لن ننساه
يستحق الدكتور عاطف صدقى كل هذا التكريم الذى أحيط به من الرئيس، ومن جماهير الشعب، ولفت أنظار المعلقين فى الخارج.
لقد أعطى عاطف صدقى لبلده الكثير. وعمل بمنتهى الإخلاص وحقق ما يشبه المعجزة الاقتصادية حين استطاع فى سنوات قليلة معالجة العجز فى الميزانية، وزيادة الاحتياطى من النقد الأجنبى، وتحقيق الاستقرار لسعر العملة، دون أن يتجاوز حدود الحرص على الاستقرار السياسى والعدالة الاجتماعية.
كان رئيسا للوزراء من نوع نادر استطاع أن يجعل المعارضين يتفهمون سياسته القائمة على أسس علمية وواقعية فانضموا إليه وساعدوه، واستطاع اقناع الشعب –بطرق مختلفة-أن زيادة الضرائب والرسوم لصالحهم وللحفاظ على كفاءة المرافق وتوفير الخدمات، فدفع الناس دون تذمر لأنهم رأوا أن ما يدفعونه يعود إليهم. وعمل بهدوء دون صخب أو مباهاة، ولم يقل يوما إنه أتى بما لم يأت به الأوائل، ولا أسرف فى الوعود بأكثر مما يقدر على تنفيذه، واحترم عقل الشعب ووعيه فلم يتحايل ولم يستخدم لغة سياسة مراوغة، ولم يبالغ فى تقدير انجازاته بأكثر من حجمها الحقيقى، ولم يغلق بابه، ولم يترفع على ممثلى الشعب وقادة الرأى، وكان قادرا على أن يقول هذا ممكن، وهذا غير ممكن، وهذا يمكن أن يكون ممكنا فى مرحلة تالية، ويقنع الناس بما يقول لأنه صادق مع نفسه ومع الناس.
أدى الرسالة التى كلفه الرئيس مبارك بأدائها على خير وجه، ولم يكن دكتاتورا، ولم يزيف أرقاماً وإنجازات لا وجود لها فى الواقع، ولم يُحلق بالناس فى عالم من صنع خياله، ولا ردد أقوالا مما فى الكتب ولكنه-كأستاذ-كان قادرا على تطويع النظريات للواقع وليس فرض النظريات على الواقع دون مراعاة لظروف المجتمع.
لهذا احترمه الجميع.
وبعد خروجه من الوزارة نال التكريم من الدولة ومن الشعب. ولم يدر الناس وجوههم عنه، بل ازداد حبهم له.
إنه رجل أدى واجبه بالشرف، والنزاهة، والأمانة.
ولهذا ذرف كثير من الناس الدموع عليه يوم رحيله دون أن تكون لهم به علاقة شخصية.
وهذا قمة التكريم.
ولهذا سنظل نذكره.. ولن ننساه.. فالروح تصعد إلى بارئها، وتبقى الذكرى العطرة.
رجب البنا
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف