ماذا ننتظر من كوندوليزا رايس؟
ليس غريبا أن تكون أول زيارة لوزيرة الخارجية الجديـدة - كوندوليزا رايس - إلى منطقة الشـرق الأوسط، وبالذات إلى إسرائيل والأراضى الفلسطينية. البعض يريد إقناعنا بأن هذه الزيارة ستكون البلسم الشافى لجروح المنطقة، ويريد منا أن نردد ما قاله السيد سيلفان شالوم وزير خارجية إسرائيل من أن هذه الزيارة مهمة جدا.. جدا.. جدا.. والحقيقة أن هذه الزيارة ليست غريبة، بل هى ضرورية بالنسبة للولايات المتحدة ومصالحها فى المنطقة لعدة أسباب:
أولا : أن الشعور بالكراهية والعداء لأمريكا يتزايد فى المنطقة، ولم يعد مجديا أن تردد الإدارة الأمريكية أن العرب يكرهون أمريكا لأنهم يكرهون قيم الحرية التى تمثلها ويكرهون تقدمها وثراءها. بينما كراهية أمريكا انتشرت فى العالم كله (فيما عدا إسرائيل!) وليس فى المنطقة العربية وحدها، ولا يمكن القول بأن الشعوب الحرة والمتقدمة فى أوروبا تكره أمريكا لأنها متقدمة وحرة. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية فهمت أخيرا ما كان يقال لها من قادة المنطقة إن موقفها المعادى للعرب والمساند لإسرائيل فى جرائم الحرب التى ترتكبها ضد الشعب الفلسطينى وأضيف إليها غزو العراق والأكاذيب الملفقة لتبريرها وجرائم الحرب التى ارتكبت فيها والتى يتحدث عنها الأمريكيون فى الكونجرس والصحافة.. كل ذلك أدى إلى تراكمات، وتريد الإدارة الأمريكية تحسين صورتها، بعد كل ما جرى، لكى يتقبل العرب استمرارها فى احتلال العراق، ويتقبلوا ما تعده من سيناريو لحل الصراع العربى الإسرائيلى أو للإيهام بالحل.
ثانيا : إن إسرائيل فعلت كل ما تريد.. قتلت من أرادت قتله من الفلسطينيين، ودمرت ما أرادت تدميره من بيوتهم ومزارعهم، وأقامت السور العازل، ووضعت الأساس للحل الذى تريده والذى أعلنه شارون من قبل: حل مؤقت دائم. بمعنى أن يقال إن الانسحاب من غزة وأجزاء من الضفة هو خطوة أولى ثم تحال الخطوات الباقية إلى المفاوضات التى سوف تتعثر وتؤجل وتجمد سنوات لا يعلم مداها إلا الله وينتهى الأمر.
وشارون لا يستطيع الاستمرار فى وضع الجيش الإسرائيلى فى حالة التأهب أكثر من ذلك بعد تزايد حالات التذمر والعصيان، وبعد أن أصبح الاقتصاد الإسرائيلى غير قادر على تحمل خسائر وتكاليف الحملات العسكرية، وانخفاض الإنتاج والسياحة، وتزايد العجز فى الميزانية بسبب هذه الحرب التى طالت وأثرت على الاقتصاد الإسرائيلى رغم المساعدات الأمريكية الظاهرة والخفية. كما أن الضغط على شارون يزداد من الداخل، من الشعب الإسرائيلى الذى أرهق من حالة التوتر وتزايد الخسائر البشرية، ومن دول أوروبا التى لم تعد تستطيع السكوت على ما يحدث للشعب الفلسطينى وعلى التعنت الإسرائيلى.
ثالثا: إن (المستنقع العراقى) الذى تورطت فيه الولايات المتحدة زاد على الحد الذى تحتمله الإدارة الأمريكية. الخسائر فى أرواح الجنود الأمريكيين، وتكاليف الحرب التى قفزت إلى أرقام فلكية، والفظائع التى ارتكبها الجيش الأمريكى فى العراق وشوهت صورة أمريكا فى العالم، كل ذلك يجعل أمريكا محتاجة إلى مساعدة الدول العربية، وقد ساعدتها بعض الدول العربية بإقامة قواعد عسكرية على أرضها وتقديم التسهيلات التى طلبتها، ولكنها الآن تريد إيجاد صيغة لتوريط بقية الدول العربية فى الأزمة العراقية لكى تتحمل الخسائر وتنسحب القوات الأمريكية من الشوارع والمدن وتبقى داخل المعسكرات فى أمان. ولن تتمكن أمريكا من ذلك إلا بإظهار حسن النوايا تجاه القضية المحورية للعرب وهى القضية الفلسطينية.
سيقول البعض إن زيارة كوندوليزا رايس مؤشر مهم على تغير فى السياسة الأمريكية، وأن الرئيس بوش سوف يتحرك للوفاء بوعده بإقامة الدولة الفلسطينية التى أعلن موعدها نهاية 2005 ثم عاد وأعلن موعدا جديدا 2009 ومن يدرى ما سيعلنه بعد ذلك؟
وسيقول البعض إن كوندوليزا رايس أعلنت تصريحا مهما منذ أيام بأن الإسرائيليين والفلسطينيين لن ينعموا بالسلام إلا بإقامة دولة فلسطينية. وما الجديد فى هذا التصريح وقد سمعناه آلاف المرات من وزراء الخارجية ومساعدى وزراء الخارجية، والسفراء، وأعضاء الكونجرس، بل من الرؤساء الأمريكيين جميعا منذ خمسين عاما وحتى اليوم.. ولم تخرج كل التصريحات عن حدود الكلام.
وسيقول البعض إن كوندوليزا رايس سوف تكون أكثر حيادية وحرصا على تحقيق العدل فى علاقات أمريكا مع إسرائيل والعرب، وهذا مجرد وهم.. ومعروف طبعا دورها فى تفكيك الاتحاد السوفيتى، فهل ستقوم بذلك فى العالم العربى؟ ومعروف أيضا دورها فى تبرير غزو العراق وتلفيق أدلة قالت مرارا إنها متأكدة من صحتها حول وجود أسلحة دمار شامل وصلة صدام حسين بتنظيم القاعدة و ها هى ذى أمام الكونجرس تقول إن هناك أخطاء كثيرة ارتكبتها الإدارة الأمريكية فى العراق.
وسجل كوندوليزا رايس يتضمن حديثا أجرته مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فى مايو 2003 بعد إعلان خريطة الطريق وبيان الرئيس بوش بالتزامه بالعمل على تنفيذها فى مواعيدها ومراحلها بمنتهى الدقة، (وهذا لم يحدث طبعا!) وقالت فى هذا الحديث إن على الدول العربية أن تتحمل مسئولية أمن إسرائيل وضمان عدم تعرضها للإرهاب أو التحريض. وحين سئلت: كيف يمكنك تفسير حقيقة أن شارون يعتبر شخصية كريهة فى أوروبا؟ أجابت: إن شارون يحظى بالتقدير من الرئيس بوش وقادة الإدارة وحتى من الجمهور الأمريكى. وسئلت: هل يرجع تعاملك مع إسرائيل إلى معتقداتك الدينية؟ أجابت: لقد زرت إسرائيل لأول مرة فى أغسطس 2000 فشعرت بأننى أعود إلى البيت رغم أنى لم أزر ذلك المكان من قبل، فهناك روابط عميقة بينى وبين إسرائيل، لقد شعرت دائما بالتقدير لتاريخ إسرائيل وللإصرار والعناد لدى الذين أقاموها، ولذلك بقيت إسرائيل بسبب صلابة الإسرائيليين واستعدادهم للتضحية بحياتهم من أجلها. وأنا أيضا ابنة رجل دين، نشأت على القصص المؤثرة عن الأرض المقدسة. إن هذه القصص تنطوى على معان كبيرة بالنسبة لى. لقد زرت جبل الزيتون وبحيرة طبريا والقدس فاجتاحتنى عاصفة عميقة من المشاعر. إسرائيل مثيرة جدا. أعتقد أننا-الولايات المتحدة وإسرائيل-نتقاسم القيم المشتركة بيننا. إسرائيل هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة، وهى تملك مستقبلا اقتصاديا كبيرا، وهناك كثير من الجوانب المتشابهة خاصة فى صناعة التكنولوجيا المتقدمة فى أمريكا وإسرائيل.
وكررت كوندوليزا رايس فى الحديث قولها: وأنا فى إسرائيل شعرت بأننى فى بيتى. لقد سررت عندما علمت بأن إسرائيل تبذل جهودا كبيرة من أجل تطبيق إصلاحات اقتصادية. إننا نقدم لإسرائيل مساعدات اقتصادية خاصة. ولقد أثبتت الولايات المتحدة على مر السنين أنها صديقة يمكنكم الاعتماد عليها، والرئيس بوش اثبت أنه صديق يمكنكم الاعتماد عليه، والإدارة الحالية تؤمن بأن أمن إسرائيل هو المفتاح-ليس للأمن فى المنطقة فقط - وإنما لأمن العالم. ونحن ملتزمون بضمان مستقبل إسرائيل، وستكون إسرائيل دولة يهودية. وستكون آمنة وتتوافر لها الحماية. ونحن ملتزمون ببلورة شرق أوسط يختلف عن كل ما كان عليه. الرئيس بوش يتحمل المسئولية لتنفيذ ذلك.
هذا ما قالته البروفيسورة كوندوليزا رايس وهى مستشارة الأمن القومى للولايات المتحدة، فماذا ستقول وماذا ننتظر منها بعد أن أصبحت أهم صانعى السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟