لغــز أشــرف مــروان ( 2 )
فى إسرائيل أعلنوا منذ عام 2000 أن أشرف مــــروان كان عميلا للمخابرات الإسرائيلية، وأنه هو الذى أبلغ إسرائيل بتوقيت الهجوم المصرى السورى فى حرب أكتوبر 1973، وفى مصر قام الرئيس السادات بتكريمه عندما ترك منصبه فى رئاسة الجمهورية وعين رئيسا للهيئة العربية للصناعات الحربية، وقال عنه إنه قدم خدمات كبيرة لمصر.
وفى يوم جنازته أصدر الرئيس السابق حسنى مبارك إعلانا نعى فيه أشرف مروان، بعد أن سار فى الجنازة، وكانت جنازة رسمية وكان النعش ملفوفا بعلم مصر، وجاء فى إعلان الرئيس السابق أن أشرف مروان قدم خدمات لمصر وقام بدور وطنى.
لكن الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه «مبارك وزمنه» أعلن رأيه بصراحة وملخصه أنه شديد الحزن للمأساة التى انتهت بها حياته (بسقوطه من الدور الرابع فى مسكنه فى لندن) ولكن من أجل كرامة البلد، وسمعة الرجل وطمأنة أسرته تقتضى تصرفا مختلفا، أوله تحقيق كامل فى القضية، وكشف الأستاذ هيكل أنه بعث برسالة إلى الرئيس السابق - عن طريق صديق لهيكل قريب من مبارك - يطلب فيها إجراء تحقيق رسمى مصرى فى الموضوع، بواسطة هيئة رفيعة المستوى تضم عناصر قضائية وبرلمانية وتمثل فيها المخابرات العسكرية والمخابرات العامة فى مصر، وختم رسالته بأنه بدون ذلك لا تستقيم الأمور، لأن الموضوع شائك ومعقد.. وكان رأى الأستاذ هيكل أن الرئيس السابق بإعلان براءة أشرف مروان بدون أسباب أو حيثيات كان يقلد باباوات روما على عهد البابا «أوربال الثانى» وأصدر «صك البراءة» ومع تقديره لذلك فإن رئيس مصر لا يملك هذا الحق، وسوف تعتبر القضية معلقة فى السياسة وفى التاريخ، ولا يضع نهاية لها إلا تحقيق شامل ودقيق.
وأضاف الأستاذ هيكل إن حرصه شديد على براءة أشرف مروان ونتائج التحقيق وحدها هى «صك البراءة» الضرورى الذى يزيحها إلى النسيان، وأن مبارك تصرف بما لا يملك عندما استعمل سلطته للفصل فى القضية، وإذا كان فى استطاعته من موقع الرئاسة أن يغلق الباب فى لحظة بقوة السلطة فإن التاريخ له أبواب كثيرة إلى قرار الحقيقة أياً كان موقعه - مع الرجل أو عليه - مع الإقرار بأن الرجل كان إنسانا ودودا، وكفاءة إدارية تنفيذية مشهودة أثناء إدارته مكتب الرئيس السادات للمعلومات، وقد كان مؤتمنا على أسرار الدولة، وقام بأدوار حساسة متعددة (مديرا لمكتب الرئيس للمعلومات، ورئيسا للهيئة العربية للتصنيع العسكرى) ولديه شبكة علاقات إنسانية وسياسية وعسكرية ومالية شديدة الاتساع، وكل ذلك يفرض أن تكون السجلات واضحة احتراما للمعنى العام وإنصافا للمعنى الإنسانى الخاص.
أظن الموضوع واضح!!
???
وقبل مصرعه التقى به الأستاذ هيكل فى لندن وأثار معه الاتهامات الموجهة إليه فقال له أشرف مروان: هل تصدق أن زوج بنت جمال عبد الناصر يمكن أن يكون جاسوسا؟! وكان تعليق هيكل أن مصاهرة عبد الناصر لا تعطى عصمة لأحد. وحين سأله هيكل عما يتردد من أن مبارك طلب منه أن يسافر من مصر.. لأن الناس كلامها كثير.. وعاد أشرف مروان فى اليوم التالى إلى لندن، وكان تعليق أشرف مروان أن مبارك لا يستطيع أن يمنعه من السفر إلى مصر وفاجأ هيكل بقوله: إنه لا يستطيع.. لأننى أستطيع تدميره وكرر هذه العبارة باللغة الانجليزية.. وأضاف: أستطيع تدميره وتدمير غيره معه!!
وهذا يقودنا إلى حادث السقوط..
???
سقط أشرف مروان من شرفة شقته فى الدور الرابع على الأرض وقيل كلام كثير عن الحادث ولا يزال التحقيق مفتوحا لدى السلطات البريطانية.. قيل إنه شعر بدوار وسقط (وهذا ما قيل أيضاً عن حادث سقوط سعاد حسنى) وقيل إن شخصاً كان واقفا فى شرفة مسكنه القريب وشاهد شخصين يحملان أشرف مروان وقاما بإلقائه من الشرفة، وقيل إن أشرف مروان كان قد انتهى من إعداد مذكراته وفيها من الأسرار والخبايا غير قليل (وهذا أيضاً ما قيل عن سعاد حسنى) وإنه كان على موعد من شخصين لهما دور فى نشر هذه المذكرات، وكانت أسرع وأسهل الأقوال: إنه انتحر!
لكن الرئيس السابق حسنى مبارك قال فى مذكراته التى نشرت صحيفة روزاليوسف مقتطفات منها ملخصها: أنه فى الساعة الواحدة وأربعين دقيقة من ظهر يوم الأربعاء 27 يونيو 2007 قام رجلان ليبيان بإلقاء أشرف مروان من شرفة شقته فى وسط لندن، ولم تستغرق العملية سوى دقيقة واحدة، وأن رجل أعمال بريطانيا صديقا لأشرف مروان شاهد عملية القتل كاملة من شرفة منزله فى الدور الثالث فى المنزل الملاصق من ناحية اليمين لشرفة مروان، وأن هذا الرجل أدلى بشهادته فى التحقيقات، ولكن تم إخفاء هذه الشهادة عن عمد لأن أجهزة المخابرات البريطانية كانت قد توصلت إلى المنفذين بدقة وبالأسماء وهما من المخابرات الليبية، إلا أن كشف الحقيقة يومها كان سيهدد المصالح البريطانية ويفضح علاقة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير السرية بالقذافى(!) وإن الأسرار المحيطة بمقتل مروان حفظت فى أرشيف الدولة السرى للغاية، وإن بريطانيا سوف تفرج عن فيلم مصور عن عملية الاغتيال فى يوم 27 يونيو 2042 طبقا لقانون حماية أسرار الدولة فى بريطانيا الذى يفرض مرور 35 عاما قبل نشر أى أسرار تخص الدولة.
ولم يكن اختيار يوم مقتل مروان عشوائياً، ولكن كان اختياره قد تم بدقة، لأن الحكومة البريطانية والبوليس والشعب والإعلام كانوا مشغولين بالاحتفال بتنصيب رئيس الوزراء «جوردون براون» وتسلمه السلطة من تونى بلير، وتمت عملية القتل فى نفس توقيت مراسم الاحتفال الرسمى الذى تحضره الملكة وكل الوزراء وكل أعضاء البرلمان.
وفى المذكرات أن أشرف مروان أخبر المخابرات البريطانية- قبل مقتله بأيام- بمخاوفه من أنه يشعر بالتهديد على حياته دون أن يخبر أحداً بأنه كان وسيطا فى صفقات سلاح مع ليبيا ودول أفريقية أخرى وأن هناك مشاكل شرسة نشبت من تلك العلاقات.
انتحر.. قتله جهاز مخابرات فى عملية مدبرة بدقة لا يستطيع تنفيذها إلا جهاز مخابرات.. مخابرات ليبية أو غير ليبية.. هل كان جاسوسا لصالح إسرائيل أو لصالح مصر؟. هل أدى خدمات لوطنه، وما هى هذه الخدمات؟. أسئلة سوف تظل معلقة إلى أن يجد اقتراح هيكل من ينفذه ويشكل لجنة عليا للتحقيق وإعلان الحقيقة.. الحقيقة من حق الشعب والتاريخ.. وأيضاً من حق الرجل.
ولا بد لليل أن ينجلى وتظهر الحقيقة.