لغــز أشــرف مــروان ( 2 )
أشرف مروان لا يزال لغزا محيّرا على الرغم من كثرة ما قيل ونشر عنه، وآخرها فى كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل «مبارك وزمانه»، وإن كان لم يقل صراحة هل كان أشرف مروان جاسوسا لإسرائيل وسرّب إليها معلومات خطيرة كما قيل ومنها موعد بدء الهجوم المصرى السورى فى حرب أكتوبر 73 أو كان جاسوسا مزدوجا لنقل المعلومات من الجانبين، أو أنه سرب المعلومات لإسرائيل بعلم السلطة العليا من مصر وتمكن فى النهاية من تسريب معلومات تخدم الجانب المصرى وبلعت إسرائيل الطعم.
الأسئلة والحكايات كثيرة ومحيّرة والرجل الغامض لا يزال غامضا على الرغم من كثرة ما قيل وما نشر عنه.
الأستاذ هيكل يتحدث عن شواهد رآها تؤكد العلاقة الوثيقة وغير العادية بين أشرف مروان وكل من الرئيسين السابقين السادات ومبارك.. وعن دور أشرف مروان فى محادثات وصفقات السلاح لمصر وليبيا ودول أفريقيا.. إلى أن أقام فى لندن وبدأت الأخبار تتسرب من إسرائيل تلّمح إلى أنه كان «عميل إسرائيل» الذى أخطر الموساد بتوقيت نشوب حرب 73 وبيّن من المعلومات ان الهجوم سوف يكون على الجبهتين المصرية والسورية فى نفس الوقت. وفى التحقيقات التى أجريت فى إسرائيل عن أسباب هزيمة إسرائيل فى هذه الحرب قال الجنرال «زفى زامير» رئيس الموساد (المخابرات العامة الإسرائيلية) إنه وصلت إليه خطط ومواقيت الهجوم من «مصدر مصرى موثوق» لكن الجنرال «إيلى زائيرا» رئيس أمان (المخابرات العسكرية الإسرائيلية) قال إن تقديره فى ذلك الوقت أن «المصدر المصرى» كان مدسوسا على إسرائيل، أو كان «عميلا مزدوجا» والدليل على ذلك أنه بلغ بأن الهجوم سيكون فى السادسة مساء، بينما وقع الهجوم فعلا فى الثانية بعد الظهر. وتسرب أن هذا «العميل االمصرى الموثوق».هو أشرف مروان وأحدث الاسم ضجة داخل إسرائيل.. وحصل الأستاذ هيكل على وثائق من محاضر الاجتماعات والتحقيقات حول «التقصير» فى الحرب وجد فيها محاضر اجتماعات أنور السادات والرئيس السوفيتى ليونيد بريجنيف أثناء زيارة السادات السرية إلى موسكو فى مارس 1971.. ووجد الأستاذ هيكل فى محاضر لجان التحقيق الإسرائيلية صورا لعشرات الوثائق من أوراق الرئاسة المصرية..
وكان رأى الأستاذ هيكل أن كرامة البلد وسمعة أشرف مروان نفسه تتطلب تحقيقا مصريا فى الموضوع بواسطة هيئة رفيعة المستوى تضم عناصر قضائية وبرلمانية وتمثل فيها المخابرات الحربية والمخابرات العامة فى مصر، وأوصل الأستاذ هيكل هذا الاقتراح إلى الرئيس السابق مبارك عن طريق صديق مشترك.
وإبلاغ إسرائيل بأن الهجوم موعده السادسة مساء كان صحيحا لأن هذه كانت الساعة المقررة فعلا ثم وقع خلاف بين الفريق أحمد إسماعيل وزير الدفاع المصرى واللواء يوسف شكور قائد الجيش السورى لأن القيادة المصرية كانت تفضل بدء الهجوم فى الساعة السادسة لكى تستفيد من مجىء الليل ليحمى عمليات المهندسين فى بناء الجسور، وكانت القيادات السورية تفضل السادسة صباحا مع أول ضوء لكى تستعين بالشمس فى مواجهة الدبابات الإسرائيلية على هضبة الجولان، وتدخّل الرئيس السورى حافظ الأسد وتم التوصل إلى اختيار الثانية بعد الظهر. وكان أشرف مروان قد سافر إلى ليبيا يوم 2 أكتوبر لكى يخطر القذافى بأن المعركة سوف تبدأ فى السادسة مساء أى أن أشرف مروان لم يكن فى مصر عندما تغيرت ساعة الصفر من الساعة السادسة مساءً إلى الثانية بعد الظهر. ويعلق الأستاذ هيكل على ذلك بأنه لابد من بحثها وإلا وقعت الاساءة إلى أشرف مروان وهذا ظلم له.. إلا إذا ثبت شىء آخر.. هكذا يمسك الأستاذ هيكل بالعصا من المنتصف بذكاء..
???
وبعد سقوط أشرف مروان من شرفة شقته فى الدور الرابع فى لندن أصدر الرئيس السابق مبارك بيانا ينعى أشرف مروان ويعلن فيه أنه قدم خدمات جليلة لوطنه.. ولكن الأستاذ هيكل بعث برسالة إلى الرئيس مبارك عن طريق الصديق المشترك قال فيها إن رئيس مصر لا يملك حق إعلان البراءة والقضية تعتبر معلقة فى السياسة وفى التاريخ ولا يضع لها نهاية إلا تحقيق شامل ودقيق.
ويحكى الأستاذ هيكل أنه ألتقى أشرف مروان فى لندن وسأله إن كان الرئيس مبارك يمنعه من السفر إلى القاهرة. فكان رد أشرف مروان: هو لا يستطيع أن يمنعنى لأنه يعرف أننى أستطيع تدميره.. وأستطيع تدمير غيره.. وقالها وكررها.. وقال له أيضا: هل تصدق أن صهر جمال عبد لناصر جاسوس؟ ولم يكتمل الحديث بينما فافترقا على موعد للقاء صباح اليوم التالى. ولكن أشرف مروان بعث سائقه بورقة فيها اعتذار عن عدم الحضور لأنه أصيب بنزيف فى الصباح واضطر للذهاب إلى المستشفى وسوف يتصل به فى الساعة الخامسة مساء لتحديد موعدا آخر للقاء.. ولم يتصل أشرف مروان..
ويلخص الأستاذ هيكل المسألة بأنه أصبح مؤكدا الآن أن إسرائيل كان لها فى مصر جاسوس على مستوى عال أبلغها بيوم الهجوم، ولم يكن هذا الجاسوس عميلا مزدوجا لعدم وجود ورقة فى رئاسة الجمهورية ولا فى المخابرات العامة تحتوى إشارة عن نشاطه، وهذه نقطة حرجة كما يقول الأستاذ هيكل، وكان وجود هذا الجاسوس ظاهرا حتى فى أول رسالة بعثت بها رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير إلى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون قبل أن تبدأ العمليات بعشر ساعات على الأقل.. ويتساءل الأستاذ هيكل - كما يتساءل كل مصرى - من هو هذا الجاسوس؟.
???
فى مذكرات الرئيس السابق مبارك التى نشرتها صحيفة روز اليوسف اليومية قال إن أشرف مروان قتله القذافى لخلاف بينهما حول عمولات سلاح لدول أفريقية والذين القوة من الدور الرابع كانوا من المخابرات الليبية.. ولم يصدر تكذيب للمذكرات وما جاء فيها.
وفى يوم 12 أبريل 2002 أذاعت الإذاعة البريطانية تقريرا بعنوان «زوج الإبنه الذى أسقط إسرائيل فى فخه» قالت فيه إن إسرائيل سقطت يوم السادس من أكتوبر 1973 فى فخ نصبه لها بإحكام «عميل مزدوج مصرى» وكان من أهم أسباب فشل الجيش الإسرائيلى فى الاستعداد لمواجهة الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية وإن ذلك جاء فى كتاب صدر فى لندن تحت عنوان «تاريخ إسرائيل» للمؤرخ والضابط الكبير السابق فى الجيش الإسرائيلى أهارون بريجمان..
والقصة فيها تفاصيل مثيرة سنعود إليها..

 
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف