنا نستطيع أن نقدم إجابة عن مثل هذا السؤال إذا وجه إلينا: ماذا نريد من أمريكا؟ نحن نريد من أمريكا أن تتصرف معنا بما يتفق وحقيقة العلاقة القائمة بيننا والتى تعتبر (صداقة استراتيجية).. ومعنى ذلك أن نجد من الصديق الاستراتيجى تفهما لظروف مجتمعنا، ومساعدة حقيقية لنا فى التنمية. ولا أقصد مزيدا من المعونات والمنح التى تخصص لجمع المعلومات عنا واللازمة لاستكمال أرشيف المعلومات الأمريكية، أو لإرسال مئات من الخبراء والموظفين الأمريكيين ليتقاضوا نصف المعونة فى شكل رواتب ومخصصات، أو لتصدير فائض المنتجات الزراعية والصناعية.
ولكن أقصد مساعدتنا على بناء قاعدة اقتصادية وتكنولوجية، فنحن ننظر إلى الفترة التى قدم لنا فيها الاتحاد السوفيتى السابق مساعداته فنجد أمامنا السد العالى، ومصانع الحديد والصلب، والمصانع الحربية، ومصانع الغزل والنسيج، ومصانع الألومنيوم، وكثير غيرها، أى أنه قدم لنا مصانع وتكنولوجيا ساعدت على تطوير المجتمع المصرى. ومهما قيل عن هذه المصانع التى أصبح عمرها أكثر من نصف قرن، فإنه سيبقى منها المعنى والهدف. المعنى أن الاتحاد السوفيتى ساعدنا على التقدم خطوة نحو التنمية وبناء قاعدة صناعية وتكنولوجية. هل قدمت لنا الولايات المتحدة مصانع ومعامل ومفاعلات للاستخدامات السلمية وتكنولوجيا حديثة أو قديمة؟ أو قدمت لنا قمحا أكلناه ولم يعد له وجود، وقدمت خبراء لإعداد قاعدة معلومات وكتابة تقارير هى بالقطع مفيدة لكنها وحدها لا تحقق نهضة لبلد كبير مثل مصر.
ثم إن مصر لديها مشكلة سكانية واقتصادية تعلمها الولايات المتحدة جيدا، فماذا قدمت لنا لاجتياز هذه الأزمة؟
ولدينا مشروعات طموحة للمستقبل بلغ الإنفاق عليها حجما كبيرا ولم تعط العائد منها بعد وسيكون عائدها وفيرا بعد فترة وليس الآن. هل قدمت أمريكا لنا معدات أو مساعدات من أجل مشروع الأمل فى توشكى، أو تنمية سيناء، أو حتى من أجل إزالة ملايين الألغام فى الساحل الشمالى لكى ننفذ مشروع التنمية الجاهز لتحويله إلى أرض زراعية وصناعية تسهم فى حل مشكلة البطالة والمشكلة الاقتصادية عموما؟
تم إن الولايات المتحدة-كما يبدو- تستهين بالشعوب العربية والإسلامية. تسمح لنفسها بغزو بلادهم دون سبب حقيقى سوى مجموعة أكاذيب تتكشف كل يوم أكذوبة منها. وتحتل أراضيهم، وتملؤها بالقواعد العسكرية والأساطيل والقوات، وتوجه إليهم إذاعات وشبكات تلفزيون ضمن مخطط لتفكيك القيم العربية والإسلامية تحت ستار التحديث، وتملأ بلادهم بعملاء المخابرات وبعملاء من الداخل توزع عليهم الأموال علنا. وليس هناك دولة تنفق أموالها محبة لبعض الناس أو على سبيل (النقوط). كما يفعل (الأثرياء الجدد ومحدثو النعمة) مع الراقصات فى ملاهى شارع الهرم. ليس هناك دولة تعطى دولارا بدون مقابل. وليس لأية دولة مقابل إلا تحقيق أهدافها ومصالحها وخططها. لماذا تفعل أمريكا ذلك مع عناصر من أبناء (الصديق الاستراتيجى) المارقين؟
وماذا يريد الرئيس جورج دبليو بوش أن يفعل بالفلسطينيين وقد أعطاهم وعدا بإقامة دولتهم فى آخر عام 2005 وها هوذا يؤجل الوعد إلى حين انتهاء فترة رئاسته الثانية عام 2009، ويعطى لإسرائيل وعدا بحماية المستعمرات التى أقامتها على الأراضى التى اغتصبتها من الفلسطينيين بعد عام 1967 وبعد عام 2000 . ويعلن حماية إسرائيل فى كل ما تفعله، ويعطيها الحق فى قتل الفلسطينيين، واغتصاب مزارعهم وهدم بيوتهم، وإقامة سور يفرض الحصار الدائم عليهم ليعيشوا فى سجن إلى الأبد، يطلق عليه دولة فلسطين، بلا سلطات، ولا سيادة، ولا حقوق أو ضمانات.. هل هذه هى العدالة الأمريكية؟ لماذا يعطى لإسرائيل الأرض ويعطى للفلسطينيين الوعود والتصريحات؟
ويسمح الرئيس بوش بانتهاك كرامة وأعراض الرجال والنساء فى العراق دون أن يحاكم أحدا من كبار القادة والمسئولين السياسيين عن المدن التى دمرت و150 ألف قتيل عراقى بعد انتهاء الغزو، وكل ما يفعله هو حماية الأمريكيين وحدهم دون سواهم من كل أنحاء العالم من المحاسبة أو المحاكمة على جرائم الحرب التى يرتكبونها. ماذا يريد الرئيس بوش؟ هل يريد أن يكون مسموحا للأمريكيين فقط بارتكاب الجرائم؟ وأى عالم هذا الذى تعربد فيه دولة ولا تخضع لحساب أو عقاب، بينما هى التى تحاسب وتعاقب الجميع؟ أى عالم هذا الذى يريد الرئيس بوش أن يتولى قيادته ويدخل التاريخ بإنجازاته فيه؟ أى إنجازات هذه؟ وأى تاريخ؟
هل يريد الرئيس بوش أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويكرر مآسى الاستعمار القديم فى صيغة جديدة لا تنطلى على أحد؟
وهل يصدق عاقل فى العالم العربى أن الرئيس بوش يريد أن تمارس شعوب الشرق الأوسط الديمقراطية والحرية وحق الاختيار وتتمتع بحقوق الإنسان؟ هل يريد ذلك حقا؟ إذن فنقول له إننا بكامل حريتنا نرفض التدخل الأجنبى فى شئوننا، ونرفض فرض قوالب جاهزة لاستقلالنا وتفكيك عقولنا ومجتمعاتنا عليها طلاء خادع. ونرفض تقديم الرشاوى للعملاء وضعاف النفوس وإعطاءهم الإشارة لإثارة القلائل والمظاهرات، مع أن هذه المحاولات لن تحقق شيئا. لن تجعلنا نخضع أو نستسلم، وإذا كان البعض قد باع نفسه فإن 72 مليونا لن يبيعوا أنفسهم بأى ثمن من أجل ملايين الدولارات. نحن نعلم جيدا أن الولايات المتحدة لديها أموال وأسلحة وقوة بغير حدود، ولكن نحن أيضا لدينا قوة بغير حدود، قوة الإصرار على الحرية والاستقلال التى خضنا من أجلها معارك استمرت عشرات السنين وسالت من أجلها دماء عشرات الآلاف من أشرف الرجال.
لماذا تتعامل أمريكا مع العرب والمسلمين بمثل هذه الاستهانة وهذا الاستخفاف؟ لماذا تلوح باستخدام العقوبات على أمور لا تدخل فى شئونها؟ لقد كانت مصر أول من حارب الإرهاب وأول من طالب بجهد دولى لمحاربة الإرهاب فى أنحاء العالم، والتصديق على الاتفاقيات الدولية لمحاربة الإرهاب وعلى معاهدة منع الانتشار النووى، وفتح مفاعلها النووى للتفتيش، وكانت أول دولة تعقد معاهدة سلام مع إسرائيل وتحترم هذه المعاهدة احتراما كاملا، فماذا تريد منا أمريكا بعد ذلك؟!
لقد قام الرئيس جورج دبليو بوش بتعيين (كارين هيوز) مساعدته السابقة لشئون الإعلام رئيسة لحملة أمريكية جديدة لتحسين صورة أمريكا فى نظر شعوب العالم العربى.
كيف يمكن تحسين صورة أمريكا وهى تتعامل بمثل هذه الاستهانة، والغطرسة، ولغة التهديد والضغوط مع العالم العربى والإسلامى؟
كيف يمكن إقناع الشعوب العربية بأن (الصديق الاستراتيجى) هو الذى يهدد أمتنا وأرضنا واستقلالنا وكرامتنا؟
كيف يمكن إقناع الشعوب العربية والإسلامية بأن تدمير العراق وأفغانستان والقفز على لبنان، وتهديد سوريا، وتمزيق السودان، وتجنيد العملاء فى مصر ولبنان، والتحرش بالسعودية.. كيف يمكن إقناع هذه الشعوب بأن ذلك ليس سوى التعبير عن الصداقة الاستراتيجية على طريقة تكساس التى يقود بها الرئيس بوش العالم؟
وكيف تتحسن الصورة والأصل بهذا السوء؟
سيدى الرئيس بوش.
احترموا الشعوب العربية والإسلامية، وحافظوا على كرامتها، وسوف تتحسن صورة أمريكا تلقائيا دون حاجة إلى إنفاق ملايين الدولارات على الإعلام الزائف.