رجال الرئيس بوش
فى وقت واحد أعلن الرئيس الأمريكى جورج بوش عن اختياره لاثنين من أكبر رموز اليمين الأمريكى الجديد المتطرفين لينضما إلى مجموعة الصقور المحيطة بالإدارة الأمريكية الحالية.
الأول هو جون بولتون وقد اختاره الرئيس بوش ليكون مندوب أمريكا فى الأمم المتحدة، والثانى هو بول وولفويتز، وقد اختاره رئيسا للبنك الدولى.
وفى العدد الأخير من مجلة (تايم) الأمريكية أطلقت المجلة على جون بولتون لقب (قاذف القنابل) وقالت إنه يتميز بشعور عدائى للأمم المتحدة يصل إلى حد الاشمئزاز منها، وهذا ما جعله فى نظر الرئيس بوش الرجل المناسب الذى يمثل أمريكا فيها، وقالت المجلة إن هذا الاختيار كان مفاجأة فى واشنطن وفى عواصم العالم، لأنه آخر من يخطر على البال للتعامل مع الأمم المتحدة، وقد عرف طوال 24 عاما من عمله داخل وخارج الحكومة بكراهيته للمنظمات الدولية، واستهانته بالمعاهدات والتعهدات التى تكون أمريكا طرفا فيها، وازدرائه للدبلوماسية، أما الأمم المتحدة بالذات فقد اشتهر بعدائه لها، حتى أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين علّق على اختياره فقال: (يبدو أن الرئيس يريد أن يحول الأمم المتحدة إلى ساحة قتال)!
وقد اشتهر جون بولتون بعبارة أبدى فيها تمنياته بهدم الأمم المتحدة على رءوس من فيها، وقال إن مقر الأمم المتحدة فى نيويورك مكون من 39 طابقا، لو تهدمت 10 طوابق منها فلن يشعر أحد بخسارة ما، وفى عام 2000 قال فى الإذاعة الوطنية العامة (إنه لو كان بيده إعادة تشكيل مجلس الأمن، فلن يجعل فيها خمسة أعضاء دائمين، ولكن يجب أن تكون العضوية الدائمة وحق الفيتو لأمريكا وحدها) وذلك هو الانعكاس الحقيقى لموازين القوة فى العالم، وظل يكرر باستمرار أن القانون الدولى ليست له شرعية، ولا يلزم أمريكا بشىء، وكان من أكبر المؤيدين لعدم اعتراف أمريكا بالمحكمة الجنائية الدولية، وحين أعلن الرئيس بوش ذلك صرّح بأن هذه أسعد لحظة فى حياته.
هكذا كانت مواقف جون بولتون وهو مساعد لوزير الخارجية، ولم يكن يراعى ما يفرضه منصبه الدبلوماسى الكبير من استخدام لغة مناسبة، لكنه كان يوجه الشتائم علنا إلى الدول ورؤساء الدول التى تعارض سياسة أمريكا، ويصفه أصدقاؤه بأنه (سمج).
وقد عمل فى إدارة ريجان وبوش الأب، وحين أراد زملاؤه تقديم هدية له فى إحدى المناسبات طلب أن تكون هديته قنبلة يدوية تمجيداً لسمعته الشائعة على أنه (قاذف قنابل)، وقد ساعد الرئيس بوش فى الانتخابات، وأعلن الرئيس بوش أنه يستحق مكافأة على ولائه، وقال نائب الرئيس ديك تشينى إنه يستحق الوظيفة التى يريدها.
وقد علّقت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس على اختياره فقالت (إن وجود جون بولتون فى الأمم المتحدة مثل ذهاب نيكسون إلى الصين) والعبارة تحتمل بمعنى أنه سيكون (لقاء الأعداء) أو أنه سيكون بداية تصالح، لكن المؤكد أن معظم الديمقراطيين المؤيدين للرئيس بوش يعارضون اختيار جون بولتون بالذات ليمثل أمريكا فى المنظمة الدولية، وأن وجوده سيكون دليلا جديدا على استهانة الرئيس بوش بالمجتمع الدولى.
أما الاختيار الثانى فهو الأسوأ لأن بول وولفويتز هو مهندس غزو العراق، ومؤسس نظرية تدخل أمريكا بالقوة لفرض إرادتها على الدول، وعدم جدوى الدبلوماسية والمباحثات، وعلى أمريكا أن تعلم نيّاتها فى الهيمنة والسيطرة على الأسواق دون أن تغلف ذلك بأسلوب ناعم، وعلى الجميع أن يخضعوا لأكبر وأقوى وأغنى دولة فى العالم، وما دامت هى كذلك فلماذا تضيع جهودها فى إقناع الآخرين بما تريد ما دامت قادرة على إرغامهم على ذلك؟
قالت عنه شبكة (سى. إن. إن) إنه أكبر صقور البيت الأبيض، وكان نائبا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وكان رد فعل اختياره صدمة فى داخل وخارج أمريكا، فقد نقلت (سى. إن. إن) موقف منظمات الإغاثة الدولية، وعدد من كبار السياسيين الأمريكيين أنه يفتقر إلى الخبرة الاقتصادية، لأنه متخصص فى الشئون السياسية، وليست لديه معرفة كافية بالإدارة كما أنه ليست له مصداقية، ولذلك اتسمت ردود الأفعال بالبرود والصدمة على ترشيحه، وشككت وزيرة الخارجية السويدية فى صلاحية وولفويتز لهذا المنصب، واكتفى الرئيس الفرنسى، جاك شيراك بالقول إنه (علم بالترشيح) دون كلمة ترحيب، وأعلنت حركة التنمية الدولية أن ذلك (اختيار مرعب)، وانتقد جوزيف ستيجلتز الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد هذا الترشيح قائلاً: (إن اختيار الشخص الخطأ لعلاج الفقر فى العالم، يزيد بالتأكيد من الفقر فى العالم ويزيد من فشل البنك الدولى فى معالجته).
والرأى السائد أن وولفويتز صاحب مشروع التدخل الأمريكى لفرض الديمقراطية بالمواصفات الأمريكية على الدول، اختاره الرئيس بوش ليستخدم البنك الدولى سلاحا لفرض الأهداف السياسية الأمريكية على الدول التى تحتاج إلى مساعدة البنك لها فى مشروعات التنمية.
أى أن أمريكا- عن طريقه- سوف تفرض عقوبات اقتصادية غير مباشرة على الدول التى لا تخضع لمطالبها، وهكذا سيكون حال العالم خلال السنوات الأربع القادمة، إلا إذا استخدمت أوروبا الفيتو على هذا الترشيح لحماية الدول النامية من البطش الأمريكى.
وهكذا ينتشر صقور الرئيس بوش فى المنظمات الدولية بعد سيطرتهم على الكونجرس والبنتاجون ووزارة الخارجية والكونجرس.