تحذير من مسلم ألمانى: المسلمون ساهموا فى الإساءة إلى الإسلام !
فى الغرب يعتبرون اعتناق أى دين أو عقيدة غريبة من الأمور التى تدخل فى نطـاق الحرية الشخصية، ومهما تكن العقيدة غريبة- حتى لو كانت عبادة الشيطـان- فلا??تقابل باستنكار أو عداء، غاية ما يقال عنها إنها نوع من الجموح، أو نوع من الفلكور، إلا إذا كان الدين هو الإسلام، فالأمر يختلف وبمجرد أن يعلن إنسان فى الغرب أنه اعتنق الإسلام فإن التسامح يختفى وتحل محله الإدانة..
ويفسر د. ويلفريد هوفمان (مراد هوفمان) ذلك بأنه تعبير عن الأفكار الزائفة عن الإسلام فى الثقافة الغربية. وفى رأيه أن الحروب الصليبية ظلت مستمرة على مدى الزمن ولم تنته فى أى عصر من عصور التاريخ، والاختلاف فقط فى وسائل وصور هذه الحروب، ففى وقت كانت الحرب بالجيوش تغزو العالم الإسلامى، وفى وقت آخر كان الباباوات هم الذين يحاربون الإسلام.
واليوم ليس البابا هو الذى يدعو للحملة ضد الإسلام، ولكن مجلس الأمن هو الذى يقوم بهذه المهمة بفرض العقوبات على الدول الإسلامية، أو بقرار بشن الحرب عليها، ويقول: إنك لو بحثت داخل النفس الغربية فسوف تجد تحت الطبقة الحضارية اللامعة الرقيقة عداء للإسلام، وهذا العداء يمكن أن يظهر على السطح فى أى وقت، ولقد انتهت موجة العداء ضد اليهود، ولكن مازال العداء للإسلام حيا، ولا يكاد يمر يوم دون الاعتداء على جامع فى مكان ما فى أوروبا.
وللدكتور هوفمان كتاب مهم بعنوان (الإسلام عام 2000) ترجمه الأستاذ عادل المعلم، يقول فيه: إن اللوم فى ذلك لا يقع على طرف واحد، فقد اشترك العالم الإسلامى فى تكوين الصورة السلبية، وأصبح الإسلام مقرونا بالتعصب، والقسوة، وعدم التسامح، والعنف، والاستبداد، والطغيان، وخرق حقوق الإنسان، والتخلف، والتمسك بالتخلف، وليس لدى المسلمين دولة يمكن أن يشيروا إليها ويقولوا هنا النموذج الحقيقى للإسلام، ولا يمكن إنكار الحقيقة التى يراها العالم وهى ظهور الإسلام المعاصر على أنه يحارب الحداثة والتقدم الحضارى، وهذا ما يجعل كثيرا من الكتاب فى الغرب يتجاهلون الإنجازات الحضارية الهائلة للمسلمين، وهو ما يجعل جهل المثقف بالإسلام وحضارته لا يعتبر فى أمريكا وأوروبا نقصا فى التعليم، وهو أيضا ما يجعل الغرب يكيل بمكيالين، فإذا هاجم إرهابى من خارج العالم الإسلامى هدفا لا يقال أبداً إن الفاعل متعصب كاثوليكى أو متعصب اشتراكى. حتى الهجوم بالغاز السام فى محطة مترو طوكيو فى مارس 1995 فقد نسب إلى (راديكاليين)، أما إذا ألقى شخص فى بلد إسلامى قنبلة، فإن الإعلام يتحدث عنه على أنه (متعصب مسلم) حتى لو كان الفاعل مسيحياً أو ملحداً..
***
ويتحدث د. ويلفريد هوفمان عن نفسه كنموذج لما يحدث للمسلم فى الغرب، فقد اعتنق الإسلام وأعد كتابه المشهور (الإسلام كبديل) فتعرض لحملة كراهية ضده فى وسائل الإعلام الألمانية، مطالبة بسحبه كسفير لألمانيا فى المغرب، وكانت هذه الحملة قبل أن يصدر الكتاب، وقبل أن يقرأه أى إنسان (!!) ويقول: انهالت علىّ الاتهامات بأننى أدعو لتعدد الزوجات وضربهن وبأننى أطالب بقطع الأيدى والأرجل، ويبدو أن وسائل الإعلام لديها قرون استشعار انتقائية عندما تلصق بالإسلام وحده النقائص والاتهامات، فتنسب أفعال صدام حسين للإسلام، فلماذا لا تتحدث عن جرائم هتلر على أنه مسيحى كاثوليكى؟.. ولماذا يتحدثون فى الغرب عن الاستبداد السياسى فى العالم الإسلامى باعتباره نتيجة للدين الإسلامى ولا يفعلون ذلك عندما يكون الاستبداد فى دولة غير إسلامية؟.. ولماذا يتسامحون مع عقائد الهنود والصينيين ولا يتحملون صوت مؤذن يدعو للصلاة فى بلد غربى، حتى أن أحد رسامى الكاريكاتير فى هولندا اقترح أن يدعو المؤذن المسلمين للصلاة بنداء آخر غير (الله أكبر) يقول فيه (بيم بام- بيم بام) ويقول: لقد تحركت جيوش الغرب عندما احتل العراق الكويت ودمرت العراق، ولم يتحرك أحد فى الغرب عندما احتلت إسرائيل الأراضى الفلسطينية والسورية، ولم يوجه أحد النقد إلى إسرائيل عندما قامت بغزو لبنان وحصار العاصمة بيروت واحتلال جنوب لبنان وابتلاع مزارع شبعا!
ويقول: فى الغرب يرفضون الحكومات الدينية إذا كانت إسلامية، بينما فى دول الغرب نجد الدولة تمارس الشعائر الدينية المسيحية دون إثارة هذا الموضوع، فالدستور الألمانى فيه نص عن الإيمان بالله، ويوم الأحد هو الإجازة، وكذلك تمنح الدولة الإجازات فى الأعياد الدينية المسيحية- ويتوجه المستشار ورئيس ألمانيا بكلمة للشعب فى عيد ميلاد المسيح. والديانة المسيحية تدرس فى المدارس الحكومية وتدفع الدولة مرتبات مدرس الدين المسيحى، ويقسم الجنود الألمان بالله على الولاء للجمهورية. وتجمع الحكومة (ضريبة الكنيسة) للإنفاق على الديانة المسيحية فقط: الكاثوليكية- واللوثرية- والانجيلية- وتنفق من هذه الضريبة على المؤسسات اليهودية أيضا. والإساءة إلى الدين المسيحى واليهودى جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات. ولا?ينطبق ذلك على الإساءة إلى الإسلام (!!) وهذه الممارسات ليست مقصورة على ألمانيا وحدها، ولكنها موجودة بصورة أو بأخرى فى أمريكا ودول أوروبا الأخرى. وكل دول الغرب تقبل إرهابيا سابقا مثل مناحم بيجن أو شارون، ولكن لا تقبل أصوليا مسلما مثل عباس مدنى فى الجزائر، والطوائف الأصولية المتعصبة فى المسيحية اليهودية لا يطلق عليها فى الغرب صفة الأصولية، كما يحدث مع المنظمات الإسلامية. وفى الغرب آلاف المنظمات التى تنطبق عليها صفة الأصولية مثل منظمة (أوبوس داى) الكاثوليكية، ومثل الأسقف الفرنسى الراحل (ليفبفر) أو الإسرائيليين المتعصبين، أو طائفة مائير كاهانا، أو جماعة حراس المعبد فى إسرائيل، أو الإرهابيين الكاثوليك أو البروتستانت فى أيرلندا الشمالية، أو لاهوت التحرر الكاثوليكى المسلح فى أمريكا الجنوبية..إلخ.. هذه الجماعات الأصولية والإرهابية فى أنحاء العالم لا توصف بأنها أصولية أو إرهابية، لأن هذا الوصف محجوز للمسلمين فقط، كما يقول د. هوفمان: وحتى الذين ألقوا زجاجات مولوتوف على جامع إسلامى فى ميونخ فى 18 مارس عام 1995 لم يشر إليهم أحد على أنهم أصوليون أو إرهابيون لأنهم لم يكونوا مسلمين!
***
ولكن الصورة ليست كلها قاتمة، ود. هوفمان يشير إلى أن بعض الناس فى الغرب تنبهوا وطالبوا باتخاذ إجراءات لتدارك الأمور منذ أول هجوم على عائلات العمال المسلمين الأتراك الذى قام به شباب النازى الجديد فى ألمانيا.. وهناك مبادرات للتوفيق بين الألمان والعمال والطلبة المسلمين، وقد بدأ البابا يوحنا بولس السادس بابا الفاتيكان (الراحل) فى توجيه رسالة تحيه للمسلمين فى نهاية شهر رمضان واحتفال المسلمين بالعيد، وكذلك يفعل الاكليروس الأعلى البروتستانتى، وعندما احتفل المركز الإسلامى بميونخ بمرور 25 عاما على إنشائه حضر الاحتفال أحد كبار الأساقفة البروتستانت وألقى كلمة قال فيها إنه يشعر بين المسلمين كأنه فى بيته، لأنه يستطيع التحدث معهم عن الله بدون إحراج.
ومع ذلك فإن الأمر ليس سهلا، والمشكلة مازالت قائمة، وبناء جسور متينة بين الغرب والعالم الإسلامى يحتاج إلى جهود كبيرة، ابتداء من المدارس لإزالة ما فى المناهج الدراسية من معلومات مشوهة عن الإسلام، وقد قام البروفيسور الإيرانى عبد?الجواد الفلاتورى من الأكاديمية الإسلامية للعلوم فى كولن مع زميله الألمانى أودتورشكا بتحليل ما جاء عن الإسلام فى مئات الكتب الدراسية الألمانية فى التاريخ والجغرافيا وكتب الدين الكاثوليكية والبروتستانتية، وحددا التشويهات الكبرى مع التصحيحات اللازمة، وجاءت نتائج الدراسة فى كتابين الأول: (تحليل الكتب الكاثوليكية عن الإسلام) صدر عام 1988 والثانى: (الإسلام فى التعليم) صدر عام 1991، وفى الوقت نفسه قام الباحثان بإجراء هذه الدراسة عن الكتب الدراسية فى الدانمرك، وفنلندا وهولندا، وايطاليا، وحددا الإساءات والتشويهات للإسلام الواردة فيها.
ويشير د. هوفمان إلى الدور الذى قام به المفكر الفرنسى المعروف روجيه جارودى واللقاءات التى أجراها بين المسيحيين والمسلمين فى قرطبة باسبانيا والتى شاركت فيها شخصيات معروفة مثل البروفيسور هانز كنج، ولكنه يقول: إن هذه الجهود ليست كافية للتوصل إلى حل للمشكلة.
***
يصل د.هوفمان إلى أن إقامة جسور متينة للتفاهم بين الغرب والعالم الإسلامى يستلزم قيام المسلمين بالجهد الرئيسى للمساعدة فى نزع فتيل الموقف المتفجر. وإذا نجح المسلمون فى تجديد دينهم بما يناسب العصر- دون تنازل عن أساسيات الإسلام الصحيحة- فإن ذلك سيهيئ الفرص ليصبح الإسلام ديانة العالم الأولى فى القرن الحادى والعشرين.
والاصلاحات التى يقترحها د. هوفمان تشمل المجالات الآتية: التعليم- التكنولوجيا- فك القيود عن المرأة- حقوق الإنسان- تنقية الفكر الإسلامى من الخرافات والسحر- والتمييز بين الإسلام كدين والإسلام كحضارة، وفرز السنة الصحيحة، وفتح باب الاجتهاد فى الفقه للتعامل مع القضايا الجديدة التى لم تكن موجودة فى القرون الماضية.. ويقول إن الأمية فى كثير من البلاد الإسلامية تزيد على 50% وهذه فضيحة لأمة يتصدر كتابها الأمر الإلهى: اقرأ، وليست هذه فضيحة فقط.. بل هى ضد تعاليم الإسلام. والشعوب الإسلامية لا?تعانى من الأمية الأبجدية فقط، ولكنها تعانى أيضا من الأمية الدينية، ومع ضرورة تغيير نظام التعليم للتخلص من أسلوب الحفظ والاعتماد على المدرس إلى الأسلوب الحديث فى التعليم القائم على اعتماد الطالب على نفسه، وعلى غرس روح التساؤل والشك وطلب المعرفة وهذا هو أساس العلوم والتقدم.
د. هوفمان يرى أن خطباء المساجد فى حاجة إلى تجديد الخطاب الدينى ويقول: إنهم يخاطبون عواطف وانفعالات المسلمين أكثر مما يخاطبون عقولهم.. يجب على خطباء المساجد أن يتوقفوا عن الصريخ فى المصلين والحديث إليهم، كما لو كانوا أطفالا. وعلماء النفس أثبتوا أنه كلما كانت نبرة المتحدث عالية وصوته مرتفعا تفقد الرسالة مصداقيتها عند السامعين، ومادام القرآن يخاطب الناس الذين يعلمون، والذين يعقلون، والذين يتفكرون، والذين يتدبرون، أفلا يجدر بالعلماء أن يتبعوا هذا المنهج؟
ويقول د. هوفمان: أيام الدولة الأموية والعباسية والأندلسية كان علماء الدين علماء فى الطب والرياضيات والكيمياء وعلم النبات والفلك، واليوم نرى تراجع العلوم الطبيعية فى العالم الإسلامى ونرى السلوك الذى يتعارض مع الإسلام الذى يأمر المسلم إذا عمل عملا أن يتقنه، فلا تجد (الاتقان) فى بلاد المسلمين.. بل إنك تعرف أنك فى بلد مسلم عندما تجد دورة المياه معطلة! وتجد عند بعض المسلمين حساسية ضد التكنولوجيا، بينما كانت الحضارة الإسلامية فى الأندلس قائمة على تكنولوجيا مزدهرة. ونجد عند بعض المسلمين حساسية ضد الثقافة والعلوم الغربية مع أنه لا غنى للعالم الإسلامى عن التفاعل مع ثقافة وعلوم وتكنولوجيا الغرب دون خوف من أضرار الثقافة الغربية، لأن عقيدة الإسلام كفيلة بحماية المسلمين منها.
ويقول د. هوفمان: لابد أن يخجل العالم الإسلامى من قلة العلماء المؤهلين لإقامة حوار مع الغرب. ويعترض على الاتجاه إلى (أسلمة العلوم) ويقول: إن ذلك حدث فى ألمانيا النازية حين حاول أصحاب الأيديولوجيات الدينية التمييز بين علم الرياضة اليهودى وعلم الرياضة الآرى، وهذا سخف، لأن العلم محايد وليس هناك سوى إيجاد علماء مسلمين.
ويؤكد على أن ما يضر صورة الإسلام فى الغرب أن تكون النساء فى العالم الإسلامى مواطنات من الدرجة الثانية، ويتعرضن للقمع، وهذه الصورة ليست بعيدة عن الواقع لأن النساء فى بعض البلاد الإسلامية يعشن كما كان حالهن فى الجاهلية قبل الإسلام. والغرب لا يفهم لماذا تكون المرأة فى وضع أقل من الرجل فى الحقوق؟. ولماذا تمارس عادة ختان البنات وليس هناك نص فى القرآن والسنة على ذلك؟. ولماذا لا تكون المرأة مساوية للرجل فى الكرامة؟.. ولماذا يفهم المسلمون أن قول القرآن (الرجال قوامون على النساء) بأنها تعنى أن للرجل السيادة على المرأة، بينما المقصود أن الرجل مسئول عن الإنفاق على زوجته وهى ليست مسئولة عن الإنفاق عليه، وأنه مسئول عن حمايتها إذا احتاجت للحماية وطلبتها. ولماذا لا يتحدث المسلمون عن حقوق الإنسان وكأنهم لا يرون أنها من مبادئ الإسلام؟.. ولماذا لا يحاول المسلمون التوصل إلى شكل الدولة الإسلامية الذى يتناسب مع القرن الحادى والعشرين؟.. ولماذا لا يتفهم المسلمون الحكمة الإلهية من قلة الأوامر فى القرآن التى تتعلق بالحكومة، وذلك لإنقاذ الأمة الإسلامية من التجمد القانونى والاجتماعى إذا ظلت فى قالب واحد مع اختلاف العصور، وهذا ما يجعل الإسلام صالحا لكل زمان ومكان، فالإسلام لا يتعارض مع مبادئ فصل السلطات، والديمقراطية البرلمانية والانتخابات العامة، ونظام الأحزاب.. والإسلام لا يمكن أن يتوقف أو يتجمد عند ابن تيمية ويعجز عن مواصلة الاجتهاد، والتعددية فى الفكر والاجتهاد، ومن الأقوال الحكيمة فى التراث الفقهى أن اختلاف العلماء رحمة بالأمة، فالإسلام يقبل الاختلاف فلماذا تكون مناقشة الديمقراطية بطريقة جدية مخاطرة فى كثير من البلاد الإسلامية؟.. ولماذا يعجز المسلمون عن تنقية العقيدة من الخرافات والأساطير وتقديس الأولياء وممارسة طقوس وثنية أمام قبورهم؟.
***
ويناقش د. هوفمان القول بوحدة العالم الإسلامى فيقول: إن من الصعب القول بتطابق كل المسلمين فى أنحاء العالم، فهذا أمر لم يحدث أبدا، ولا يمكن حدوثه فالمسلمون ليسوا فقط من العرب.. بل منهم الفرس، والبربر، والأفغان، والأتراك، ومن الملايو، وإندونيسيا، وجنوب تايلاند، وجنوب الفلبين، وفى أقصى الشمال الغربى، قوط الأندلس، وأحفادهم من الأسبان. فالمسلمون من أعراق وحضارات وثقافات متعددة، ولو نظرت إلى غطاء الرأس الذى يضعه المسلم لرأيت مدى الاختلاف فى العادات والثقافات. فقد أحصيت فى مؤتمر إسلامى بالقاهرة 42 نوعا من غطاء الرأس. ويدخل الإسلام آلاف الأوروبيين والأمريكيين، بيض وملونون، يعتنقون الإسلام، ولكنهم يبقون فرنسيين وبريطانيين، وسويسريين، وأسبانا، وألمانا، وكنديين، وكل منهم يتكلم لغته الأصلية، ويمارس أسلوب الحياة الذى يتناسب مع مجتمعه، وينظر للعالم بطريقة مختلفة وكل منهم اجتاز نظاما تعليميا مختلفا أيضا، وكل هؤلاء مسلمون ولا?فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، كما قرر الإسلام (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) ومع ذلك عندما يذهب هؤلاء إلى الحج يدهشهم أن يجدوا أن العرب المسلمين يعتبرون أنفسهم أفضل منهم، ويرون أن العرب فى ذلك يشبهون قبائل اليهود عندما اعتبروا أنفسهم شعب الله المختار، والإسلام لا يشجع القبلية.
***
ويبدى د. هوفمان ملحوظة تثير المسلمين الأوروبين، وهى أن بعض المسلمين يظن أن الاقتداء بالرسول (صلى الله عليه وسلم) يفرض على المسلمين الأوروبيين أن يرتدوا الملابس العربية، ويأكلوا وينظفوا أسنانهم كما كان يفعل، ويجهلون أن عادات الملابس والطعام والسواك وغيرها لم تكن عادات الرسول وحده، ولكنها كانت تمثل حضارة قريش فى القرن السابع الميلادى، وكان أبناء قريش- المسلمون والكفار منهم- يلبسون نفس الملابس ويأكلون نفس الطعام. والإصرار على السلوك فى القرن الحادى والعشرين بأسلوب القرن السابع ضار بالدعوة الإسلامية ولابد من مراعاة العادات الشخصية والاجتماعية لكل بلد وكل عصر. ومن الأفضل أن يقال: إن أمور الحياة الدنيا متروكة للناس وأمور العقيدة الحاكمة للمعاملات والعبادات هى التى يجب أن يتلزموا بها كما جاءت فى الكتاب والسنة الصحيحة.
يقول د. هوفمان: أرجو ألا يشعر أحد بالإهانة عندما أقول: إن العالم الإسلامى غير قادر على أن يقدم نفسه للغرب بطريقة جذابة، وأن المسلمين يرسخون فى الذهن الغربى ما تقدمه الدعايات المضادة للإسلام فى الغرب التى تصور شيوخ المسلمين غارقين وسط الحريم ويعانون من الهوس الجنسى، ويعيشون كسالى ينتظرون أن يفعل لهم الله كل ما يريدون، وغنى عن البيان أن العالم الإسلامى كله عاجز فى مجال الإعلام، والعلاقات العامة وغير قادر على إقناع العالم بما فى الإسلام من مبادئ إنسانية عظيمة، وبعض الدول العربية تشحن إلى دول الغرب آلاف الأطنان من المطبوعات عن الإسلام معظمها- مع الأسف- غير مقنع ولا يناسب العقلية الغربية.
***
ولا يجد د. هوفمان حرجا فى الحديث عن (أخطاء المسلمين)، لأنه كمسلم يرى أن من واجبه تنبيه المسلمين إلى أنهم يجب أن يقوموا بجهود كبيرة لجعل الإسلام أكثر جاذبية وأكثر حيوية فى الغرب، ويطالب المسلمين بأن يتوقفوا عن الخلط بين الدين والحضارة الإسلامية، والخلط بين المقاصد الرئيسية والمقاصد الثانوية فى الإسلام، والخلط بين العادات والعبادات والخلط بين الأحاديث الصحيحة والأحاديث غير الصحيحة، والخلط بين الشريعة والفقه، فهل يأمر الإسلام المرأة بأن تغطى كل وجهها ما عدا عينا واحدة كما فى جنوب الجزائر مما يجعلها عرضة لحوادث السيارات؟.. وهل يأمر الإسلام المرأة بأن تغطى فمها وأنفها بغطاء من الجلد كما يحدث فى اليمن؟.. وهل مثل هذه الممارسات تكتسب نوعا من الشرعية بالممارسة لفترات طويلة وتصبح جزءا من العقيدة؟.
ويقدم د. هوفمان نماذج من الأسئلة التى يطرحها المسلمون على الأئمة وتصيبه بالذهول منها:
- هل يلزم المسلم إعادة الوضوء إذا لامس إنسانا غير مسلم؟.
- هل الاستماع إلى الموسيقى حرام شرعا؟.
- هل تلوين الشعر ينقض الوضوء؟.
- هل وضع غطاء من الذهب على الأسنان حرام؟.
- هل يجوز للمسلم شرب بيرة خالية من الكحول؟.
- هل استخدام اليد اليسرى حرام؟.
- هل يجوز إعطاء القرآن لغير المسلم؟.
- هل الاحتفال بأعياد الميلاد حرام شرعا؟.
- هل تنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون وليس بالسواك حلال أو حرام؟.
- هل يجوز للمسلم حلق الشارب؟.
ويعلـق على ذلك بأن انشغال المسلمين بمثل هذه الأمور يجعلهم أمام الغـرب يبدون كأنهم يعيشون فى عصر غير العصر الذى يعيـش فيه العـالم. كذلك فإن عدم التفرقـة بين الأوامر الإِلهية الصريحة والاجتهادات البشرية فى أقوال الفقهاء والمفسرين والاعتماد على أحاديث غير مؤكـدة يجعل صورة الإسلام فى الغرب مشوهة.
ويعلق على ما يردده خطباء المساجد من حديث، كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار فيقول: إن هؤلاء الفقهاء لا يفرقون بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة مع أن الحديث صريح (من سنّ فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها).
ويحذر د. هوفمان من أن الإسلام ليس ملكا للمسلمين فى البلاد الإسلامية فقط، ولكنه للمسلمين من كل الجنسيات وكل البلاد، وهناك مسلمون غربيون يعيشون فى حضارة مختلفة، ويفهمون الإسلام بعقلية متطورة، ويدرسون الإسلام بمناهج علمية حديثة، ويفكرون بما يناسب القرن الحادى والعشرين، وهؤلاء يراجعون كتب التراث الإسلامى وفقا لمنهج النقد العلمى ولا يسلمون بكل ما فيها، وإذا لم يطور المسلمون فى العالم الإسلامى مناهجهم وأساليب البحث لديهم، ويسايروا العصر، فقد تنتقل خصوبة الفكر اللازمة لتجديد الفكر الإسلامى إلى مراكز فى الغرب مثل أكسفورد، وليستر، وكولن، وباريس، بدلا من المراكز التقليدية القديمة فى البلاد الإسلامية. وليس مستبعدا أن يقود حركة الإحياء والتجديد فى الإسلام مفكرون مؤهلون من خارج العالم الإسلامى تتوافر فيهم الكفاءة والأمانة والغيرة على الإسلام ويكون ذلك تحقيقا للنبوءة القائلة (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا).
***
وإذا كان فى الغرب من عمد إلى تشويه الإسلام فقد تقاعس المسلمون عن تقديم الصورة الصحيحة للإسلام والدفاع عنه فى مواجهة تيارات العداء، ومع استمرار التشويه واستمرار التقاعس ترسخت الصورة المشوهة عن الإسلام فى الغرب وكانت النتيجة ظهور موجات من العداء والعدوان على الإسلام والمسلمين من الحكومات ومن جماعات وأفراد فى الغرب.
يقول د. هوفمان إن العالم المسيحى لم يستطع أن يفهم الإسلام فى سياق التاريخ الدينى وما يمثله الإسلام فى هذا التاريخ، ولم يدرك أن هناك نقاط التقاء كثيرة بين الإسلام والمسيحية، وبدلا من تفهم هذه الحقيقة أخذ الغرب ينشر أسطورة-وأكذوبة-توسع الإسلام بالسيف، وأن أولئك المسلمين المتوحشين هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية، رغم أن هذا الاتهام ثبت علميا عدم صحته، ولكنه-مع ذلك-مازال يتردد، وكل هذه الاتهامات للإسلام ليؤكد الغربيون شعورهم بالتميز، وهى تعبير عن الخوف من الإسلام، وهذا ما يفسر- مثلا- عنوان أول ترجمة للقرآن إلى اللغة الألمانية كانت بعنوان: (قرآن الأتراك: دين وخرافات) وكانت هذه الترجمة عام 1616 وكان المترجم هو (سالمون شويجر Salmon Schweigger) وكذلك كانت الترجمة الثانية بعنوان (كتاب الأحكام التركى الكامل أو قرآن محمد) وكان ذلك عام 1688 وكان المترجم هو (جون لانج Johan Langa) كذلك كانت ترجمة القرآن التى استعان بها الشاعر الألمانى جوته فى أعماله الشعرية بعنوان: (كتاب الأتراك المقدس) عام 1772 للمترجم (ديفيد فردريك ميجرلين David Friedrich Megerlin ) وفى هذا الزمان يعيش الأتراك فى ألمانيا ومع ذلك مازال الخوف منهم قائما مما أدى إلى أن يفرض الأتراك على أنفسهم العزلة، وفشلت محاولات دمجهم فى المجتمعات الأوروبية، وهذا أيضا هو السبب فى رفض الاتحاد الأوروبى ضم تركيا إلى عضويته. ومازال الجهل بالإسلام قائما فى الغرب إلى اليوم، وما زالت المعلومات المغلوطة عن الإسلام منتشرة، ومازالت آثار الحملة على الإسلام التى صاحبت الحروب الصليبية فى النفوس، فقد كان يقال للفرسان الصليبيين عند ترجمة عقيدة المسلمين (لا?إله إلا?الله) بأن ترجمتها (لا إله إلا محمد) وكانوا يصورون الرسول (صلى الله عليه وسلم) للفرسان على أنه ساحر، وأنه كاردينال مسيحى فاشل حاقد على المسيحية لأنه لم يتم اختياره لكرسى البابوية. ولذلك لم يتعامل الفرسان الصليبيون مع الإسلام على أنه دين آخر، بل على أنه خروج على المسيحية، ويجب محاربته بقوة، وكانت هذه العقيدة هى السبب فى الفظائع التى ارتكبها الصليبيون، وفى الاتهامات البذيئة التى تلصق بالإسلام وبالنبى (صلى الله عليه وسلم).
وقد عبرت الدكتورة آنا مارى شيمل عن ذلك فقالت: (أثار محمد- صلى الله عليه وسلم- فى العالم المسيحى الذعر والكره، بل والاحتقار لشخصه، أكثر من غيره من الشخصيات التاريخية، ولذلك زعم دانتى أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) فى الجحيم، ولعنه؛ وكان ذلك تعبيرا عن شعور عدد لا يحصى من المسيحيين فى العصور الوسطى) وإلى يومنا هذا فإن الكنيسة الكاثوليكية اعترفت بالإسلام ولكنها تخجل- أو تخشى- أن تعترف بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، وهذا يثير العجب، إذ اعتبر العالم الأمريكى مايكل هارت محمدا (صلى الله عليه وسلم) على رأس مائة شخصية أثرت فى تاريخ البشرية.
***
كل ذلك من آثار الحروب الصليبية. وتفسيره من الجانب الغربى مفهوم، ولكن كيف سكت المسلمون ولم يبذلوا ما يجب أن يبذلوه لتوضيح حقيقة دينهم، وكشف الأكاذيب الرائجة عنه، وتصحيح الأخطاء المقصودة وغير المقصودة فى الترجمة والتفسير؟ إن هذا التقصير من جانب المسلمين لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه، لأن العالم الإسلامى فيه حشود من المثقفين والعلماء القادرين على مخاطبة الغرب باللغة التى يفهمها.
ويرى د. هوفمان أن حرب البوسنة ومعارك الإبادة لمسلمى كوسوفا كانت حروبا دينية من وجهة نظر الصرب واليونان. هى حروب صليبية متأخرة للقضاء على آخر الآثار الإسلامية فى البلقان، ويشير إلى أن بناء مساجد فى البلدين محظور. فكأن الحرب الصليبية لم تنته حتى يومنا هذا، حتى وإن لم يظهر الفرسان الصليبيون اليوم بدروعهم الحربية ولكنهم يظهرون فى ملابس رجال الأعمال كما يقول د. هوفمان. وقد استمر الغرب يستبيح انتقاد الإسلام حتى فى سياق غير دينى. وقد كان (كارل ماى Karl May ) يهاجم الإسلام فى كتبه بتكليف من الكنيسة، وكان لهذه الكتب تأثير كبير فى صياغة عقلية الألمان عن الشرق والإسلام. وفى هذه الكتب قال كارل ماى: إن المسلمين يعتقدون أن المرأة ليست لها روح، وأن الأخيار فى العالم هم المسيحيون، والقلة القليلة من الأخيار من المسلمين التى تتحول فى النهاية إلى اعتناق المسيحية. ومازالت هذه النزعة قائمة فى الفكر الغربى إلى اليوم فى فكرة حتمية هزيمة الإسلام عند فرانسيس فوكوياما، واستراتيجية استبعاد الإسلام عند صمويل هنتنجتون.
كل هذا حدث ويحدث على مر العصور والمسلمون لا يتحركون للدفاع عن دينهم وكشف المغالطات التاريخية المستقرة فى أذهان الغربيين، حتى عندما تحدث عن الإسلام بيتر ستيناك رئيس الكنيسة الإنجيلية بمقاطعة هيسن الألمانية فى حديث تليفزيونى عام 1996 فقال: إن الإله الذى يعبده المسلمون غير الإله الذى يعبده المسيحيون. ومؤدى هذا الكلام أن الله واحد هو الذى يعبده المسيحيون، أما ما يعبده المسلمون فهو شىء آخر. ويبدى د. هوفمان دهشته من مقال نشر فى إحدى المجلات الألمانية عام 1998 يتساءل فيه كاتبه (هل انتقل الخطر الآن من موسكو إلى مكة؟).
القضية كما يعرضها د. هوفمان لا يمكن السكوت عليها، أو تجاهلها. فقد استمرت علاقة الإسلام بالغرب أكثر من 1300 سنة منها كثير من سنوات الغضب والحروب، وكان الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه خطر، وبعد 250 عاما بدأ ينظر إليه على أنه مشكلة، ثم عاد مرة أخرى فى منتصف القرن العشرين ليراه خطرا وينشر المعلومات المغلوطة عنه بتأثير الذاكرة الجمعية المحملة بذكريات الحروب والكراهية، وهذا ما يفسر زيادة المنشورات فى ألمانيا التى تحذر من خطر (أسلمة ألمانيا)، وكذلك يفسر إشعال الحرائق فى مراكز إسلامية، وإرسال تهديدات إلى الشخصيات الإسلامية النشطة فى ألمانيا وغيرها من دول الغرب، ويفسر أيضا السموم التى ينشرها الإعلام فى الغرب وترسخ الخوف والكراهية للإسلام.
***
لن يفيد المسلمين أن يلقوا باللوم على الغرب وحده، ولكن يجب أن يدركوا أنهم ساهموا فى تكوين هذه الصورة السلبية عن الإسلام أولا بالسكوت والاستسلام والتجاهل مما أعطى الفرصة لاستمرار الهجوم والتشويه. ورغم كثرة المؤسسات الإسلامية، وكثرة الأموال التى ينفقها المسلمون فى الدعوة، فإنهم لا يوجهون جهودهم فى الاتجاه الصحيح، فهم يبالغون فى بناء المساجد فى الغرب وهذا لا يكفى. فليس هناك جهد علمى وثقافى دائم، وليست هناك حوارات مستمرة مع المفكرين والمؤسسات والجامعات الغربية. ولكن هناك لقاءات متقطعة لا تترك أثرا يكفى لمحو آثار 1300 سنة من الكراهية. كذلك فإن سلوك معظم المسلمين فى الغرب لا يساعد على تحسين صورة الإسلام فى عيون الغربيين العاديين، وهم يحكمون على الإسلام من سلوك المسلمين الذين يعيشون فى الغرب منعزلين ويرفضون الاندماج فى المجتمعات التى يعيشون فيها، فيؤكدون بذلك أنهم جسم غريب غير قابل للتفاعل مع الآخر، وبعضهم يبدو غريبا فى مظهره وسلوكه وكأنه قادم من العصور الوسطى رافضًا للحضارة الحديثة.
وكل ذلك يحتاج إلى جهد كبير من المسلمين، والبداية الاعتراف بمسئوليتهم وعدم إلقاء اللوم كله على غيرهم.
***
والخطأ الأكبر الذى يرتكبه المسلمون أنهم لا يدركون أهمية المبادرات التى تأتى من الغرب للمصالحة والتقارب، ولا يلتقطون الإشارات الداعية إلى الحوار والتفاهم، ولا?يستجيبون لها كما يجب ويسارعون بالبناء عليها بعمل حقيقى ويومى.
وعلى سبيل المثال فقد بدأ الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا بتقديم مبادرة فى منتهى الأهمية عندما زار مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية فى 27 أكتوبر 1993 وألقى خطابا اختار كلماته بعناية قال فيه: نظرا لزيادة سوء الفهم بين العالم الغربى والعالم الإسلامى بدرجة خطيرة، فإن الحاجة للتعايش والعمل معًا لم تكن ماسة بقدر ما هى عليه اليوم. إن عدد المسلمين فى العالم يزيد على بليون، وفى السنين الماضية أخذ المجتمع الإسلامى فى بريطانيا يتزايد. إن الذى يربط بين العالمين أقوى بكثير مما يفرق بينهما. إن المسلمين واليهود والمسيحيين جميعا من أهل الكتاب، يشاركون جميعا فى الاعتقاد بإله واحد كما يشاركون فى كثير من القيم الروحية، وإن جذور المشكلة تكمن فى الصراع الذى نشأ عبر فترات طويلة من التاريخ، فتلاميذ المدارس فى الغرب يعتبرون الصليبيين أبطالا بينما يعتبرهم المسلمون غاية فى القسوة، والكثيرون فى الغرب يرون الإسلام على أنه حرب أهلية دامية فى الشرق الأوسط وأصولية إسلامية، وأحكامنا شابها التشوه لاعتبار التطرف هو القاعدة. ويظن الكثيرون أن أحكام الشريعة الإسلامية غير عادلة. ولكن علينا أن ندرس تطبيقها قبل أن نصدر حكمنا عليها. هناك عدد من الدول الإسلامية أعطت حق التصويت للمرأة فى نفس الوقت مع أوربا، كما أن النساء المسلمات لا يعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية.
وقال الأمير تشارلز أيضا: إننا فى الغرب بحاجة إلى تفهم وجهات نظر العالم الإسلامى ورأيه فينا، فالكثير من المسلمين ينظرون إلى الغرب بعين الخوف، ويرون فيه تهديدا للثقافة الإسلامية ولأسلوب حياتهم، وينبغى أن نتفهم رد الفعل هذا. كذلك فإن موقف الغرب تجاه بعض مظاهر الحياة الإسلامية بحاجة إلى أن يكون مفهوما من العالم الإسلامى، كما ينبغى أن نكون حذرين من التعريف الانفعالى لكلمة (الأصولية) ونميز بين من لديهم النزعة لإحياء فكر السلف وبين المتطرفين، إذ أن التطرف ليست حكرا خاصا بالإسلام دون غيره من الديانات الأخرى.
وقال أيضا: إننا نرى فى الإسلام عدوا للغرب ونتجاهل عظمة الصلة بينه وبين تاريخنا، فكثير من السمات التى تفخر بها أوربا الحديثة جاءت إلينا من الأندلس. إن الإسلام جزء من ماضينا وحاضرنا. والحضارة الغربية تزداد شدة فى الحرص على الكسب والاستغلال والتهاون تجاه البيئة، وإننى أناشد الجميع من أجل تفهم أوسع وأعمق وأكثر حرصا على عالمنا. والعالم الإسلامى والعالم الغربى يواجهان مشكلات مشتركة. وينبغى أن نظهر الثقة والاحترام المتبادل والتسامح إذا أردنا أن نجد أسسا مشتركة وأن نعمل معًا لإيجاد الحلول المناسبة.
وقال أيضًا: إن العلاقات بين العالم الإسلامى والعالم الغربى الآن فى مفترق طرق، ولا ينبغى أن ندعهما يقفان منفصلين، فإن لدى كل منهما الكثير الذى يمكن أن يعطيه للآخر. لكن ذلك يتطلب جهدا شاقا لكى يفهم كل منا الآخر ونتمكن من إبعاد شبح الخوف والتشكك.
هذه الكلمات لها أهمية خاصة. فهى تصدر من ولى عهد بريطانيا، وتعبر عن تفهم للفرق بين الإسلام وسلوك بعض المتطرفين من المسلمين، وسوء فهم كثير من المسلمين والغربيين للآخر، وليس من مصلحة الغرب ولا من مصلحة العالم الإسلامى أن يكون هناك عداء أو صراع بينهما.
ماذا فعل المسلمون بعد هذه المبادرة؟
كان على العالم الإسلامى أن يلتقط هذه الفرصة ويسارع بالتقدم لبناء جسور للحوار والتفاهم. ليس بمجرد إقامة ندوة هنا أو هناك، أو مؤتمر يعقد وينفض، أو بحديث فى التليفزيون، أو مقال فى صحيفة، ولكن بإقامة مؤسسة تضم صفوة من المفكرين المسلمين المؤهلين لمخاطبة الغرب، ليقيموا جسورا دائمة مع المؤسسات الدينية والجامعات والمفكرين والشخصيات المؤثرة فى مجتمعها.. ولم يتحقق ذلك حتى الآن.. وكل ما يفعله المسلمون هو تكرار الشكوى من الظلم وسوء الفهم للإسلام فى الغرب ومطالبة الآخرين بأن يعملوا ما كان يجب على المسلمين أنفسهم أن يعلموه.
وإن كان لابد من نموذج لما يجب عمله، فهو ما قامت به المنظمات اليهودية وما تقوم به من نشاط لا يتوقف للاتصال والحوار واستخدام الإعلام والتغلغل فى مراكز البحوث والتعامل مع المفكرين وقادة الرأى، وبذلك نجحت فى تغيير صورة اليهودى التى كانت سائدة فى الغرب، وتوصلت إلى إقناع الغربيين على مختلف المستويات بالتعاطف معهم وتبنى مواقفهم، بالرغم من أنها مواقف ظالمة وعدوانية. لكن الوجود اليهودى الدائم، واليقظة والمتابعة الدقيقة لكل ما ينشر وما يقال والرد عليه، واستخدام جميع وسائل الاتصال والتأثير، وتجميع جهود اليهود فى هذا الاتجاه.. هذا هو النموذج لما يمكن عمله فى الغرب ويأتى بنتائج إيجابية بدلا من الوقوف عند حد الشكوى واجترار المرارة لما حاق بالإسلام والمسلمين من ظلم وعدوان.
***
لقد جعل اليهود من (معاداة السامية) قضية كبرى. تجاوزت حدودها التاريخية فى الاضطهاد الذى تعرضوا له على أيدى النازية وفى بعض دول أوربا، وجعلوها سلاحا لإرهاب كل من ينطق بكلمة تمس اليهود أو الصهيونية أو إسرائيل، ولم يستطع المسلمون أن يجعلوا (معاداة الإسلام) أو حتى (معاداة العرب) والتمييز ضدهما قضية أو معركة فى الغرب، ولم يحسنوا استخدام مبادئ الغرب ذاته فى هذه القضية مثل حقوق الإنسان، وحرية العقيدة ورفض التمييز بسبب الجنس أو العقيدة.. الخ.
هذا القصور من جانب العالم الإسلامى هو الذى يجب أن نركز عليه، ونعمل على دعوة الحكومات والمؤسسات الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر. للتحرك والعمل بفاعلية أكبر وبسياسة النفس الطويل.
حقيقة أن بعض الدول الإسلامية تقوم فعلا بجهد فى هذا الاتجاه، وتخصص أموالا للدعوة وبناء المساجد والمراكز الإسلامية وإرسال الدعاة، ولكن المشكلة أن كل دولة من هذه الدول تعمل وحدها، ولا تعمل فى إطار موحد لتحقيق الاستفادة القصوى بهذه الأموال والجهود. وعندما ترسل الدعاة فإنها ترسل من لا يجيدون لغة البلاد التى يوفدون إليها، ولا يعرفون عادات أهلها، وبالتالى فإن عائد جهدهم لا يكاد يذكر. وليس فى العالم الإسلامى كله معاهد لإعداد الدعاة المؤهلين للتعامل مع المجتمعات الغربية، الذين يجيدون الحوار باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية، وعلى إلمام بتاريخ أوربا وحضارتها، وبتاريخ العلاقات بين العالم الإسلامى والعالم الغربى، ولديهم معرفة دقيقة عن القوى السياسية والاجتماعية فى البلد الذى يذهبون إليه. وقد يكون من الأفضل أن تنشأ معاهد إعداد هؤلاء الدعاة فى أمريكا ودول أوربا. ويلتحق بها أبناء المسلمين المقيمين فى هذه الدول من الجيل الثانى والثالث، فهم يجيدون اللغة، وعلى إلمام بأساليب الحياة، ويستطيعون التفاهم بسهولة مع أبناء هذه البلاد. والدليل على جدوى الاستفادة بهؤلاء ما نراه فى هذه الأيام من ظهور بعض المفكرين والكتاب المسلمين من أبناء المهاجرين فى أوربا وأمريكا، الذين يحملون جنسية هذه البلاد. وبالتالى ليست لديهم مخاوف أو حساسيات تمنعهم من العمل بقوة كما يحدث مع الموفدين الغرباء. وهؤلاء المواطنون الغربيون أكثر إقناعا وتأثيرا من الدعاة الغرباء الوافدين لأنهم أبناء الحضارة الغربية واكتسبوا القدرة على تفهم العقلية الغربية.
أريد أن أقول إن تشويه صورة الإســلام والمسـلمين فى الغـرب أمر واقع. وحقيقة لا ينكرها الغربيون. والمسئولية عن تصحيح هذه الصورة لا تقع على عاتق الغربيين وحدهم، ولكن يجب أن يتحمل المسلمون مسئوليتهم ويقوموا بواجبهم، وأن يكون ذلك بما يتفق مع طبيعة المجتمعات الغربية، وليس بما يتفق مع طبيعة وعقلية المجتمعات الإسلامية.
وكل ذلك لا يعنى أن فى العالم الإسلامى سلبيات لابد من معالجتها، لأن المسألة ليست صورة مشوهة، ويكفى تصحيح الصورة دون تصحيح الأصل.. فلن يجدى أن يردد المسلمون أن الإسلام يؤمن بالتسامح، وبالكرامة الإنسانية، وبالحريات الدينية والفكرية، وبالديمقراطية، وبحقوق المرأة كإنسان كامل الأهلية.. دون أن يكون ذلك متحققا بالفعل فى العالم الإسلامى.
أى أن إصلاح الحياة السياسية والاجتماعية وبعث النهضة العلمية، وتقديم نموذج لمجتمع وإنسان مسلم يجسد مبادئ الإسلام هو أقصر الطرق لإقناع الغرب بأن المسلمين يستحقون التعامل معهم باحترام. ولدينا اليابان نموذج، فاليابان لا تنتمى إلى دين من الأديان السماوية، ولكنها دولة متقدمة على ذات المستوى الذى وصلت إليه الحضارة الغربية، وتتعامل باللغة التى يفهمها العالم فى القرن الحادى والعشرين، دون أن تتنازل عن القيم والتراث الثقافى والاجتماعى الذى يمثل خصوصية شعبها، ولكن تقدمها، وحضارتها، وديمقراطيتها، فرضت على الغرب أن يتعامل معها باحترام رغم الخلافات السياسية والثقافية والاجتماعية.
وهذا يعنى أن العالم يتقبل الاختلاف والتعددية الثقافية ولا يتقبل الجمود والتخلف ومعاداة الحضارة والتطور.
وهذا بالضبط ما كان ينادى به الأفغانى، ومحمد عبده، ودعاة الإصلاح فى العالم الإسلامى. لكن العالم الإسلامى لـم يسـتجب للنـداء فاستحق ما جرى عليه. والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.*
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف